أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - جورج حداد - ....والافلاس التاريخي ل-الوطنية النظامية- العربية















المزيد.....



....والافلاس التاريخي ل-الوطنية النظامية- العربية


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1666 - 2006 / 9 / 7 - 10:18
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


يتأكد اكثر فأكثر ان الحرب الاخيرة، التي تميزت، من جهة، بالعدوان الاسرائيلي الوحشي على المدنيين والبنى التحتية في لبنان، ومن جهة ثانية، بالمقاومة الشعبية الوطنية الباسلة التي واجهها جيش العدو، ـ هذه الحرب قد كشفت (عرت وفضحت) تماما هشاشة الوضع "النظامي" العربي في مواجهة العدو الصهيوني.
لا شك ان هذه الهشاشة ترتبط عضويا بطبيعة نظام الانظمة العربية القائمة، لجهة صفاتيه:
ـ الطبقية (شبه الاقطاعية العفنة، البورجوازية التابعة للامبريالية او البورجوازية الصغيرة المعهرة والفاسدة)،
ـ والسياسية (التقليدية، الرجعية، "التقدمية"، "الدينية"، "العلمانية"، الملكية، الجمهورية، الدكتاتورية، الخ الخ).
الا ان كل هذه الاختلافات والتلون الطبقي والسياسي لم يمنعا، ولا يخفيان ان جميع الانظمة القطرية العربية بلا استثناء (بما فيها طبعا النظام الطائفي "الدمقراطي" اللبناني)، مجتمعة كلها او بعضها (عبر ما يسمى "جامعة الدول العربية" او "مجلس التعاون الخليجي" او غيرهما)، او منفردة، قد وقفت على الدوام موقف الطرف الهزيل والضعيف والمتهافت، بمواجهة الدولة الاسرائيلية، ليس فقط الان حينما اصبح الجيش الاسرائيلي رابع او خامس اقوى جيش في العالم، بل وبمواجهة ما كنا نسميه "العصابات الصهيونية" منذ ما قبل نشوء اسرائيل في حرب 49ـ1948. ولا ننسى كيف انتصرت حينذاك هذه "العصابات" على الجيوش النظامية لـ7 دول عربية مجتمعة، مضافا اليها "كاريكاتور جيش نظامي" ثامن هو ما كان يسمى "جيش الانقاذ العربي"، الذي كان يضم متطوعين عربا شرفاء، مخلصين ومتفانين، وضعوا انفسهم، بسذاجة وبدون اي وعي سياسي حقيقي، تحت تصرف القيادات السياسية والعسكرية الفاشلة والعاجزة والمشبوهة للانظمة العربية "السايكس ـ بيكوية" العميلة. وربما من المفيد ان نشير هنا ان "العصابات الصهيونية"، التي كانت تتألف في غالبيتها من اليهود "اليساريين"، "الاشتراكيين ـ الدمقراطيين الاستعماريين" و"الشيوعيين الستالينيين"، بالاضافة الى الاقلية الفعالة من الصهاينة اليمينيين والدينيين (وهي الاقلية التي كان، ولا يزال، وسيبقى يعود لها الامساك بزمام القطيع الصهيوني)، كانت تحمل معها تجربة مقاومة القوات الهتلرية على طريقة حرب العصابات في اوروبا. وقد طبقت هذه "العصابات الصهيونية" تاكتيك "حرب العصابات" المجرب ضد الجيوش والقوات النظامية العربية في حرب 49ـ1948، من جهة لاعطاء التعبئة الصهيونية طابعا "يهوديا شعبيا"، بما يترتب عليه من "إقناع سياسي" و"زخم قتالي" لقواعدها "الشعبية" (وحتى الان لا يزال الجيش الاسرائيلي يعطي لتعبئته العامة طابعا "شعبيا")، ومن جهة ثانية، لارباك الجيوش العربية، المدربة على ايدي الضباط الانكليز والفرنسيين، على اساليبهم وتاكتيكاتهم للحرب النظامية، المعروفة تماما من قبل الصهاينة، بحكم علاقتهم الوثيقة مع "الحلفاء" خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها.
وفي مقالة سابقة لنا ("الحوار المتمدن" ـ العدد 1641 ـ تاريخ 13/8/2006، وتحت عنوان "الافلاس التاريخي لستراتيجية الحرب النظامية العربية") تناولنا الجانب العسكري من التهافت النظامي العربي في مواجهة اسرائيل. وفي هذه المقالة نتناول الجانب السياسي من هذا التهافت، المتعلق بـ"الوطنية النظامية" للدول القطرية العربية، اي لكل دولة عربية على حدة، وللدول العربية مجتمعة، وهو ما نوافق على تسمية البعض له "نظام الانظمة العربية".
ولكن قبل ان ندخل في عرض ومناقشة هذا الجانب، لا بد من تقديم الملاحظة العامة التالية:
ـ اننا حينما نتحدث عن المفهوم والممارسة والستراتيجية "النظامية" العربية للمواجهة مع العدو، عسكريا وسياسيا (واستطرادا: اقتصاديا وثقافيا الخ)، لا نعني فقط المواجهة التي تقوم (ولا تقوم!) بها الانظمة او السلطة السياسية الحاكمة، بل نعني اساسا "الثقافة العامة" ومن ثم "الممارسة العامة" للمواجهة، من قبل الجانب العربي، وهو ما يشمل لا الانظمة والسلطات الحاكمة وحسب، بل وجميع الاحزاب والتيارات السياسية القائمة، بما فيها ما يسمى "المعارضة" ("الثورية"، و"التقدمية"، و"الاسلامية"، و"العلمانية"، و"اليسارية"، و"الدمقراطية" الخ الخ) التي لم يكن سقفها يرتفع عن سقف الانظمة والسلطة الحاكمة، وكان كل ادائها، بالرغم من كل تضحياتها، لا يخرج عن نطاق "نقد" الممارسة "النظامية" ذاتها للسلطة الحاكمة، والمطالبة بتحسين "أداء" تلك السلطة. ولكن تلك "المعارضة" لم تكن تطرح، والاهم والاخطر: لم تكن تمارس، بديلا عمليا للمفهوم والممارسة والستراتيجية "النظامية" للمواجهة. فالنقد، مثلا، الذي كان يوجه الى النظام المصري، والسوري، والاردني، الخ، كان يدور، كحد ادنى، حول اداء وتحسين اداء تلك الانظمة، وكحد اقصى، حول استبدال تلك الانظمة بالذات والمجيء بأنظمة اخرى. ولكن هذا النقد لم يكن ابدا يهدف الى، ولم يعمل على، طرح وممارسة بديل للمفهوم والممارسة والستراتيجية "النظامية" بالذات. واذا اخذنا سوريا ومصر مثلا، فإن "المعارضة" (الوطنية والقومية والتقدمية والثورية!!!) قد استطاعت، بعد هزيمة 49ـ1948، ان تقلب النظام السابق في كل من هذين البلدين المحوريين. ولكن القوى "الجديدة" التي جاءت الى السلطة، "الناصرية العظيمة!" و"البعث الاعظم!!"، والقوى الموالية التي دعمتهما او القوى "المعارضة" التي عارضتهما، ظلت تدور في الدوامة ذاتها، دوامة الاداء "النظامي": السياسة "الوطنية النظامية" و"الستراتيجية العسكرية النظامية". اي اداء الدولة واجهزتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من جهة، و"نقد" هذا الاداء، من جهة ثانية. وقد جاءت الثورة الفلسطينية والعمل الفدائي الفلسطيني في اواسط الستينات، من "خارج" هذه العلاقة الجدلية لدوامة "السلطة ـ المعارضة" العربية. وليس بدون عبرة ان كل الجهود "العربية"، اضافة الى الجهود "الدولية"، تنصب اليوم حول ادخال مارد المقاومة الشعبية الفلسطينية في قمقم ما يسمى "السلطة الوطنية الفلسطينية"، اي ايضا وايضا تطويع الشعب الفلسطيني عبر "استنظامه".
وفي رأينا انه ليس فقط "الانظمة" والسلطات المعنية هي التي سقطت، بل ان هذا الدوران بالذات، في هذه الدوامة العبثية والحلقة المفرغة التي لم تقدم اي بديل لتلك "الانظمة"، هو ما سقط تاريخيا، وهو الذي اوصل العرب والامة العربية العظيمة الى الحالة المأساوية الفظيعة التي تتخبط فيها الان، حيث تتناهشها من كل حدب وصوب الضواري الامبريالية والصهيونية، والكلاب، وكلاب الكلاب، وحتى الثعالب والزواحف والقوارض والحشرات، "البشرية" طبعا، العشائرية والطائفية والقوموية، العربية وغير العربية.
بعد هذه الملاحظة العامة الضرورية، نأتي الى مناقشة موضوعة "الافلاس التاريخي لـ"الوطنية النظامية" للدول العربية" وسياستها الاقليمية:
لمحة عامة:
لقد نشأت دول "الشرق الاوسط الكبير"، اي "نظام الانظمة العربية" الى جانب "اسرائيل" و"تركيا الجديدة" و"ايران"، في اعقاب الحرب العالمية الاولى، والسقوط غير المأسوف عليه للامبراطورية العثمانية، التي كانت قد اغتصبت الخلافة الاسلامية، واوصلت الامة العربية، التي كانت في السابق محور الحضارة العالمية، الى اسفل درجات التخلف والانحطاط.
واذا تجردنا عن الكثير من التفاصيل والمجريات، على اهميتها، نجد انه قد نشأت في المنطقة اربعة "محاور" اقليمية "قومية" رئيسية يمتلك كل منها "دولته" او "دوله":
1 ـ المحور التركي.
2 ـ المحور الايراني.
3 ـ المحور الاسرائيلي.
4 ـ المحور العربي.
وكان كل من المحاور الثلاثة الاولى يتمثل بدولة واحدة. اما المحور الرابع، العربي، فتمثل في مجموعة الدول العربية، التي انضمت فيما بعد في "جامعة الدول العربية"، والتي يزيد عدد سكان الكثير منها على عدد سكان اسرائيل، ويزيد عدد بعضها على عدد سكان ايران او تركيا، كما يزيد عدد سكانها مجتمعة (اي الدول العربية) اضعافا على عدد سكان ايران وتركيا واسرائيل مجتمعة.
وقد اطلقنا على هذه الدول تسمية "محور"، لان كل منها كان ولا يزال له "اشتباكات" و"حقوق" او "مطامح" اقليمية، لدى بعضها البعض. وبالتالي كان لكل منها سياسة اقليمية، تندرج تحت السقف الدولي. وكانت "الوطنية النظامية" لكل من هذه المحاور، بصفتها كدول مستقلة، تدور ليس فقط حول حماية "استقلالها وسيادتها الوطنيين"، بل وتتمحور حول تحقيق تلك السياسة الاقليمية. ونعرض فيما يلي لبعض من الخطوط العريضة لـ"الاشتباكات"، و"الحقوق" و"المطامح"، ومن ثم "السياسة" الاقليمية لهذه "المحاور"، كي نكشف الهزال الذي تمخض عنه "المحور" العربي، بالرغم من كل مقومات القوة الموضوعية التي يمتلكها:
1 ـ نشأت "تركيا الجديدة" كدولة "متعددة القوميات" يحكمها العنصر التركي. وقد اغتصبت، بالتواطؤ مع الامبريالية العالمية، القسم الاكبر من ارمينيا، ولواء الاسكندرون العربي. كما ضم اليها الجزء الاكبر من كردستان الطبيعية، وهو ما يسمى كردستان المركزية. اي ان هناك "اشتباك تركي ـ عربي" في مسألتين رئيسيتين هما: لواء الاسكندرون، والمسألة الكردية. وسننظر فيما يلي في مآل "الاشتباك" في هاتين المسألتين.
2 ـ ونشأت "ايران" ايضا كدولة "متعددة القوميات"، يحكمها العنصر الفارسي. وقد ضمت اليها منطقة الاهواز ـ عربستان (او:خوزستان، بالتسمية الفارسية) العربية، وجزءا من كردستان، وجزءا من اذربيجان. اي ان هناك ايضا "اشتباك ايراني ـ عربي" في مسألتي: الاهواز العربية، والمسألة الكردية. وقد اضيف اليهما لاحقا الاشتباك "الايراني ـ العربي" حول مسألة الجزر الثلاث العائدة للامارات العربية المتحدة: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وابو موسى، التي احتلتها ايران الشاه في تشرين الثاني 1971.
3 ـ ونشأت "اسرائيل" كدولة عنصرية يهودية مغتصبة على جزء من ارض فلسطين العربية، التي بقي فيها جزء من الفلسطينيين العرب، منحوا "الجنسية الاسرائيلية"، ويعيشون كـ"مواطنين" غير مرغوب فيهم من الدرجة العاشرة.
4 ـ اما فسيفساء الدول العربية، فقد نشأت، على الضد من ذلك، وعلى انقاض الامة العربية الواحدة، كنتف قومية مجمّعة في اطر سياسية قطرية، تقوم على اساس سياسي لا غير، وتشدها "وحدات" عائلية او طائفية او عشائرية او اتنية. وبسبب التداخل الجغرافي والسكاني التاريخي، فإن كلا من العراق وسوريا ضم جزءا من الارض الكردية والسكان الاكراد.
كيف مارست كل من هذه المحاور، ومن ثم كيف مارست الدول العربية، "وطنيتها النظامية" خلال هذه المرحلة؟
1 ـ لقد نجحت تركيا في الدمج السياسي لارمينيا، ووجهت ضربة قاصمة للثورة الكردية، كما نجحت في الدمج السياسي للواء الاسكندرون العربي.
2 ـ وبالمقابل فشل "النظام الوطني" السوري، كسلطة وكمعارضة، في كل عهوده، في تحريك (مجرد تحريك) موضوع لواء الاسكندرون الذي اصبح الان نسيا منسيا. وهذا ينطبق ايضا، وبالاخص، على العهد "البعثي". هذا مع العلم ان احد مؤسسي "البعث" الرئيسيين، المفكر زكي الارسوزي، هو من ابناء لواء الاسكندرون؛ وان كل من بطاركة الكنائس المسيحية الشرقية كان منذ مئات السنين ولا يزال حتى الان يسمى "بطريرك انطاكية وسائر المشرق" (ومدينة انطاكية كما نعلم تقع في لواء الاسكندرون)، والكراسي البطريركية تقوم الان (مؤقتا!!) في دمشق بدلا من انطاكية، باستثناء البطريركية المارونية التي تقوم في بكركي في لبنان.
3 ـ بعد قيام الثورة الفلسطينية وتمركزها في لبنان في الستينات بالتعاون الوثيق مع الحركة الوطنية اللبنانية بزعامة الشهيد العربي الكبير كمال جنبلاط، اخذ مئات من الثوريين اليساريين الاكراد في تركيا ينضمون الى صفوف القوات الوطنية المشتركة الفلسطينية ـ اللبنانية، لمحاربة العدو المشترك الصهيوني. ومن هؤلاء المناضلين تكوّن فيما بعد "حزب العمال الكردستاني" (PKK)، وقد اتاح لهم كمال جنبلاط انشاء اول معسكر تدريب خاص بهم في الجبل بلبنان. وبعد ان قامت اجهزة النظام الدكتاتوري السوري بالتصفية الجسدية لكمال جنبلاط، لحساب اميركا واسرائيل وعملائهما اللبنانيين، "تلقف" (اي النظام السوري) حزب الـ(PKK) لاستخدامه موقتا كورقة مساومة مع اميركا واسرائيل وتركيا، ولـ"بيع جلده" في الوقت المناسب. وبفضل التضحيات الجسيمة التي قدمها، وستراتيجية "حرب الانصار" او "حرب العصابات" التي خاضها، تحول الـ(PKK) الى قوة اقليمية يحسب لها حساب. وكان للتعاون "العربي" مع حزب ((PKK اهمية ستراتيجية اقليمية مميزة تتعلق بمياه دجلة والفرات، اذ ان هذين النهرين الاقليميين ينبعان من تركيا (بمعنى الاطار السياسي الدولوي)، ولكن من المنطقة الكردية بالتحديد (بالمعنى "القومي")، واستمرار وتعميق التعاون "العربي" ـ "الكردي" كان من شأنه ان يحرم "الدولة التركية" من امكانية التحكم بالمياه والضغط على سوريا والعراق كما تفعل الان. وكان من الممكن للنظام السوري، فيما لو التزم بصدق بالثورة الكردية في تركيا، ان يقلب المعادلة الاقليمية كلها في وجه اميركا وتركيا واسرائيل. ولكن "الوطنية النظامية"، السورية او غير السورية، ليست بطبيعة الحال من هذه الطينة او هذا المستوى. والذي يقتل كمال جنبلاط لا يمكن ان يكون وفيا لعبدالله اوجلان. والذي "يتاجر" بالثورة الفلسطينية، ويطعن الحركة الوطنية اللبنانية في ظهرها، ويقطع الطريق على جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي، لا يمكن الا ان يتاجر بالثورة الكردية ويطعنها في ظهرها وصدرها. والذي يتخلى عن الاسكندرون والجولان، كيف له ان يتمسك بقضية الفرات، او بقضية الشعب الكردي الشقيق؟! وكان من طبيعة الاشياء في نهاية المطاف، وكي يحمي النظام السوري جلده ان يبيع جلد عبدالله اوجلان، ويتخلى تماما عن الثورة الكردية المشروعة في تركيا. ونرى الان كيف انعكست الآية، وكيف اصبحت "الورقة الكردية" في سوريا العوبة في يد تركيا ومخابراتها القذرة، التي تخطط لاستخدام بعض الشوفينيين الاكراد لطرد المسيحيين خاصة والعرب عامة من شمال سوريا، لضمه لاحقا الى تركيا. وقد رفع بعض هؤلاء الشوفينيين الاكراد الشعار الغبي والوقح "لا عرب ولا سريان، هنا كردستان"، وهو ما يذكر تماما بالدور الاجرامي ـ الغبي الذي اضطلع به في حينه بعض قادة العشائر الكردية ضد الشعب الارمني المظلوم، حيث قاموا بذبح الارمن على امل الاستيلاء على ممتلكات واراضي الضحايا، لحسابهم، ولكن الدائرة دارت في النهاية على الشعب الكردي، لحساب الاتراك العنصريين ـ المعتمدين الرئيسيين من قبل الامبريالية الغربية جنبا الى جنب الصهيونية واسرائيل.
4 ـ لقد تم ضم منطقة الاهواز (عربستان) الى ايران بالقوة، وبموافقة الدول الاستعمارية، خصوصا لما تتضمنه الاهواز من مصادر النفط والغاز، من اجل رشوة واستمالة الدولة الايرانية، ولا سيما بعد الانقلاب البهلوي في 1925، الى جانب الاستعمار الغربي، وايقاع الشرخ بينها وبين الدول العربية. وبالرغم من ان غالبية الاهوازيين هم من المسلمين الشيعة، فقد تعرض سكان الاهواز على الدوام للاضطهاد القومي على يد السلطة الايرانية، منذ ايام الشاه الى اليوم. ولا تزال الاعتقالات الواسعة واعمال التعذيب والاعدامات مستمرة بدون انقطاع. وبمواجهة إصرار السلطات الايرانية، الشاهنشاهية والجمهورية الاسلامية، على "أرينة" الاهوازيين العرب، بالحديد والنار والمشانق، كيف كان رد "الوطنية النظامية" العربية؟
ـ قبل 1975، سمح النظام العراقي (الصدامي) لبعض التنظيمات الاهوازية بفتح مكتب اعلامي والقيام ببعض النشاطات الاعلامية والسياسية في بغداد. وكذلك فعل "توأمه" النظام البعثي في دمشق. ولكن حينما وقع صدام حسين ما يسمى "اتفاقية الجزائر" مع شاه ايران في 1975، التي قدم فيها تنازلات جوهرية عن الحقوق العربية في شط العرب وغيره، مقابل وقف دعم الشاه للحركة الكردية في العراق، عمد ايضا ـ إرضاء للشاه ـ الى منع اي نشاط للاهوازيين في بغداد، وجرى اغلاق مكاتبهم ورمي اثاثهم في الشارع وطردهم. واخبرني في حينه احد كوادر "الجبهة الشعبية لتحرير الاهواز"، التي كان لها تواجد في بيروت حينذاك، انه حينما اعترض احد المناضلين الاهوازيين القدماء على هذه المعاملة قائلا للمهاجمين "نحن رفاق!"، اجابه المهاجمون "كلا، نحن لسنا رفاقا، نحن بعثيون!". ومن مثل هذه المعاملة الغادرة، ومن "معايشتهم" للنظام الدكتاتوري الصدامي، ادرك الاهوازيون طبيعة هذا النظام وحقيقة "عروبته!" المزيفة. وحينما هاجمت قوات الجيش العراقي منطقة الاهواز واحتلتها، بعد اندلاع الحرب العراقية ـ الايرانية، كان في ظنها ان الاهوازيين سيستقبلونها استقبال "الاخوة المحررين". ولكن جماهير الاهوازيين فرت امام قوات صدام كما من امام طاعون.
ـ وقد بقي للاهوازيين بعض التواجد السياسي في سوريا، بالتأكيد من اجل مراقبتهم الضمنية من قبل اجهزة النظام والوشي بهم وتسليمهم الى الاجهزة الايرانية عند اللزوم. ومؤخرا قامت السلطات السورية بتسليم بعض من لديها من المناضلين الاهوازيين الى السلطة الايرانية، وذهبت ادراج الرياح احتجاجات الاهوازيين على هذا الغدر "الاخوي".
ـ وفي ما عدا ذلك فإن قضية الاهواز هي نسيا منسيا لدى "الوطنية النظامية" العربية، من موالاة و"معارضة"، من المحيط الى الخليج.
قد يقول قائل ان ايران الاسلامية هي حليف للقضية الفلسطينية والقضية العربية، ولا يجوز "نكء الجراح" معها. ولكن مسألة الاهواز، وكذلك مسألة الجزر الثلاث، هي موروثة من عهد الشاه والاستعمار. والثورة الاسلامية الايرانية التي قامت ضد الشاه والتسلط الاستعماري على ايران، لا يجوز لها ان ترث السياسة الشاهنشاهية والاستعمارية، لانها ان فعلت تناقض نفسها بنفسها تماما وتضعف الثقة الشعبية العربية بها. وعدم طرح هذه المسألة على اساس تحرري بين الحلفاء واصحاب القضية الواحدة هو الذي يفسح المجال للامبريالية والصهيونية كي تستمر في لعب لعبتها لدق الاسافين بين العرب وايران، ولمحاولة دفن الثورة الاسلامية الايرانية وحركة التحرر العربية معا. وان الصمت النظامي العربي، الموالي والمعارض، عن عروبة الاهواز هو طعن مباشر بعروبة فلسطين، وعروبة لبنان، وعروبة العراق وسوريا واي ارض عربية اخرى. فإذا لم تكن الاهواز عربية، فلماذا لا تكون نجد والحجاز "السعودية"، ولماذا لا تكون سورية العربية "سورية الاسد"، ولماذا لا تكون فلسطين "اسرائيل"، ولماذا ولماذا؟؟
5 ـ ان الدولة الايرانية لديها "مشكلة كردية" مزمنة. وكذلك الدولة العراقية. وخلال التاريخ الطويل للنزاع بين الدولتين، منذ عهد الشاه، فإن كل منهما قد لجأت الى "التعاون" مع "المعارضة الكردية" داخل البلد الآخر. فماذا كانت محصلة هذه السياسة "الاقليمية" في الرصيد الايراني والرصيد "العربي"؟
أ ـ بالرغم من ان العديد من القوى القومية والوطنية والتقدمية العراقية والعربية عامة، ايدت القضية العادلة للشعب الكردي، كما كان في وقت ما هناك "تعاون" بين السلطة العراقية و"المعارضة الكردية" في ايران، فإن الدولة العراقية فشلت فشلا ذريعا في "استعمال الورقة الكردية" (ونسمح لانفسنا باستخدام هذا التعبير، لان "التعاون" السلطوي الايراني /او/ العراقي ـ الكردي، لم يكن يرتفع عن هذا المستوى السياسي المبتذل). ولم يرتفع، من الجانب العراقي، مستوى العلاقة "العراقية" ـ الكردية الايرانية (خصوصا مع الحزب الدمقراطي الكردستاني الايراني، الذي كان يتزعمه الشهيد د. عبدالرحمن قاسملو) عن مستوى المخابرات. وكان كوادر هذا الحزب الذين يمرون او يقيمون موقتا في العراق، تحت المراقبة والملاحقة الدائمة. وقد اخبرني المناضل والكاتب الكردي المعروف المرحوم كريم حسامي (نائب رئيس الحزب الدمقراطي الكردستاني الايراني، في حينه) كيف اعتقل وعذب في العراق، وكيف حطموا له اسنانه، وبعد شهرين من التعذيب الوحشي جاء برزان التكريتي ليعتذر منه ان اعتقاله تم "بالغلط". وبنتيجة هذه الممارسات، فإن النظام الصدامي، الذي كان يتشدق بالوطنية والقومية والعروبة، فقد ثقة، بل كسب عداوة، لا الاكراد العراقيين فقط، بل والاكراد الايرانيين ايضا.
ب ـ وعلى الضد من ذلك تماما، فإن الدولة الايرانية، منذ عهد الشاه وحتى عهد الجمهورية الاسلامية، استطاعت:
اولا ـ "احتواء" المشكلة الكردية في ايران (حتى الان على الاقل) بمزيج من الديماغوجية السياسية والقمع والارهاب السياسي، وقد نجحت في "قطع رأس" الحركة الكردية الايرانية عن طريق: اغتيال المثقف الكردي البارز د. عبدالرحمن قاسملو (بالتعاون، للاسف، مع بعض الاكراد العراقيين بالذات). وقد تم اغتيال قاسملو الذي كان امينا عاما للحزب الديموقراطي الكردستاني في ايران، مع اثنين من معاونيه بيد كوماندوس ايراني في 13 تموز/يوليو 1989 في فيينا. ولم يعثر آنذاك على القتلة. ثم اغتيال خلفه في رئاسة الحزب، وهو المناضل د. صادق شرف كندي، الذي تم اغتياله في 17 ايلول/سبتمبر 1992 في مدينة برلين (بالتعاون، للاسف، مع بعض العناصر اللبنانية). و"نجاح" السياسة الايرانية هنا يكمن ليس فقط في تصفية بعض القيادات الكردية الرئيسية المعادية لها، بل ـ وهو اخطر ـ في استخدام الاكراد العراقيين انفسهم وبعض الفئات اللبنانية العربية ضد الاكراد الايرانيين، مما يجعل الاخيرين يشعرون بالظلم المضاعف والعزلة والضعف.
ج ـ ان النجاح الاكبر الذي حققته السياسة الاقليمية الايرانية (على الصعيد الكردي)، منذ ايام الشاه الى ايام الجمهورية الاسلامية، هو قدرتها على استعمال "الورقة الكردية" بامتياز ضد "الوطنية النظامية" العراقية ـ العربية، منذ ايام عبدالكريم قاسم وحتى نهاية عهد صدام حسين. فقبل ثورة تموز 1958 في العراق، فإن الاكراد العراقيين، بزعامة مصطفى البرزاني، شاركوا بشكل فعال وواسع في النضال ضد الانكليز وحكم الشاه وفي اقامة جمهورية مهاباد الكردية في ايران سنة 1946. وفي اثر سقوط جمهورية مهاباد (نتيجة الدعم الانكليزي ـ الاميركي لنظام الشاه، وتخلي السوفيات عن دعم الجمهوريتين الاذربيجانية والكردية في ايران تطبيقا لاتفاقات يالطا لتقاسم مناطق النفوذ العالمي مع "الحلفاء") قام مصطفى البرزاني بـ"مسيرته الكبرى" مع مئات من انصاره ولجأوا الى الاتحاد السوفياتي، حيث بقوا هناك الى ما بعد ثورة 14 تموز 1958 في العراق. ولكن بعد عودة البرزاني من الاتحاد السوفياتي الى العراق، انعكست الآية، وبدأ التحرك الكردي المسلح ضد عهد عبدالكريم قاسم منذ 1961، واخذ نظام الشاه يستخدم "الورقة الكردية" بنجاح ضد العراق. وامام عجز القوى الوطنية والتقدمية العراقية (العربية والكردية) عن ايجاد حلول تاريخية لقضايا العراق المصيرية، بما فيها القضية الكردية، اصبحت منطقة كردستان العراق كالخنجر المسموم في خاصرة العراق، واصبحت المسألة الكردية وسيلة رئيسية للتدخل الايراني ـ الاسرائيلي ـ الاميركي في الشؤون العراقية خاصة، وشؤون المنطقة عامة. وبالرغم من ان الشاه "خذل" "الثورة البرزانية" حينما وقع "اتفاقية الجزائر" مع صدام حسين سنة 1975، فقد استمر النجاح الايراني في استخدام "الورقة الكردية" على حساب العراق، خصوصا بسبب الطبيعة الفاشية والغباء السياسي المطبق لنظام صدام حسين الدكتاتوري. وخلال الحرب العراقية ـ الايرانية (88ـ1980)، قاتلت البيشمركه الكردية العراقية الى جانب القوات الايرانية. وهذا ما دفع نظام صدام حسين (الذي كان قد استخدم الاسلحة الكيماوية، بموافقة الاميركيين، ضد القوات الايرانية) الى استخدام هذه الاسلحة ضد المدنيين الاكراد العراقيين (حلبجه)، وهو ما عرف بعملية الانفال التي قادها ابن عم صدام الجزار المعروف باسم "علي الكيماوي". وكان من نتيجة ذلك زيادة الشرخ القوموي في العراق وتشجيع الروح الانفصالية لدى الشوفينيين الاكراد العراقيين، وارتماؤهم اكثر فأكثر في احضان اميركا واسرائيل.
د ـ ان النتيجة "المنطقية" لعدم ايجاد حل انساني، وطني وتقدمي، عادل للمسألة الكردية، و"اللعب" العربي النظامي، ولا سيما العراقي، من جهة، والايراني، من جهة اخرى، بـ"الورقة الكردية"، كانت في نهاية المطاف لصالح اميركا واسرائيل. وقد تبدى ذلك بشكل خاص خلال العدوان الاميركي على العراق واحتلاله، حيث تحولت كردستان العراق ليس فقط الى قاعدة للاحتلال الاميركي، سياسيا ومخابراتيا وعسكريا، بل والى قاعدة اسرائيلية كاملة. ومؤخرا عمد ما يسمى رئيس اقليم كردستان، السيد مسعود برزاني، و"بحركة مسرحية" متفردة، الى انزال العلم العراقي (بحجة انه علم "بعثي") في كردستان. وهذه "الحركة المسرحية" هي دعوة مكشوفة للشوفينيين الاكراد لالغاء وابادة كل ما ومن هو "غير كردي" في كردستان، وهي في الوقت نفسه تهدف الى استدعاء ردة الفعل من قبل الشوفينيين العرب والاسلاميين لالغاء وابادة كل ما ومن هو "كردي" في العراق. واكثر من ذلك، فإن توقيت هذه "الحركة المسرحية" ينبئ بأنها انما تعطي اشارة لانتهاء "عملية سرية" ما. وفي تقديرنا ان هذه العملية هي على وجه التحديد: انجاز تمركز مخابراتي ـ عسكري كامل، اسرائيلي، في كردستان العراق، في مواجهة ايران بالذات، لا سيما في ظروف التصعيد الاميركي ـ الاسرائيلي ضد ايران. وهذا التمركز الاسرائيلي، من وراء ظهر الحكومة العراقية العميلة ذاتها، هو، من جهة، ضمان "لاستقلال" كردستان البرزاني والطالباني، ومن جهة ثانية، مخلب قط ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية وضد مقاومة الاحتلال الاميركي للعراق. ونشير هنا ان اسرائيل اعلنت مؤخرا عن تعيين قائد عسكري لقيادة جبهة الحرب ضد ايران. وفي حال نشوب نزاع ايراني ـ اسرائيلي، فإن ايران اصبحت معرضة للهجوم ليس فقط من قبل الصواريخ والطائرات الاسرائيلية الآتية بحرية من بعيد (لا سيما بعد فتح الاجواء الاردنية والعراقية لاسرائيل)، بل ستكون معرضة للهجوم الصاروخي والجوي وهجوم المدرعات وقوات المشاة الاسرائيلية التي اصبحت متمركزة في كردستان العراق، وهدفها الاول الدخول الى كردستان ايران، ومن ثم الى باقي المناطق الايرانية لاحتلالها، الى جانب قوات انزال اميركية، لتمزيق ايران عرقيا وطائفيا، على الطريقة العراقية تماما. ويجدر هنا ان اذكر ان المثقف الكردي الاستاذ صلاح بدرالدين ("البرزانيست" الحالي، "اليساري" سابقا) كان قد اخبرني في حينه ان المخابرات الاسرائيلية كان لها "خيمتها" في مقر قيادة البرزاني في الستينات، وان السيد جلال طالباني كان قد زار اسرائيل في ذلك الحين. ولا شك ان العلاقة الكردية ـ الاسرائيلية استمرت منذ ذلك الحين، تحت اعين "العرب" او من وراء ظهورهم، وها هي قد "اثمرت". ولا شك ان وجود السيد طالباني على رأس الدولة "العراقية" الاميركية يجعل العراق كتابا مفتوحا امام اسرائيل، ويجعل كردستان كتابا مغلقا امام العراقيين.
6 ـ ولا نجد حاجة الى الحديث عن الفشل العربي امام اسرائيل، التي بدأت كـ"عصابات" واصبحت اقوى قوة اقليمية في المنطقة.
7 ـ الخلاصة التي يمكن استنتاجها من هذه اللمحة العامة هي:
ـ ان المحاور (غير العربية) الاقليمية الثلاثة في المنطقة: التركي والايراني والاسرائيلي، قد رسخت اقدامها في المنطقة كقوى "فاعلة".
ـ اما المحور العربي (وبالرغم من "تعدديته"، وثرواته، وطاقاته البشرية الهائلة، وبالرغم من العلاقة الوطيدة لبعض انظمته مع الدول الغربية ـ الداعمة لاسرائيل وتركيا وايران الشاه سابقا، وبالرغم من العداء "الشديد" لبعض انظمته الاخرى للغرب واسرائيل (قبل الثورة الاسلامية في ايران، واثناءها وبعدها ـ اي قبل ان تبدأ الثورة الاسلامية الايرانية تخطف الاضواء على صعيد العداء للغرب واسرائيل)، ـ فإنه ـ اي المحور العربي ـ سار من فشل الى فشل، ومن تهافت الى تهافت، واصبح هدفا لجميع الطامعين، في كل وقت، واصبح هو المحور الوحيد "المفعول به" في المنطقة.
XXX
بعد هذه اللمحة العامة، الضرورية، نأتي الى إلقاء نظرة على الوضع الراهن، على ضوء المواجهة اللبنانية ـ الاسرائيلية الاخيرة، والتي لا تزال مستمرة الى الان:
1 ـ بالرغم من ان القضية الفلسطينية، والمواجهة مع اسرائيل، كانت على الدوام تعتبر القضية العربية المركزية، فإن المذبحة اليومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني اصبحت "روتينا" لا يستثير اي اهتمام رسمي عربي جدي. إن البطالة في الاراضي الفلسطينية اصبحت منذ وقت طويل تزيد على 50%، وقطاعات الخدمات العامة، كالتعليم والصحة والبلديات هي في وضع مأساوي بكل المقاييس، وتمضي شهور طويلة دون ان يقبض العاملون في هذه القطاعات اجورهم. وتشير الدراسات التي تنشرها المنظمات الانسانية الدولية ان الاطفال الفلسطينيين يعيشون في ظروف لاانسانية تماما تهدد من الاساس مستقبل الاجيال القادمة. وفي هذا الوقت تعاني بعض الدول العربية النفطية من التضخم بسبب فروقات ارتفاع اسعار النفط، كما تعقد بعض الدول العربية صفقات اسلحة بمليارات وبعشرات مليارات الدولارات، وهي صفقات الهدف منها تعويض الخسائر الاميركية والغربية في الحرب على البلدان العربية والاسلامية بحجة "مكافحة الارهاب" وتشجيع الدورة الصناعية والاقتصادية الغربية.
2 ـ حينما رفضت اسرائيل الافراج عن جميع المعتقلين اللبنانيين في عملية تبادل الاسرى والمعتقلين التي تمت سنة 2004، وحينما تستمر اسرائيل في اعتقال اكثر من 10 آلاف مناضل ومواطن مدني فلسطيني، وحينما تقوم اسرائيل باقتحام البيوت ومؤسسات السلطة الفلسطينية وتعتقل الوزراء والنواب المنتخبين دمقراطيا ورئيس مجلس النواب الفلسطيني ذاته، فإن نظام الانظمة العربية يصمت صمت القبور، وكأن الامر لا يعنيه، او كأن ذلك امر طبيعي وأن اسرائيل تمارس "حقوقها الشرعية" ("القانونية"، وربما "الالهية" ـ استكمالا لـ"وعد يهوه" لـ"شعب اسرائيل" بـ"ارض الميعاد").
3 ـ اما حين قام "حزب الله" بأسر جنديين اسرائيليين، في معركة عسكرية تتوفر فيها كل مقومات المعركة الشريفة، سارعت بعض الدول العربية النافذة (ولا سيما السعودية ومصر) ووراءها بقية نظام الانظمة العربية، الى استنكار ما سموه "المغامرة غير المدروسة" التي قام بها "حزب الله". وقد وفر هذا الموقف العربي "العاقل والمدروس" الغطاء "الاخلاقي" والسياسي العربي للهجوم الاسرائيلي على لبنان، والشروع في التدمير المنهجي للمرافق العامة والبنية التحتية والجسور والطرقات والمستشفيات والمساكن، وقتل المدنيين والاطفال الخ الخ، بحجة انقاذ الجنديين الاسرائيليين "المسكينين المخطوفين"!! وقد صرح مجرم الحرب الاسرائيلي ايهود أولمرت علنا بأن ما يقوم به الجيش الاسرائيلي انما هو بتأييد دول عربية.
4 ـ كانت الحرب الاخيرة اطول حرب اسرائيلية ـ عربية يخوضها الجيش الاسرائيلي. وقد اعطيت اسرائيل الوقت الكافي لتحقيق الاهداف التي اعلنت عنها. وبعد ان فشلت في تحقيق تلك الاهداف بالقوة العسكرية، صدر القرار 1701، وتوقف اطلاق النار موقتا، لاعطاء اسرائيل الوقت الكافي لمراجعة حساباتها العسكرية، وللسعي لتحقيق اهدافها بوسائل ضغط غير عكسرية. وكان الحصار اللاانساني، الجوي والبحري، المفروض حاليا على لبنان، لتحقيق هذه الاهداف. وهنا وضع نظام الانظمة العربية و"الوطنية النظامية" العربية في خانة الفضيحة التامة. ولا اظن اننا في حاجة للتوسع في هذا الموضوع.
5 ـ في زمن مضى كان هناك شيء اسمه "المقاطعة العربية لاسرائيل". اما الان فقد انعكست الآية. إذ ان بعض الدول العربية تستفيد تماما، بالحساب الاقتصادي البسيط، من التدمير، وبالاخص من الحصار الاقتصادي الاسرائيلي على لبنان. كما ان الدول العربية النفطية قد استفادت ولا تزال من رفع اسعار النفط بنتيجة العدوان الاسرائيلي على لبنان. اي ان هذه الدول تقبض ثمن دماء الاطفال والمدنيين اللبنانيين الذين تقتلهم اسرائيل. ومع ذلك فإن الدول العربية المقتدرة، وخاصة المستفيدة من مصائب لبنان، "تقبض يدها" اكثر مما تمدها لمساعدة لبنان في هذه الظروف الشديدة الصعوبة.
6 ـ فيما مضى، كانت الدول العربية تنتقد النظام الشاهنشاهي الايراني بأنه كان يتعاون مع اسرائيل. اما الان ـ في ظروف الانبطاح العربي امام اميركا، والسعي الوهمي انما المخجل من اجل ما يسمى "السلام العادل والشامل" مع اسرائيل، فإن الدول العربية غيرت الاتجاه 180 درجة، واخذت تتهم "ايران الاسلامية" بـ"التطرف" في معاداة اسرائيل. وبهذه السياسة الاقليمية الخرقاء، فإن نظام الانظمة العربية يتخلى لايران، بكل غباء، عن القضية العربية المركزية، اي القضية الفلسطينية وقضية الصراع مع اسرائيل. ومن هذه الزاوية لا نغالي اذا قلنا ان ايران اليوم اصبحت اكثر "عروبة" من اي دولة عربية اخرى. وحتى على مستوى المساعدات المادية للبنان، بعد وقف اطلاق النار، وبداية مرحلة الترميم واعادة البناء، فإن ايران كانت الاسبق والاكرم في تقديم المساعدات، مباشرة او عبر "حزب الله"، من اي دولة عربية اخرى. وهذا كله يصب في خانة إخلاء الساحة الوطنية والقومية "العربية" لايران.
7 ـ اخيرا لا آخرا، بدون تقديم بديل عملي ملموس، لبنانيا وعربيا، للامساك بالقضية الفلسطينية وقضية الصراع ضد اسرائيل واميركا، فإن توجيه النقد الفارغ المجرد لـ"المحور" الايراني، على طريقة "القائد الوطني" الفاشل وليد جنبلاط، الذي يتحول بسرعة الى سياسي مبتذل آخر، انما يصب عمليا في الطاحونة الاسرائيلية ـ الاميركية، شاء اصحاب هذا النقد ذلك ام ابوا، ومهما كانت نواياهم "طيبة"!ـ



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصر...! وأما بعد...!
- الافلاس التاريخي لستراتيجية الحرب النظامية العربية
- الخطة الاميركية الاسرائيلية لتطويع لبنان... امام المفاجآت!!
- لبنان ليس الجولان ولن يكون ارمينيا
- العدوان لا يستهدف فقط لبنان
- المسيحية: البوتقة الايديولوجية القومية، الاولى والاساسية، ل ...
- ويبقى السؤال: من سلّم الجولان بدون قتال، وهادن الاحتلال، ولم ...
- المسيحية: الديانة القومية الاولى للعرب
- أول أيار والدور الاممي الخاص للطبقة العاملة العربية
- الارمن ضحية العنصرية التركية والتآمر الغربي على مسيحيي الشرق
- بكركي محاورا تاريخيا
- المأزق الوجودي لاسرائيل!
- بعد تجربة الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة السورية: القوى الوطني ...
- الأكراد شعبنا الثاني
- الصفقة الاميركية السورية الجديدة: اعادة انتاج -سايكس بيكو- ...
- الانقلاب الكياني في التركيبة اللبنانية
- من هم المرتدون الذين سيحاكمون لينين؟ كريم مروة واصحابه نموذج ...
- النظام الدولي المختل والدور التاريخي العتيد للمثلث الشرقي ال ...
- رد الى صديق كردي
- المحكمة الدولية ضرورة وطنية لبنانية وضمانة اولا لحزب الله


المزيد.....




- جريمة غامضة والشرطة تبحث عن الجناة.. العثور على سيارة محترقة ...
- صواريخ إيران تتحدى.. قوة جيش إسرائيل تهتز
- الدنمارك تعلن إغلاق سفارتها في العراق
- وكالة الطاقة الذرية تعرب عن قلقها من احتمال استهداف إسرائيل ...
- معلومات سرية وحساسة.. مواقع إسرائيلية رسمية تتعرض للقرصنة
- الفيضانات في تنزانيا تخلف 58 قتيلا وسط تحذيرات من استمرار هط ...
- بطائرة مسيرة.. الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال قيادي في حزب ال ...
- هجمات جديدة متبادلة بين إسرائيل وحزب الله ومقتل قيادي في الح ...
- مؤتمر باريس .. بصيص أمل في دوامة الأزمة السودانية؟
- إعلام: السعودية والإمارات رفضتا فتح مجالهما الجوي للطيران ال ...


المزيد.....

- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب
- هـل انتهى حق الشعوب في تقرير مصيرها بمجرد خروج الاستعمار ؟ / محمد الحنفي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - جورج حداد - ....والافلاس التاريخي ل-الوطنية النظامية- العربية