أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد زكريا توفيق - جحا والحمار وظلم الإنسان















المزيد.....

جحا والحمار وظلم الإنسان


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 7168 - 2022 / 2 / 20 - 19:39
المحور: كتابات ساخرة
    


جحا: عجبتني قوي حكاية الحمير المنتظرة المخلص. أنت تقصد بالطبع، المظلومين الصابرين على الظلم في انتظار من يخلصهم مما هم فيه. بدلا من الثورة وأخذ حقوقهم بأيديهم.

الحمار: قصدك بحوافرهم. الحمير، يا عم جحا ما لهاش إيدين وأصابع زي البني آدميين، يقدروا يمسكوا بيها السيف، ليدافعوا به عن أنفسهم. أو القلم، لكي يكتبوا به شكواهم. وكمان ما لهاش لسان يقدروا يعبروا به عن آلامهم وأوجاعهم. هم فقط حمير، يقدروا يحرنوا ويقمصوا وينهقوا ويتمرغوا في التراب والطين، وأن يرفصوا بالأرجل الخلفية وبس. حتى أكلهم، التبن والفول الناشف والكسبة، أصبح في المواسم والأعياد.

جحا: يمكن الحمير تكون أسعد حالا في الحياة الأخرى. يعني بعد ما تموت وأرواحها تصعد إلى السماء.

الحمار: يا عم جحا أنتم بس اللي لكم أرواح تصعد للسماء وتحيا حياة أخرى وتتمتع بالحور العين. أما نحن، معشر الحمير، فنحن في الباي باي. دي آخر محطة للقطار. يعني بعد الموت، كل سنة وأنت طيب وتعود عليكم الأيام بخير.

جحا: يعنى لما تموتوا، خلاص، ما فيش حاجة. بح يعني.

الحمار: بح دي كلمة فرعونية صحيحة. ده اللي ب تقولوه. تفتكر البراغيث، سوف تبعث من جديد؟ طب ليه، وعشان إيه؟ هل هي آمنت بالرسل واستمعت لرجال الدين عشان تبعث وتحاسب؟ الإنسان بس.

جحا: يا ابني دي عوالم أخرى. فيها أنبياء ومبعوثين، ويمكن يكون لديها بعث وحساب. إيش عرفك؟ وما أوتيتم من العلم إلا قليل.

الحمار: يا عم جحا، أنا لم أخبر بأي نبي جاء للحمير. الواحد لما يهلوس ويتهيأ له حاجات، يبقى مجنون ونوديه مستشفى المجانين. لكن لما الناس كلها تهلوس وتخرف ويتهيأ ليها حاجات ومحتاجات، يبقى ده دين. ومدام ما فيش بعث وجنة ونار للحمير، يبق دعني أفضفض وأقول اللي في قلبي.

جحا: فضفض آدينا بنتسلى. بس خللي بالك، يمكن تنحبس بسبب أفكارك دي بقانون ازدراء الأديان. وسأثبت لك أنك على خطأ، وح تروح في ستين داهية.

الحمار: أنا ما ليش دعوة بأديانكم دية، ومبروكة عليكم. أنا مشكلتي هنا على الأرض. نحن معشر الحمير، عاملين زي سيزييف في الأساطير اليونانية القديمة. نرفع الصخرة لقمة الجبل، فتسقط من عل، لكي نكرر هذا العمل الممل بدون أمل في الخلاص، إلى أن نموت. قمة المأساة. انس كل ما كتبه شيكسبير، وانظر في حالة الحمير، وانت تعرف معنى المأساة. أنظر إلى الحمار اللي جارر عربية كارو وطالع مطلع، كيف يعامله صاحبه العربجي، وأنت تعرف يعني إيه ظلم. بس شاطر تسمى رفع الحكومة للضرائب ظلم. ما يحدث لعالم الحمير وباقي الحيوانات من قتل وسخرة وظلم وإبادة جماعية، هو الظلم الحقيقي؟

جحا: ياه. ده أنت قلبك أسود ومليان حقد. يا ابني، ألا تعرف أن البغال والحمير قد خلقت لكي نركبها؟ فهل انت تعترض على المشيئة الإلهية؟

الحمار: عارف. وكمان السمك عشان تأكلوه لحما طريا، والشمس والقمر والنجوم عشان تنور ليكم. لكن، إذا كانت الحمير والبغال قد خلقت لكي تركبوها، فلماذا يصل بعضها إلى سدرة الحكم في بلادكم؟ ها ها هاي.

جحا: الله يخرب بيتك حمار. أنت ح توديني في ستين داهية. علي النعمة لبايعك في سوق الثلاثاء الأسبوع اللي جاي.

الحمار: أنا بقول ارحمونا شوية، وعاملونا برفق. حددوا ساعات العمل، وادونا أجازه أسبوعية وسنوية، واسمحوا لينا بعمل نقابة، ودخلونا معاكم الجنة عشان تركبونا هناك. صعبة دي. آية زيادة في كتبكم المقدسة موش ح تضر.

جحا: هي الجنة زريبة، يمكن يدخلها الحمير والبراغيث والبعوض والذباب؟ تبقى جنة ازاي؟

الحمار: والله أنتم معشر الإنس، لا تستحقون الجنة. من يستحقها من الكائنات هي النحلة. فهي كائن رقيق وجميل. في حياتها، لا تسبب ضررا لأحد. لا تقتل كائنا آخر، ولا تتلف نباتا أو تقلعه من جذوره. تتغذى على رحيق الأزهار وتنقل حبوب اللقاح، بين الزهور والورود والرياحين، وتنتج العسل الذي تقومون بسرقته. عملها هذا يساعد على ظهور البذور والثمار في عالم النباتات. وبدونها لن توجد الأشجار.

جحا: إلا، قل لي يا فيلسوف: لو كان للحمير نبي مرسل، هل كنت تتبعه وتؤمن به؟

الحمار: يا عم جحا، الأديان لا توجد إلا في دماغ البشر. تفتكر لو مفيش حد موجود، كان ح يبقى فيه دين؟

جحا: لا.

الحمار: ولو فيه ناس، ولكن ليس لها عقل زي عالم الحيوانات، كان ح يبقى فيه دين؟

جحا: برضه، لا.

الحمار: إذن الدين لا يوجد إلا في الدماغ. مثل باقي القوانين والنظريات والألوان والموسيقى والأدب والأعداد. هل يوجد في الطبيعة العدد ثلاثة مثلا. يوجد معدودات ثلاثة حقا، لكن العدد نفسه لا يوجد إلا في رؤوسنا.

جحا: يعني موش عاوز تؤمن وتدخل الجنة، أنت ومعشر الحمير؟

الحمار: لا يا عم. فال الله ولا فالك. احنا كده كويسين قوي وسعداء خالص من الناحية دي. الأنبياء والرسل مرسلين للإنس والجن فقط. دي حكاية كبيرة وعويصة قوي. يا خرابي. لو الحمير عندها دين، كان زمانهم فجروا بعض ونسفوا البرجين، واستعبد القوي منهم الضعيف.

حجا: يا غبي، دي عبادات مطلوبة، نحن مكلفون بيها، عشان الخلود.

الحمار: عندما تصفني بالغباء، أنت لم تغير شيئا أو تحل مشكلة. اشتم زي ما انت عاوز. الشتيمة لن تجعل الخطأ صوابا.

جحا: أهو أنت بالذات، ربنا ح يسخطك. لكن، ح يسخطك إيه؟ ما أنت مسخوط أهه، وبقيت حمار خلاص. أيوه، أنت قلت لي قبل كده أنك كنت بني آدم، وانسخط حمار. ربنا ح يرجعك بني آدم ثاني، وبعدين يسخطك حمار.

الحمار: يا عم مبروك عليك الجنة. أنا موش عاوز الخلود والجنة بتاعتك دي. لكن قول لي، فيها إيه لو كل الناس وباقي الكائنات دخلت الجنة، وعاشت مثل النحلة على رحيق الزهور والمية والنور. بدلا من الهوسة دي، اللي ملهاش لازمة؟

جحا: إذن، ماذا تريد؟

الحمار: إنني أريد أن أعيش في سلام من غير ضرب وإهانة. ولم يخطر ببالنا أن نستقل نحن معشر الحمير، ونحكم أنفسنا بأنفسنا. لقد تركنا الحكم لكم.

جحا: لأنكم كسالى.

الحمار: ليس الموضوع كسل، وإنما قلق.

جحا: وما الفرق؟

الحمار: القلق هو الخوف من الفشل. أي فعل الشيء بطريقة خاطئة. والنتيجة، أنك لن تفعل شيئا على الإطلاق. أما الكسل، فهو عدم الرغبة في فعل الشيء في وقته. القلق يؤدي إلى الخوف، والخوف يؤدي إلى فشل مؤكد. وهذا هو الذي يمنعنا من الثورة على البني آدميين. لكننا لازلنا نحلم بمعاملة الكلاب في أمريكا وأوروبا.

جحا: أيوه صحيح. الكلاب عايشه أفضل منكم في الغرب. فهي تدلل وتأكل كل حاجة نفسها فيها، وتعالج عند أحسن الأطباء، لهم لعب ومشموم لزوم المزاج، وحدائق وملاعب خاصة، يتقابل فيها الكلاب للتعارف والجري والنط واللعب والهوهوه براحتها. في بلادنا الكلاب بتهجم على بعض وتأكل بعض. ألم تسمع بحكاية الكلبين اللي أكلوا بعض ولم يتبق منهما سوى الذيلين.

الحمار: يا عم جحا أنا أتكلم بجد، وأنت تهزر. أنا دمي محروق، وأنت تنكت. طبعا، ما هو أنت راكب ومنشكح وعمال تهز في رجليك وتضرب بيها بطني. وأنا اللي كفران وطالع عيني. وموش عارف في يومك المهبب ده ح نوصل امتى.

جحا: لا تغضب. لما نوصل بالسلامة، سوف أعشيك فول ناشف وأحط عليه شوية تبن عشان يبقى طري على أسنانك.

الحمار: تاهت ولقيتها.

جحا: هيه إيه اللي تاهت ولقيتها؟

الحمار: ليه ربنا لم يخلقنا كلنا زي بعض.

حجا: طيب قول يا فالح، ليه؟

الحمار: عشان يحصل التطور.

جحا: إذن، كيف تفسر ظهور الأديان في ظل نظرية التطور؟

الحمار: لأن المخ الكبير للإنسان، الذي تطور لأسباب أخرى، أصبح مدركا للوعي. هذا الوعي، أجبر الإنسان على التعامل مع مفهوم الموت. ثم يأتي الدين كأحد الحلول لهذه المشكلة.

جحا: يعني عاوز تقول إن كل الأديان دي خاطئة؟

الحمار: عاوز أقول، كلها محاولات للتغلب على مشكلة الموت. الموت ضروري لنجاح التطور. بمعنى أن الكائنات غير القادرة على التأقلم، تموت وتنقرض. وهذا يساعد التطور. أما القادرة، فتعيش وتتناسل. لو توصل الإنسان إلى تعديل الجينات التي تسبب الشيخوخة والأمراض، لكي يعيش إلى الأبد، سوف يقل اعتماده على الأديان. لكنه لا يزال يحتاجها، ولكن بدرجة أقل.

جحا: لا يزال يحتاجها في أي شيء؟

الحمار: لا يزال يحتاجها في إشعال الحروب وغزو بلاد آمنة، ونهب ثرواتها. والسيطرة على عقول الجماهير واستعبادها. وخصوصا في بلادنا المنكوبة.

جحا: لقد وصلنا، فشكرا على هذه الدردشة. وأهو كل مرة، نتكلم في موضوع جديد، نتسلى ونقصر بيه المسافة. بدلا من لغة التخاطب بيننا، التي لا تزيد عن "النهيق" و"شي" و"حا".

الحمار: أنا اللي أشكرك على ذوقك ومعاملتك الطيبة. ويا ليت كل الناس زيك في ظرفك وإنسانيتك يا عم جحا. ولا تنس من فضلك الفول الناشف والتبن.



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جحا والحمار
- -موبي ديك- لهيرمان ملفيل
- أسطورة سيزيف لكامو
- الأرض الطيبة لبيرل بك
- النحلة، هذا الكائن الرائع
- حكايات زن يابانية (1)
- كل ما تريد معرفته عن القمر
- من يقود الإصلاح الديني؟
- حجاب المرأة عادة يهودية قديمة
- رواية الغابة لسنكلير
- هذا هو جسدي، فهل من مشترٍ
- الإصلاح الديني يبدأ بالأزهر
- الصراع المرير بين الدين والعلم
- أي جانب من أجدادك قد انحدر من القرود
- أحمد عبده ماهر وحكاية الفيل
- الذئب والحمل
- الثعلب والغراب
- المسرح الإغريقي
- أوريستيا - ثلاثية أسخيلوس – ربات الغضب
- نص - ثلاثية أسخيلوس – حاملات الشراب


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد زكريا توفيق - جحا والحمار وظلم الإنسان