أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - تتمة: مجال أغبال (ظهور العمل الماجور)















المزيد.....

تتمة: مجال أغبال (ظهور العمل الماجور)


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 7158 - 2022 / 2 / 10 - 23:46
المحور: الادب والفن
    


في مجال أغبال، وهنا دائما اتكلم عن طفولتي، لم نكن نعرف ما نسميه بالعمل المأجور، واول ما يثير إليه في تلك الفترة من السبيعينات وجود منطقة تسمى لاكوب (la coupe) بالنسبة لي كطفل راعي في ذلك الوقت تعني المنطقة التي لا يمكن لمواشينا أن تدخل إليها للرعي ويفترض أنها غابة تعرضت للقطع وهو المدلول المقصود في اللغة الفرنسية، كانت المنطقة موجودة قبل استيعابي كطفل للعالم من حولي، وكان الإسم هذا "لاكوب" بالنسبة لي كأنه موجود منذ القدم، ولم أعرف انه إسم متحول ومتنقل كالبشر إلا عندما بدأوا في نهب الغابات القريبة جدا منا، بحيث أن كل جبل حلقوه (من الحلاقة) يسمى أيضا "لاكوب"، بدأت جبالنا تتعرى كأنها أصيبت بداء الثعلبة (داء تونيا)، بدأنا نفتقد ظل الشجر وبدانا نفتقد لحوم حيوانات كانت تقطن تلك الجبال متسترة بالشجر، حتى العسل الطبيعي الذي كان النحل يوجده في جذوع الأشجار بدأ ينقرض وأذكر أن آخر عش أخذنا منه العسل في تلك المناطق كان في منتصف الثمانينات وكان تحت صخرة وليس في جذع شجرة كما ألفناه. (لتوضيح الأمر اكثر: كانت بعض الأشجار المسنة، بسبب عوامل طبيعية، تسوس نواة جذعها بسبب الأمطار، او بسبب الحشرات التي تتغذى على الخشب، أو حتى بسبب الطيور، كانت هذه الأشجار توفر في جذوعها أجباحا طبيعية لأعشاش النحل، وكانت أغوار هذه الجذوع تعرف تفحما في بعض جوانبها بشكل يدل على اننا لسنا أول من أخذ منها العسل، والتفحم هذا كان نتيجة استعمال الدخان لطرد النحل)، كنا نستخرج شموع العسل من هذه الأشجار، كانوا يعصرون الشموع المليئة بالعسل لتخزينه بينما كانوا يعطونا نحن الأطفال تلك الشموع التي فيها عسل ودود النحل، وحين نتقزز من دود النحل يأمرونا أن نأكله لأنه دواء، وربما حتى الآن هناك ممن يمارس الطب التقليدي وطب الأعشاب ينصح بأكله للشفاء من مرض معين .
كان أغلب من يعمل ب"لاكوب" عمال أجانب يتقنون استعمال القطع بالمنشار، بينما كان العمال المحليين هم من يتقن القطع بالفأس (الشاقور بالمغربية) وأعرف أن كل سكان المنطقة يتقنون القطع بالفأس بما فيهم النساء والرعاة وهنا ساعود لأثير شيئا حول ادوات الرعاة، لقد ذكرت ان لهم احزمة يعلقون بها ادوات عملهم واكلهم لكن لم اذكر الفأس، نعم كانوا يحملون فؤوسا صغيرة للحطب يستعملونها في قطع أعراش من أشجار العرعار (نوع منها يسمى محليا "تاقا") لتغذية مواشيهم.
كانت عملية قطع الأشجار مصحوبة في نفس الوقت بعملية تحديد الملك الغابوي، وكان الشاطر من السكان هو من كانت له علاقة مع موظفي المقيم العام الفرنسي بالمغرب قبل الإستقلال وسلالتهم بعد الإستقلال بحيث لم يكن هناك معيار قياسي يعتمد عليه إلا إشراك السكان: في فترة الإستعمار كان الناس يفرون من المستعمرين خصوصا التقنيين الطوبوغرافيين منهم وكانت فرنسا قد أشهرت ظهير 1917 كقانون مخزنة المياه والغابات حين تعذر عليها مشاركة السكان في معايير تحديد الملك الغابوي مع الإبقاء على إشراك السكان الخاضعين لهيمنتها، وكان سكان منطقتني بالطبع من الأواخر الذين خضعوا لهيمنة المستعمر الفرنسي الذي لم يكمل مشروع مخزنة الغابات حيث ستتم العملية وفق نفس القانون في تأميم الملك الغابوي.
نعم بدأ قطع مجالنا الغابوي في اواخر الستينات وبداية السبعينات، وكانت العملية كما أشرت مصحوبة بطوبوغرافيين لاجل تحديد الملك هذا بحيث كان يستشار السكان المالكين لحقول مجاورة للغابة في تحديد ملكياتهم داخل الغابات وكانت هناك بوادر توعية من طرف سماسرة "لاكوب" من قبيل حوافز مالية استفادة من القطع الغابوي وتحويل المنطقة المتفق عليها إلى مزرعة بعد بيع أشجارها (هذا هو الأمر الذي لا يقال في تقليص المساحات الغابوية).
ظهر عندنا العمل المأجور مع ظهور مصطلح "أزوفري" وهي في الأصل تمزيغ للكلمة الفرنسية "ouvrier" التي تعني العامل، لكن معناها عندنا اتخذ نمطا سوسيولوجيا وليس فقط ظهور العامل المأجور، بل في المخيال الجمعي، في منطقة لا تعرف هذا النمط بالمرة، له معاني سوسيولوجية سلبية أكثر منها إجابية: إنه المقطوع من الأصل، العامل الدخيل، الإنسان الفاحش الذي لا يحترم عادة السكان المحليين، الغير متزوج، الإنسان الحر الغير مقيد بتوابع الحياة الإجتماعية.. إنه بشكل عام الإنسان الغريب عن المجتمع، الإنسان الذي يدخن، الذي يعيش لوحده، الإنسان الفاحش الذي لا يحترم أعراض الناس، السكير، الغريب وبشكل عام الإنسان الذي لم نألفه نحن كمجتمع ريفي... في تلك الفترة لم يكن يدخن بمنطقتنا سوى رجل واحد "تزوفرأ" (من تازوفريت) هو الآخر، الكحول كانت مثل أكل لحم الخنزير عندنا هي شرب النصارى أو الروم، كان أهالي مجال أغبال مسلمين بشكل ملفت وإن على الطريقة البورغواطية، كنا نصوم ونفطر على أذان الديك (صياح الديك) قبل ظهور الساعة المنبهة والراديو بشكل تفاوتي عند الأسر، حتى الدور التي لها مسجد وإمام، قبل ظهور الساعة والراديو، كان يضبط وقته على صياح الديك .. "الزوفري" كان يجسد نمط دخيل علينا، وحتى قطع أشجار الغابة بتلك الكثافة أيضا كان نمطا غير معتاد، كان يشبه التخريب عندنا، وهو بالمعايير البيئية الآن هو بالفعل تخريب للطبيعة.. "الزوفري" كان هذا الكائن المخرب عند قرى لم تعتد ان تعرى جبالها الغابوية وتفرض عليها واجبات بدون مقابل.. أصبح ما يملكه الناس كتقليد جماعي للرعي والحطب ملكا للمخزن لأسباب موضوعية لفرنسا دور كبير فيه: إن فرنسا سرقتنا وأورثت سرقتها لنا للمخزن، أصبحت الغابات عندنا التي كانت مجال رعوي لكل الأهالي ملكا مخزنيا يعاقب كل من يرمي أرجله داخلها، اصبح قطع الأشجار بتلك الكثافة الغير مسؤولة سبيلا لمنعنا من وطء تلك المناطق بمواشينا، أصبح "لا كوب" أتوبيا محرمة علينا، أصبح مجالنا في سياق استقلالنا الذاتي الذي ألفناه في حياتنا اليومية، اصبح مملوكا بجرة قلم للغير وأصبح مجالنا الرعوي أضيق بشكل ملفت، وهذا هو الذي لم تأخذه الدولة المغربية المركزية بالإعتبار.. في هذا السياق، لا يمكنني تبرير المنع لوطإ مجال "لاكوب"، فالكل يعرف لماذا؟: الحفاظ على تجدد نمو الأشجار وغير ذلك، لكن لم تؤخذ في السياق طرح بدائل للسكان المالكين الحقيقيين لذلك المجال: إن مشروع التمليك الذي اعتمدته فرنسا في ظهير 1917 وأورثته للسلطة المركزية بالمغرب بعد الإستقلال لم يكن ببساطة تمليكا عادلا بخصوص المجال الغابوي، كان كارثة أكثر إضافة إلى كوارث الثلوج وكوارث داء الكلب والتصلع وغيرها من الامراض التي كانت تفتك بنا..
كان "لاكوب" يعني ان تاتي بعمال غرباء عن المنطقة مع توظيف بعض من سكان المنطقة (الساكن من المنطقة لم نكن نسميه "أزوفري"، وكان يترتب عن ذلك أنه يكسب رزقه لكن لم يكن منحرفا على عادات الاهالي كما "أزوفري"، في السياق السوسيولوجي كان "ازوفري" كائنا خارقا، ثورة في وجه المجتمع حتى وإن لم يقصد، "أزوفري" في السياق التطوري لمجال أغبال، في الوعي الجماعي لم يكن ثوريا إلا بشكل سلبي ممتنع عن فهم الناس عندنا، كان منحرفا أو بكلمة مهذبة جدا: هو الإنسان البالغ العازب الذي لا التزامات اجتماعية له! أي أنه ليس بالمعنى الفرنسي الذي يعني أجير.
ما يكرس هذا النمط من التحديد هو بعض الاغاني الامازيغية نفسها، هناك اغنية سبعينية تمثل هذه النظرة حول "الزوفري" على اعتبار أنه إنسان متمرد ضد العادات، منحرف من جهة وثوري من جهة اخرى، هذه الأغنية تقول: "أور ريخ أذاولخ حيذي
ريخ أذيخ ازوفري سو قيظون"
"دعني، لا أحب الزواج"
أحب أن اكون "زوفري
يقطن خيمة". (وطبيعي كان عمال حطب الغابة يقطنون في خيم صغيرة)
اتساءل الآن: كيف للماركسية في مجتمع مختلف أن تبني الرجل البروليتاري المثل؟؟ الزوفري كان إنسانا مكروها عند مجتمعنا، وحتى في الادبيات السياسية، الذي وشى بغيفارا هو رجل بدوي راعي ليس حتى سياسي، وشى به لأن ميليشياته الثورية تنهب أغنامه.
لكن ليس هذا ما أريد قوله، بل أريد القول أن ظهور عامل أجير في مجتمعنا الأغبالي كان مقرونا بظهور "لاكوب" التي تعني حصاد آخر، "أشوال" آخر: حاصد لأشجار الغابة.
أشوال، إشوالن، هم عمال الحصاد في لغتنا، "أزوفري" كانطباع أولي في مجالنا (مجال أغبال)، عامل في مجال الحطب هو ايضا حصاد بتشديد الصاد لكن بشكل مختلف، هو كان مأجورا ليحصد الغابات وهو امر غير مألوف في طبيعتنا، إنه لا يحصد لنا بل لغيرنا، كانت الغابة مصدر رزق في عالمنا ما قبل توغل فرنسا واستثمارها ليس كاستثمار "الزوفري" ومن ورائه الرأسمالي.
"أشوال" عندنا، في مجتمعنا لم يكن مأجورا كما هو معروف الآن: يمكنني ان احصد عند شخص من افراد القبيلة على ان يحصد هو عندي نفس الأيام التي حصدتها عنده (الحصاد بالإقتراض)، او بلغة الأجر يمكنني تعويض شخص بالنقد لينوب عني في حصاد اقترضته من جاري ، يعني ان جاري حصد عندي ولا استطيع الحصاد عنده لتصادف ذلك مع عمل لي ضروري، هنا اكلف شخصا آخر مقابل نقد. يعني سادفع انا النقد وليس صاحب المزرعة الذي أقرضني يوما او يومين في الحصاد في مزرعتي. كانت السمة الطاغية عند الناس في الأعمل هي التعاون، وكان التعاون هذا يصرف بالأشكال الملائمة التي يحضر فيها مبدأ الواجب . الزوفري في هذا السياق من فهمنا كبدو هو اداة للسرقة، يد الرأسمالي الذي شرع ظهير 1917.



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجال أغبال الثقافي: تامزوزرت وداء الكلب
- طريق -أغبال-
- تاقاريط (الخبيزة)
- لعبة الإبتزاز السياسي، حول قضية الصحراء المغربية
- السنة الامازيغية لا تصلح للأدلجة
- زمن الكوارث
- لاول مرة في الحوار اتكلم عن كرة القدم
- اليسار والثورة
- تحرير ماركس من الخرافات..! تحرير أم تفهرس؟
- الامازيغية حين تهان في وطنها
- وزير العدل المغربي وحكاية جوارب
- أخاشث وا (لك هذا)
- الخطأ المقدس
- لماذا نقد الماركسية وليس الرأسمالية
- ردي على تعليق الصديق عبد الحسين في مقالي: الماركسية ليست طوب ...
- الماركسية ليست طوباوية
- المغرب الرخيص وقضايا الصراع الطبقي
- حوار الطرشان في قضية الصحراء
- الغجر
- هل سينجح استيفان دي مستورا في مهمته بالصحراء الغربية؟


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - تتمة: مجال أغبال (ظهور العمل الماجور)