أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الداخل - سعدي















المزيد.....

سعدي


عبدالله الداخل

الحوار المتمدن-العدد: 7158 - 2022 / 2 / 10 - 17:46
المحور: الادب والفن
    


سعدي (1)

1
لَمْ تَـقِفْ
إنما الخَطوُ قصيرْ
ما انحَنَيْتَ ولكنْ
للأَمامِ تميلْ:
هكذا الريحُ تُقاوَمْ؛
بطيئاً لم تكُنْ
لكنَّ الغبارَ كثيفٌ لم يزَلْ
والطريقُ عسيرْ
فهل مَنْ أسرعُ خَطواً
أو أشدُّ اعتدالاً بِـمِشْيَتهِ
أو ثباتاً في المسير؟

2
وكان الحديثُ الأخير
في الحربِ وفي السَّلم
في الظُلمِ وفي الحُب
في الظُلمةِ والنور
في الضَّلال ومعنى الحزب
في جحيمِ هذه الفوضى
وجَــنَّةِ التنظيم

3
يَسْري العراقُ نقيّاً
في الوريد وفي الشَّريانْ
لكنْ، ببُعدِنا الطويلِ عن النهرَين،
يَـبَّسَنا النسيان.

4
خدّانِ في الوجود يرتاحُ فيهما الخدُّ:
خدُّ الحبيبِ بأيِّ مكانٍ أو زمنْ
وبعد انسلالِ العُمْر
يرتاح
في خدِّ الوطنْ

5
في كلِّ عصرٍ كئيبْ
يُقسِمُ الأغنياءُ على "حبِّ الوطنْ"
بوضع اليمينِ على كُـتُبٍ
حَشَوْها
تهديداً، رُعباً، تَهويلاً
وأكاذيب!

6
كان بنظرةِ أمّي وأمِّكَ ألفُ عامٍ للأمامْ
عيناهُما تُؤَامٌ: وئامٌ وخصامْ
وما يؤنِّبُنا، فنَركُنُ للسلام،
وعندما سِرّاً
نغادِرُ الأوطان
بلادَ العُمرِ والذاكرةْ،
عندما، سِرّاً، نبلعُ الريقَ
في وجهِ مَن يُقَبِّلُنا
يَشِي بنا التوديعُ السريعُ،
ونُخفي خوفَنا الضَّمْرَ البعيدَ عليهِمْ
فالوجوهُ نقرأُ فيها: "أتَعودون؟"
إلّا وجوهِ الأمَّهات،
فالأُمُّ وحدَها
تدري ولكنْ لا تريدُ أن تدري
تُصَدِّقُ، لا تريدُ أن تُصدِّق

7
بثرثرةِ البنادق
تهرُبُ الأطيارُ
مُهَمْـهِمَـةً مُحتجَّةً
فإنْ لم تَعُدْ
ماتت الأفراخُ في أعشاشِها

8
الحياةُ سِفـْــرٌ
الحبُّ سطرٌ
ونحنُ نقاطٌ
وذرّاتُ غُبار؛
***
الحياةُ محيطٌ
الحبُّ نهرٌ
ونحنُ قَطْرٌ
أو رذاذ
***
الوطنُ الهواءُ الرياحُ النَّسَـماتْ
نداءاتُ امَّهات،
ونحنُ أَنفاسٌ
نَـأَمات

9
ليس للسماءِ سوى بُعـْـدِ اللون
("الأشياءُ" لها أبعاد!)
ونحنُ لنا بُعـْـدٌ لامحدود:
بُعـْـدُ العطشِ المميتِ إلى الحقيقة

10
لأنّا شظايا
بقايا من نَدِيفِ غُيَيْمةٍ بيضاءَ
تُذَرِّيها الرياح
لن نعرِفَ الآمالَ في الوطن الظَّليمِ البعيد:
هل السَّماءُ من حُفرةٍ
ثُقبٌ في السماء
أم رُقعةٌ من سماءٍ أم لطخةٌ زرقاء؟

11
ومَشَيْنا:
صوبَ تلك الشمس أيضاً،
دليلُنا نهرٌ عظيمٌ
وخَلْفَنا الأحراشُ والبِيدُ
وسِرنا، تعثَّرْنا، نهضْنا،
ومَشَيْنا
وقد جفَّ من خَلْفِنا النهرُ
وتَـكـبُرُ الأحراشُ والبِيدُ؛
إنما التقدمُ رجعةٌ
سلسلةُ انكساراتٍ صغيرة،
ولا بُدَّ للخَطو أن ينمو
وأن نَعدو
لا بُدَّ من دليلٍ سيُرشِدُنا
لا بُدَّ من نَـهرٍ جديد

12
في بسمةِ الشمس التي
يُبادلها الصباحُ في غرفتي
عناقاً والمرايا
برجفةِ ذلك الغُصن الذي
تململَ في حُضن النسيم
من أين سيأتيني التفاؤلُ
إنْ لم أفتحِ النافذة؟

13
لا تلُمْهُمْ!
فهم فقدوا ما في الصُّدور وصاروا
بدونِ قلوب!
شعراءَ من عالمٍ ثانٍ
غريبٍ ومُريب
زوَّروا الحُبَّ الحقيقيَّ ومعناهُ
كتبوا مطوَّلاتِهِمْ في "الحُب"
(أو "غَزَلِ النساء")
حينَ موتِ الفقراء
أزمانَ الحروب!

14
ما زلتَ في العراق
عند حدود اليأسِ من وطنِكْ
رغم أنك الآنَ تَحْيا بأبعدِ قريةٍ عنه
إيّـاكَ أن تَـغفو على أيٍّ من الآمالِ القديمة
وَعُدْ مع الجرحى في الغروب
إلى البيتِ، إلى السلام
قبل حلولِ الظلام

15
في البستان يُشاكسُنا
سَعَفٌ
من واطئِ النخلِ أو الفسيل
يَصْغُرُنا عمراً
وتعترضُ الاغصانُ وأوراقُ الغَرَبْ
على المرور بها إنْ لم نُصافِحْها
لذا نُصافِحُها؛
والشمسُ لم تُــعْـمِنا
لأنّا نؤدّي تحيَّتَها
فنُظَلِّلُ العينين
كلَّما نظرنا في القريبِ وفي الأبعدِ
فَـتَـقْوَى العيونُ في ظِلِّ أيدينا
أو يوسِّعُها الظلامُ
وإنْ لم تُثْـمَدِ

16
خرافةُ الخُلودِ أم "حكمةُ" العَدَمْ
ما يَسْتَقِرُّ فينا من الأوهام؟
فنَغضَبُ إنْ تُمنَعَ الأحلامُ عنا
وإن كان المنامُ طويلاً،
فهل نَـتيهُ في المَسِير الذي نعرفُهُ
أم تُضَيِّعُنا القَدَمْ؟

17
أنا قطرةٌ من سَطحِ بحرٍ أثارَتْهُ الرياح
حلّقَتْ في الهواء وحيدةً
ثم عادت
تدحرجتْ على السطح!
الوجودُ المعرفةُ الوعيُ الرفضُ:
الرمالُ جبالٌ مهشَّمةٌ
ما زالَ يَسحَنُها المطر
وهُمْ لم يَشُمُّوا بعد
ملحَ هذا المحيطِ الذي يَملأُ الرئتين!

18
يختلي الوباءُ الصغيرُ بنا
يطوِّقُنا، فَنَنْسى الوباءَ الكبير!
فهل جعلوا للحياةِ من معنى
حين صفّقوا للناجينَ ممّن غادروا المَشْفى؟
فإنّي، كعادتي بين الحين والحين،
صفَّقتُ للموتى
ومَن غادَرَ المبنى
كمن يُغادِرُ سِرّاً
من بوابةٍ خلفيةٍ، أخرى،
فحين نقرر أن نبقى
مُتَسَكّعِينَ في الممشى
فإنما كي نكونَ آخرَ القتلى

19
تَبْـقى ولن تُنسى،
يا "سَعــْـداً"، مع الأعوام، تَـحيا
ويحيا العَنْدُ في الذكرى
فلا صَدَأٌ يَـمُضُّ بالتِّبـْـرِ السَّبِيكِ
ولا قَطْرٌ ولا نَهـرٌ
يُغَـيِّرُ شَكْلَ الحــَـصَى السَّمِيكِ
ولا مَجرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سعدي جبار مكلف. ظُلِمَ ولم يَظلِم أحدا.
في البَدءِ ظَلَمَهُ الطبُّ المتخلف في بصرة الخمسينات وعطّل إحدى ساقيه عن أداء وظيفتِها بشكل طبيعي مذ كان في السابعة. وكمناضلٍ، في شبابه وحياته التالية، كان يُلاحَظ على الفور، فصار ضحيةً سهلةً لمراقبة أفراد البوليس السري العراقي في البصرة وغيرِها من المدن التي اضطُهِد فيها، كذلك في الأماكن التي عمل فيها كمدرّس فيزياء في المدارس الثانوية في العراق أو المدن التي مضّى فَتَراتِ سَجنه الطويلةَ فيها، كبغداد والرمادي والعمارة؛ وفي النهاية، ظلمه الطب (أيضاً) في سدني، أستراليا، حين لم يَكتشِف، في وقت مناسب، الخطرَ المُحدِقَ به رغم ترددِهِ على أطبائه بشكل ملحوظ قُبيل موته المفاجئ.
وبين هاتين الحالتين من نوع واحد من الظلم كانت هناك حالات أخرى كثيرة، بأنواع مختلفة. فقد ظلمته أنظمة الحكم الرجعية في العراق مثلما ظلمت شعبَه، أوّلُها نظام البعث الفاشي الأول (1963) وآخرُها نظام اللصوص صنيعة الاحتلال الحالي. وبينهما ظَلَمَهُ النظام العارفي-الناصري الرجعي، فظلَّ سجيناً أثناءه، ثم نظام البعث الفاشي الثاني؛ وظَلَمَهُ، أيضاً، الخونةُ أدعياءُ اليسار الذين نصبوا فِخاخَ تنظيمِهم السِّرّي المزوَّر لآلاف العراقيين على مدى أربعين عاماً (1963-2003) ثم واصلوا تنظيماتِهم العلنيةَ بعد الاحتلال! لكنه صار فيما بعد واعياً لهذا النوع من الظلم وأدانَهُ. وظلمه أيضاً بعضُ أقاربه في قصة حب لم تكن ذاتَ نهايةٍ سعيدة، فانعكس هذا في بعض أشعاره الشعبية. كان طيباً، واضحاً وصريحاً في توجيه النقد.
كلُّ هذا الحَيْفِ، بأنواعه وأزمانه الطويلةِ، لم يؤَثِّر كثيراً على روح السخريةِ التي امتاز بها سعدي في حياته الخاصة وعلاقاتِه برفاقه وأصدقائه، بل ربما كانت السخريةُ سلاحَه الطبيعيَّ لهدفين متلازمَين: الدفاع المشروع عن النفس، وكسب الآخرين إلى جانبه من أجل تعزيز هذا الدفاعِ الذي كان يوازي، إلى حدٍّ ما، دفاعَه عن المُثُل والمبادئ التي يحملها، وفي مقدمتها مبادئ المساواة والعدالة بين البشر، المبادئ الاشتراكية السامية.



#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين والجنون - 20
- الدين والجنون 19 - حديثُ البسطاء
- ويَمِضُ الكُرْدُ في ظلام الذاكرة!
- القرية 85 - الخونة
- الدين والجنون 18
- القرية 86
- Portfolios 5
- إحسان عبد الحميد، مدرس العربية
- حقائب - 4 – Portfolios
- الدين والجنون - 17
- الدين والجنون -16
- عميدة عذبي وروبرت جوردن
- ثلاث كلمات صغيرة
- الحرية للشاعر العراقي إبراهيم البهرزي
- سِفْرُ التحدّي 3
- مقدمة في إلغاء الدين
- حقائب عبدالله الداخل 3
- القرية 84 - وفاء
- القرية 83 - أمين الخيّون
- مشروع إنشاء الوهم - قصة قصيرة


المزيد.....




- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...
- بطوط الكيوت! أجمل مغامرات الكارتون الكوميدي الشهير لما تنزل ...
- قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن
- الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما ...
- أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات ...
- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب
- مهرجان كان: دعوة إلى إضراب للعاملين في الحدث السينمائي قبل أ ...
- حفاظا على الموروث الشعبي اليمني.. صنعاني يحول غرفة معيشته لم ...
- فلسفة الفصاحة والخطابة وارتباطهما بالبلاغة


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الداخل - سعدي