أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد هادف - النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الرابع)















المزيد.....



النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الرابع)


سعيد هادف
(Said Hadef)


الحوار المتمدن-العدد: 7156 - 2022 / 2 / 8 - 21:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ضم الجزء الرابع من ملف النخبة المغاربية (الأسبوع المغاربي، العدد 96)، أربعة مقالات. المقال الأول حول النهضة العربية، حيث استعرض فيه كاتب هذه السطور المفهوم السائد للنهضة العربية كما طرح الأطروحة النقيضة ومن ثمة قدم الأطروحة البديلة التي تقدم النهضة بأمكنتها المتعددة والتي أطلق عليها اسم النهضة العربوفونية من منطلق أنها نشأت في بيئات متعددة الألسن والعرقيات والديانات. أما المقال الثاني فهو للدكتور ادريس لكريني والثاني للدكتور عبد السلام فيلالي ومقال حول كتاب "براد المخزن ونخبة السكر" للروائي والإعلامي عبد العزيز كوكاس.

النخبة المغاربية والنهضة العربية: النهضة، النخبة والواقع العربي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تكن النخبة المغاربية معزولة عن محيطها العربي، بل كانت وثيقة الصلة بالمشرق بوصفه مركز النهضة الحضارية والتفوق الأدبي والثقافي في العالم العربي، ولا يمكن فهم النخبة المغاربية إلا من خلال فهم النخبة الناطقة باللسان العربي. لقد قرأ جورج طرابيشي الإرث الفكري العربي قراءة نقدية تحرى فيها الموضوعية والعمق، وساءل الانتلجنسيا عن سوء جودة محاصيلها التي أضرت بالمستهلك العربي ولاسيما السياسات التي تغذّت على تلك المحاصيل أو اقتاتت منها، وخصص حيزا كبيرا في تحليل خطابها بوصفه خطابا عُصابيا يعكس تدهورها النفسي وقصورها الفكري، وهو أمرٌ، لا يدعو فقط إلى معالجة المدمنين على هذا الخطاب، بل يدعو إلى الإعلان عن حالة طوارئ طبية شاملة تستنفر كل الطاقات وتجنّدها حتى يكفَّ هذا الوباء عن الانتشار في عالمنا العربي الذي يوشك أن يصبح منطقة منكوبة (هناك بلدان أصبحت منكوبة فعلا). ولأن الحكم على الشيء جزء من تصوره على حد تعبير أهل المنطق، فإن معالجة وضعنا الموبوء جزء من تشخيصه. ومهما أخطأت الانتلجنسيا فقد اجتهدت، وخطؤها لا يقلل من شأنها ولا من إيجابية دورها، ولكن بشرط أن تخضع للنقد والمساءلة العلمية كما فعل جورج الذي أبلى حسناً في تشخيص الظاهرة، بل أحرز تقدما نوعيا في بناء براديگما أكثر مرونة في تمثل الواقع العربي على حقيقته، ومع أنه لم يُعِدْ النظر في "مفهوم النهضة"، فقد عبر عن موقفه من التباس بعض المفاهيم المتحركة في حقل التداول العربي، كما دعا إلى قراءة مجددة لمفهوم النهضة. وقد كنت بدوري، كمتابع للمشهد الفكري العربي ولتمظهراته السياسية، انشغلت بسؤال الدولة إلى درجة الانعزال عن حياتي المعتادة والعكوف على بحث متشعب، قادني في نهاية المطاف إلى خلاصات حول عدد من القضايا والمواقف والمفاهيم، كان “عصر النهضة” من ضمنها، لذا، فإن جورج وإن لم يُعِدْ النظر في مفهوم النهضة، فإن في منهجه ما يدعم قراءتنا، لأن “الأسماء [لديه] لا تقل أھمیة عن المسمیات”، ولأن “تغییر الأسماء [لديه]، ھو المقدمة والشرط الضروري لتغییر المسمیات”.

النّهضة العربية: الأطروحة السّائدة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النهضة العربية، اليقظة العربية، أو حركة التنوير العربية؛ هي “المفاهيم” التي تم تكريسها للتعبير عن الحالة الفكرية والاجتماعية التي سادت أساسًا في مصر العلوية وسوريا العثمانية، وامتدت لتشمل عواصم عربية أو ناطقة باللسان العربي كبغداد، وفاس وتونس ومراكش، تمامًا كما في المهجر، خلال القرن التاسع عشر. يحدد بعض المؤرخين أمثال ألبرت حوراني تاريخ بدء النهضة عام 1798 بالحملة البونابارتية، ويربط جورج أنطونيوس “اليقظة” العربية بزمن الحراك الجمعوي السوري (الأدبي والعلمي) من سنة 1847 إلى سنة 1867. ويؤرخ لها آخرون بعام 1832بدخول إبراهيم باشا إلى سوريا، لتنتهي مع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، وهناك من يحدد تاريخها بخلع السلطان عبد الحميد الثاني.
يذهب بعض الباحثين أن حركة التنوير العربية في القرن التاسع عشر كانت تشمل عددا من الحواضر العربية، ويرون أن البحث المعاصر في تركيزه على القاهرة وبيروت قد أهمل دور الحواضر الأخرى كحلب ودمشق وتونس وفاس والجزائر، وتؤكد هذه الأبحاث على أن حلب في ستينيات القرن التاسع عشر كانت من أهم مراكز التنوير. وقد رفع أغلب رجال النهضة شعارات الثورة الفرنسية، بالحرية والعدالة والمساواة، كما تأثروا بفلاسفة عصر الأنوار الأوروبي.
ولئن اختلف الدارسون والمؤرخون حول مفهوم النهضة، وجغرافيتها وزمنها، فقد اتفقوا أن النهضة أفضت إلى إعادة انتشال اللسان العربي مما طرأ عليه من تقهقر، وأنها قدّمت أدبًا عربيًا معاصرًا للمرة الأولى منذ قرون، وأنها، عبر الجمعيات السياسية، بعثت مشاعر الهوية القومية مجددًا، كما ناقشت قضايا الهوية بالبلدان العربية في علاقتها بالحراك العثماني. وعارضت الحكم المركزي للدولة العثمانية. وأن من سماتها أيضًا، اتساع الحراك الجمعوي (الأدبي، العلمي والسياسي)، وحركة التأليف والترجمة، وانتشار المدارس والجامعات، وتأسيس الصحف والمجلات.

النّهضة العربية: الأطروحة النّقيضة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في كتاب صدر سنة 2006، تحت عنوان “النهضة العربية الحديثة”، تطرق فيه المؤرخ المصري عبد العزيز نوار إلى الوضع العثماني في مصر وبلاد الشام والجزيرة العربية في النصف الأخير من القرن الثامن عشر. واستنادا على عدد من الوثائق، أسس مقاربته التاريخية لإضاءة العقود الخمسة التي سبقت الحملة البونابارتية و”الصدمة” التي خلفتها في الشعور القومي العربي. والفكرة-الإطار للكتاب كما يدل عنوانه بشكل صريح وكما توحي المقاربة، أن تاريخ “النهضة العربية” لم يبدأ إثر الحملة الفرنسية، بل قبل ذلك بنصف قرن. وقد حصر جغرافيتها في مصر ونجد. أما بخصوص آباء هذه النهضة فهم: علي بك الكبير في مصر، ومحمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود في نجد.
ويرى عبد العزيز نوار أنه في غمار تعاظم المد الأوروبي في العالم وتفوقه في البحار والمحيطات، وتراجع النفوذ العثماني على الولايات، كان حكام مصر من المماليك “يرون أن لا حقّ لأحد غيرهم في حكم مصر سواء أكان من الداخل: فلاحون أو عربان، أو كان من الخارج: الأتراك العثمانيون”. “وخلال هذه الفترة من الستينيات من القرن الثامن عشر برزت شخصية علي بك ليس فقط كحاكم لمصر وإنما كمنفذ للسياسة الخارجية التقليدية لحكام مصر الأقوياء السابقين في أن يكون لهم اليد العليا في الشام وحوض البحر الأحمر”. وبعد صراعات خاضها المماليك ضد بعضهم نجحوا، في شخص علي بك الكبير، سنة 1768، في أن يستعيدوا حكم مصر. وهذا الحدث، من وجهة نظر عبد العزيز نوار “يعتبر ظاهرة عامة غطت الغالبية العظمى من الولايات العثمانية وهي ظاهرة استبداد العصبيات المحلية بحكم الولاية رغما عن الحكومة المركزية التركية”. ولأسباب اقتضتها طبيعة الصراعات الأممية والإقليمية، تحرك علي بك إلى الشام. ويعتقد نوار أن هذه السياسة التي انتهجها علي بك هي “نوع من السياسة التقليدية لأي حاكم قوي لمصر” ويعني بها “أن يكون لمصر الكلمة العليا في دمشق”. كما “تطلع [علي بك]إلى أن تصبح كلمته هي العليا في الحجاز والشام”. ويبرر نوار هذه التطلعات التوسعية من منطلق أنها لا ترمي إلى “حماية مصر من أخطار تأتي من الشرق، ولكن أيضا من أجل استعادة البلاد العربية دورها الجوهري على خطوط التجارة والمواصلات العالمية”.
في ذات السياق، أيضا، برزت شخصيتان في نجد: محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود. كانت لحركتهما التي انطلقت سنة 1744 أثر بالغ في التحولات التي عرفتها الجزيرة العربية ومحيطها الإقليمي، ليس في تلك الفترة فحسب، بل على امتداد مسافة زمنية قاربت ثلاثة قرون، حتى يومنا هذا. وقد أفرد لهذه الحركة فصلا وعززه بعدد من الوثائق العربية والأجنبية.
فعلى التخوم الصحراوية للإمبراطوريا العثمانية، وفي قلب الجزيرة العربية، “نشأت حركة إصلاحية، استلهمت تفكيرها من المذهب الحنبلي”، وشكلت تحديا للقوى القبلية كما للسلطة العثمانية وأسست سياستها على الشريعة بديلا عن العادات الجاهلية، وعلى “روح التضامن الإسلامي محل العصبية القبلية”، ومن ثم وجهت “قوى البدو الحربية نحو جهاد دائم. وفي أواخر القرن الثامن عشر، كان الوهابيون قد سيطروا على أواسط الجزيرة والخليج الفارسي، ثم ما لبثوا أن دمروا كربلاء في أطراف العراق، واحتلوا الحجاز، وأخذوا يهددون دمشق”.
وما يهمّنا في الكتاب، بدءا بعنوانه، أن المؤرخ نوار يختلف مع مؤرخي النهضة حول زمنها المؤسس وجغرافيتها وروادها كما أسلفنا.

النّهضة العربية: الأطروحة البديلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن المعطيات التي تستند عليها الأطروحتان وجيهة، لكن القراءتين، في تقديرنا، كانتا تحت تأثير اعتبارات ذاتية وأيديولوجية، ونقاط اختلافنا حول الأطروحتين نوجزها فيما يلي:

ألف: أطروحة عبد العزيز نوار ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مقاربته للمثال النجدي، استند نوار على معطيات تاريخية مشاعة لدى الدارسين، ومن جهتنا نتفق معه في كون الحركة الوهابية مثلت “النهضة” كونها توفرت على مشروع أيديولوجي ومؤسسين: مُنَظّرٌ أيديولوجي وسياسي هو محمد بن عبد الوهاب، ومنفذ سياسي وعسكري هو محمد بن سعود. وهذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل لاحقا. أما المثال المصري، فيبدو، في تقديرنا، أن المؤرخ تعسف في ربطه، ولو سياقيا، بالمثال النجدي، حتى بدا كما لو أنه مقحم. فالمثال المصري في صيغته المملوكية لم يتأسس على رؤية سياسية ولم يتوفر على مُنَظّرِ أيديولوجي، بل أن اللاعب الوحيد في المثال المصري هو علي بك الذي لم يكن يحسن سوى العمل العسكري. فضلا عن ذلك هناك من يرى، استنادا على المعطيات التاريخية، أن فكرة القومية (عربية كانت أو مصرية) لم يكن لها وجود لدى الجماهير المسلمة المصرية التي كانت تعتبر نفسها من “أمة محمد”، أما وعيها الهُويّاتي كان يأخذ طابعا محليا مرتبطا بمسقط الرأس (“مصري قاهري” و”إسكندراني” ..الخ). هذا النوع من الوعي لم يكن يحتقر فقط المصري الوطني النصراني، الأقباط (الغرباء) والروم الأرثوذكس، بل و”السوريين الغرباء” مسلمين ونصارى على حد سواء. وحتى الفئة المثقفة المصرية لم ترتفع بفكرها الاجتماعي السياسي وتصوراتها الوطنية عن مستوى المؤسسات الإدارية السياسية والعلاقات الاجتماعية الاقتصادية الناظمة لحياة البيئة التي نشأوا وترعرعوا فيها. واعتقد عبد الله النديم أن الوحدة الوطنية تشمل الأقباط بوصفهم أجانب على أرض مصر، وخصوصا السوريين الذين هاجمهم بعنف بالغ على أنهم دخلاء ومرابون فاحشون وصنائع للفاتح الأجنبي، وسار على هديه مصطفى كامل الذي وصف اللبنانيين بالدخلاء.
فالحراك القومي العربي في مصر نشأت بذوره الأولى في سياق كان يبحث فيه محمد علي عن غطاء أيديولوجي يفتكّ بفضله عرش الإمبراطوريا العثمانية، أو على الأقل يضمن الاستقلال والسيطرة على الأقاليم التي كانت في حوزته. ويؤكد هذا الرأي أن مصر بالرغم من لسانها لم تكن تعتبر نفسها عربية خالصة وهي ذات النظرة التي نظر بها الآخرون إلى مصر.

باء: الأطروحة السائدة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا: أقصت هذه الأطروحة وجهات نظر من اعتبرتهم رواد النهضة، كما تجاهلت امتدادهم في تاريخ التحولات التي سبقتهم وقد كانت تلك التحولات عاملا أساسيا في بلورة رؤاهم ومواقفهم من عصرهم. فبروز محمد علي مؤسس مصر الحديثة ليس سوى امتداد لحركة علي بك في مصر. ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والأفغاني والكواكبي كانت مواقفهم من محمد بن عبد الوهاب يطبعها التقدير والثناء. وبالتالي، فإن الحركة الوهابية التي اشتهرت بالحركة الإصلاحية، ليست في النهاية، سوى نهضة تطابقت مع شرطها الزمني والجغرافي. وما دام مؤسسها ومكانها عربيين؛ فهي "النهضة العربية".
ثانيا: لم يكن متاحا لمحمد بن عبد الوهاب وشريكه في المشروع، وبالتالي لم يكن مطلوبا منه أن يبتكر مشروعا حداثيا على النمط الغربي. فالرجل ولد ونشأ وترعرع في بيئة بدوية، وهي البيئة التي استهدفها مشروعه. وهي بيئة لم تكن تتوفر على حاضرة واحدة في مقام حواضر الشام وشمال أفريقيا، علاوة على أن ابن العيينة أعلن عن مشروعه عام 1744 في وقت كانت النهضة الأوروبية لا تزال تتمرن على المشي. أي قبل الثورتين الأمريكية والفرنسية بأكثر من ثلاثة عقود، بل أن الثورتين لم تكونا حتى في وارد التوقعات. ولم يكن الزمن الغربي قد أنتج مفاهيم الحداثة ونظرياتها التي لم تصبح قيد التداول العربي، وبشكل محدود وخجول، إلا في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، أي بعد قرن من ظهور المشروع الوهابي.
وإذا كان رواد النهضة خرجوا من رحم دولة مصر العلوية، أي من تحت الرداء “السياسي” لمحمد علي “العسكري”، فإن الدولة السعودية خرجت من رحم المشروع الوهابي. أي، إن محمد بن عبد الوهاب هو المؤسس، نظريا، للدولة السعودية، بينما الدولة المصرية كانت الراعي الرسمي للحراك الفكري والأدبي والديني الذي اشتهر تحت اسم “النهضة العربية”.
لقد كان محمد بن عبد الوهاب رجل دين أبا عن جد، وابن بيئة اجتماعية ثقافتها تبدأ من الدين وتنتهي إليه. وبصرف النظر عن الرواية التي تحدثت عن علاقته بهمفر الجاسوس الانكليزي، واستدعاءًا لمفهوم “الصدمة” كعامل أسس عليه الدارسون والمنظرون مفهوم “النهضة”، فإن رجل الإصلاح والتوحيد والتجديد لم يكن يشذ عن باقي المثقفين العرب، بل يمكن القول أنه أول من عاش تلك “الصدمة”، وأول من حاول تجاوزها بمشروع متماسك، خالٍ من اللعثمة والتأتأة التي اعتورت النهضويين الذين جاؤوا من بعده. فهو لم يؤسس مشروعه على الدين من أجل الدين ذاته، بل من أجل هدف سياسي صرف، مستلهما رؤيته ومنهجه من أهل الحديث ولاسيما ابن حنبل وابن تيمية، بل هناك من سعى إلى إخراج حياة (محمد نجد) بالصورة التي ظهر بها (النبي محمد في الحجاز). وقد عمل على إعادة بناء الحياة القبلية في نسق سياسي تنضبط فيه كل قبائل الجزيرة، وتخضع لقائد واحد وتحت لواء واحد ومعاداة كل من يرفض الانضواء تحت هذا اللواء، وهذا ما تختصره العبارة الشهيرة: "الولاء والبراء".
كان الدين المدخل الوحيد والرافعة الأساسية لهذا المشروع السياسي كخلفية أيديولوجية مختلفة على مستوى البراديگما، وبالتالي على مستوى الخطاب. فحتى يكون هناك تواصل بينه وبين شيوخ القبائل والأمراء وبشوات الولايات، كان لا بد من خطاب جديد، لا يختلف عن السائد فحسب، بل خطاب صادم بدوره، يتسم بالمشروعية والمعقولية طعنا في شرعية البراديگما السائدة وكشفا لانحراف خطابها الرسمي والشعبي. ذلك أن “الخطاب شكل من أشكال السيطرة يدرج الكلام والتنظيمات والتصنيفات في أحد أجهزة الهيمنة أو (ميكروفيزياء السلطة). الخطاب هو أداة سيطرة تزداد إحكاما”.
وفي ضوء ما تقدم، فإن انتلجنسيا التنوير العربي أخطأت في تحديد موقفها النقدي، بل العدائي إزاء محمد بن عبد الوهاب ومشروعه داخل الجزيرة وليس إزاء المشروع الوهابي/المتوهبن خارج الجزيرة. وجراء هذا الموقف أخفقت في إدارة النقاش حول مشروعه في صيغته الخليجية، كما حول النهضة في صيغتها المصرية، الشامية والمغاربية.
ثالثا: بعد أن أقصت وجهات النظر المختلفة، وقمعتها، كرست الأطروحة السائدة براديگما لاتاريخية، ومثلما تعثّر المشروع النهضوي المصري، انتكس ذات المشروع في سوريا بعد أن ظل المشهد السياسي-الفكري في بلاد الشام يتغذى من الخيال الجامح بوعي مفارق للواقع الملموس. وتلك الأحلام الشاردة في سماء ذلك الخيال لم تتوفر لها شروط الالتحام بأرض الواقع، فتشظّت تلك الأحلام بسبب تناقضاتها المنطقية.
ظل المفهومان: “الأمة” و”القومية/الوطنية (الناسيوناليزم)” من المفاهيم الغامضة، ففي سوريا نما شعور مخالف للقومية العربية، فكان هناك من يؤمن بالأمة السورية واللبنانية. وهناك من كان يعمل من أجل استقلال لبنان ويعتقد أن لبنان أكثر ارتباطا بالغرب، بينما هناك من كان يرى في استقلال لبنان سيطرة الموارنة والثقافة الفرنسية، فانتصر لفكرة سوريا كوسيلة للتخلص من وضع الأقلية. وكان دعاة القومية السورية يعلنون أن السوريين ليسوا عربا، وليس هناك أمة عربية، وأن فكرة القومية العربية مزعومة خلقها الأمير فيصل والانكليز (جورج سمنة). وكان مفهوم القومية العربية والوحدة لا يشمل شمال أفريقيا(مصر والبلدان المغاربية لم تكن في نظرهم بلدانا عربية)، كما كانت كلمة عرب تطلق فقط على الجزيرة والعراق وسوريا.
لم يستوعب رواد النهضة الشرط التاريخي الذي أسس لوجودهم، وقد غاب عنهم أن مؤسسي النهضة الأوروبية لم يكونوا مسيحيين بقدر ما كانوا علمانيين، أي بُناة النهضة هم أولئك المتحولون من البراديگما اللاهوتية إلى البراديگما الوضعية العقلانية. وقد نلتمس عذرا للأسلاف؛ فما الذي منع جيل النهضة الثاني من تغيير البراديگما؟
إن مفكري النهضة من بداية القرن التاسع عشر حتى اليوم لم يستوعبوا شرطهم التاريخي، ولم ينتبهوا إلى “المقولات” التي أسست للزمن العربي-الغربي: المسألتان الشرقية واليهودية وما ترتب عنهما من تحولات ميدانية على مدى القرون الثلاثة الماضية، ثم مشروع الشرق الأوسط الجديد ومخاضاته المؤلمة.
إن التحولات التي عاشها عالمنا العربي اصطبغت بالعنف، وترتبت عنها أوضاع كارثية كون الانتلجنسيا لم تكن شريكة واعية في العمل على الحدّ من عنف تلك التحولات، أي أنها لم تميز بين الغرب الديمقراطي وقواه المناهضة للديمقراطيا، وبين العروبة كقومية أيديولوجية وبين العروبة كفضاء جيوسياسي، ولم تقرأ هذه الانتلجنسيا عصرها بشكل واع في سياق الصراع الغربي-الغربي بين مدّه الديمقراطي ومدّه الإمبريالي. وبالتالي، ظلت عائدات خطابها المعادي للإمبرياليا تصب بسخاء في رصيد الغرب الإمبريالي وحلفائه وعلى حساب شعوبها، بل وعلى حساب الديمقراطيا في معاقلها الغربية. والوضع الكارثي الذي آلت إليه أغلب بلدان العالم العربي، لا يتحمل مسؤوليته المُتوهبنون وحدهم، بل يتحملها، أيضا، وبقسط كبير، كل تيارات الانتلجنسيا بخطاباتها المسكونة بالحنين إلى ذلك المجد الإمبريالي: الأموي والعباسي.

جيم: الأطروحة المقترحة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الإخفاق في إدارة نقاش علمي حول الحراك الفكري الذي عرفته حواضر الشام وشمال أفريقيا، في تقديرنا، ناجم عن قصور نظري/مفاهيمي، ناجم بدوره عن خلط منهجي بين مشروع محمد بن عبد الوهاب والمتوهبنين من خارج الجزيرة، ولاسيما أبناء الحواضر الشامية والشمال-أفريقية، من مفكرين ورجال الدين في القاهرة ودمشق وبيروت وتونس وقسنطينة وفاس وغيرها من المدن التي تحولت إلى حواضن سلفية رغم نمطها الحضاري والاجتماعي المنفتح على الغرب. فالنخبة الدينية والفكرية والسياسية لتلك الحواضر، وبسبب ضيق أفقها وقصر نظرها، وبسبب تعاليها عن منطق التاريخ والجغرافيا، كما بسبب كسلها وتبعيتها وانتهازيتها، أو بعبارة مختصرة، بسبب جهلها المُركّب، قلّدت كاركاتورياً المشروع الوهابي، وكتحصيل حاصل، كانت بلدانها ضحية هذا الجهل المُركّب. فتلك الإخفاقات التي تضخمت إلى كوارث في بلدان الشام وشمال أفريقيا واليمن، ظلت بلدان الخليج في منجى منها. بصرف النظر إن كانت لهذه النجاة ضمانات في المستقبل أم لا؟
في انتظار ما سيتكشف عن المستقبل، فلا يسعنا إلا أن نقول أن المشروع الوهابي-السعودي صمد في الوقت الذي انهارت فيه كل المشاريع العربية بشكل تراجيدي؛ وبصرف النظر عن موقفنا منه، فإن هذا المشروع في صيغته الخليجية قد حقق تطورا مطردا، وبعد أن راكمت حواضنه/حواضره الخليجية تجاربها في كل المجالات، وبعد أن انحسرت البداوة بفعل التأثيث العمراني الحضري للجغرافيا، وبعد أن تشبع الجيل الخليجي المعاصر بهواء الغرب، وخرجت بلدانه من نمطها البدوي إلى عالم الحضارة. بعد ذلك كله، انفتح النقاش السياسي، الفكري والديني حول الحقوق والحريات، وحول علاقة الجماعات الدينية بالإرهاب، وحول هيكلة الحقل الديني، وإعادة الاعتبار للتاريخ العربي ما قبل الإسلام. وبدا واضحا أن الانتلجنسيا الخليجية شرعت في تأسيس زمنها الجديد بلغة العصر، وأن الدولة التي قامت على خلفية ثيوقراطية بدأت تستجيب، كرها وطوعا، إلى دعاة الحقوق والحريات، وبدأت تعد العدة للانتقال من نسقها الثيوقراطي إلى نسق علماني.
وعودة إلى الشام وشمال أفريقيا، فمن المعلوم أن رواد النهضة التي اشتهرت تحت اسم “النهضة العربية”، كانوا كلهم من حواضر تلك البلدان، وهي بلدان متعددة الألسن والديانات والإثنيات، فضلا عن تعدد تياراتها السياسية والأيديولوجية، هي بلدان ناطقة باللسان العربي وليست بلدانا عربية بالمعنى الإثني والأيديولوجي، وبالتالي كان من المفترض أن يكون اسم النهضة مطابقا لمُسمّاه، فإشكالية الاسم والمسمى هي التي شكلت هاجسا لدى طرابيشي حين قال: “والنهضة فضلا عن كونها سيرورة… فهي مفهوم النهضة”، وإذا اختزلنا عبارته لقلنا “النهضة هي مفهوم النهضة”. أي مسمى النهضة مشروط بمدى تطابقه مع اسم النهضة، أي تطابق الدال مع مدلوله بالتعبير السيمانطيقي، أي تطابق الشيء مع مفهومه. وإذا كان مفهوم “النهضة العربية” ليس هو “النهضة العربية ذاتها”، فما بالك بمن يتحدث عن هذه النهضة العربية وهو يقصد نهضة الشام أو نهضة مصر أو نهضة المغرب الكبير؟ لأن النهضة العربية هي تلك التي نشأت في نجد واتسعت في جغرافيا الجزيرة. أما الحراك الفكري والسياسي الذي عرفته حواضر الشام وشمال أفريقيا، فقد كان يترجم نهضة ناطقة باللسان العربي، قادها وأسس لها مسلمون ومسيحيون، شاميون ومصريون ومغاربيون، من مناخات ثقافية متنوعة بدورها (عربية، كردية، أرمنية، قبطية، أمازيغية، سريانية، درزية…)؛ وكتحصيل حاصل، فإن تدقيق النظر في هذه النهضة، يكشف لنا أنها كانت عربية اللسان فقط، أي نهضة عربوفونية (Arabophone). فلو اهتدت إلى اسمها الحقيقي، لاهتدت إلى هويتها، ولسهر الناطقون باسمها على تنميتها، عموديا وأفقيا، أي على مستوى كل قطر أو إقليم من جهة، وعلى مستوى العالم العربي من جهة ثانية. وفي تقديرنا هنا يكمن لغز الانقلاب الذي أرق جورج طرابيشي لدرجة أنه وصفه بالجائحة الأيديولوجية، وأنه أصبح وباء نفسيا، “يتهددنا جميعا بدون ضمانة من أي مناعة”. ويعترف جورج أنه قد تورط في معركة عن سبق قصد وتصميم، ذلك أن الأمر لم يعد مطاقا، وعلى هذا الوباء أن يتوقف، ولن يتوقف إلا بمخطط فكري مضاد، بخطاب مضاد يقوده “كل مثقف عربي حريص على أن تكتب له النجاة”.
كان المغاربيون على صلة وثيقة بالمشرق، وقد تأثرت الأقطار المغاربية بكل الطقوس الأيديولوجية التي عرفها المشرق: من المذهب الوهابي منتصف القرن الثامن عشر إلى المد الداعشي والشيعي في وقتنا الراهن، مرورا بالأيديولوجيا الإخوانية، والبعثية والناصرية خمسينيات القرن العشرين، والأيديولوجيا الخمينية ثمانينيات القرن العشرين، فضلا عن الأيديولوجيات ذات المنزع الشيوعي والاشتراكي. وبالموازاة كانوا تحت تأثير أوروبا الشرقية والغرب بدء بفرنسا ثم أهم البلدان الغربية، ومثلما كان للشرق دور في بزوغ النزعة العروبية والإسلام السياسي والإسلاموية عموما، كان للغرب دور في بزوغ التيارات الاشتراكية والليبيرالية والفرنكوفونية والنزعة المزوغية...
اشتهرت المنطقة المغاربية بالزوايا الصوفية منذ القدم، بل يمكن القول أن الفضاء المغاربي، إلى يومنا هذا، تنتظمه شبكة من الزوايا متعددة الوظائف: روحية، ثقافية، اجتماعية، وقد تضطلع هذه الزوايا بأدوار سياسية حسب نفوذها المحلي والإقليمي.
هذه الزوايا، وإن كانت تضم النخب المغاربية التقليدية، فهي تضم أيضا أكاديميين وسياسيين ورجال أعمال وإعلاميين وفنانين ورياضيين وحتى مفكرين، فضلا عن مثقفين يرتبطون بهذه الزوايا بشكل أو بآخر، ولاسيما الزاوية التيجانية والقادرية والزاوية البوتشيشية.
ومع نهاية القرن التاسع عشر ظهرت مؤسسات حديثة منتجة للمعرفة في ظل الاحتلال الأوروبي وتطورت مع الاستقلال: جامعات، معاهد ومراكز أبحاث ووسائط ثقافية أخرى من مجلات علمية متخصصة وكتب فكرية وصحف وبرامج تلفزية انتشرت عبرها معارف حديثة دخلت في صدام مع المعارف التقليدية وغلب على هذا الصدام النزوع الأيديولوجي، السياسوي والشعبوي، وقد ترتب عن ذلك آثار خطيرة على المستوى الأمني، النفسي والاجتماعي مازالت المجتمعات المغاربية تدفع ثمنه وتعاني من تداعياته.
وللتذكير، فإن الملف يبقى مفتوحا على كل الأسئلة انطلاقا من المحاور التالية:
- كيف نقرأ التاريخ الجزائري في ضوء نظرية النخبة من الأمير عبد القادر وحمدان خوجة إلى اليوم (مع تحديد أجيال النخب)؟
- كيف نقرأ التاريخ التونسي في ضوء نظرية النخبة من خير الدين التونسي إلى اليوم (مع تحديد أجيال النخب)؟
- كيف نقرأ التاريخ المغربي في ضوء نظرية النخبة من أحمد بن خالد الناصري إلى اليوم (مع تحديد أجيال النخب)؟
- كيف نقرأ التاريخ الليبي في ضوء نظرية النخبة من محمد بن علي السنوسي إلى اليوم (مع تحديد أجيال النخب)؟
- كيف نقرأ التاريخ الموريتاني في ضوء نظرية النخبة من الشيخ بكار ولد سويد إلى اليوم (مع تحديد أجيال النخب)؟

د.إدريس لكريني: النخب السّياسية ومتاهات "الحراك العربي" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا المقال يسائل الدكتور إدريس لكريني أستاذ العلوم السياسية بمراكش ورئيس منظمة العمل المغاربية "أداء النخب المختلفة في المنطقة" معتبرا "غيابها أو تلكؤها في مواكبة تحولات هذا الحراك، فتح الباب أمام التهافت الإقليمي والدولي الذي عقّد الأمور أكثر، وضيق هامش تحرك الفاعل المحلي، وهو ما تبرزه بوضوح تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا والعراق وسوريا.. التي أضحى تجاوزها رهينا بحدوث توافقات إقليمية ودولية أكثر منها داخلية".
وإذ يعتبر التحول الديمقراطي مسارا شاقا وطويلا، تتحكم فيه عوامل ذاتية وموضوعية، يرى "إن الحديث عن النخب السياسية في الأقطار العربية يقودنا إلى ضرورة التمييز بين نخب فاعلة تحكم وتملك سلطة اتخاذ القرارات وتستأثر بالمراكز الحيوية داخل الدولة، وتوظّف الدين والإعلام وبعض الأحزاب وجزءا من فعاليات المجتمع المدني لمصلحتها، وتضع شروطا تعجيزية للالتحاق بصفوفها، ونخب أخرى لا تحظى بقوة أو سلطة فعلية، توجد خارج مراكز اتخاذ القرارات، ولا تملك سوى مواقفها، حيث ظلت تشتغل تحت رحمة النخب الحاكمة التي أتاحت هامشاً ضيقاً للتحرك".
"ولعل من بين الأسباب الأساسية التي عمّقت الجراح وحرّفت الحراك عن مساره في بناء دول ديمقراطية حاضنة لكل مكونات المجتمع، يقول الكاتب، هو ذلك التضارب الحاصل بين الشرعيات والمشروعيات بين مختلف التيارات والنخب السياسية.. ففي الوقت الذي تمسكت فيه النخب الحاكمة التقليدية بالمشروعية الدستورية وما تحيل إليه من انتخابات تشريعية ورئاسية ومؤسسات قائمة، رفعت النخب المعارضة مطلب الشرعية الشعبية وما تحيل إليه من رغبة الشعوب في تغيير أوضاعها السياسية والاقتصادية.. وإسقاط الأنظمة الشمولية".
ويخلص إلى القول "إن ما تعرفه العديد من دول المنطقة من صراعات دامية في المرحلة الراهنة، يسائل النخب السياسية، باتجاه ترسيخ ثقافة تعزّز التغيير، وتدعم العقلانية وتخلخل المفاهيم الخاطئة، إضافة إلى المساهمة في بلورة توافقات تروم التركيز على المشترك والتدبير السلمي والسليم للاختلاف، للخروج من المأزق الراهن الذي يفتح المنطقة أمام متاهات مجهولة الآفاق".

كتاب "براد المخزن ونخبة السكر" جديد الصحفي المغربي عبد العزيز كوكاس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب بعنوان "براد المخزن ونخبة السكر" صدر حديثا، يضم مجموعة من المقالات للإعلامي والروائي عبد العزيز كوكاس. وتمتد كتابة هذه المقالات من 1996 حتى اليوم.
"عبد العزيز كوكاس، يقول الكاتب محمد الصديق معنينو، صحفي خاض غمار مهنة الصحافة وامتحن صعوباتها وترك بصمات جلية على جبينها بعد تجارب أكيدة في منابر متعددة، حافظ خلالها على نقاوة مهنية رغم اشتغاله في أجواء عاصفة أبان خلالها عن قدرة هائلة لقراءة واقعية للأحداث وسط اختلاط الأوراق و تضارب المقتربات.. في كتاباته مزيج من الأدب والصحافة فهو الأديب الصحافي والصحافي الأديب يعرض دائما أفكارا مرتبة وفق منهجية علمية كأنه أستاذ للرياضيات مع أسلوب سلس وخيال غني كأنه أستاذ مبرز في الأدب.. سلاحه طيلة هذا المسار سحر الابتسامة وحسن السلوك ووداعة الحوار مما يمنحه قدرة على التواصل".

عبد السلام فيلالي: السجال الهوياتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد السلام فيلالي،الباحث في التاريخ وأستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة باجي مختار عنابة، في كتابه الأخير (الجزائر خلال حقبة الوجود الروماني) سلط الضوء، في المقدمة، على السجال الهوياتي الذي "أدخل البلاد في حالة من الريبة، لأن الأمر لم يكن يجري بواسطة نقاش علمي من قبل المختصين، ما كان يحدث هو عبارة عن انتقاص من قيمة التاريخ ذاته بمكونه الوطني".
وفي سياق سرده للجدل الذي احتد حول الهوية مع الاستقلال وفجر النقاش حول المسألة اللغوية، أشار الكاتب إلى "ثلاثة تيارات" نشأت أثناء الفترة الكولونيالية، وكان لها امتداد بعد الاستقلال وهي:
- تيار تقليدي مرابط بالمساجد والزوايا ومن المتخرجين من الجامعات الإسلامية (فاس، تونس، الأزهر...)؛
- تيار المتخرجين من المدارس الفرنسية؛
- تيار يضم مزدوجي اللغة (فرنسية وعربية).
ترتب عن ذلك الجدل سنة 2001 إعادة طرح المسألة اللغوية بطريقة مختلفة عبر ما سمي "مطالب أرضية القصر"، التي في مطلبها الثامن دعت إلى "تلبية مطالب القضية الأمازيغية بكل أبعادها (هوياتية، حضارية، لغوية وثقافية) دون عرضها على استفتاء عام، بدون قيود أو شروط، و ترقية الأمازيغية لغة وطنية ورسمية". مسار لم يتوقف عند هذه المطالب وإنما تم الانتقال إلى حد غير مسبوق في تاريخ الجزائر، عندما أعلن عن تأسيس "الحركة من أجل الحكم الذاتي في منطقة القبائل ثم الانتقال في مرحلة لاحقة في سنة 2013 إلى الدعوة إلى الانفصال عن الجزائر وتشكيل ما يسمى (الحكومة المؤقتة القبائلية)، دعوة تم التغاضي عنها إلى غاية سنة 2021 لما بادرت السلطات العمومية الجزائرية إلى تصنيف هذه الحركة كحركة إرهابية.
السجالات الثقافية، يضيف الباحث، انتقلت من المواجهة القديمة، التي هيأت أرضيتها الحركة الوطنية الجزائرية وفق برنامج نجم شمال أفريقيا سنة 1926، إلى بروز انقسام غير مسبوق حول تعريف الشخصية الوطنية، وأن ما جرى منذ بداية الألفية الثانية هو متابعة تنفيذ لمشروع، بدايته كانت مع رفض وتجميد مبادرة المرسوم رقم 96-30 المؤرخ في 21 ديسمبر سنة 1996 الخاص باستعمال اللغة العربية والذي ينص في مادته السادسة والثلاثين "على وجوب استكمال عملية تعميم استعمال اللغة العربية في أجل أقصاه 5 جويلية سنة 1998. وأن يتم التدريس باللغة العربية بصفة شاملة ونهائية، في كل مؤسسات التعليم العالي والمعاهد العليا في أجل أقصاه 5 جويلية سنة 2000"، لم تتوقف عند التجميد بل الوصول إلى زيادة نفوذ اللغة الفرنسية. بالتالي، فالمواجهة الثقافية منذ بداية الألفية الجديدة وحتى حراك 22 فيفري 2019 كانت تعني في المقام الأول تجاوز المكتسبات التي حققتها اللغة العربية بعد الاستقلال، وفي هذا يمكن توسيع دائرة التحليل إلى ما حدث من تهميش ثم القضاء على التيار الوطني (داخل حزب جبهة التحرير الوطني إلى غاية بداية التسعينات) الذي عمل ونجح في دعم مكانة اللغة العربية وتعامل مع اللغة الأمازيغية كشقيقة لها وليس مهددا وخطرا. عكس التيار الآخر الذي صوَّر أمر المواجهة الثقافية بأن اللغة العربية هي المسؤولة عن ضعف اللغة الأمازيغية، ومن ثم خلق حالة عداء قصوى ضدها وكل ما يعرف على أنه هوية عربية، بلغت حد الكره والرفض.


النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الثالث)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=744877
النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الأول)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=743852
النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الثاني)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=744268



#سعيد_هادف (هاشتاغ)       Said_Hadef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فبراير إغران وفبراير أديس أبابا
- التعليم في يومه العالمي: البلدان المغاربية
- النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الثالث)
- النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الثاني)
- المغاربيون وفلسطين
- النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الأول)
- في سياق الاحتفال بعامنا المغاربي
- يناير وأشياء أخرى
- منطقتنا المغاربية في مرآة التنجيم
- النسق البيئي الأدبي الجزائري معقد وغير مفهوم في ذات الوقت (ا ...
- البلدان المغاربية في أفق 2025
- هل ثمة ما قد يجمع البلدان المغاربية حول مكافحة الفساد؟
- القمة العربية بالجزائر.. هل ستكون فرصة لإصلاح البيت العربي؟
- المدينة وثقافة التغيير
- مجتمعات المعرفة والمدن المستدامة
- الجسر المغاربي ومياه التغيير
- بين الإبداع والإفساد: مدن ذكية وأخرى غبية
- مُدن مغاربية: هل تنقذ الكتابة ما ضاع من جمال الأمكنة؟
- المؤرخ الجزائري: على من تقرأ زابورك يا...؟
- المدينة في يومها العالمي: متى تصبح الأيام العالمية من صميم ا ...


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد هادف - النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الرابع)