أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - الفيلم الياباني - قيادة سيارتي - رحلة لاكتشاف الذات















المزيد.....


الفيلم الياباني - قيادة سيارتي - رحلة لاكتشاف الذات


علي المسعود
(Ali Al- Masoud)


الحوار المتمدن-العدد: 7147 - 2022 / 1 / 27 - 19:05
المحور: الادب والفن
    


الفيلم الياباني " قيادة سيارتي " رحلة لاكتشاف الذات
"Drive My Car"

عادت السينما اليابانية الى مهرجان (كان) ـ بفيلم ( قيادة سيارتي ) للمخرج" ريوسوكي هاماجوتشي ". تدور أجزاء كبيرة من الفيلم الذي تبلغ مدته ثلاث ساعات داخل سيارة الفيلم مقتبس من قصة قصيرة للكاتب الياباني هاروكي موراكامي تحمل نفس الاسم و مطعمة بقصتين أخريين من نفس المجموعة القصصية المعنونة “رجال بلا نساء” ، هو واحد من أجمل التجارب السينمائية في 2021 ، في الفيلم نتعرف على يوسوكي كافوكو (هيديتوشي نيشيجيما ). وهو ممثل ومخرج مسرحي يعيش حالة من التناغم الجميل مع زوجته ”أوتو” والتي تعمل كاتبة مسلسلات تلفزيونية وكل تفصيلة بينهما تشي بمحبة صادقة، من خلال مقدمة طويلة (40 دقيقة) نتعرف إلى يوميات الممثل والمخرج المسرحي يوسوكي (هيدتوشي نيشيجيما) وزوجته الكاتبة الدرامية أوتو (ريكا كيريشيما) ونعايش طقوسهما الخاصة؛ إذ تستلهم الكاتبة "أوتو" حكايات نصوصها بعد ممارسة الجنس مع يوسوكي وترويها له كل ليلة ، كما تسجل" أوتو" بصوتها نصوص يوسوكي المسرحية ليستمع إليها ويحفظ حواراته أثناء قيادته للسيارة . وكانا الزوجان قد نجا من كارثة شخصية بعد وفاة ابنتهما الوحيدة قبل 20 عامًا ، بالإضافة إلى مشاكل طبية بسيطة ، بما في ذلك حالة الجلوكوما التي تم تشخيصها مؤخرًا في عينيى كافوكو. تأتي هذه “النقطة العمياء” الحرفية لتخدم غرضًا مجازيًا في السرد عندما يعود كافوكو إلى المنزل بشكل غير متوقع ذات يوم وبعد إلغاء رحلة يوسوكي إلى أحد المهرجانات ، وعودته إلى المنزل بشكل مفاجئ، يكتشف خيانة زوجته" أوتو" مع الممثل الشاب "ماساكي اوكادا". ينسحب كافوكو من المشهد بعيدًا دون أن يلاحظه أحد ويخفي عنها اكتشافه لخيانتها ، نشاهد جسده يخفي الحقيقة التي اكتشفناها معه ونراه يدفن مشاعره بعيدًا داخله ويضع قناعًا على ذاته الحقيقية ، يتألم بشأن ما إذا كان سيثير الموضوع مع زوجته متجنبًا محاولاتها الواضحة لتنقية الهواء . بعد هذه الحادثة يتوضح الشرخ الذي أصاب العلاقة بينهما . فأوتو لا تعلم باكتشاف يوسوكي لخيانتها، وهو لا يتجرأ على مصارحتها بما رآه. لكن زوجته تستشعر ذلك وتطلب منه أن يتحدثا سويًا، وقبل أن يحسم قراره و قبل أن يجد أي حل ممكنًا أو مواجهة بينهما ، وفي عودته الى البيت يعثر على زوجته فاقدة الوعي فجأة وتأخذ أسرارها إلى القبر . بعد عامين من هذا الحادث ، يتم دعوته إلى مسرح هيروشيما لتقديم نسخة تجريبية من مسرحية تشيكوف” الخال فانيا” وضمن أحد مهرجانات المسرح المحلية . ويضم فريق العمل ممثلين يابانيين وصينيين وكوريين يتحدثون لغات متعددة بما في ذلك لغة الإشارة . في سيارته وعلى الطريق إلى هناك تبدأ رحلة كافوكو وهذه الرحلة هي محور الفيلم وحكايته رحلة يحاول خلالها أن يمضي بحياته بعد تراجيديا الفقد المفاجئ لزوجته ، فقدان محمل بشحنة داخلية هائلة من الغضب، الحيرة ومشاعر الذنب. رحلة تتساقط خلالها أقنعة الذات لتواجه حقيقتها ربما للمرة الأولى . رفيقة كافوكو في هذه الرحلة هي فتاة في مطلع عقدها الثاني تدعى ميساكي واتري (توكو ميورا) التي توظفها إدارة المسرح لقيادة سيارته الحمراء خلال فترة عمله على إخراج المسرحية ، ورغم اعتراضه المبدئي على اختراق عزلته لكنه يقبل الأمر على مضض، وبموافقة تخفي امتعاضه عن اقتحام شخص لسيارته التي يعتبر قيادتها طقسا خاصا ومهما في حياته . تتولى ميساكي قيادة سيارة يوسوكي بتمكن كبير، وبذلك الصمت والتحفظ الذي يفضله صاحب السيارة والسائقة. يتم نقله من الفندق إلى المسرح من قبل تلك الشابة ميساكي (توكو ميورا) ، يستمع يوسوكي في الطريق الى حوارات المسرحية المسجلة بصوت زوجته الراحلة أوتو ، كل من يوسوكي وميساكي محطمان ، هذه السيارة الحمراء التي يدور داخلها الكثير من مشاهد الفيلم تكشف العلاقة بين راكبها وسائقتها هي قلب الفيلم الذي ينتظم إيقاعه على إيقاع حركتها . حيث تصير السيارة فضاء آمنًا وحميمًا للبوح والتأمل. لكن سرعان ما تتطور العلاقة بين الاثنين حينما تصبح ميساكي ملاذا للمخرج الأربعيني، يبوح لها في طريقهما بالسيارة عن مكنوناته وعن أسراره وعما يعتمل في داخله وينشأ بينه وبين سائقة سيارته تواصل حميم وينفتح كل منهما على الآخر في لحظة أنسانية مؤثرة . تصبح السيارة وقائدتها موضع الأسرار والبوح والتفهم الصامت. وبمرور الوقت تبدأ ميساكي في البوح هي أيضا، وفي مبادلة الثقة بالثقة والأسرار بالأسرار . تصبح علاقة المخرج بالسائقة الشابة ملاذا لاثنين لديهما من الأسرار الكثير، ولديهما من الحزن الكامن الكثير. وتبدأ بين الاثنين صداقة غير متوقعة وثقة تنمو يوما بعد يوم . نتابع تلك الصداقة التي تنمو بين المخرج الأربعيني الصامت والسائقة الشابة التي تفوق حكمتها عمرها ، وما كان لهذه الصداقة وهذا البوح أن يكونا على هذا القدر من التأثير، لولا ألأداء المقنع والمذهل لكل من نيشيجيما وميورا المتميزين لدوريهما. الممثل "نشيجيما" يؤدي دور يوسوكي بتحفظ من يحمل من الأسرار الكثير وبحنكة المخرج المعتاد على توجه ممثليه. وميورا تؤدي دور قائدة السيارة بالنضج النفسي والعقلي اللذين يتطلبهما دورها كمستمعة متفهمة وكموضع للثقة والبوح بالأسرار. وتصبح شخصية الخال فانيا ومسرحية تشيخوف و بكل ما تحويه من حزن وأسى وشجن على ماض ولى وفرص ضائعة، هي المحفز للاثنين . الحديث . هذه هي الذروة التي تتحرك نحوها الدراما بين شخصين كلاهما يجيد حبك قناعه جيدًا حول ذاته ومشاعره الحقيقية، يجمعهما أيضًا ماض حزين وأشباح وندوب طرية لجراح لم تندمل بعد . لن نتعرف على جروح ميساكي - بما في ذلك الندبة الملحوظة على خدها - حتى وقت لاحق ، حيث يكتشف السائق والراكب ( المخرج المسرحي ) ما يتشاركونه من الالم و الخسران . في هذه الأثناء ، تستمر التدريبات على مسرحية "فانيا" ، مع قيام يوسوكي بإلقاء دور البطولة ( الخال فانيا ) الى نجم تلفزيوني يُدعى كوشي (ماساكي أوكادا) الذي يعتبره غير لائق من بعض النواحي، كوشي صغير جدًا بالنسبة لشخصية الخال فانيا ، ولديه علاقة مع زوجة مخرج المسرحية (يوسوكي) ، خلال قيامه بإخراج المسرحية المعروفة ( الخال فانيا) لتشيخوف مع ممثلين متعددي اللغات ، تتواصل أحدهم وهي (بارك يوريم) باستخدام لغة الإشارة الكورية وحوارها على خشبة المسرح وخارجه ، هو نوع من الرقص الجميل الذي كانت تعشقه كما أوضحه زوجها يون سو (جين دايون) ، المسرحي الكوري في المسرحية الذي أشار إلى أن زوجته ليست صماء ولكنها تستطيع السمع ، نشاهد كافوكو داخل سيارته في بداية الرحلة يستمع إلى حوار المسرحية من كاسيت سيارته وبصوت زوجته الراحلة وهنا يبدو صوتها الحاضر رغم الغياب كوجود شبحي يدفع السيارة وراكبها نحو الأمام، نحو اكتشاف الحقيقة . بعد أن يكتشف كافوكو براعة ميساكي الاستثنائية في قيادة السيارات يسألها أين تعلمت القيادة؟ و تجيبه: في مسقط رأسها حيث دربتها الأم على قيادة السيارة وهي صغيرة كي تقلها ذهابًا وإيابًا إلى محطة القطار الذي تستقله لعملها. كانت الأم العائدة متعبة من عملها ترغب في النوم داخل السيارة ، وكانت تعاقبها إذا أيقظتها بسبب قيادتها. “هكذا تعلمت القيادة بسلاسة مهما كانت وعورة الأرض” هكذا تخبره ميساكي ، الأم هنا حاضرة مثل زوجة كافوكو، كما نعرف أيضًا من خلال كافوكو أنه لو قدر لابنته المتوفاة أن تعيش حتى اليوم فستبلغ الثالثة والعشرين وهو بالتحديد نفس عمر ميساكي الآن. شيء ما في خلفية عقله يربط بينها وبين ابنته. يقول لها لاحقًا حين تحكي عن مشاعر الذنب التي تشعر بها حيال موت والدتها وحين يحاول كافوكو أن يخفف مع عقدة الشعور بالذنب وجلد الذات ويقول للسائقة " إذا كنت والدك كنت سأقول لك: إنه ليس خطأك " . هذا الغموض والتناقض ممتد أيضًا في علاقة ميساكي مع أمها، إذ تبدو الأم في حكايات ابنتها مؤذية ومضطربة نفسيًا ومستغلة ومع ذلك هناك جزء منها يحبها بطريقة ما، “لا أعرف إن كانت أمي مريضة عقليًا أم كانت تتظاهر بذلك لتبقيني بقربها، حتى وإن كان تظاهرًا فهو نابع من أعماق قلبها” . في هذه الرحلة التي تحركها خيوط خفية كالأشباح ،هناك الكثير مما يحدث هنا ، ومع ذلك يتعامل المخرج مع مجموعة من الموضوعات والعاطفة الكاسحة بتأكيد لا تشوبه شائبة وإحساس أخاذ وباسلوب شاعري في بعض الأحيان . في نفس السياق يمكننا أن نفهم لماذا يرفض كافوكو أداء دور “الخال فانيا” في العرض المسرحي الذي يحضر له و رغم معرفته الجيدة به وحقيقة أنه قدمه مسبقًا، حتى بعد استبعاد الممثل الشاب كوشي (ماساكي أوكادا) الذي يؤدي دور الخال فانيا من تأدية الدور، حين يخير في مرحلة ما بين أن يؤدي الدور أو تلغى المسرحية نراه مترددًا فهو غير مستعد بعد لتعرية ذاته ليأتي قراره بقبول أداء الدور من أجل رغبته في التواصل مع مشاعره الحقيقة ومحاولة تجاوزها . فيلم " ريوسوكي هاماجوتشي" الحائز على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان العام الماضي مليء بمثل هذه التفاصيل التي تجعلك تزداد في تقدير هذا السيناريو شديد التركيب والقادر على التوفيق بين عوالم مختلفة وخطوط سردية تبدو لأول وهلة متفرقة لتضعنا في النهاية أمام نص شديد التناغم والإحكام. جمل حوارية من المسرحية مثل الحوار الدائر بين كافوكو وبين صوت زوجته القادم من الكاسيت " مهلاً، لم أنته بعد أنت من دمر حياتي ، أنت خصمي وعدوي اللدود” ، يتماشى تمامًا مع ما يشعر به كافوكو في ذات اللحظة . في أحد مشاهد بروفات المسرحية التي يقوم بها الممثل تاكاتسوكي -هو العشيق الأخير لأوتو- مع ممثلة زميلة :" أنت امرأة فاتنة، لابد أن الكثيرين وقعوا ضحايا جمالك". هذه جملة يرددها تاكاتسوكي في أول مرة يلتقي بها كافكو بعد رحيل زوجته . يؤدي الحضور الكثيف لمسرحية تشيكوف في نسخة كافوكو المعتمد على إنتاج متعدد اللغات في الغوص في النفس البشرية . ويؤدي الممثلون نص المسرحية بلغات مختلفة ، والسؤال : كيف يتفاهم مجموعة من الممثلين على خشبة المسرح إذا كان كل منهم يتحدث لغة تختلف عن الآخر؟ ، وهل بالإمكان أن يتحدث الناس لغة واحدة، بحيث يفهم كل منا الآخر بوضوح؟ هذا أحد الاسئلة التي تطرحها المسرحية داخل الفيلم . ويوضح مخرج الفيلم " ريوسوكي هاماجوتشي" تلك المسألة " الكلمات واللغات مهمة ، خاصة اللغة الأم ، لأنها مرتبطة حقًا بالمشاعر وبالجسد . يميل الممثلون في المسرح إلى التصرف بأسلوب مبالغ فيه ، والتباهي بتمثيلهم ، ولكن في هذا المسرح متعدد اللغات لا يمكنك فهم الكلمات ، لذلك لا يمكنك أخذ معنى من الكلمات لأنك لا تفهمها ، أنت تفهم الصوت وتحاول معالجة الفهم من خلال الصوت والحركة والاداء" . في المشهد الأخير نلاحظ إختفاء أثر جرح كان في جانب وجهها ومرتبطًا بحكايتها مع والدتها وإحساسها المزمن بالذنب . يبدو فعل الحكي والإنصات في فيلم هيماجوتشي كفعل حميم، بين شخصين كلحظة يختفي العالم فيها من حولهما، يتباطأ إيقاعه ويسمح لهما أن يستحضرا مشاعرهما من الأعماق مثل التنويم المغناطيسي . بعد مشهد الاعتراف الطويل ينتقل كافوكو إلى الكرسي الأمامي المجاور لميساكي . فيلم غير تقليدي، إذ تمنح الرحلة أبطالها في النهاية شيئًا من الحرية. تحررهم من عبء مشاعرهم المظلمة كما تتيح محادثاتهم داخل السيارة اكتشاف مناطق خفية في أنفسهم. تتحرك شخصيات الفيلم دائمًا نحو معرفة أوضح بذاتها وتفهمًا للآخر . الفيلم مقتبس عن قصة بنفس الاسم من مجموعة قصصية لهاروكي موراكامي "رجال بلا نساء"، تدور عن رجال فقدوا حبيباتهم لأسباب مختلفة ولكن ذكاء سيناريو " ريوسوكي هاماجوتشي" (الذي كتبه بالاشتراك مع تاكاماسا أوي)، يأتي من اتخاذ قصة موراكامي بثيماتها حول الفقدان والغيرة والخسارات، والمؤلفة من 40 صفحة فقط، كنقطة انطلاق، والتوسع في ربطها بمسرحية تشيخوف "الخال فانيا"، وما تعانيه شخصياتها من حيرة وندم بعد فوات الأوان. ومن خلال أصوات شخصياتها المرافقة لصمت الشخصيات في الفيلم، وبالانتقال بالتناوب بين عالم تشيخوف وعالم يوسوكي، يتداخل الفن مع الواقع، ليعكس دواخل الشخصيات ويساعد في إيصال ما لا يستطيعون التعبير عنه. فيلم يغوينا بسلاسته ويوقعنا في حبه، هو فيلم تتكشف أسراره الواحد بعد الآخر، ويمتزج فيه الإبداع الأدبي والفني، بالحب والشبق . يجمع فيلم"ريوسوكي هاماجوتشي"بين الأسرار التي تنطوي عليها أرواحنا وذواتنا، وما نختار أن نقدمه من مكنوناتنا للآخرين، هو فيلم عما يعتمل في أنفسنا من ألم وندم وعشق، هذه الذخيرة من العواطف التي نبقيها طي الكتمان يحولها "ريوسوكي هاماجوتشي" لمصدر للإبداع والفن . فيلم عن الأسرار والبوح، وكيف تصبح هذه الأسرار ذخيرة للإبداع . ويبدأ طريق البوح عندما تدور عجلات السيارة الحمراء، ومعها يدور شريط التسجيل، السيارة القديمة ذات الطابع الحميمي، هي بمثابة ملجأ وبيت ليوسوكي؛ مكان يهرب إليه ويمارس جزءاً من عمله في حفظ حوارات مسرحياته. لكن صوت أوتو حاضر دوماً عبر المسجّل وهي تؤدي حوارات شخصيات تشيخوف وهي دائماً جزء من عالمه وذاكرته، وبمرور الأيام، تصبح السيارة غرفة اعتراف لركابها، سواء بلسانهم، أو بلسان شخصيات "العم فانيا"، فطوال الفيلم هناك خيط غير محسوس بين المسرح والحياة الواقعية ليوسوكي . ينتقل السرد بشكل سلس بين مكاشفات يوسوكي والسائقة. محاولة للتلاقي بين شخصين يحجبان أحزانهما الداخلية تحت قناع من البرود؛ فحداد يوسوكي ومحاولته التسامي فوق مشاعر الغيرة والغضب، يتلاقى مع صراع من نوع آخر عند ميساكي المنغلقة عاطفياً والمكبلة دائماً بمشاعر الذنب، كما هي معظم شخصيات "ريوسوكي هاماجوتشي" التي تخفي الكثير من الأسرار، وتخبئ ندمها، وضياعها، وحيرتها، والكثير من العاطفة خلف وجوه صامتة قليلة التعبير. السرد البصري يوحي بغليان الشخصيات داخلياً، فاللقطات الواسعة للسيارة وهي تتقدم ببطء من دون أن نشعر؛ أي من دون حبكة واضحة أو انعطافات صادمة في السيناريو . أسلوب المخرج " ريوسوكي هاماجوتشي" الفريد القادر على شحننا عاطفياً وجعلنا نتشرب أحزان شخصياته بهدوءوينجح في توظيف مسرحية تشيخوف وشخصية العم فانيا ليصبحا شخصيتين فاعلتين في الفيلم ، ندم فانيا على حياته المهدرة يحاكي ويماثل ندم يوسوكي على فرصه المهدرة، لو صارحها بمدى ألمه لعلاقاتها التي تحيي بها نتاجها الأدبي، وربما لو جاء مبكرا إلى المنزل يوم وفاتها، لبقيت على قيد الحياة. لكن يوسوكي يعلم أنه لا يستطيع أن يغير الماضي، وكل ما في وسعه هو التعايش معه عن طريق البوح بالأسرار التي تثقله، فالبوح لسائقته الشابة المتفهمة، التي تبادله الود بالود والبوح بالبوح، هو المتنفس الوحيد لكليهما. وشهدت ميساكي في حياتها الشابة من الألم والحزن ما منحها هذا النضج المبكر وهذه القدرة على الاستماع ، ومن ناحيتها تكشف له الفتاة عن المها من فقدان امها التى تشعر نحوها بالذنب لأنها لم تنقذها فى الوقت المناسب وتركتها تموت لأنها تكرهها لكنها تعيش مع صدمة الفكرة . الأمر ذاته مع كفوكو الذى يكره الممثل الشاب الوسيم الذى تدمرت حياته بعد موت الكاتبة اتو أيضا ويتضح أنها كانت تخون زوجها معه وفى يوم وفاتها اتصلت بزوجها. ربما لتخبره قرار الانفصال لكنه لا يعود الى البيت بل يستمر فى قيادة سيارته وعندما يعود يجدها فاقدة للوعي وتدخل فى غيبوبة بلا عودة . فى النهاية ينجح هو والفتاة ( سائقة السيارة ) من تجاوز الألم فهو يعود إلى خشبة المسرح من جديد ويؤدى شخصية( الخال فانيا ) التى قدمها منذ سنوات حين كانت زوجته تستمتع بمشاهدتها ، وايضا تجاوزت الفتاة الصغيرة أحزانها . " قودي سيارتي " فيلم يمدنا بفيض من الثقة عن جدوى التواصل الإنساني. تبدأ الصداقة بين يوسوكي وميساكي بفعل ثقة رئيسي، فقد سلمها مفاتيح سيارته لتقودها كما لو أن مفاتيح هذا السيارة هي البداية لفتح أبواب روحه الموصدة لتروي أسرارها ، ونشهد هذه الصداقة تنمو وتزدهر، فتزدهر أرواحنا وتزيد ثقتنا في جدوى التواصل الإنساني. فى النهاية يتمكن هو والفتاة من تجاوز الألم فهو يعود إلى خشبة المسرح من جديد ويؤدى شخصية فانيا التى قدمها منذ سنوات كانت زوجته تستمتع بمشاهدتها وايضا تجاوزت الفتاة الصغيرة أحزانها . على الرغم المخرج" ريوسوكي هاماجوتشي" لا يزال صانع أفلام صغيرًا نسبيًا في سن 42 ، إلا أنه يبدو أحيانًا أنه يتبنى قواعد سينمائية أكثر ملاءمة لجيل أقدم من مؤلفي دور الفن . التصوير السينمائي الطبيعي لـ (هيديتوشي شينوميا ) كان كفء تقنيًا في حين أن موسيقى الفيلم المصاحبة لـ (إيكو إيشيباشي) كانت رائعة . وفي لقاء مع المخرج يقول هاماجوتشي ذكر إنه يكتشف نفسه من خلال بطل القصة والفيلم، رجل يجد في العمل مهربًا من مأساة لم تحل. وأوضح: "في القصة الأصلية الشخصية هي ممثل وفي الفيلم هو أيضًا مخرج مسرحي ، وبما أنهم مختلفون عني فيما يتعلق بمهنهم ، كان علي أن أجعلهم أقرب إليّ " . وعن علاقته بالكاتب ( موراكامي ) أضاف قائلاً : " لقد كنت أقرأ قصص موراكامي منذ أن كنت في العشرينات من عمري ، تم نشر قصة "قيادة سيارتي" لأول مرة في عام 2013 في مجلة ، وأوصى به أحد معارفي و قرأتها وأعجبتني. لكن في ذلك الوقت لم يكن من الواقعي التفكير في أنني سأصنع فيلمًا منه . ولكن بعد ذلك وفي عام 2018 أخبرني أحد المنتجين ، "يمكنك تكييف قصصه القصيرة في فيلم" واقترح عليّ قصة موراكامي ، لكن تلك القصة بدت صعبة بعض الشيء. لقد طرحت القصة كشيء يمكننا تحويله إلى فيلم ، انجذبت إلى العلاقة بين كافوكو وميساكي ومحادثاتهما التي تجري داخل السيارة. اعتقدت أنه من المثير للاهتمام أن تتطور العلاقة في تلك المساحة المغلقة للغاية. كان هذا هو الجوهر. لكن القصة بحد ذاتها يبلغ طولها 40 صفحة فقط ، لذا لم أكن أعتقد أن هناك ما يكفي من المواد لصنع فيلم ، كان عليّ إحضار عناصر أخرى من قصتين أخريين في نفس مجموعة هوراكي موراكامي " رجال بلا نساء " . في النص ، تبدأ قصة " قيادة سيارتي " ، بعد وفاة الزوجة ، لكن بالنسبة للفيلم ، كنت بحاجة إلى تصوير الماضي والمستقبل أيضًا. لتصوير الماضي وشخصية الزوجة ، أخذت القصة من "شهرزاد" ، وهي قصة امرأة تروي قصة بعد ممارسة الجنس . حصلنا على إذن من الكاتب موراكي ، لكن كان الاتصال بيننا قليلًا جدًا. في كل مرة أعيد فيها كتابة النص ، أرسله إليه ، لكن لم يكن هناك أي تعليقات. قمنا بدعوته لحضور عرض لكنه لم يحضر. لذلك فكرت ، "ربما ليس مهتمًا بهذا الفيلم." لكنني علمت أنه شاهد الفيلم في دار السينما المحلية مع زوجته. سمعت أنه استمتع بها من خلال مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز. لكني ما زلت لم أقابله قط ".
في الختام : يأخذك الفيلم في جولة إلى مكان يتمتع بجمال شاعري وعميق ، هذه السيارة التي يدور داخلها الكثير من مشاهد الفيلم والعلاقة بين راكبها وسائقتها هي قلب الفيلم الذي ينتظم إيقاعه على إيقاع حركتها. إنه لمن السخف أن نطلق على الرابط الغريب بينهما مجرد حب ، لأنه في عالم الفيلم ، يبدو الأمر وكأنه شيء أكبر وأعمق. نسميها أو أطلق عليها اسم " مغفرة " تشحذها لنفسك وكذلك للآخرين ، واسمها ارتباطًا تم تشكيله من خلال قوة سرد القصص ، وهو شيء ستختبره أيضًا ، بصفتك مشاهد للفيلم .



#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم -أن تكون من آل ريكاردوس- يروي حكاية -ملكة التلفزيون- لو ...
- د. سلوى زكو قلبًا ينبض وعقلًا يضيء ...
- الفيلم الفرنسي - كل شيء سارعلى ما يرام- محاولة تعطيل الموت ف ...
- - أوروبا- فيلم عراقي - إيطالي يحكي جزءاً مهما من معاناة المه ...
- مقابلة مع الباحث العلمي والسياسي والسينمائي د. جواد بشارة
- الفيلم الايراني -رجل نزيه - وثيقة سينمائية تدين الحالة السيا ...
- - هيكتور - قصة دافئة عن التشرد في عيد الميلاد
- فيلم -رحلة المائة قدم - يكشف الهوة في الثقافات بين الشعوب
- المخرج الشيوعي -عثمان سمبين- يطلق رصاصته الاخيرة على عملية خ ...
- المخرج الماركسي -عثمان سمبين- يطلق رصاصته الاخيرة على عملية ...
- المخرج الماركسي -عثمان سمبين- يطلق رصاصته الاخيرة على عملية ...
- فيلم (خلية النحل ) ينتصر للمرأة وأرادتها في البناء والتغير و ...
- فيلم ( إنتزعت من حضنها) يفضح سياسة الرئيس الامريكي السابق -د ...
- فيلم لبول فيرهوفن -دراسة متأنية للسياسة والدين ونقد لاذع للك ...
- فيلم ( 7 سجناء ) يفضح الاتجار بالبشر والعبودية الحديثة
- (قلوب وعظام ) فيلم يصور صداقة مصور ولاجئ يصارعان صدمة الحرب ...
- فيلم (دونباس) صرخة ضد مجتمع فقد إنسانيته في زمن الحرب .
- فيلم (بعد الحب) لا يتعلق بالإيمان بقدر ما يتعلق بالحزن والخس ...
- فيلم -مقتل كينيث شامبرلين- يدين العنصرية ويفضح عنف الشرطة ال ...
- الفيلم الكردي -أرضي ذات الفلفل الحلو- يرصد تناقضات المجتمع ا ...


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - الفيلم الياباني - قيادة سيارتي - رحلة لاكتشاف الذات