أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - فيلم لبول فيرهوفن -دراسة متأنية للسياسة والدين ونقد لاذع للكنيسة















المزيد.....


فيلم لبول فيرهوفن -دراسة متأنية للسياسة والدين ونقد لاذع للكنيسة


علي المسعود
(Ali Al- Masoud)


الحوار المتمدن-العدد: 7090 - 2021 / 11 / 28 - 15:11
المحور: الادب والفن
    


في مهرجان لندن السينمائي في دورته 65 والذي انعقد للفترة من 06- 17 من أكتوبر 2021 ، سنحت لي الفرصة لمشاهدة تحفة المخرج الهولندي" بول فيرهوفن "- بينيديتا – الذي تناول قصة حياة القديسة " بينيديتا كارليني "التي عاشت في القرن السابع عشر، بعد أن ظلت تفاصيل حياتها مجهولة ولحين ماقامت بإزاحة الستارعنها المؤرخة الأميركية "جوديث براون" باكتشافها ملف محاكمتها في مدينة فلورنسا التاريخية واعتمدها المخرج الهولندي المثير للجدل في فيلمة (بينيديتا) المستند على قصة حياة الراهبة الإيطالية بنيديتا كارليني التي توفيت عام 1661 في بيشا بمقاطعة توسكانيا. وشارك في سيناريو الفيلم (الكاتب ديفيد بيرك) مع فيرهوفن . في هذا الفيلم يعود المخرج " بول فيرهوفن"بعد غياب أربع سنوات ومنذ عرض فيلمه "هي"، وبعد أكثر من ربع قرن على فيلمه المعروف " غريزة أساسية" الذي أحدث ضجة كبيرة . وكان من المقرر إطلاق فيلم "بينيديتا" في مهرجان كان السينمائي في عام 2019 ، لكن المخرج" بول فيرهوفن " ذو 82 عاماعانى بشكل غير متوقع من إصابة في الفخذ أثناء الإنتاج في ديسمبر 2018 بسبب مواقع التصوير الذي تضمن الكثير من التلال والتسلق . كان لا بد من تأجيل مرحلة ما بعد الإنتاج في أمستردام من أجل التعافي من الجراحة. ومع ذلك ، تسببت المضاعفات اللاحقة من أخذ مسكنات الألم في انسداد معوي الذي تسبب بتشخيص ثقب في القولون والذي هدد حياته ، ولحسن الحظ ، حثته زوجته على الذهاب إلى المستشفى في الوقت المناسب . اتفق فيرهوفن والمنتج سعيد بن سعيد على تأجيل الإصدار حتى عام 2020 حتى يتعافى فيرهوفن ويكون حاضرًا بالكامل خلال عملية ما بعد الإنتاج . ومع ذلك ، تسبب جائحة كوفيد -19 في جميع أنحاء العالم في تأجيل الفيلم لعام آخر ، كتب " جيرارد سويتمان " المتعاون منذ فترة طويلة مع المخرج بول فيرهوفن ، المسودة الأولى للسيناريو قبل وقت طويل من بدء إنتاج الفيلم ولكنه اختار أن ينسحب من الفيلم ، بعدها كلف "ديفيد بيرك" في إعادة كتابة السيناريو لاحقًا وبمشاركة المخرج . وضح الكاتب "جيرارد سويتمان" سبب إنسحابة من الفيلم إلى عدم رضاه في تركيز الفيلم على المحتوى الجنسي ، في حين أراد سويتمان أن يدور الفيلم حول صراع المرأة على السلطة في عالم يسيطر عليه الذكور لكنه أصيب بخيبة أمل من الطريقة التي تخلى بها فيرهوفن عن العديد من تلك العناصر النسوية في نصه لصالح " المشاهد الجنسية"، في حين دافع المخرج فيرهوفن عن نفسه بالقول إن رواية المصدر من كتاب جوديث براون لعام 1986 " أعمال غير مألوفة: حياة راهبة مثلية في عصر النهضة بإيطاليا " لسبب ما شعر أنه يصور هذا الجانب من حياة بينيديتا بشكل صريح وبدون تلك القيود التي سبق وان فرضتها الكنيسة . عند عرض فيلم "بينيديتا" التي كان الجميع بانتظاره في النسخة الرابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي إنتزع المخرج الهولندي الاعجاب و التصفيق رغم الجدل الذي اثاره الفيلم . يتناول الفيلم قصة حقيقية وقعت لفتاة صغيرة تدعى "بنيديتا كارليني" تهبها عائلتها الثرية وهي صغيرة إلى الدير. يفتتح الفيلم في رحلة الى الدير وتظهر بينيديتا وهي ذات العشر سنوات وتقوم بدورها في هذه المرحلة الطفلة ( إيلينا بولنكا) التي تظهر عليها مؤشرات حيرت عقول الكثيرين من حولها وتبدأ مع بداية الفيلم عندما يتعرض موكب عائلتها المتجه لمدينة بيشا وقبل الوصول الى الكنيسة لتسليم الفتاة إلى الدير يخرج عليهم مجموعة من قطاع الطرق بعد أن توقفوا للصلاة أمام تمثال ريفي للعذراء. يسرق أحد اللصوص قلادة أمها الذهبية فتصرخ في وجههم محذرة بأنه سيناله عقاب شديد من العذراء التي تستجيب لكل دعوات الفتاة الصغيرة ، وحين يستهزئ بها اللص تهب ريح شديدة ويخرج عصفوراُ من الشجرة ويتبرز على عينيه ، فيؤمن اللصوص أنها مقدسة ويعيدون القلادة لأمها . حين تصل الى الدير تصبح بينيديتا كارليني خادمة مخلصة لله بعد أن قدمت عائلتها "تبرعًا" بقيمة 100 سكودي، الذي ساومته عليه مديرة الدير"فلوسيتا "وتقوم بدورها الممثلة المخضرمة (شارلوت رامبلينغ) . في الليلة الأولى لها لا تستطيع النوم قبل الصلاة أمام تمثال العذراء في ردهة الدير، وأثناء الصلاة يتحرك التمثال الماثل قبالتها ليقع بثقله الهائل عليها ولكن لحسن حظها يتوقف قبل أن يسحقها أو حتى يمسها . أظهرت إذن بينيديتا منذ صغرها مجموعة من ألاشارات ربما جعلتها هي نفسها تصدق أنها قديسة وأنها باتت زوجة المسيح حرفيا. ولتأكيد اعتقادها، كانت تنتابها رؤى كثيرة يظهر فيها المسيح ليقتل أعداءها من الشياطين والثعابين ويخبرها بأنها زوجته . لعبت الممثلة البلجيكية" فيرجيني إيفيرا" دور بينيديتا البالغة حيث أصبحت رسميًا راهبة تحت قيادة رئيسة الدير (شارلوت رامبلينج) وبدأت في رؤية رؤى ليسوع المسيح. يتزامن هذا مع وصول بارتولوميا (دافني باتاكيا) ذات الروح البرية التي لا تعرف حدودا، فهي ابنة راعي غنم وقضت جل حياتها في البرية وتعاني من عنف الجسدي من ابيها وأخوتها الذي يصل لحد الاغتصاب. تصبح بينيديتا مسؤولة عنها وعن تعليمها وتبدأ اللمسات الجسدية البريئة غير المقصودة في أول الأمر ثم تتطور لقبلات حارة من جانب برتولوميا . في اول الامر تقاوم بينيديتا تلك المشاعر التي تنتابها للمرة الأولى في حياتها وتظن أن تلك الفتاة شيطان أرسل إليها ليحيد بها عن طريق الرب ، فتقع صريعة المرض حتى يظهر لها المسيح على الصليب ويطلب منها أن تقترب منه وتضع جسدها على جسده ويأمرها أن تنزع عنه مئزره ، وتصاب بالصدمة حين تكتشف أعضاء المسيح الجنسية ليست ذكورية على الإطلاق بل كانت أنثوية ويتلاقى الجسدان وينطبقان على بعضهما البعض وهنا تخر بينيديتا صريعة على الأرض وتغطي الدماء يديها وقدميها. تخرج بينيديتا إلى رفيقاتها الراهبات أثناء صلاتهن كاشفةعلامات جسدية تظهر في مواضع جروح المسيح أثناء صلبه. لا تظهر الأم مديرة الدير " فلوسيتا" أية حماسة لتصديق بينيديتا بل وتجادلها بأن رؤيتها للمسيح لا يمكن أن تصنع بها تلك العلامات وهي نائمة في السرير، فرؤية المسيح تعني الراحة والسلام والسكينة لا الجروح والدماء . لكنها ترضخ للأمرعندما تتحول نبرة صوت بينيديتا بشكل ذكوري جهوري ويعد الجميع بسوء المصير كما ولو كان المسيح نفسه هو من يتكلم . إثر ذلك تعين السلطات الكنسية بينيديتا مديرة للدير في محل الأم التي تقوم بدورها الممثلة القديرة شارلوت رامبلينغ . تتخذ بينيديتا الفتاة بارتولوميا رفيقة لها في الغرفة المخصصة لها، وهنا تنفجر الشهوة والحب والاستكشاف لما وراء اللذة التي تتحقق ليس بالتلامس الجسدي بين الفتاتين اللتين تمارسان الحب فقط بل وحتى بتمثال العذراء الخشبي التي شذبته برتولوميا ليمثل العضو الذكري الذي يهب بينيديتا اللذة كاملة ويجعلها تصل إلى النشوة المطلقة. تعتقد بينديتا أن ممارسة الجنس مع بارتولوميا تجعلها أقرب إلى الله ، وقد ثبت ذلك عندما بدأت تنزف من يديها وقدميها. بعض الراهبات والكهنة يرون في هذه الندبات علامة على أن الله قد اختار بينيديتا لحماية المدينة من الطاعون الذي ينتشر عبر فلورنسا القريبة بينما البعض الآخر ، وهكذا تؤمن بينيديتا أنها تحقق مشيئة الرب وأن هذا هو الطريق الصحيح إليه وإلى ملكوته حسب تصورها. على عكس ما معروف أن كونك راهبة هذا ما يعني التخلي عن الرغبات الجسدية والحريات الاجتماعية المحدودة . نعلم أن العديد من أخوات بينيديتا ينتمين إلى خلفيات دينية مختلفة ، واحدة ولدت يهودية وبعد أن عانت حياة معاداة للسامية ، تموت الآن ببطء بسبب سرطان الثدي. ثم هناك الوافدة الجديدة ، بارتولوميا البلجيكية (دافني باتاكيا) التي اغتصبها والدها وإخوتها حتى هربت إلى الدير ، حيث وافقت فيليسيتا على اصطحابها مقابل رسوم وهذه إشارة ذكية من المخرج فيرهوفن إلى مدى طمع الكنيسة وجعل الدين تجارة . وفي زمن الطاعون الأسود الذي قتل ثلثي سكان أوروبا في القرنين السادس والسابع عشر واجتاح كل أركان القارة ناشرا الموت في كل مكان، تقدم الفتاة القديسة (بينيديتا) وعدا الى أهالي بيشا بأن الطاعون لن يقرب مدينتهم وأن الرب يحميهم . بالطبع لا يصدقها أحد من رفيقاتها ولا رئيسة الدير السابقة التي تشي بها للكنيسة في فلورونسا بصفتها مجدفة ، فتقيم لها الكنيسة محاكمة كبيرة وتنتزع اعترافات برتولوميا تحت التعذيب، فيحكم ممثل البابا على بينيديتا بالموت حرقا. وعند تنفيذ الحكم النهائى بحرق البطلة تخرج الأمور عن السيطرة، يثور الشعب ضد الكهنوت وينقذ البطلة ويقررعقاب الكاهن الأكبر، وفى المشهد الأخير يجدها أمامه وكان كثيرًا ما يسخر منها عندما تحدثه عن رؤيتها للمسيح يسألها هل أدخل الجنة؟ ـ وترد عليه هل أنت أيضا من الممكن أن تحلم بالجنة ، بالطبع لا تموت بينيديتا بل تظهرعليها علامات قريبة من ألالام المسيح من جديد أثناء تنفيذ الحكم بها وهو ما يثير الجماهير غضبا ضد السلطات الكنسية وتنقذ بنيديتا من أيد ، جلاديها بل وتقتل الجماهير الغاضبة ممثل البابا الذي يتضح أنه مصاب بالطاعون ، وليس وحده هو المصاب به بل أيضا الأم مديرة الدير السابقة " فلوسيتا" الواشية كما لوكان ذلك عقابا إلهيا أنزله الرب على أولئك الذين لم يستطيعوا فهم مشيئته ، ومن سخرية القدر، يتحقق وعد بينيديتا وتضحى بيشا المدينة الإيطالية الوحيدة في توسكانيا التي لا يدخلها الطاعون الأسود . عندما كتبت الروائية الأميركية جوديث براون الرواية التي اقتبس الفيلم عنها، لم تلجأ إلى مخيلتها بل نبشت في معطيات تاريخية . فالراهبة الكاثوليكية بينيديتّا كارليني التي أضحت في ما بعد رمزاً للنسوية شخصية تاريخية عاشت في القرن السابع عشر (1591-1661)، والتي إشتهرت بمثليتها في فترة "الإصلاح المضاد" الذي كان قائماً في القارة العجوز وترأست ديرا، لكن علاقتها الغرامية بالراهبة بارتولوميا قلبت حياتها رأساً على عقب . واكتشفت علاقتها المحرمة، فتم توقيفها والتجريد من رتبتها واتهامها بالمثلية الجنسية وسجنها . الفيلم تلعب بطولته الممثلة البلجيكية "فيرجيني إيفيرا"ومن إنتاج الفرنسي من أصل تونسي سعيد بن سعيد في ثاني تعاون مع المخرج "بول فرهوفن " المعروف عنه تناوله في افلامه موضوعات المخالفة للمحرمات مثل فيلم "غريزة اساسية " أو "عرض البنات "وكذالك فيلم" إيل"، وهو أيضاً مفتونًا بحياة يسوع المسيح ، حيث كان يومًا ما عضوًا في ندوة يسوع عالية المستوى تلك التي أسسها عالم الكتاب المقدس الأمريكي روبرت فانك ، وفي وقت ما كان من المفترض أن يصنع فيلمًا بعنوان يسوع، وشارك في تأليف كتاب" يسوع الناصري" الذي نشره عام 2007 وترجم إلى عدة لغات . الفيلم ميلودراما ساخنة تدور حول راهبتين رائعتين تربطهما علاقة غرامية في دير من القرن السابع عشر ، وهي عبارة عن عرض فخم من الأزياء الأنيقة والمباني الحجرية المضاءة بالشموع الجميلة ، والتي تم أختيارها على نغمة أوركسترا متميزة من قبل آن دودلي. إنها صورة لتشابك الدين مع السياسة ونقد لاذع للدين ورجاله. إنها قصة بينيديتا كارليني (فيرجيني إيفيرا) ابنة تاجر ثري كفتاة صغيرة ، بينيديتا مقتنعة بأن مريم العذراء تتحدث وتستمع إليها ، لكن هذا لا يكفي لإدخالها إلى الدير في مدينة بيشيا. لا تتورع "فلوسيتا " التي أدت دورها "شارلوت رامبلينغ " بشكل رائع في القول إن الدير ليس مكانًا للجمعيات الخيرية ، أي شخص يريد أن تكون ابنته عروسًا للمسيح عليه أن يدفع مهرًا ضخمًا . ينتهي الأمر بوالد بينيديتا بدفع مرتين - مرة لبينيديتا ، ومرة أخرى ، بعد 18 عامًا لفتاة المزرعة ، بارتولوميا (دافني باتاكيا) ، التي تتوسل للحصول على ملاذ من عائلتها المسيئة. كانت لدى بينيديتا بالفعل رؤى مثيرة ليسوع وسيم . ما يسبب ضجة حقًا هو ظهورها في كنيسة ذات صباح مع جروح عميقة. تواجه رئيسة الدير (فلوسيتا) والعديد من كبار الشخصيات من الكنائس الاخرى مأزق هل يصدقوا تلك الاشارات ؟ أم هي شعوذة ودجل من القديسة (بينيديتا)؟ ، وهل يمكن أن يشهدوا معجزة؟ أم أن الجراح من مصطنعة ؟ ، مع الأخذ في الاعتبار أن المعجزات يمكن أن تكون مفيدة لعمل الكنسية؟ ، في الوقت الذي يزحف فيه الطاعون عبر الأرض ، فيما يتعلق بالفتاة الجديدة ذات العينين التي وافقت مديرة الديرعلى حمايتها من والدها وإخوتها المسيئين جنسيًا ، في الوقت نفسه ، تعتبر الوافدة الجديدة الى الدير بارتولوميا وتقوم بدورها الممثلة البلجكية (دوفي باتاكيا)، بريئة ومصدومة على حد سواء ، هناك اندفاع فوري من العلاقة الحميمة بين هاتين المرأتين الجميلتين ، المخرج "فرهوفن"مفتونًا بفكرة أن امرأة تتلاعب بثوابت الكنيسة الكاثوليكية بالترتيب لتقترب فعليًا من إيمانها . تعاني راهبة من القرن السابع عشر في إيطاليا من رؤى دينية وإثارة مزعجة . رغم الأسئلة الصعبة التي يطرحها الفيلم عن أسرار الكنيسة وما يدور داخل جدرانها وعالمها الخفي، إضافة إلى تناوله الاضطرابات الدينية وما عمله مرض الطاعون الأسود الذي قتل ثلثي سكان أوروبا في القرنين السادس والسابع عشر واجتاح كل أركان القارة ناشرا الموت في كل مكان ، والفتاة القديسة قالت إن الطاعون لا يصل إلى مدينتهم بيشا وإن الرب سيحميهم وهذا ما حدث، ورغم ذلك تقوم الكنيسة بمحاكمتها وتنتزع منها إعترافات تحت التعذيب الجسدي فيحكم عليها البابا حرقا في النار أمام مرأى الجميع ويتم تخليصها وهي اشارة إخرى لقدسية (بينيديتا ) . السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق بانتظار اكتشاف تفاصيل الفيلم ، أي وجهة نظر سيتبناها فرهوفن في مقاربته لسيرة الراهبة؟ ، هل سيصورها باعتبارها ضحية أو بطلة قديسة ، أو مجرد إنسانة كسائر البشر . فرهوفن سينمائي جريء لا يساوم في أطروحاته. لا يبحث بالضرورة عن الجدل والفضيحة، ولكنه لا يتوانى عن استدراج مواضيع إشكالية يقاربها دائماً من زوايا جديدة. ففي فيلمه ما قبل الأخير، "هي"، الذي اقتبسه من رواية لفيليب دجيان وتسرد حكاية سيدة ستينية تتعرض للاغتصاب في بداية الفيلم، إلا أن الحدث يأخد منحى مختلفاً عما نتوقعه ونراه عادة في الأفلام ، مع "المتعة" التي تجدها هذه الشخصية التي تجسدها إيزابيل أوبير في محنتها، ولكن فيلم (بينيديتا ) وهو سيرة ذاتية باللغة الفرنسية أقل اهتمامًا بكثير بالحقائق وتفاصيله وأكثر انشغالًا بأمور الروح والجسد . تدور أحداث الفيلم في توسكانا في القرن السابع عشر ، ويعيد الفيلم سرد صعود وسقوط بينيديتا كارليني ، وهي راهبة كاثوليكية ، كان سرد القصة وفقًا لبعض الروايات التاريخية ، بسبب أنانيتها النبيلة ، لى الرغم من أن معظمها يعزو ذلك إلى علاقتها المثلية مع زميلتها الراهبة الأخت بارتولوميا. هناك الكثير من الجنس والعُري ، لكن جميع الممثلين قالوا في المقابلات إنهم لم ينزعجوا. أعتبر المخرج بول فيرهوفن أن ثلاثة مشاريع هي فيلمه التالي: واحد عن يسوع (استنادًا إلى كتابه الخاص "يسوع الناصري") ، وآخر عن المقاومة الفرنسية ، و"العذراء المباركة" ، قصة تدور أحداثها في دير مقره كتبه جان كلود كاريير. اختار المشروع الأخير ، ولكن بدلاً من سيناريو كاريير ، اختار تأليف جيرارد سويتمان لكتاب "أعمال غير معتادة: حياة راهبة مثلية في عصر النهضة بإيطاليا" لجوديث سي براون كمصدر. تمت إعادة تسمية الفيلم لاحقًا إلى" بينيديتا"، لم يخف المخرج الهولندي بول فيرهوفن أبدًا موقفه الغامض للغاية تجاه الدين ، وغالبًا ما يقارنه بوهم جماعي تشترك فيه غالبية العالم. ومع ذلك فقد اعترف أيضًا بسحره بالإيمان في مناسبات عديدة ، وفي أفلامه لا تكون الرموز الدينية بعيدة أبدًا. وقد أثار الفيلم ضجة كبيرة للمشاهد الجنسية، وكذالك إستخدام تمثالًا خشبيًا للسيدة العذراء مريم كقضيب اصطناعي. وفي المؤتمر الصحفي لمهرجان كان السينمائي ظهر المخرج بول فيرهوفن مستاءً من الإيحاء بأن فيلمه شكل من الأشكال التجديف. ":"أنا لا أفهم حقًا كيف يمكنك أن تجدف حقًا على شيء حدث في عام 1625 ، لا يمكنك تغيير التاريخ ، ولا يمكنك تغيير الأشياء التي حدثت ، وأنا أسند ذلك إلى الأشياء التي حدثت ، لذلك أعتقد أن كلمة التجديف في هذه الحالة غبية ". كانت لبينديتا الصغيرة علاقة فريدة بمريم العذراء ويبدو أن تمثالها الصغير يمنحها رغباتها الصوفية. هذا يفتح طريقًا مهمًا لعائلتها من الطبقة الثرية الذين يمكنهم تسجيلها في دير مرموق تحت وصاية الأخت فيليسيتا (شارلوت رامبلينج) ذات الوجه الحجري وإن كان ذلك مقابل مهر ضخم ، مما يؤهل بينيديتا كـ "عروس المسيح" . من البداية ، يتكشف الفيلم عن التقاطع المنافق للمال والسلطة والدين والذي يشعر بأنه مرتبط جوهريًا هنا لدرجة أنه حتى المعجزات المفترضة لبينيديتا ينظر إليها أولاً وقبل كل شيء كوسيلة لتحقيق غايات سياسية وتبدأ القصة الرئيسية بعد 18 عامًا من مهمة بينيديتا في الدير ، حيث غالبًا ما تستهلك أفكار اليقظة من خلال رؤى غريبة للمسيح البطولي ، الذي يظهر لها كفارس ويذبح الثعابين بسيفه ، كما لو كان كانوا يحمونها من خطيئة الكتاب المقدس . لعبت دوربينيديتا بعد أن أصبحت شابة الممثلة "فيرجيني إيفيرا " ، التي يمكن ملاحظتها على الفور مع الممثلة" بارتولوميا دافني" باتاكيا بمجرد وصول الأخيرة . لا تخفي بارتولوميا وهي الوافدة الجديدة المصابة بصدمة شديدة إلى الدير مشاعرها تجاه بينيديتا ، التي سرعان ما استدرجتها إلى السرير وإغراءها بالتخلي عن سلوكها المتحفظ بقوة . الفيلم اثار ردود افعال غاضبة عند الاوساط الدينية وبالتحديد الكاثوليكية ويذكرنا بما حصل لفيلم شفرة دافنشي عام 2006 ، حيث نزل المتظاهرون الكاثوليك في قاعة أليس تولي في مركز لينكولن لحضور العرض لفيلم "بينيديتا" في مهرجان نيويورك السينمائي للراهبة السحاقية الفاضحة لبول فيرهوفن ، وعند مواجهة المخرج بانه يدحض قوة الكنيسة الكاثوليكية ، أجاب المخرج ( بولفيرهوفن) "في العصور الوسطى ، كانت الكنيسة الكاثوليكية على سبيل المثال مذنبة حقًا وما فعلوه بمحكمة التفتيش أمر مروع وما فعلوه خلال الحروب الصليبية ، كانت الكنيسة مرعبة لمئات السنين . فكرة أن امرأتين تستخدمان أداة في لقاءات جنسية أحرقت على المحك، كيف يمكنك تخيل مثل هذا التفكير الشيطاني؟ ـ لم نسمع الكثير عن بينيديتا و بارثولوميا، لم يحاولوا قتلها ، بل وضعوها في سجن الدير، في غرفة العزل ومُنعت من الاتصال بالراهبات الأخريات. لم يُسمح لها بتناول العشاء مع راهبات أخريات ، واضطرت للجلوس على الأرض لمدة 40 عامًا. الطريقة التي كانت بها الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى حتى الآن ، ليست لها علاقة بيسوع. إنه شيء آخر . تدخل في موقف مع فيلم وتعلم أنه سيكون صعبًا بالنسبة لبعض الأشخاص. أدركت أن الناس يمكن أن يشعروا بالاستفزاز بسبب ذلك ، نعم ، بالتأكيد ، كنت أعرف ذلك " .
في الختام :
فى الفيلم الفرنسى كل ما نراه ظاهريًا من تجاوزات يتجسد فقط لو حكمنا عليها من منظور أخلاقى مباشر، وكانت تلك هى رسالة المخرج فى التعبير عن تحليله للإنسان فى علاقته مع الإله، كما أنه يتعرض لازدواجية المؤسسة الدينية والتوجه الديكتاتورى الذى يحكمها بإصدار قرارات تتعكز عنوة على الدين فلا يجوز الاقتراب منها والتعمق فيها، فهى تستمد قوتها من أنها لها صفة الألوهية، رغم أنها تنتهك الكثير من القيم السماوية التى نادى بها المسيح .الهدف الرئيس التي تدعم فكرة المخرج الهولندي (بول فيرهوفن) هو تحليل عالم الإنسان واقعياعندما يصطدم بسلطة الكنيسىة المطلقة ولا يسمح بأى هامش ولو محدود بالنقاش .



#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم ( 7 سجناء ) يفضح الاتجار بالبشر والعبودية الحديثة
- (قلوب وعظام ) فيلم يصور صداقة مصور ولاجئ يصارعان صدمة الحرب ...
- فيلم (دونباس) صرخة ضد مجتمع فقد إنسانيته في زمن الحرب .
- فيلم (بعد الحب) لا يتعلق بالإيمان بقدر ما يتعلق بالحزن والخس ...
- فيلم -مقتل كينيث شامبرلين- يدين العنصرية ويفضح عنف الشرطة ال ...
- الفيلم الكردي -أرضي ذات الفلفل الحلو- يرصد تناقضات المجتمع ا ...
- فيلم- الإصلاح الأول - يعكس الصراع بين الشك واليقين في قضية ا ...
- (أنا كارل ) فيلم يحذّر من صعود اليمين المتطرف في أوروبا،
- فيلم (ملكة الصحراء) : يكشف جانب من حياة (مسز بيل ) الخاتون-ص ...
- فيلم - السيد جونز - يكشف معاناة الصحفي من أجل تقديم الحقيقة ...
- أهم ألافلام التي تأثرت بالهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أ ...
- الفيلم الوثائقي -نوتورنو- فيلم عن الحياة واستمرارها رغم الحر ...
- -أغنية ألارض- نموذج للفن الراقي والمؤثر والمستوحي من الموضوع ...
- فيلم (المولود مرتين) يُظهر واقع النّساء في أبشع صورٍ عاشتها ...
- - مرحباُ وطني الجميل - فيلم تركي يروي سيرة الشاعر (ناظم حكمت ...
- هل نحن أمة غابت عنها القيم ..؟؟؟
- مسلسل-كيف تصبح طاغية- يكشف حيل الطغاة وأكاذيبهم ويسخر منهم ! ...
- -كيف تصبح طاغية- مسلسل يسخر من الديكتاتورية ومن الطغاة
- مسلسل-كيف تصبح طاغية- يسخر من الديكتاتورية ومن الطغاة
- رسالة فيلم -عبد الله وليلى - لا الغربة ولا الزهايمر يمكن أن ...


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - فيلم لبول فيرهوفن -دراسة متأنية للسياسة والدين ونقد لاذع للكنيسة