أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل الشبيبي - في رواية (الذي لا يحب جمال عبد الناصر) بالسخرية والضحك والتهكم نضيء المسالك المغلقة والطرق الشائكة















المزيد.....

في رواية (الذي لا يحب جمال عبد الناصر) بالسخرية والضحك والتهكم نضيء المسالك المغلقة والطرق الشائكة


جميل الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 7146 - 2022 / 1 / 26 - 15:42
المحور: الادب والفن
    


في رواية (الذي لا يحب جمال عبد الناصر)
بالسخرية والضحك والتهكم نضيء المسالك المغلقة والطرق الشائكة
يعمد العديد من الروائيين العرب إلى تمثيل الواقع المعيش في رواياتهم والنظر إلى إشكالات الحياة العربية المعاصرة بالجد في ما يكتبون ،وتأتي معالجاتهم الروائية وهي تحمل الكثير من الوعود الشكلية بشكل خاص ،ويمثل استثمار سجلات التاريخ العربي خلفية مهمة للعديد من هذه الروايات ، حتى أصبحت هذه الخلفية مجالا لافتا للنظر في الروايات التي يكتبها روائيون من العراق ومصر وأقطار المغرب العربي ودول الخليج واليمن وعمان وغيرهم فهي ثيم مشتركة تحتاج قراءة خاصة تكشف هذا التعالق بين هذه النصوص .
ويهمنا في هذه القراءة أن نكشف بأي اتجاه تنحو وجهات النظر التي تتحكم في حركة سرد الأحداث خصوصا في الروايات التي يكتبها جيل جديد من الروائيين الشباب الذين ينتمون إلى الحياة العربية الجديدة ويمارسون تأثيرهم عليها بعد أن وصلت تقنية الاتصالات درجة هائلة من التقدم سمحت لهم تغيير اتجاهات الحياة في بلدانهم عبر وسائل الاتصال الاجتماعي بما سمي بثورات الربيع العربي وانعكاساته على الحياة الواقعية وكذلك على الكتابة الروائية التي تناولت هذه التغيرات بوجهات نظر متنوعة .
سنتخذ من رواية الروائي العماني الشاب سليمان المعمري نموذجا لهذه الرؤية عبر روايته الساخرة (الذي لا يحب جمال عبد الناصر ).
يمثل العنوان إشكالية تقود إلى فضاء روائي يمثل جملة ناقصة تشبه جملة العنوان وهي تحتاج إلى قراءة مضاعفة للكشف عن مستويات الدلالة فيها وعلاقة ذلك بالفضاء العام الذي تجري فيه ثورات الربيع العربي ومن اجل التعرف على وجهة نظر السارد العليم / المؤلف عن هذا الفضاء المربك والشائك .
تتكون جملة العنوان من الاسم الموصول ( الذي) مع جملة (لا يحب) ثم اسم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بما يؤلف جملة صلة الموصول ، وهي باعتبارات النحاة لا محل لها من الإعراب بل تأتي لإزالة الإبهام عن الاسم الموصول ، غير أن جملة العنوان ستبقى في الرواية مبهمة ما دام هذا الاسم لم يجد اسما أو جملة فعلية تكمل معناه فهو يشغل في جملة العنوان موقع الابتداء دون تكملة بالخبر ، الأمر الذي يضفي على الجملة غموضا مقصودا عن الشخص الذي لا يحب جمال عبد الناصر ، وسوف ينفتح فضاء الرواية على شخصيات وأحداث ،لا تمتلك سلطة القول الكامل في من يحب أو يكره جمال عبد الناصر يضاف إلى ذلك أن بداية كل فصل من فصول الرواية عبارات تكسر جدية شهادة الشخصية وتثلم هذه الشهادة عن (الذي لا يحب جمال عبد الناصر) لتضعها في زاوية السخرية والاستهزاء ومثالها :(صوَت لمرسي يا ولد ،هل سيد قطب اباضي ؟!،اش جاب التفاح للبصل !!،بالضبط كأنك تسحب السيفون ....) ولا يبقى خارج سلطة سخرية المؤلف من شهادات وسيرة شخصيات الرواية سوى شهادة السارد العليم الذي يفتتح الرواية ويختمها . فهو يمتلك حرية قول لا محدودة وهو يسهم بشكل فاعل في تأطير الفضاء ألزماني والمكاني للرواية ويتنبأ بمستقبل الأحداث حتى بعد ستة آلاف سنة :(ها هي ستة آلاف سنة بالتمام والكمال تمر اليوم على ثورة يوليو ..ص235) معتبرا ثورة يوليو 1952 اللازمة التي تضبط إيقاع الرواية ، وتجعل من سخط أو حب شخصياتها لقائدها جمال عبد الناصر معيارا يبيح لهم الالتحاق بثورات الربيع العربي او التخلف عنها .
فضاء روائي مرتبك
يفتتح السارد العليم فضاء الرواية بتحديد زمن الأحداث حين يصرح مستعيرا صوت جمال عبد الناصر :(إن الزمن يمر بسرعة ها هي ستون سنة بالتمام والكمال تمر اليوم على ثورة يوليو ..ص11) وذلك يعني أن زمن التفوه كان عام 2012 ، وهو زمن يقع في الزمن الفعلي لتجربة ( الربيع العربي!!!) في مصر التي تكللت بانتخاب مرسي الاخواني رئيسا لمصر وهذا يعني أن شخوص الرواية في كل تصرفاتهم يتنفسون هواء هذا التغيير بدرجات متفاوتة مقارنة بالسارد العليم / المؤلف الذي يحتفظ لنفسه بمعرفة أحداث كثيرة غير معروفة لدى غالبية شخوص الرواية الذين كانوا يتكتمون على إبداء رأي صريح عن الذي يحدث في مصر ، خوفا أو ترددا!
استثمر المؤلف تعدد الأصوات كتقنية للكشف عن الصراعات ووجهات النظر التي تتحكم بمجموعة صغيرة من الصحفيين ،يعملون في صحيفة عمانية ، ويستثمرون الحرية المحدودة في الصحيفة وفي الجو العام للسلطنة للتعبير عن رؤاهم وأفكارهم ، لكن تعدد الأصوات في حدود هذه التجربة تبقى هامشية في معظمها ، فهي شهادات بضمير المتكلم دون وجود مرو له صريح – باستثناء شهادة بسيوني الموجهة إلى زينب – مما يدخلها في البوح الذاتي ومع أنها بوح ذاتي فأنها تبقى تصريحات وجلة عن حتمية حدوث ثورة الربيع العربي ووعودها في تغيير الكيانات السياسية القائمة ،في المنطقة العربية ، لكن هذه الحرية تتسع لتتضمن أقوالا صريحة كلما كان الحديث عن هذه التجربة بعيدا عن أجواء البلد الذي يمثل فضاء هذه التجربة ( عمان) خصوصا عند الشخوص الوافدين من الخارج ( المصري والتونسي والسوداني ) فكلهم يتحدثون بالتورية والمجاز ولا يصرحون بآرائهم بشكل واضح ، كما يلاحظ أن الشخوص الذين يتقنعون بالدين هم شخصيات مسطحة همها الأول المصلحة الشخصية والحفاظ على الذات .فبسيوني سلطان مثال لهذه الشخصيات حين يعترف بوجود ثورات في تونس ومصر وليبيا والبحرين وسوريا ولكنه يسكت عن أحداث عمان ص58 والمصحح السوداني لا يتحدث سوى عن بسيوني ،وعن سيرته الشخصية ، وكذلك المشرف على القسم الديني فهو الآخر حريص على إدامة حياته فقط أما الشخصيات المتحررة من التابوات فهي شخصيات متمردة تتحدث بحرية اكبر وتوجه نار انتقاداتها إلى الدولة والمسؤولين فيها ،فالتونسي يتحدث عن ما يجري في تونس مشككا في قيمتها ( وسقط النظام والحمد لله وهرب بن علي واستبشرنا خيرا بما سنجنيه بعد الثورة ،ولكن البغل تبدل و( الكريطة ) هي هي ص191) ثم يتساءل (هل كانت هذه ثورة حقا ؟؟ ثم يقارن بين النظام السابق والنظام الذي جاءت به الثورة لتكون المقارنة لصالح النظام السابق ، وهي معادلة ، عجيبة ولكنها تمثل حقيقة لا يمكن تجاهلها ،فهذه الثورات أزاحت أنظمة متجبرة ،لكن البديل كان قوى سلفية تعمل على إعادة الحياة إلى الوراء وشكلت ممارساتها عنفا مضاعفا على الذين أسهموا في هذه الثورات ،الامر الذي طبع فضاء هذه الرواية بالسخرية والتهكم وبالتخصيص من الشخصيات السلفية في الرواية كشخصية بسيوني سلطان الذي تدور شهادات الشخوص عليه .
ويبدو أن أصوات الشخصيات في الرواية هي شهادة عن أحداث الربيع العربي ممثلا بالثورة المصرية والثورة التونسية مع إشارات إلى حركات وتمردات في أقطار عربية جرى السيطرة عليها وأخرى قد تم التستر عليها وكلها تفصح عن أمل قادم وأخرى عن حسرة وتهكم عن هذه الثورات التي توقفت عند منتصف الطريق وهي تفوهات وأقوال تدخل في بلاغة التورية التي تهتم بالتكتم وعدم الإفصاح .
تتحدث هذه الشهادات عن شخصية غائبة عن السرد هي شخصية بسيوني سلطان الذي غيبه السارد العليم بقصد كما سيتبين لنا ، بحدث مفترض خارج نطاق المعقولات ، بالسماح لشخصية جمال عبد الناصر ( بخروج مؤقت من القبر لزيارة هذا الرجل أن استطعت أن تسل من قلبه ولو 1%من حقده الشديد عليك ،)و لتكون مكافأة عبد الناصر إن استطاع ذلك ( العودة إلى مصر حيا معززا مكرما ص15) .غير أن كل ذلك محض افتراضات ستبددها شهادة السائق الذي ينقل عبد الناصر إلى المطار حين يعلق على كلام مرسي الذي يشيد بثورة يوليو قائلا :(ما يغركش الكلام ده ...ده اخوانجي ...وما فيش اخوانجي بيحب ثورة يوليو ..ده حتى رفض يزور قبر الريس جمال النهار ده ص16) ويتعزز حكم استحالة عودة عبد الناصر ( أو حتى شبيه له) إلى مصر من خلال شهادات شخوص الرواية وهي تفرد مقاطع طويلة من شتائم ولعنات بسيوني سلطان الاخواني السابق على عبد الناصر ، ولذا فان استحضار عبد الناصر حيلة تقنية للكشف عن إشكالية العنوان الذي يشي بذلك الصراع الخفي بين اتجاهين احدهما ضد أي تغيير حقيقي متمثلا بالإخوان في مصر والأخر بالقوى التي تسخر منهم أو تقف ضد مشاريعهم ،كما يغتنم السارد العليم / المؤلف شخصية عبد الناصر وثورة 23 يوليو في مصر من اجل إثارة قضية أخرى تتعلق باليقينيات والثوابت التي اهتزت في القرن الحادي والعشرين ، فأصبحت الايدولوجيا والمبادئ الشمولية تحت طائلة المسائلة إلى حد السخرية والتسخيف ، وتمثل مبادئ ثورة يوليو في بناء الاشتراكية والإصلاح الزراعي وتنمية القطاع العام للإنتاج نموذجا مشخصا لهذه الأفكار في الحياة العربية المعاصرة ، فالثورة لم تستطع انجاز برنامجها ، بل انها انحرفت عن أهدافها أثناء حكم عبد الناصر وبعده ، ولذا كان لها خصوم وأنصار .
وتمثل شخصية بسيوني سلطان نموذجا صارخا للشخصية التي تجعل مبادئها مقياسا لا يقبل الخطأ فهو يعتقد انه يمتلك كل مواصفات الصدق والعدالة ويعزز أقواله دائما بآيات من القرآن الكريم أو من خلال شخصيته باعتباره شيخا أزهريا ، وبسيوني (من النوع الذي يكبت مشاعره الايجابية ، ولا يظهر الا السلبي منها كنوع من التنفيس ...ص21) كما تقول زوجته .وبمعنى آخر فان هذه الشخصية تعيش على مخالفة الآخرين حتى وان امتلكوا براهين دينية او حياتية .
ويرسم السارد العليم شخصية بسيوني المغيبة عن الرواية بشكل يسميه باختين (النصاب أو المهرج ) الذي يصفه قائلا (النصاب والمهرج والغبي ينشئون حول أنفسهم عوالم صغيرة خاصة ،ويتصفون بميزة خاصة وحق خاص ، وهو أن يكونوا غرباء في هذا العالم لا يتضامنون مع أي وضع من الأوضاع الحياتية القائمة في العالم ، ولا تناسبهم أيا منها فهم يرون باطن كل وضع كذبة )1
وكل ذلك يجد وضوحه من خلال شهادات شخوص الرواية الذين يصفونه بأوصاف تنطبق على النصاب أو المهرج باعتباره شخصا غبيا او متغاب، فداود الخراصي المشرف على القسم الديني في جريدة المساء ينعته بالتعصب ، ليس لأفكاره فقط بل حتى لمذهبه ، وان حاول إخفاء هذا التعصب ص44) ويصفه رئيس القسم الثقافي أن بسيوني (لم يشعر مطلقا رغم كل هذه السنين في عمان الا انه غريب الوجه واليد واللسان ، لذا تجده دائم التذمر بأنه مظلوم لأنه وافد ثم يشخص وضعه قائلا (بسيوني كان رجلا مملا جدا لدرجة انه ليس من العسير على المرء أن يتنبأ كيف كان يقضي يومه ص90) في حين يصفه رئيس التحرير بالشيخ الأخرق ص108 وعجوز تافه ، اما المصحح اللغوي السوداني فيرى فيه ( انه غيور بطريقة عجيبة ، هو لا يريد أن يكون احد في الصورة سواه ص65 )إضافة إلى وجهات النظر التي تتفق جميعها ان بسيوني شخصية غريبة لا يمكن فهم تصرفاتها او هضم أفكارها .
واتخاذ شخصية بسيوني محورا تدور حوله شهادات شخصيات الرواية ، تعبر عن ميل واضح لرفض الأفكار الثابتة والأقاويل ذات المنحى التعصبي سواء كان فكريا او دينيا ،ويمثل تغيبه عن السرد (سوى شهادته عن سيرته الشخصية ، وهي شهادة ضعيفة ولا قيمة فنية لها ) تساؤلا يفصح عن جدية وجهة النظر التي لا ترى في تطبيق الإسلام السياسي معبرا سليما لكل إمراضنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، بما يعني سيادة العدالة والمساواة والتوزيع السليم للثروة !! بسبب بروز أسئلة أخرى تتعلق بالفرق او المذاهب التي يمكن من خلالها تطبيق نظام إسلامي صحيح ؟ ، وفي هذا المجال تبرز إشكالية التساؤلات المحيرة التي طرحها السارد العليم على شخوصه الذين يمثلون مذاهب متنوعة تفسر الدين على وفق رؤاها وتتصارع فيما بينها لإثبات أنها الأحق والأقرب من الإسلام !!!
نمذجة الواقع روائيا
وتبدو جريدة المساء فضاء مصغرا لما يجري في خارجها اذ تتوفر في هذا الفضاء شخصيات منمذجة بالاتجاه الذي يكشف الصراعات في عالمنا المعاصر من خلال عينات متنوعة لها ولاءات سياسية ودينية ومذهبية مختلفة فالخراصي مسؤول الصفحة الدينية اباضي يرى ان مذهبة مثالا للاعتدال وهو يمثل الدين ،وزينب رئيسة القسم الاقتصادي شيعية ومتزوجة من اباضي معتدل على وفق شهادتها لم يطلب منها تغيير مذهبها عندما تزوجها كما ان له موقفا رافضا من زواج المتعة الذي يجيزه مذهبه إضافة للمذهب الشيعي الذي يجيز هذا الزواج ولكنها ترفض هذا الزواج أيضا غير ان زوجها يبدو اباضي متشدد من وجهة نظر بسيوني سلطان ، هناك المصحح السوداني السني الذي يختلف عن بسيوني في اعتقاده الديني وهو يتعصب لوطنه وهناك التونسي السني ايضا الذي يؤمن بثورة تونس دون أن يفصح عن انتمائه السياسي ،وكل هؤلاء يمثلون شخصيات وسطية لا فاعلية لها ، ولكنها تلقي ظلا ثقيلا على تجمعات وأوساط شعبية تشبهها تمثل وسطا للاختيارات السياسية التي أسهمت في وصول السلفيين وأمثالهم إلى مواقع متقدمة في السلطة السياسية ، واقصاء الشخصيات الإشكالية التي أسهمت بشكل فاعل في حركة التغيير العاصفة ، ويمثل هذه النخبة الشخصيات الإشكالية في الرواية :رئيس القسم الثقافي العلماني العماني حسن العامري ورئيس القسم المحلي سالم الخنصوري إضافة إلى شخصيتي زينب العجمي والمصحح التونسي الذي (رأى) خريف ثورات الربيع العربي في تونس ،وهي تسحق على يد السلفيين كل هؤلاء جمعهم المؤلف في الرواية ، بمواجهة شخصية بسيوني الغائبة عن السرد ، أما لماذا غيب بسيوني عن السرد ، فذلك يدخل ضمن تصورات السارد الذي يرى أن عالم بسيوني معروف و أفكاره وتطلعاته معروفة أيضا بما طرحته الجماعات السلفية المتشددة من برامج في إنشاء نظام إسلامي يشبه نظام الخلافة الإسلامية ، ولم يرد السارد العليم لنفسه أن يدخل في صراعات مباشرة مع هذا المذهب السلفي المتشدد والمعروف للجميع ، ولكنه استثمر السخرية للنيل من هذه الأفكار التي يطرحها حزب الأخوان في الساحة المصرية والليبية والتونسية وحتى الساحة العراقية ، وكلها تعتني بتهميش الآخر ،ومصادرة حقوق الناس على وفق أقوال وممارسات وتفسيرات لآيات من القران الكريم والأحاديث النبوية تجعل أحكامهم وتصوراتهم هي التي تمثل الدين . ومن أهم هذه الشهادات ما يتفوه به المصحح التونسي عن تجربة صعود الإسلاميين في تونس حين يقرر أن ( بن علي الطاغية المستبد يخاف الله أكثر منهم ص191) وان ( مشكلتنا مع النظام السابق كانت في حرية التعبير والإعلام فقط ،ولكن كان هناك أمان نسبي ، ولم تكن الأبنية العشوائية منتشرة على الشوارع كما هي الآن ، وكانت الوظائف والمناصب تذهب حسب الكفاءة لا حسب الولاء نفس الصفحة ) وهي وجهة نظر صحيحة وقارة في معظم المجتمعات التي حدث فيها تغيير ، يتضح ذلك من شهادة الشخصيات التي اكتوت بالتغيير ،باستثناء بسيوني الذي كان التعصب للمذهب والجماعة أساس علاقته بالحياة والشخوص المحيطين به ، غير أن كل ذلك لم يكن كافيا فالأصوات الإشكالية التي تعيش ضمن عالم القيم القديم ، تتطلع للتغيير على الرغم من كل ما جرى ويجري .
شخصيات كاريكاتير وأخرى إشكالية
يستثمر الروائي سليمان المعمري الفضاء الروائي لإغراض جمالية وفكرية تهتم بتسجيل وجهة نظر ساخرة عن الأوضاع التي تعيشها شخصياته الإشكالية في عمان ، وقد استثمر السخرية وسيلة أساسية في سرد يغلب عليه الفكاهة والتندر والضحك من الشخصيات الدينية المتشددة ، كما انه استثمر بلاغة التورية للتعتيم على المواقف الجدية التي تطرحها شخصياته الإشكالية التي تؤمن بالتغيير ، ويلاحظ في بناء شخوص الرواية ، ميل المؤلف إلى رسم الشخصيات النمطية بصيغة الكاريكاتير ، في تضخيم جوانب الهواجس الخاصة لديها ، والاستطالة في سرد سيرتها الذاتية الفارغة من المعنى وهي تتمحور في الحفاظ على الذات وتغليب الجانب النفعي في تعاملها مع الآخرين ، كما هو حال بسيوني سلطان الذي يبدو عمانيا أكثر من العمانيين في حضرة المسؤوليين العمانيين ،ومصري يكن للعمانيين الكره مع غيرهم ، كما تتضح صورة الكاريكاتير في شخصية رئيس التحرير الذي يتعامل حتى مع زوجته تعاملا نفعيا ،ويلخص المصحح التونسي شخصية رئيس التحرير بالكلمات التالية ( نصب ، ومنصب ، وانتصاب ص188).
اما الشخصيات الإشكالية التي تنتمي إلى تيار التجديد والتغيير فقد صورها الكاتب تصويرا لائقا بها وأعطى شهاداتها وسيرتها الذاتية بعدا خاصا يشي بعلاقتها الوطيدة بالتغيير والحث عليه ، فرئيس القسم الثقافي – حسب شهادته – ( أول من كتب مقالا عن حادثة ضرب المعلمين في الرستاق ص81 ، وهو من المدافعين عن المثقفين وكتاباتهم ولكنه يتعرض دائما لتوبيخات رئيس التحرير مما جعله : نصف مثقف نصف فيلسوف نصف صحفي نصف ثوري ص72) في حين يبدو سالم الخنصوري رئيس قسم المحليات أكثرهم اندفاعا نحو التغيير وأكثر جذرية من زملائه في هذا الاتجاه إضافة إلى زينب العجمي التي تطبعت بأحلام التنوير والنهضة والتسامح .
لقد استثمر الروائي الشاب سليمان المعمري فضاء التغييرات الصاخب لما سمي بالربيع العربي ، لضخ أسئلة واستفهامات ووضع علامات تعجب عن مجريات الأحداث الواقعية واتجاهاتها المربكة ، لينير المسالك المغلقة والطرق الشائكة وهي تفرز أنظمة استبدادية أقسى من الأنظمة التي سقطت ، وتتجه القراءة المتأنية لهذه الرواية الساخرة باتجاه رفض وجهة النظر المحايدة او المهادنة وعلى وفق أرضية صلبة كان قد عبدها مارتن لوثر كنك بمقولته الشهيرة (إن المكان الأكثر اتساعا في جهنم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد في القضايا الأخلاقية الكبرى ص80) .
(1)نظرية الرواية والرواية العربية د فيصل دراج –المركز الثقافي العربي ط2 2002 ص 71



#جميل_الشبيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اثر لا يمحى ورحلة حياة حافلة بالإبداع
- البصرة جنة البستان محاولة في التجنيس الروائي
- حين تجد الأنثى هويتها في مجازات اللغة الشعرية
- الرواية العراقية بعد التغيير2003 تعالق الفضاء الت ...
- بلاغة التورية في تيمور الحزين
- (البدون)إشكالية إنسانية وليست عرقية
- تساؤلات الأنثى في عالم ذكوري
- السجن فضاء قصصيا
- البحث عن هوية في فضاء بديل (رواية عجائب بغداد ن ...
- الفيلة تطير فوق نفايات المدن
- في رواية جاهلية ليلى الجهني تتحرى سجلات إذلال الأنثى في الحا ...
- حافات الدانتيلا ذاكرة يقظة من تاريخ الأسى
- الجنون و الحجر الصحي الدائم بديلا للحياة
- عالم خارج هموم الذات
- أنثى مفخخة
- من أشكال التجريب في السرد الروائي العراقي
- قراءة في رواية مدينة الصور
- من بحوث المهرجان الثاني للشاعر كاميران موكري – السليمانية
- ذاكرة جيل الحرب تفتح نافذة على :
- الروائي إسماعيل فهد إسماعيل ونزعة التجديد في تقنيات السرد ال ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل الشبيبي - في رواية (الذي لا يحب جمال عبد الناصر) بالسخرية والضحك والتهكم نضيء المسالك المغلقة والطرق الشائكة