أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل الشبيبي - السجن فضاء قصصيا















المزيد.....

السجن فضاء قصصيا


جميل الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 4657 - 2014 / 12 / 9 - 15:51
المحور: الادب والفن
    


بعد مرور أربع سنوات على صدورهما تصلني مجموعتين قصصيتين من صديقي القاص مجيد جاسم العلي وهما مطبوعتان على نفقته الخاصة وفي مطبعة محلية في البصرة
والقاص مجيد جاسم من الأسماء اللامعة في كتابة القصة القصيرة في مدينة البصرة حيث بدا النشر أواخر ستينيات القرن العشرين ، وكان قاصا فاعلا في إصدار المجموعة القصصية المشتركة (12)قصة بمشاركة عدد كبير من قصاصي البصرة منهم : محمد خضير ، ودود حميد ، عبد الصمد حسن ، ريسان جاسم عبد الكريم ،عبد الجليل المياح، عبد الحسين العامر ،وغيرهم كان ذلك عامي 1972 و 1973 ثم اصدر مجموعة متميزة عام 1973 بعنوان ( فتيات الملح) أرسى فيها أسلوبه المتميز في السرد القصصي القصير .
توقف عن النشر عام 1978 اثر الهجمة الشرسة على القوى الوطنية في العراق ، ثم أودع السجن عام 1981 بتهمة ملفقة لمدة سبع سنين وخلال ذلك انقطع عن الكتابة والنشر ، وكان ذلك التوقف القسري عن الكتابة يعني قطع سرة الحياة عنه ،على الرغم من انه عاود الكتابة في سجن أبي غريب ، لكن ذلك منعه عن الالتحاق بتيار القصة وتغيراتها ومنعطفاتها في تلك الأجواء الكابوسية التي عاشها العراقيون.
بعد التغيير عام 2003 عاد إلى النشر ونشر أكثر من خمسين قصة قصيرة في الصحف المحلية العراقية إضافة إلى نشر قصص مترجمة عن اللغة الانكليزية.
يمكن ان نطلق مصطلح ( قصص سجون) على مجموعتيه القصصيتين (خفايا المجهول) و(اللوحة) ،حيث تعيش كائناتها كابوسا دائما وسط أجواء الطرد من المكان تجاه المجهول او الحجز الجبري المقصود في زنزانة او سجن ، ويبدو الحوار مع الآخر على شكل همس أو وسط أجواء منعزلة تعبيرا عن هذا الكابوس الذي يحيط بها ،ويتخذ السرد صيغة البوح الذاتي في معظم القصص ، إضافة الى استثمار السرد بضمير الغائب لتأثيث أجواء الحكايات ، كإدارة الحوارات ، والبوح الذاتي وتوصيف المكان المعادي لتشكيل سرد متنوع ، يكشف عالم الشخصيات المرعب ، تبدو فيه شخوص القصص ضائعة لا تستطيع الإفلات من مصيرها المحتوم .
موكب من العميان
في قصة ( خفايا المجهول) يتساءل ساردها ) لا احد يدري .الذين سبقونا ، والذين جاءوا بعدنا يتساءلون .جل ما يعرفون أنهم معلقون بين السماء والأرض دونما أي بصيص من ضوء يتسرب من الخارج أو إشارة لتقويم زمني يعرف به جريان الأيام والشهور ص55)
وتبقى الأسئلة دون جواب وسط ظلام دائم ، وتنقلات في المكان وعسف رهيب ،تصبح فيه العيون واللسان سببا في الإذلال (كل منا يضع يده على كتف الذي أمامه لنسير بقافلة نملية الحركة ، او كموكب من عميان ص56) ، واستثمار ضمير الأنا الجمعي يضفي على الحكاية طابعا مأساويا حادا لإشارته إلى كتلة صماء كناية عن السجن الكبير الذي يحيط بهذا السجن الصغير، ويتجلى ذلك في قصص المجموعتين ،يستثمر فيهما القاص الأجواء الاستثنائية السائدة في المجموعتين كالحرب وعزلة الكائن والسجن لسرد حكاياته البليغة.
بلاغة الحكاية
في قصة ( البصير) تسرد التفاصيل بمعونة الإذن واليدين، التي تمثل الشاهد الصارخ على ما جرى ، فالسارد أعمى ،يتحسس الفضاء المعادي دون أن يرى جلاديه وقتلة أخويه المبصرين (وحز في نفسه أن يعاوده صدى الأنين المنبعث من الصدور بعد صيحات الألم التي أطلقتها الأفواه . كان يمد يده لتحسس مواضع الألم في جسدي أخويه المرتميين معه في الزنزانة القفص ص38)
وقصة ( البصير) من القصص المتميزة في مجموعة ( خفايا المجهول) في قدرة الكاتب على استثمار الحواس كبدائل عن حاسة الإبصار ، فيوظف حاسة الشم والسمع واللمس في تعريف الشخصية بالعالم المغلق على الظلام الدامس الذي يحيط بالشخصية ، فهو يتعرف على الفتاة التي ساعدته في اجتياز أزمته من خلال الشم والصوت والرائحة ( حيث افلح مجس انفه أن يخص لها عبيرا مميزا ص40) وعندما دعته للعمل مع أبيها في سوق الخضار تعلم باللمس التعرف على النقود وأنواع الخضار ، وفي هذه القصة تتمرد الذات على شرط وجودها الذي يعيق تواصلها مع الآخرين ، وتعمد إلى كسر رتابة الحياة واختراق الظلمة المستحكمة بمساعدة فتاة يتعرف عليها في السكن المشترك الذي يضم خمس عوائل تشترك بسطح واحد ،ومن خلال هذه الفتاة التي تتعقب خطاه يتعرف المتلقي على قدرته الفائقة في معرفة غسيله (وكعادته تحسس بمجس انفه غسيله الذي صعد به ضحى لكي لا تندس بين يديه قطعة غريبة وبحركة من يروف ثوبا انتزع قطع الملابس من مشابكها ليدسها في جيب دشداشته الجانبية واحدة تلو الاخرى دون ان يخطا العد ص38)
وهذه القصة تذكرنا بقصتي ( حردو والملك ) ( وجامع أسماء الموتى ) في مجموعته الأولى ( فتيات الملح) في توفر عنصر الجدة والطرافة والقدرة الكبيرة في إدارة السرد بالشكل الذي يجعل الصنعة القصصية مخبأة في حركة السرد وهي تكرس العفوية وجمالية الأداء .
في قصة ( عذابات اللوم ) يستثمر القاص ضمير المخاطب ، في إدارة حوار منفرد موجه إلى سجين آخر كان على شفا موت أكيد بسبب إضرابه عن الطعام ، والقصة تكشف بتكثيف دال أجواء السجون العراقية في الفترة المظلمة ، وعلاقة السجين بسجانيه التي تلخصها العبارة التالية (أنا اشعر بلوم عينيك .أما سمعت الجلاد يقول انه سيرمي جثتك إلى الكلاب . فلماذا تلومني ص68) لكن نهاية القصة تكشف بلاغة لوم العينين دون اللسان ، فقد أراد السجين أن يموت بطريقته الخاصة ويفوت على سجانيه فرحة إعدامه الذي كان حكما قاضيا عليه .
في مجموعته الثانية ( اللوحة) التي صدرت في نفس السنة ،تسود الأجواء نفسها ، فالشخصيات تتنفس وسط أجواء السجون ( قصص :اللوحة ،الانتظار، النافذة ،) او وسط ساحات الحرب أو الظروف القسرية التي أوجدتها الحرب ، غير أن قصص هذه المجموعة ، ترفد تمردات شخوصها ضد ظروف عسفهم وتهميشهم ، تجاه آفاق رحبة .
في قصة ( النافذة) صراع خفي بين الذات وجلادها المتمثل بأوامر السجن وليس صراعا بين شخصيتين ، بين الخوف المستشري الذي تبثه ثوابت السجن وأوامره القطعية وبين رغبة الذات التحرر من هذه القيود بفتح نافذة صغيرة في قاعة السجن تطل على الخارج ، والقصة تكثف الشعور بفقدان الزمن بفعل الحياة القاحلة التي يعيشها السجين وبين الخارج الضاج بالحركة والتغيير ، وهي بنفس الوقت توق للتحرر من القيود .
يقول السارد (هذه ساعة نفاد الصبر لقد طوقتني الرغبة بفتح النافذة ص69) . والنافذة في حقيقتها (نافذة صغيرة أفقية معتمة لا ترتفع عن أرضية القاعة الكبيرة سوى قدمين ص67) وفتح النافذة محظور (ليس لانها تطل على برج المراقبة ، بل كونها تطل على الباحة المستطيلة ص68) وفي هذه الباحة يمكن للسجين التعرف على أبواب السجن المغلقة ، وفيها فضاء فسيح (حيث يتسلق قرص الشمس السور الشرقي، فتلقي بأشعتها على تلك الأبواب قبل غيرها )، وتبقى الرغبة الحارقة تنازع الشخصية القصصية لفتح النافذة للتخلص من عفونة القاعة الكبيرة ( رائحة بيت الخلاء ،وروائح الأطعمة المتعفنة القابعة في صناديق الفلين ص69) أولا والتطلع ثانيا نحو ( نوافذ عريضة شاهقة (..)نوافذ كانت تفتح على بحار شاسعة وأخرى على قمم الجبال ...نوافذ متحركة تمر بها أشجار مثمرة وزهور عباد الشمس تلك هي النوافذ المباحة العديدة )باعتبارهما بديلين خياليين لحياته في السجن .
وفي قصة ( اللوحة ) بوح ذاتي ، في قاعة السجن بين شخصية السجين وصورة الحبيبة التي يحتفظ بها ، من خلال سرد وحوار ذاتي ويتسم السرد في هذه القصة بين وصف حركة الاصابع وهي تغرزالخرز الملون لإكمال نسج الوجه والشعر الفاحم لوجه الفتاة ، وبين الحوار الذي يرد ذهن الشخصية وهو يقرا رسالتها الأخيرة ويرد عليها في الان نفسه .
تسرد هذه القصة معاناة السجين ، في تخطي أسوار السجين ، والخلاص من اللحظة التي تقيده إلى زمن سائب ، خارج سيطرته ، من خلال ذاكرته التي تبقى معينا نابضا بالحياة ،على الرغم من مرور السنوات والأيام ،فهي تحتفظ بالأحداث والوجوه طازجة كما رأتها آخر مرة ، والسجين حين ينسج لوحته بالخرز اللون لتقييد اللحظة الزمنية واحتفاظه بها بعد مرور سنوات طويلة على سجنه ، وهو بذلك يتخطى مضمون رسالتها الوحيدة إليه التي تبلغه فيها انها ستخضع للأمر الواقع وان الأمر قد خرج من يدها ، وعلى الرغم من ذلك استمر في نسج اللوحة متمنيا عليها ارتداء قميص آخر (ذلك القميص الذي يضفي على صفحات وجهك بهجة ص8).
إن القاص مجيد جاسم العلي يتحرى ذاكرته ويستنفر خزينها ليعيد بناء المشاهد المأساوية التي عاناها السجين العراقي في الفترات المظلمة لتبفى شهادة حية على حقبة سوداء في حياة العراقيين .



#جميل_الشبيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن هوية في فضاء بديل (رواية عجائب بغداد ن ...
- الفيلة تطير فوق نفايات المدن
- في رواية جاهلية ليلى الجهني تتحرى سجلات إذلال الأنثى في الحا ...
- حافات الدانتيلا ذاكرة يقظة من تاريخ الأسى
- الجنون و الحجر الصحي الدائم بديلا للحياة
- عالم خارج هموم الذات
- أنثى مفخخة
- من أشكال التجريب في السرد الروائي العراقي
- قراءة في رواية مدينة الصور
- من بحوث المهرجان الثاني للشاعر كاميران موكري – السليمانية
- ذاكرة جيل الحرب تفتح نافذة على :
- الروائي إسماعيل فهد إسماعيل ونزعة التجديد في تقنيات السرد ال ...
- قراءة في ديوان اغاني موسم الجفاف
- مجازات وصور مبتكرة من عالم الطفولة
- موعد النار واسئلة الوجود المحيرة
- التطبيق على تقنية ( المشهد ) في القصة القصيرة /عربة تحرسها ا ...
- قراءة في قصيدة عاشقة الليل
- في جماليات النص الروائي


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل الشبيبي - السجن فضاء قصصيا