مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1662 - 2006 / 9 / 3 - 09:58
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تمهيد ..
في الحقيقة هذا الموضوع كبير وواسع , قديم وجديد , موضوع حياتي وأساسي في بناء الأسرة والمجتمع الديمقراطي . ولقد تناولته منذ زمن بعيد في كتاباتي .
إن عمل المرأة المنزلي التقليدي له وجهان : وجه سلبي عبودي في ( أنظمة الإستبداد والإستغلال ) . ووجه إيجابي . وجه قاتم وثقيل , ووجه مفرح ومشرق .
فعمل المرأة في المنزل عمل تقليدي شاق ومرهق , يسلب المرأة حريّتها في تحقيق إنسانيّتها الذاتية والإجتماعية , وحريّة التصرّف في وقتها , ويبعدها عن المشاركة في الكثير من القضايا المهمّة في المجتمع المحلّي , والعالمي .
فعمل المرأة في بيتها بحدّ ذاته , عمل مقدّس بالدرجة الأولى , عمل محترم . فيه الكثير من الفنّ والجمال والراحة النفسية والمتعة .. إذا أنهته بسلام وهدوء .
فيه حبّ وتفان وتضحية وإخلاص , فيه توازن واتقّان ومهارة وانتباه , تواضع , وقوّة أعصاب وقوّة تحمّل .
فيه إبداع وتنظيم وترتيب وجديّة . برامج .. وتنفيذ . لا مجال للكسل أو التأجيل .
فهناك الأعمال اليومية الروتينية , و ( الأسبوعية , الشهرية , السنوية , والمناسبات ) .
عمل المرأة في المنزل يشبه عمل الحكومة ..
ترسم برنامجها اليومي , في عقلها وفكرها , في نومها ويقظتها ,
تسيطر على الزمن في منتهى الدقّة , أي على نهارها , يومها .. منذ الفجر . أعباء في كل اتّجاه وزاوية , بالداخل و الخارج , وهذا البرنامج العملي البيتي يختلف بين المرأة في المدينة أ والريف , بين طبقة وأخرى .
فهي عاملة من الدرجة الأولى - ( اّلة ) غسيل وكوي ورتي وتنظيف وطهي وووووو...الخ .
فهي إداريّة ناجحة .. ومهندسة ديكور , وطبيبة صحّة وجمال ورياضة .. ونفس .
وزارة مالية , وموظّفة أشغال , وتسويق , بيتها روضة أطفال , وهي الحضن والعقل الإيماني والتربوي والروحي للعائلة ,
وهي نصف محاميّة ونصف قاضية بين أفراد العائلة .. والمرجع لكل أمور العائلة .
هذا .. عدا وظيفتها الأنثوية الفيزيولوجية الطبيعية ( الحمل والولادة والرضاعة ) والألاّم والعذاب ووو . ؟؟
فالأنثى هي الأصل " كما تقول لنا أستاذتنا ورائدتنا السيّدة نوال السعداوي .
فالمرأة هي الحياة .. تجسّد الحياة في عقلها وفكرها وروحها ورحمها . هي رمز الحياة , وكلمة ( حوّاء ) مشتقّة من الحياة .
هذا بشكل عام ومختصر دور وعمل المرأة المنزلي – هذا إذا لم تجمع المرأة أيضا بين عمل المنزل المضني والوظيفة أو المهنة خارج البيت .. ؟
فليتصوّر المرء كم " بطيّخة تحمل المرأة بيد واحدة " ولا تقع واحدة منها , لأنها ( حاملة أثقال ممتازة )
متدرّبة منذ نعومة أظفارها , على التوازن والإنجاز السريع والدقيق , أي كادحة بامتياز – وليس كالجيل الجديد اليوم ؟؟؟؟ وكلّ ذلك تقوم به مجّانا أي ( خراتيس ) كما يقال في هولندا – مقابل الطعام واللباس والسكن ؟
فمتى تعيش هذه الإنسانة إنسانيّتها .. ؟ القراءة , والكتابة .. المشاركة السياسية , الإجتماعية والترفيهية ؟؟؟
متى تتحرّر من هذه الأعباء الثقيلة والمسؤوليّات الجمّة التي تكبّل قدراتها ومواهبها وطاقاتها المتنوّعة .. ؟
وهذا مايشلّ عمل وإنتاج نصف المجتمع في التنمية والبناء , أو يجعله مشوّها , مقتصرا على الرجل فقط –
ولا يمكن حل هذه المعضلة المزمنة على حساب تربية الأطفال ونمو الأسرة الطبيعي تحت ظل أنظمة إستبدادية ورجعية .
وقد أوجد النظام الإشتراكي السابق منذ البداية – الإتحاد السوفييتي والدول الإشتراكية – حلّ لهذه الإشكاليات وهذه المعضلة بإيجاد روضات الأطفال ودور الحضانة والمطاعم الشعبية الجيّدة بصورة مجاّنية أو شبه مجّانية , وما زال بقايا هذه المطاعم موجودا في بولونيا مثلا حتى اليوم – طبعا مع إرتفاع الأسعار وتدنّي النوعية – تحت إسم " بار ملتشى " , والروضات لم تعد مجّانا مع الأسف بعد انتقالها إلى النظام الرأسمالي الحرّ . ؟
لابدّ لي من العودة لما كتبه المعلّم " لينين " حول هذه المعضلة في مقاله : في المبادرة الكبرى . تمّوز – يونيو – 1919 – تحت عنوان : عبوديّة الإقتصاد المنزلي .
" لنأخذ وضع المرأة . ما من حزب ديمقراطي في العالم , في أي من الجمهوريّات البرجوازية الأكثر تقدّما , حقّق على امتداد عشرات السنين , بهذا الصدد , جزءا واحدا بالمئة مما حقّقناه نحن في السنة الأولى لحكمنا .
إننا لم نترك , بملء معنى الكلمة , حجرا على حجر من تلك القوانين السافلة بخصوص عدم مساواة المرأة , وقيود الطلاق , والشكليات الخسسيسة التي تغلّفه – تلك القوانين التي تربل بها , ويا للعار البرجوازية والرأسمالية – جميع البلدان المتمدّنة .. وإن من حقّنا ألف مرّة أن نفخر بما حقّقناه في هذا المضمار . ولكن كلّما كنسّنا الأرض ونظفّناها من نفايات تلك القوانين والمؤسّسات البرجوازية البالية , اتضح لنا بمزيد من الجلاء إن ما قمنا به لا يعدو أن يكون تمهيدا للبناء , ولكنه ليس البناء ذاته بعد .
إن المرأة لا تزال عبدة البيت ---- بالرغم من جميع القوانين التحريرية , إذ أن الإقتصاد المنزلي الصغير ------
لايزال يثقل كاهلها ويخنقها ويبلّدها ويذلّها , إذ يقيّدها إلى المطبخ وغرفة الأولاد , وإذ يرغمها على هدر قواها في مهام غير منتجة إلى حدّ رهيب . مهام صغيرة , مثيرة للأعصاب , مخبّلة , مرهقة .
إن تحرّر المرأة الحقيقي ---- والإشتراكية الحقيقية لا يبداّن إلا حيث ويوم يبدأ النضال الجماهيري ( بقيادة الطبقة العاملة الممسكة بزمام السلطة ) ضد ذلك الإقتصاد المنزلي الصغير , أو بتعبير أدقّ , عند تحويله بصورة مكثّّفة ----- إلى إقتصاد إشتراكي كبير .
لكن أترانا نعير , عمليا , القدر الكافي من الإهتمام لهذه المسألة التي لا جدال فيها , نظريّا , بالنسبة إلى كل إشتراكي ؟ بديهي أن لا .
هل نبدي مافيه الكفاية من العناية ببراعم الإشتراكية الموجودة من الاّن في هذا الميدان ؟ مرّة أخرى , لا ولا .
المطاعم الجماعية , دور الحضانة , رياض الأطفال – تلك هي نماذج من تلك الباعم , تلك هي الوسائل البسيطة , اليومية , التي لا تفترض شيئا من الأبّهة والتفخيم والمهابة , والتي من شأنها واقعيّا أن تحرّر المرأة ----- , أن تقلّص وتمحو واقعيّا عدم المساواة بينها وبين الرجل , أن تستجيب لدولرها في الإنتاج الإجتماعي والحياة العامة . ما تلك الوسائل بجديدة , فقد خلقتها الرأسمالية الكبيرة ( مثلما خلقت بوجه عام جميع المقدّمات المادية للإشتراكية ) , لكنها بقيت في ظل النظام الرأسمالي استثناء نادرا أولا , ثم صارت - وذلك هو المهم – مشروعا تجاريّا -----مع جميع جوانبه السيئة من مضاربة وإثراء إحتكاري وغش وتزييف , وإما " ضربا من بهلوانيات الإحسان البرجوازي " الذي تكنّ له نخبة العمّال كرها وازدراء عن حقّ .
لا مجال للشكّ في أن هذه المؤسّسات شرعت تتكاثر عندنا وأن طابعها بدا يتغيّر . ولا مجال للشكّ في أن ثمّة بين العاملات عددا من المنظّمات الموهوبات ------ أكبر بكثير مما نعرف , عاملات يعرفن كيف يسيرّن المشروع بمشاركة عدد كبير من العمّال وعدد أكبر من المستهلكين , دونما حاجة إلى ذلك الإسراف في الجمل والتعابير , وإلى ذلك الإفراط في تشغيل البال وإثارة الضجّة والثرثرة بصدد الخطط والمناهج الخ ...... , ذلك " الداء " الذي يشكو منه باستمرار " المثقّفون " المزهوّون بأنفسهم أو " الإشتراكيون " المتخرّجون حديثا . بيد أننا لا نعتني كما ينبغي ببراعم المستقبل تلك .
أنظروا إلى البرجوازية . فلكم تعرف كيف تقوم بالدعاية لما هو ضروري لها ---- ! ولكم يكال المديح في ملايين النسخ من صحف الرأسماليين للمشاريع " النموذجية " في نظرهم , ولكيف تصبح المؤسّسات البرجوازية " النموذجية " موضع الإعتزاز القومي !
إن صحافتنا لا تهتمّ البتّة , أو لا تهتم البتة تقريبا , بأن تصف خير المطاعم أو خير الحضانة , ولا تسعى عن طريق إلحاحها اليومي إلى تحويل بعضها إلى مؤسّسات نموذجية , ولا تقوم بالإعلان عنها والدعاية لها , ولا توضّح بكثير من التفاصيل مقدار ما يؤدّي إليه العمل الإشتراكي النموذجي ------من إقتصاد في المجهود البشري , ومن تسهيلات للمستهلكين , ومن توفير للمنتجات , ومن تحرير للمرأة من العبودية المنزليّة , ومن تحسين للشروط الصحيّة , وكيف يمكن أن تعمّم هذه المنافع على المجتمع كافّة , على الشغيّلة جميعا " .
" المبادرة الكبرى " تمّوز – 1919 -
ويقول المعلّم لينين أيضا في هذا الصدد في يوم النساء العالمي 8 اّذار :
" ....... وبالمقابل كنّست جمهورية روسيا السوفياتية بضربة واحدة , وبلا استثناء , جميع الاّثار القانونية لدونية المرأة , وكفلت دفعة واحدة للمرأة بموجب القانون , أكمل المساواة .
يقال أن مستوى الثقافة لشعب من الشعوب يتحدّد , أحسن ما يتحدّد , بوضع المرأة القانوني . وفي هذا القول حبّة من حقيقة عميقة .
إن الحركة العمّالية النسائية , التي لا تكتفي بمساواة شكلية خالصة , تجعل مهمّتها الرئيسية النضال في سبيل المساواة الإقتصادية والإجتماعيّة للمرأة . إشراك المرأة في العمل الإنتاجي الإجتماعي , وانتزاعها من " العبوديّة البيتيّة " , وتحريرها من نير الخضوع – المخبّل والمذلّ , الأبدي والحصري – للمطبخ وغرفة الأولاد : تلك هي المهمّة الرئيسية .
وهذا نضال طويل الأمد . وهو يتطلّب تحويلا جذريا للتقنية الإجتماعية وللأخلاق . لكنّه سينتهي بانتصار الإشتراكيّة التام . "
" البرافدا " - 7 اّذار – 1920
" .... إن هذا الإنتقال صعب , إذ أن المطلوب هنا تحويل " نظام " عميق الجذور , متأصّل , مألوف متمكّن ( والحقّ أنه ليس " نظاما " بل خسّة وقباحة وبربرية ) . بيد أن الإنتقال بدأ , وبدأ العمل , ونحن الاّن نسير في الطريق الجديد .
... أن روسيا السوفياتية التي باشرت عملا صعبا ومضنيا للغاية ولكنه عمل ضخم , جليل , ذو شأن عالمي وتحريري حقّا ....
" البرافدا " ---- نفس المناسبة 8 – اّذار 1921 –
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟