أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد حسين يونس - ثم فقدوا الأمل ( رمز الأمل ).















المزيد.....

ثم فقدوا الأمل ( رمز الأمل ).


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 7114 - 2021 / 12 / 22 - 10:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


في 23 يوليو 1961 غنت أم كلثوم من كلمات صلاح جاهين و الحان رياض السنباطي
((تعالوا يا اجيال يا رمز الأمل... من بعد جيلنا و احملوا ما حمل..و افتكروا فينا واذكرونا بخير..مع كل غنوة من اغانى العمل..
هيلا هيلا ..هيلا هيلا.. ثورتنا عمل و جهاد.. هيلا هيلا..هيلا هيلا..هبوا واصنعوا الامجااااد... هيلا هيلا ..هيلا هيلا... وابنوا فوق بنى الاجداد.... اول طريقنا بعيد واخره بعيد.. وطول ما ايد شعب العرب فى الايد.. الثورة قايمة والكفاااح دوار.))
كنت من هذا الجيل الذى تنادى عليه أم كلثوم .. ليحمل .. ما حملته الأجيال السابقة ..طالب في كلية الهندسة يقضي أجازة ما بعد السنة الثالثة و يستعد للعام الأخير في الدراسة .
و كانت مثل هذه الأغنية ( الموحية ).. مع الميثاق و القوانين الإشتراكية التي صدرت في نفس العام .. تعتبرلدى إبن العشرين بوصلته و دليله للمستقبل..و مؤشرا لما سيكلف به جيله من تمهيد طريق التقدم لبلده و البناء فوق الأساسات التي أنشأها الأجداد و الأباء.
تبدأ القصة
عندما امسك والدى الجريدة اليومية ((الأخبار )) وبدأ يصيح و يشير لصورتين ويسألنى( طفل الثانية عشر ) من هؤلاء .. تعرفت بسرعة على ( أنكل)عبد الحكيم ، فلقد كان يحضر عندنا أحيانا بزيه العسكرى وفشلت فى التعرف على الآخر، عندها ضحكت أمى وقالت : (( جمال .. مش عارفه !!)).
لقد كان عبد الحكيم وجمال عبد الناصر وباقي من إنقلب علي الملك من ضباط .. أفراد منا .. يعيشون بيننا .. و يتزاورون مع أهالينا ..و يتناقشون في السياسة و الدين و الموضة .. و الفساد الذى يعم بلدنا ... و ما تفعلة العائلة المالكة من جرائم سلوكية و أخلاقية ..
و هكذا لم أتصور أبدا أن من كنت أتعامل معهم في منزلنا سيصبحون بعد عقد أو إثنين من أنصاف الألهه الذين دان لهم حكم مصر .
فى مدرسة فاروق الأول الثانوية ، بعد شهور قليلة حضر بعض الضباط برئاسة اللواء محمد نجيب ، الذى ألقى خطبة علي الطلاب ،
عندما رأيت جمال بينهم .. جريت لأمسك بيده بود بين دهشة المدرسين والناظر ، وربت هو على رأسى قائلا : (( إزاى أبوك !! )) ... ومن يومها أصبحت المتحدث الرسمى باسمه فى المدرسة والمتتبع لخطبه فى الجرائد والاذاعة ،أحفظها وأردد مقاطع منها ،و أشرح للزملاء ماغفل عليهم منها .. واقلد طريقته فى الكلام خصوصا عندما يقول (( أيها الأخوة المواطنون )). .
ثلاث مرات قفزت من مجلسي وفرت الدموع من عينى لا أستطيع التحكم فيها .. وانا أستمع اليه ..
عندما كان يصرخ ويقول : ((إذا قتلونى فقد وضعت فيكم العزة ، فليقتلونى الآن فقد أنبت فى هذا الوطن الحرية والعزة والكرامة )) وذلك بعد نجاته من محاولة محمود عبد اللطيف اغتياله فى المنشية عام 1954
وعندما أعلن عن تأميم الشركة العالمية لقناة السويس ، و كنت حينها قد انهيت دراستى الثانوية واستعد لدخول كلية الهندسة ،
وعندما خطب فى الجامع الأزهر معلنا مقاومة الشعب للعدوان الثلاثى ، بعد أن أصبحت فعلا طالبا جامعيا .
كنت في صباى .. و شبابي ..أتابع خطب جمال عبد الناصر في المناسبات ..وقراراته وأدافع عنها كما لو كانت قراراتى شخصيا حتى عندما أبدى والدى اعتراضه على تاميم القناة وتخوفه من قوة إنجلترا و فرنسا ، أيدت القرار بكل ما يملك إبن السادسة عشر من منطق ، معلنا اننا سنضحى جميعا فى سبيل وقف العدوان اذا حدث.. (لقد كان الإستقلال قريبا ( يونيو 1956).. و كانت العزة المصريه في أعلي درجاتها)
فى السنة الثالثة (عمارة) وكان على أن أرسم وأجهز وأحبر لوحات مشروع نهاية العام ، كان هو يقرأ الميثاق الوطنى ..
فحرصت على أن أكمل عملي وفى نفس الوقت أستمع لحبيب الملايين ، لذلك أحضرت الراديو ووضعته بجوار اللوحة وكنت اتبادل التركيز على الرسم وسماع كلمات مثل .. الكفاية والعدل .. العمل حق العمل واجب العمل حياة .. تحالف قوى الشعب العامل .. الحرية الاجتماعية .. حتمية الحل الاشتراكى .
بعد ذلك عندما حفظت أجزاء من الميثاق ، كنت لا أمل من ترديد ((ان الحرية الاجتماعية طريقها الاشتراكية ، إن الحرية الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا بفرصة متكافئة أمام كل مواطن فى نصيب عادل من الثروة الوطنية ..
إن ذلك لا يقتصر على مجرد إعادة توزيع الثروة الوطنية بين المواطنين ، وإنما هو يتطلب أولا وقبل كل شئ ، توسيع قاعدة هذه الثروة الوطنية ، بحيث تستطيع الوفاء بالحقوق الشرعية لجماهير الشعب العامل ))
..((و ذلك معناه ان الاشتراكية بدعامتيها من الكفاية والعدل هى الطريق الى الحرية الاجتماعية )).
و أصبحت إشتراكيا .. قبل أن أتعلم ما معني الإشتراكية بصيغها المتعددة ..وأثناء الخلط الشائع بينها و بين رأسمالية الدولة التي إنتهي إليها الحكم في مصر الستينيات .
لقد كان حديث الميثاق يمثل الأمل لطالب كلية الهندسة الذى يقف على أعتاب الولوج لمجال العمل فى وطن ((تتلاقى عليه جميع عناصر الانتاج ، على قواعد علمية وأنسانية ، تقدر على مد المجتمع بجميع الطاقات التى تمكنه من أن يصنع حياته من جديد وفق خطة مرسومة و مدروسة وشاملة )).
اليوم بعد ستين سنة عندما أنظر خلفي و أتأمل ما حدث .. أجد( بصدق ) أنه إذا ما كان ما جاء بالميثاق في ستينيات القرن الماضي من حديث عن الحرية الإجتماعية و الفرص المتكافئة.. فشل في التحقق لأسباب خاصة بذلك الزمن .. و مع ذلك هواليوم بعد أن عدنا لنقطة الصفر و ما يصاحبها من تبعية للخارج و تميز طبقي أصبح المخرج لسياسة تتوخي الإستقلال و التنمية و العدل.( الكفاية و العدل )
لقد كان عبد الناصريعرف أن العمل الموجه لصالح المجتمع و طبقاته الفقيرة و المعدمة و تحسين حياتها و تعليمها و تدريبها و توعيتها .. هو الذى سيعيد تشكيل المصريين ويخرج بنا من أزمة تخلف ما بعد الإستعمار .
لذلك كان يحض علية و يكرم من يقومون به .. سواء ماديا أو معنويا ... و يوجه في إتجاه .. تحرير الفلاح و تحسين الزراعة و توفير المياة لها ( ببناء السد العالي ) .. و خلق الصناعة من العدم ( الف مصنع )..و الإهتمام بالإحتياجات المعيشية اليومية للفقراء و الطبقة المتوسطة ..( عمل ، سكن ، طعام ، دواء )
لم يبن عبد الناصر قصرا .. أو مقرا حكوميا فاخرا .. أو فنادق للقوات المسلحة .. أو ناطحات سحاب .. و مدن للأغنياء تحيطها الأسوار و الحراس
و لكن بني وحدات صحية .. و إجتماعية .. و مدارس .. و جامعات .. و مراكز بحوث .. و مساكن شعبية ..و مدن للفقراء ..ومعرض دولي و إستاد .. ومبني للتلفزيون .. لقد كانت أموال الشعب تنفق لصالح الشعب و لتحريره من موقف التبعية للإستعمار .. لحالة الإستقلال و السيادة .
ومع ذلك فقد خرب عبد الناصر و من جاءوا بعده ..الأمل الذى غنت له أم كلثوم .. بسبب تجميع السلطة في أيديهم ..و كتم الأصوات المخالفة .
نعم .. أن تعمل تحت رئاسة الديكتاتور( الذى يملك رقبتك) مخاطرة تتطلب أن يكون لديك مجموعة من المهارات الخاصة.. فعليك أن تكون قادر علي قرأة أفكارة ورغباتة دون أن ينطق ثم تتبناها كما لو كانت أفكارك الشخصية..
وأن تتقن اختفاؤك في ظلة لا يشعر بك الاهو .. واذا ماحدث واضطرتك الظروف لان تتكلم فعليك أن ترجع كل أفكارك والقرارات والانجازات لتوجيهات سيادتة .
.بالاضافة لاهمية أن تكون يقظا تعرف اتجاهات القوى .. ولا تقوم بالوشاية الا في الوقت المناسب مع عدم تحديد مصدرها عليك أن تبنيها للمجهول مثل( بيقولوا ).(اشاعات)..(سمعت).. فتتجنب المواجهة ومعارك لا تعرف نهايتها وتظل مغسول اليد نظيف.
أغلب الذين أحاطوا بالبكباشي جمال بعد نجاح الانقلاب لم تكن لديهم هذة المهارات فأطاح بهم واحدا تلو الاخر بما في ذلك زعيم المنقلبين المعلن (محمد نجيب)..
أما من بايعوه زعيما وقدموه بطريقة (يا ولدى هذا عمك جمال).فلقد نجوا حتي النهاية وكان أجرهم عظيما .
سيادة الرئيس ( الديكتاتور ) كان يمتلك نظرة فاحصة سابرة تربك من يتحدث الية.. نظرة في الغالب كان يمتلكها راسبوتين ،هتلر،اتاتورك، شاة ايران، صدام حسين ..و كل من تلاهم علي الدرب .
نظرة تجعلك تتوقف عن التفكير أو تشغيل المخ وتردد كلماتة .. ثم تتحمس لها .. ثم تندفع لتنفيذها .. وعندها تكتشف كم هي معيبة .. ولكن بعد فوات الاوان فالقائد لا يمكن مراجعة قراراتة .
هيئة التحرير..الاتحاد القومي..دستور مؤقت..الاتحاد الاشتراكي..دستور الوحدة..كلها كانت ارادة الزعيم أهدر بها امكانية تطوير ديموقراطية ليبرالية متعددة الاحزاب، لتبقي مصرحبيسة الحزب الواحد حتي بعد أن أصبح بها مائة حزب لا يعرف مقراتهم الا لجنة تنظيم الاحزاب .
القومية العربية..تأييد ثورة الجزائر ..الوحدة مع سوريا ..الوحدة مع إمام اليمن ..الانفصال..تاييد انقلاب ليبيا ثم اليمن ضد الامام .. انتشار أفراد المخابرات في الدول العربية والافريقية لدعم عقيدة الناصرية ..حذر الانظمة الحاكمة من رجال مصر ..التورط في حرب اليمن .. معاداة السعودية..
في النهاية رغم كل مجهود اذاعة صوت العرب كادت أن تندلع حربا بسبب مباراة كرة قدم مع الجزائرلتحميلهم الزائد ضد مصر.
امريكا صديق الدول المستعمرة والامل في مساعدة الشعوب المقهورة من الامبراطوريات القديمة ..الحياد الايجابي .. السلاح من الكتلة الشرقية..بريوني وباندونج..الانحيازللاتحاد السوفيتي وتنفيذ سياستة في المنطقة ..معاداة الاستعمار أينما كان..الاحلاف العسكرية العربية..الجامعة الاسلامية..
أمريكا داعمة اسرائيل والسعودية ضد مصر ناصر .وفي النهاية بيدها 90 بالمائة من أوراق اللعبة ..و توقيع معاهدة كامب دافيد.
الاصلاح الزراعي الاول .. الاصلاح الزراعي الثاني ..مقاومة الاقطاع .. مديرية التحرير ..تفتت الملكية الزراعية.. تجريف الارض ..سيطرة البيروقراطية علي الزراعة والفلاح من خلال جمعيات تعاونية متحكمة.. ثم انهيارالزراعة .. فشل تعمير الصحارى ..مصر أكبر مستورد للقمح في العالم.. الفلاح يشرب مياه مخلوطة بالمجارى ويروى زراعته بمياة الصرف الصحي و يسمدها بالحمأة (البقايا الصلبة بعد جفاف مياه الصرف الصحي).
مصادرة ممتلكات الاجانب ..المؤسسة الاقتصادية..قوانين يوليو الاشتراكية.. تمصير البنوك..تأميم شركات المقاولات والمصانع ..التخطيط لاقامة مصانع لانتاج من(الابره للصاروخ )..
ثم تسيب وقلة خبره في إدارة القطاع العام ..نقص في العمله الحرة يوقف تجديد الماكينات أو تزويدها بقطع غيار ..فشل الصناعه في سد احتياجات المجتمع والان نستوردها كلها..(معدات،سيارات،طائرات،قطارات،ملابس،أحذيه،اكسسوارات،أدويه، أغذية ، حلويات كمبيوترات تليفونات)
الديموقراطية كما تصورها الزعيم ..القوميه العربية كما ارادها الزعيم..تفتيت الملكية كما قرر الزعيم ..قوانين يوليو كما راى الاشتراكية الزعيم ..كلها عاهات يعاني منها المصريون حتي اليوم بعد وفاته بخمسين سنة سنه لصعوبة الرجوع فيها أو تعديلها أوالغاءها ...
لقد أعطي المثل لما يتمتع به الديكتاتور .. و أصبح ..بالنسبة لمن تلاه .. هو النموذجى لفن الحكم .. و الرائدلإسلوب ترويض و تسكين الأم المصريين .
في السنين الأولي لتخرجي من كلية الهندسة .. إندمجت في جيش العمل كنت أصمم أو أشرف علي تنفيذ ..مثل هذا الكم الهائل من المباني .. في سيناء و الوادى ..
و كنت أشعر .. بأنني أوظف مهاراتي لتحريرالمعدمين من أبناء هذا الوطن و تحسين حالهم .. ضمن خطة شاملة ..لعتق المصريين من ذل الإحتياج و التخلف .
و لكن عندما تخرجت من الكلية الحربية ضابطا مهندسا وسافرت الى اليمن ، بدأت علاقتى بعبد الناصرو نظامه يصيبها الفتور ،
فلم أكن متوافقا مع ما حدث من وحدة و إنفصال في سوريا ..أو بالذهاب الى اليمن لتقديم المساعدة لمن يأباها و يترصد بنا سواء للحصول على غنائم الأموال أو لقتلنا .
لم أكن مقتنعا ( رغم الرشاوى التى قدمها عبد الحكيم لرجال الجيش بالبدلات والمعافاة من الجمارك والسكوت على البضائع المستوردة التى يجلبونها معهم ) فقد كانت حرب اليمن سببا مباشرا لأن يتفكك الجيش ويعانى من التسيب فى التنظيم والتسليح و يتحول ضباطة و جنودة من مقاتلين إلي تجار شنطة .و ينتهي به الحال لهزيمة مخزية من (دويلة ) إسرائيل
لقد لاحظت كما لاحظ غيرى .. أن الكلام ..غير التطبيق ..و أنه خلال سنين معدودة .. انهارت مبادئ الميثاق عن العدل والمساواة والحرية ، علي يد من ينفذونهاو بدأ فقد الأمل يتسلل لإبن منتصف العشرينيات .
لقد عشت بين أفراد عصابة من الطامعين في الحكم و الثروة و النفوذ ..و رايت في جميع المجالات أن لكل منهم خططه الخاصة ..التي ليس من بينها .. الخروج من مأزق ما بعد جلاء الإستعمار .. و ممارسة الحرية الإجتماعية .. و الديموقراطية..و الكفاية و العدل .
كانوا يتشدقون بكلمات الميثاق و خطب الريس و هم غير مقتنعين بها يستخدمونها للترقي في المناصب .. أو توقي غضب الديكتاتور ..بما في ذلك و بالخصوص رئيس مجلس الشعب السيد أنور السادات. . أحد القلائل الذين بقوا في الميدان من رجال الإنقلاب و أصبح نائبا للرئيس
ولم تعد خطب عبد الناصر تبهرنى رغم أنها أصبحت تذاع من التلفزيون المستجد ..بنفس القدر الذى كانت عليه يوم أن دافع عن حرية قناة السويس فى مواجهة العدوان الثلاثى. ..و عندما صدر لنا الحلم بمجتمع يسودة العدل و المساواة .
ثم أسرت بعد حرب أظهرت أن نظام الثوار كان ديكور فيلم رومانسي بني بالكارتون طار مع أول هبة عاصفة .. وسهرت لليلة كاملة راقدا على وجهى لتجنب أن أصاب يالرصاص الذى يطلقه جنود الأعداء ،
كان شعار (ارفع رأسك يا أخى) يدوى فى أذنى كانعكاس لرأسى المنخفضة مع آلاف الأسرى المجاورين ، وعرفت أن العلاقة العاطفية التى تربطنى بهذا الرجل (بهى الطلعة ) ، (ساحر الكلمة ) ، ( باعث الثقة )، ( صديق الفقراء والمستضعفين ) قد تحتاج الى مراجعة.. فأمضيت سنين ما بعد الهزيمة و حتي مماته أراجع علاقتي بهذا النظام .. و هذا الرجل . و لم يكن الأمر في صالحه .. بعد أن فقد جيل الأمل .. ( الأمل ) .
عندما توفى الزعيم كان والدى ( من جيله ) يبكيه ممسكا منشفة ضخمة ليمسح بها دموعه المنهارة بدون توقف ، وكنت أشعر بأنني .. قد ضللت و تم إستخدامي و تغييبي ..و أن كابوسا قد انزاح ، وأنه قد آن الأوان لأن أمتلك مقدراتى وأعيش كفرد ناضج لا يخضع لسحر كاريزما الرئيس ، ولا أى رئيس..
و منذ ذلك اليوم .. لم أتوافق أبدا مع أى نظام أو حكومة تسلطت علي مصر و المصريين ..و لعبت بعقولهم .. و مستقبلهم لتنفيذ وصايا الرئيس .
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، سألوا واحدة من المتحمسات للنازى .. كيف تم هذا ؟
فردت : ((لقد تم كل شئ بسرعة وعلى خطوات بحيث تسربت هذه الأفكار الى دمائنا ببطء يوما بعد يوم ، وكانت الانتصارات القومية تجعلنا لا نرى الواقع التعس الذى نعيشه ، وتصبح كل أعمال العنف التى تحيطنا ، ثمنا مناسبا لعودة الكرامة .)).
وهكذا كنت مثلها .. و كان جيل الأمل مثلها مع فارق أننى عرفت أن الحقيقة لها أكثر من وجه ، في حين أن أخرين لازالوا يتخيلون لو أن ناصر حكم مصر مثل محمد على ( 17 مايو 1805 حتى 2 أغسطس 1849 ) أربعة واربعين سنة ، لما سقطنا في الدرك الأسفل من التخلف .
. شاهدت عبر سنين حياتي التي طالت لما بعد الثمانين ..لأربع مرات ..شخص منا يرتدى البدلة الميرى .. يمكن أن يكون خال أو عم أو جار .. يجلس علي كرسي الحكم .. فيبدو طيبا مسالما رقيقا .. و محبا للوطن و أهله ..
ثم مع مرور الزمن يتحول إلي ديكتاتور بغيض .. يفتك بالبشر و يسجنهم و يعذبهم .. و يبتزهم .. ويفرض عليهم الضرائب المجحفة .. و لا يقبل نقدا أو وجهة نظر مخالفة .. و يرى هو من حوله من مرتزقة ..أنه مبعوث العناية الإلاهية الذى أرسل لتغير حياة المصريين .
الكرسي .. له قدرة علي المسخ .. بحيث يحول هذا الرجل الطيب المهذب الخجول ..إلي جلاد .. يصر علي تطبيق وجهة نظره بالعنف و القوة .. بغض النظر إن كانت صحيحة من عدمة .. أو إن كانت يرحب بها الناس .. و يتوه الهدف و المسار لثلاث مرات و يضيع منا أول الطريق الذى تغني به صلاح جاهين .. ليصبح أكثر بعدا و أخره غير مرئي ...
الإشتراكية .. ثم الإنفتاح الإقتصادى و السياسي.... ثم فساد وتحكم عصابات البزنيس و محاولة التوريث .... ثم الإستسلام لقواعد و تعليمات البنك الدولي و صندوق النقد ..وإعتناق أن أمريكا بيدها 100% من أوراق تحديد مصيرنا .
أربعة إنقلابات .. حدثت خلال الفترة .. من بداية الخمسينيات .. حتي مدخل العقد الثالث من القرن الحادى و العشرين .. ( سبعة عقود فقط ) إستطاع فيها أبناء مصر من الحكام ..أن يفعلوا بنا ما فشل فية الإحتلال البريطاني خلال مدة مماثلة ( 70 سنة )
حكام مصر .. روضونا بالسجون و المعتقلات .. و جعلونا أمة مستسلمة تابعا لامريكا و مندوبيها في المنطقة ..خائفة .. متخلفة. متوقفه عن المقاومة ..غير قادرة علي ألإنتاج ..أو التنمية .. ترسل بإنتظام جزية تساوى مجمل ما تجبية الحكومة بالقهر و العنف من ضرائب و جمارك إلي زبانية الديانة.
ما نحن علية اليوم .. من توهه ..و فقد..و عدم تجاوب الناس مع قرارات الحكومة التي لا تتوقف عن فرض الضرائب المغالي فيها .. و إسكات الأصوات المخالفة .. أصبح بطول المعاشرة .. طبيعة الحياة في بلدنا ..
تنهي القصة
بعدم تواجد الجيل ( رمز الأمل ) بحكم السن و توقفت أغاني العمل الذى أنشدتها أم كلثوم ..و ظهور أجيال ..مسكينه بفقد الهدف .. و الأمل .. و لم نعد نذكر بالخير .. جيلنا أو جيلكم يا صلاح .



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاش قنزحة سيبوا لعب الكرة للأغنياء
- مرت الأيام .. وتبخرت الأحلام (3 )
- مرت الأيام .. وتبخرت الأحلام (2 )
- مرت الأيام .. وتبخرت الأحلام (1 )
- ألازلنا نحرث في البحر
- هكذا تكلم ول ديورانت .
- السباحة عكس التيار أم حصاد الفاشيست
- تاريخ مذهل و حاضر تعس (2 )
- تاريخ مذهل و حاضر تعس
- إفساد أهل الدولة للدرهم (2 ).
- إفساد أهل الدولة للدرهم (1 ).
- تأملات في دفاتر مهجورة
- أفكارغيرمترابطة ..و لكنها مرتبطه (5)
- أفكارغيرمترابطة ..و لكنها مرتبطه (4).
- أفكارغيرمترابطة ..و لكنها مرتبطه (3)
- أفكارغيرمترابطة ..و لكنها مرتبطه (2) .
- أفكارغير مترابطة ..و لكنها مرتبطه .
- أخبارلا نتداولها عمدا
- ثاروا.. ثم أقاموا قصورا وسجونا
- ما فائدة إضاءة الانوار في منزل يقطنه عميان.


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد حسين يونس - ثم فقدوا الأمل ( رمز الأمل ).