أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجيب العمري - كرة الثلج في مدرسة الروابي: من التنمر إلى جريمة الشرف















المزيد.....

كرة الثلج في مدرسة الروابي: من التنمر إلى جريمة الشرف


مجيب العمري

الحوار المتمدن-العدد: 7111 - 2021 / 12 / 19 - 18:24
المحور: الادب والفن
    


لم اهدأ منذ أنهيت مشاهدة آخر مقطع من مسلسل فتيات الروابي الأردني المعروض حاليا على شاشات التليفزيون. أعترف أنّني لم أستطع مشاهدة آخر مقطع للمسلسل سوى في اليوم الموالي. ربّما لدراميته، لهوله أو على الأرجح لأن عقلي لم يستوعب سيناريو جريمة شرف يُراد منها أن يغسل الدم العرض والأرض. إنّ المسلسل الأردني المتوفر على منصة نتفليكس قد نجح فعلا في تعرية المسكوت عنه في عموم المجتمعات العربية، حتى وإن سلّمنا بتفاوت حدّة انتشار الظواهر الباتولوجية بين مجتمع وآخر.
إنّ أكثر ما يُحسب لتيما الشوملي مخرجة المسلسل وأحد كاتباته هو انطلاقها المنهجي من ظاهرة التنمّر كسلوك مجتمعي منتشر، ليكون أول قطعة دومينو يسقط وراءها بقية القطع في تفاعل تسلسلي معبّرا عن تشابك ديناميكا ظواهر معقدة بداية من التنمر، آثاره النفسية مرورا بتوصيم الطب النفسي وترابط الميزوجينية بالنرجسية وصولا إلى الهروب من المحاسبة وذلك عبر غطاء المحسوبية والفساد من أجل الإفلات من العقاب. كل ذلك يؤدي بالضرورة إلى شعور عميق بالمظلومية لدى الضحايا قد يولد ردّات فعلا مدمرة قد تكون غير متناسبة مع آثار أول قطع الدومينو.

ماذا تحتاج لتكون متنمرا؟
في الواقع لا يحتاج المعتدي إلى الكثير ليكون بالفعل مدمّرا في محيطه. إن الأمر ينطلق ببساطة على شكل تصرفات بسيطة، أغلبها مقبول اجتماعيا على غرار النميمة، نشر الشائعات في المجالس المصغّرة، وحتى صرف النظر المتعمد. تتعقد الأمور لتنشأ علاقة مستقرة مبنية على ثنائية السيادة والاستسلام بين المعتدي والضحيّة، كل ذلك عبر تصرّفات متكرّرة، تكون غالبا قد بدأت عبر اعتداء لفظيّ، من ثمة حطّ من الكرامة، فإهانات علنيّة وإثارة السخرية أمام المجموعة.
في تحليل سلوكيات الحيوانات الاجتماعية غالبا ما يتم تقسيم المجموعات إلى ثلاثة مستويات: الفا(Alfa)، بيتا(Beta) وأوميغا .(Omega)يضطلع الفا بدور القيادة والسيطرة على بقية القطيع المتكوّن غالبا من عناصر بيتا وبصفة أقل أوميغا. في المسلسل كن ليان وصديقاتها قد اضطلعن بالفعل بدور الفا في القيادة، فهن جميلات، يحسن الرياضة والغناء، يملكن من الشجاعة ما يمنحهنّ فرصة القيادة وحتى تحدي النواميس الاجتماعية والسماح لأنفسهن بالحصول على حبيب في مجتمع محافظ يجرّم علاقات ما قبل الزواج. في الجهة المقابلة صُوِّرت مريم وصديقتها دينا كعناصر اوميغا، دورهنّ استقبال الالم والسلبية في إرضاءً لمجموعة الفا اساسا وبدرجة أقل بيتا.
إن المتنمرين أنفسهم هم على الأرجح نتاج بيئتهم، خبز محيطهم ونتيجة لتصرّفات أقرب دوائرهم. نجح المسلسل في تصوير كواليس حياة الفتيات القويات المتنمّرات وأظهر فعلا أن عضوات المجموعة الفا كن مفعولا بهنّ في محيطهن الخاص، دمى لا حول لهنّ ولا قوّة، متحكّم بهنّ من طرف مجتمع بطاريكي ميزوجيني يرسّخ العنف ضد المرأة ويطبّع معه كسلوك عادي، كل ذلك يسهم في توليد الكبت ويحرّم علاقات صحيّة بين مراهقات في بدايات الشباب مع فتيان من أجل بناء علاقات عاطفية ليست سوى طبيعية في مثل إعمارهن. هؤلاء الفتيات كنّ في محيطهن الخاص مـحرومات من اكتشاف أجسادهنّ، محرومات من فضاء خاص يكفل لهنّ خصوصياتهنّ، يتعامل معهن كأشياء، يجهل رغباتهنّ ويسحق آلامهنّ وإرادتهم. كل ذلك كان ظاهرا للعيان على الرغم من سطوة المستوى الاجتماعي الذي يصل إلى الثراء الفاحش.
أن فتاة مثل ليان أو رانية في ريعان الشباب، هي بالتأكيد حبلى بحب الحياة واكتشاف المشاعر والجسد، لها ما يكفي من الحق ما يكفل لها حق مواصلة الحياة. كل تفاسير المنطق والأخلاق والعدالة الإيتيقا تقف مشدوهة أمام تبجّح مجتمعاتنا بحقها في سلب إرادة شبابها، استعبادهم، محاكمتهم وصولا لقتلهم باسم غسل الشرف الملوّث والعرض المنتهك. إنّ كل تأثيم وتحقير وهرسلة الإنسان مثلما حصل لشخصية رقية بعد أن خلعت حجابها يتناقض مع جميع دساتير ونواميس العالم. إن مشهد تجريم رقية من أجل صورة شعر عار على مواقع التواصل الاجتماعية تجعلنا نتساءل عن هذا العرف الذكوري الذي قد يتلذّذ جنسيا ويُثار عضوه لرؤية شعر أنثى عاريا. أي القوانين والأعراف هذه التي تجعل العشيرة، القبيلة، الأسرة وحتى الجيران يشعرون بالعار من أجل شرف سريع الاحتراق على شاكلة مخازن البنزين المهرّب يلتهب أمام شعر عار؟ ليكون السؤال: ما الذي تنتظره كنتاج لثقافة السيطرة والسادية والاضطهاد، غير رسكلة محدثة لنفس تلك السيطرة والسادية والاضطهاد لتتصيّد فيها في عناصر اوميغا في أي مجموعة تنتمي إليها وتعكس عليها ما مورس عليها.

ضحايا التنمر
انني اترفع بكل تأكيد عن أي تبرير للتنمر عبر محاولة فهم المتنمرين ومحيطهم ولكنّني أهتمّ بمحاولة فهم أسباب التنمّر ذاته ومن ثمّة التعاطف المطلق مع ضحاياه لأذكر بذلك شخصيات مريم ودينا، اللواتي هنّ بلا شكّ ضحايا سلبيات الفعل حسب تصنيفات عالم النفس النرويجي دان الويس.
لا أحد يملك حق إنكار حجم الالم النفسي الذي تعرضت له مريم ولا أحد يحقّ له التشكيك في مشاعر الحزن والخوف الناتج عن الاعتداء الممنهج، المكرّر والمتواصل على كرامتها، انوثتها وحتى سلامتها الجسدية حين تم طرحها أرضا في باحة المدرسة. إنّ الالم الناتج عن الافتراء والكذب والحطّ من القيمة المعنوية يحمل بكل تأكيد كل المقوّمات الباثولوجية للدخول في حالات اكتئاب وخوف مرضيين، يجعل من العلاج النفسي حتميّة من أجل التعافي.
أن تعاطي المجتمعات العربية خاصّة مع الطب النفسي لا يزال للأسف إلى اليوم قائما على الوصم والعار وعدم التفهّم، أمر من شأنه تعميق آلام الضحيّة المنهكة أصلا. إنّ مشهد مذكراتها وتدويناتها التي كتب فيها بالانجليزية `` أنا أكره حياتي I hate my life `` هو بالضرورة أمر جلل، عجّل بتذكري مباشرة بالسؤال الخطير: هل تعني بذلك الانتحار؟
طيلة سيرورة المسلسل استطاعت مريم اكتساب التعاطف على اعتبارها ضحيّة تمتلك الحق في التعاطف المطلق والتفهّم اللامشروط ولكن هل يحقّ لنا القول إن مريم قد أسرفت في ردّة فعل بُنِيت أساسا على المظلومية؟

الغاية تبرر الوسيلة؟
المعلوم أنّ أغلب الحركات الإرهابيّة المتطرفة قد بنت خطابها في العشرين سنة الأخيرة على خطاب يغذّي شعور العنف والمظلومية، هذا وقد برعت المجموعات المتطرّفة في استغلال هذا الحوار من أجل إنتاج أعظم مدمّريها وأعتى متطرفيها. إن استجلابي لهذا المثال لا يعني التبرير لجرائم هذه المجموعة وإنما أعني بذلك تسليط الضوء على خطورة شعور المظلوميّة. ذلك الشعور القاسي الرهيب هو بالضبط الشيطان الذي قد اعترى شخصية مريم: ليكون من جهة نتاج العنف الممنهج الذي مورس عليها ومن جهة أخرى نتاج ادراك غير موضوعي لخطورة ردّات الفعل أمام ما مورس عليها من فعل متنمّر. فهل يمكن لنا تبرير ميكافلية مريم؟
حسب رأيي لا تبرر الغاية الوسيلة، فهل من المعقول أن يختار الفرد الوسيلة التي يراها مناسبة من أجل رد الفعل على أي اعتداء. لا يسعنا إلا أن نصف الميكافيلية التي صبغت انتقام مريم من المتنمرين إلا بالإفراط. من المعلوم أن قوانين الحركة النيوتنية تمنح لكلّ فعل ردة فعل مساوية له بالمقدار ومعاكسة له في الاتجاه. أمّا المرور إلى ردّات فعل متطرّفة يغذّيها شعور المظلوميّة الذي نتفهم جذوره ونبرّره في جزء كبير، قد ينزلق إلى مبالغات غير موضوعية يجعلنا نفقد في وقت ما جزءا كبيرا من التعاطف للضحيّة، الذي تحوّل إلى آلة مدمرة أودت بحياة جلاديها.

مجتمعات عليلة
إن أصابع الاتهام تتجه حتما نحو المدرسة، نحو النظام والمجتمع. لو أجرت المدرسة تحقيقا جديّا في ملابسات حوادث التنمّر، لو كانت مديرة المدرسة حازمة، حاضرة، منفتحة على الحوار مع ليان ابنة أحد أعيان المجتمع الاردني منذ البداية بدل التساهل والتغاضي لكانت العواقب مختلفة، لو ساهم الأعضاء beta في قول الحقيقة وأوقفوا الحديث وهرسلة كل من يقع في ورطة (مثال رقية ومريم) لأوقف ذلك تأجيج مشاعر المظلومية لدى الضحية.
إن كل متنمّر يستحقّ بالضرورة جمهورا من المشاهدين ليواصل تنمرّه، متفرجين وفيين يصفقون ويهللون لساديته، يتغذون من الم الضحيّة طالما لا يلبسون ثيابه.
من خصومة مراهقات، إلى دراما إلى جريمة شرف، نجحت المخرجة في تصوير كرة الثلج التي تكوّرت وتعقّدت لتحطّم قلوبا، تهشّم وجوها وتقطع رؤوسا. كلّ ذلك عرى مجتمعات عليلة، علّتها نتاج المحافطة والتقاليد البالية. إن ماحصُل في مدرسة الروابي يذكّرنا بحتمية التدخّل المبكر والناجع في حالات التنمّر، الصرامة مع المتنمّرين، الجديّة في التعامل مع الضحايا واستدعاء الأهالي من أجل الأخبار والحوار لتعامل حازم مع حالات التنمّر الخطرة.



#مجيب_العمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجين الجبان
- داعش في ربوع بلوتو ..
- الى روح سيلان اوزلاب
- البوتاسيوم اكسير حياة في زمن داعش
- ثورة المشرط التونسي, من فلسفة النضال الى خزي لاعقي احذية الن ...
- الارهاب في تونس من وراء النظارة.. مجرمون ام ضحايا ؟
- نبي الفصام.. شيزوفرينيا الثورة
- فوضى ما بعد الثورة : الاطباء الداخليون في المستشفيات التونسي ...
- ربيع الثورة ام كرب ما بعد الثورات .. مقاربة نفسية


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجيب العمري - كرة الثلج في مدرسة الروابي: من التنمر إلى جريمة الشرف