أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - الياس خليل نصرالله - مرحلة الاتزان














المزيد.....

مرحلة الاتزان


الياس خليل نصرالله

الحوار المتمدن-العدد: 7110 - 2021 / 12 / 18 - 14:08
المحور: المجتمع المدني
    


توجد مرحلة في الحياة يمكن تسميتها "مرحلة الرزانة"، يميّزها الإصْغاء والتمعّن أكثر من النقاش والانتقاد، التروّي الصبر، الحلم والتسامح مع المختلف عنّا.

ستدرك في هذه المرحلة، أنّه لا أمل أو إمكانيات لتحقيق أحلامك وتطلّعاتك بأحداث تغييرات جذرية في مجتمعك، وستجد بقاء الكثيرين من أفراده على ما فُطروا عليه. بل المأساة التي ستقهر وتُخيِّب آمالك، هي النكوص والتقهقر في مجتمعك. ورغم ذلك سيفعمك الإحساس والتصميم أنّه ليس مستحيلاً أن تشهد ومضات وبصيص براعم التغيير. ستصل إلى قناعات، ليس كل مشكلة صغيرة وكبيرة ستوتّرك وتقلقك وتستنزف طاقاتك، لأنّك تعايش مرحلة الوقت السريع، المتسارع والثمين، ولا يستحقّ أن تهدره، بل أن تبذل وتوظّف بشكل بناء كل الإمكانيات والطاقات المتوفّرة لك، للعيش بسعادة، نجاعة، استقرار وطمأنينة، مردّدًا قول الشاعر "وتمتع بالصبح ما دمت فيه، لا تخف أن يزول حتى يزولا". نعم ستفكر وتناقش وتحلّل مواضيع تضايقك من وقت لآخر... ولكن لا تقلق؛ سترجع لمرحلة الرزانة والاتزان. وتناجي نفسك ويوجهك عقلك هازئًا بتفاهة الكثير من الناس المنزلقين في وحل الجشع المادي، حيث يتلاعب بهم بريق الجاه والسلطة والمكانة والتباهي بالشكليّات، فلا يدركون أنّهم تافهون، عقولهم خاوية ومستقبلهم بائس ومحبط، عندها سيتردّد في نفسك: يا ليتهم يتّعظون بقيمة الحياة المتّزنة، المثمرة، الكريمة والمتفائلة والمفعمة بالسعادة - قبل فوات الأوان - وعندها ما نفع الندم والبكاء على ما فات.

عندما تبلغ هذه المرحلة، اعرف أنّك الآن "سيّد نفسك" وتملك الوعي والطمأنينة والثقة، بكل ما تسلكه وتمارسه. لأنّك أصبحت واعيًا أنّ السعادة الحقيقية لا يتمّ تحقيقها بتكديس الثروة، إنّما بالقناعة، السمعة الحسنة، الكرامة، لأنّها هي فقط الكنز الذي لا ينضب معينه. وستعلمك تجارب الحياة ضرورة غرس، تنمية وتذويت القيم والأخلاق السامية، الغيرية، الثقة بالنفس، المثابرة، التحدّي والشجاعة، نبذ العنف والاحتراب على الماديات والمناصب، وغرسها في تربية الابناء، وتوجيههم لمعرفة طاقاتهم ليتعلّموا ويمارسوا ما يناسب ميولهم وقدراتهم، ليتفتحوا كما تتفتح الأزهار.

عندها ستوفّر عليهم عناء ومخاض آلامك ومعاناتك التي عكّرت حياتك قبل بلوغك مرحلة الاتزان. تذكر دوما أنّ الأيام تجري ولا تتوقّف، تجري غير عابئة أو مكترثة بِنَا، لذا أناشدكم ‎ أن تحِّثوا أولادكم على نبذ الجشع وتكديس الثروة من ناحية، وتنمية وتطبيق آليات عدم الاقتراب منها، التعامل معهم بحكمة واتزان، وترسيخ الوعي والثقافة الإنسانية من ناحية أخرى. بل علّموهم من تجاربكم الحياتية كيف سيصبحون متميّزين بالثقة بالنفس، المثابرة، نضوج الشخصية الرزينة والمتوازنة، التي تمقت الأنانية، فعندها سيكبرون وهم ينظرون إلى قيمة وجوهر الأشياء لا إلى شكلها.

نعم، علينا الاهتمام بخلق جيل يثق بنفسه، صاحب تفكير نيّر، يعتزّ بانتمائه الوطني، ويقوّم الإنسان حسب قيم ومعايير، محورها حقوق الإنسان ورفاهيته وسعادته، احترام الجنسانية، المساهمة في تعزيز نشاطات المجتمع المدني، نبذ كل أنماط التعصّب والعنصرية، التزمّت والقولبة، ويُؤمن بكل جوارحه أنّ "الدين لله والوطن للجميع".

ان نجاحنا بتحقيق ذلك هو بداية المسيرة للرقي والتعايش في مجتمع تتوفّر فيه فرص النجاح لتربية أجيال صالحة، معطاءة، تملك الوسائل البناءة لتحقيق ذاتها، آمال شعبها والإنسانية. والسؤال الذي يعصف بفكري ويُقلقني: هل ما تقدّم، قابل للتحقيق من الناحية العملية؟ وجوابي نعم ممكن، وهو الشرط لتجاوز وتفادي آلام المخاض التي عايشتها واكتويت بنارها، حتى بلغت مرحلة الرزانة، توجهك معايير واقعية بأنّ الأجيال الصاعدة تعيش في واقع معقّد يعجّ بالتحدّيات، الإغراءات، والمعضلات. مما سيحتم عليك برأيي، المبادرة والمثابرة بمنهجية وعقلانية، لتخطيط، غرس تغذية وتأصيل قيم إنسانية مصدرها الحبّ والتضامن، التكافل، العطاء والانفتاح، لتساهم وتثمر بتنمية وتعزيز وتدعيم وتحفيز ثقتهم وصدقهم مع مخزونهم القيمي – الذي يضع الإنسان حياته كرامته وحريته في المركز - مما سيُوفّر لهم المناخ الداعم لكشف وتفجير طاقاتهم لتوظيفها واستغلالها لتحقيق النجاح في أعمالهم ومسيرتهم، نحو آفاق حياتية مكللة وزاخرة بالتطور، الرقي، التحرّر. والأهمّ، تحقيق الحصانة والمناعة من مخاطر الانزلاق في آتون الاحتراب الديني، الطائفي، القبلي، التعصّب القومي الشوفيني، الفكر المقولب، الأنانية والنفعية. فعندها سننجح بأنّ نذوّت في وعيهم أنّ هذه الآفات يحركها ويفجرها ويوجها طغمة لا يمكنها ابتزاز خيرات الوطن الا بتطبيق سياسة "فرق تسد".؟



#الياس_خليل_نصرالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرحلة الرزانة
- طقوس وعادات من عَبَقِ الماضي السحيق، ما زلنا نمارسها!
- قراءة في كتاب وليد الفاهوم* -دراسات في الدين والدنيا والإسلا ...
- آراء المؤرخين في نشأة المعتزلة، تّسميتها ومواقفها!
- أسطورة نفرتيتي بين الواقع والخلود
- التخمة بين القمة والقاع في الدولة العباسية
- الولوج الى العتبات الحياتية في قواني امورابي (حمورابي)
- المثقف وأوتاد الثقافة المنفتحة
- نظرة عصرية في ادب ابن العميد
- الحصانة البرلمانية بين الانتهازية والمساواة
- لمحة عن صراع عبدالله اوچلان والنظام الاوردوغاني
- الطب الشعبي في الميزان تعريف الطب الشعبي - التقليدي
- محيي الدين بن عربي، فيلسوفًا ومتصوّفًا!
- بول فيريري وفلسفة التعليم – خلاصات تهمّ مجتمعنا الياس خليل ن ...
- لا إمام سوى العقل!
- موقف الفيلسوف ابن الراوندي من الموت
- الانتهازية الطائفيّة والحمائليّة في الميزان! الياس خليل نصرا ...
- التعريف بمصطلح زندقة
- صوت الفقراء والمعذّبين في الارض - أبو ذَر الغفاري!
- ابن طفيل، رسالة العقل والمعرفة العلمية!


المزيد.....




- -العندليب الأسود-.. بيلاروس تنفذ اعتقالات في قضية تجنيد مراه ...
- الأونروا تحذر من الهجوم الإسرائيلي على رفح: العواقب مدمرة عل ...
- منذ 7 أكتوبر.. ارتفاع حصيلة الاعتقالات الضفة الغربية لـ8590 ...
- الأمم المتحدة ومنظمات دولية تدين إغلاق إسرائيل مكتب الجزيرة ...
- الأونروا: الهجوم على رفح يعني المزيد من المعاناة والوفيات
- التعاون الإسلامي تحذر من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بغ ...
- هذا ما علق به -غانتس- حول صفقة الأسرى المقترحة والهدنة
- فولودين يتوقع أزمة هجرة في أوروبا بسبب اللاجئين الأوكرانيين ...
- الموقع بين الواقع والمُتوَقِّع
- الاحتلال يشن حملات دهم واعتقالات بالضفة ويحاصر طولكرم


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - الياس خليل نصرالله - مرحلة الاتزان