أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الياس خليل نصرالله - محيي الدين بن عربي، فيلسوفًا ومتصوّفًا!















المزيد.....

محيي الدين بن عربي، فيلسوفًا ومتصوّفًا!


الياس خليل نصرالله

الحوار المتمدن-العدد: 6870 - 2021 / 4 / 15 - 15:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


محيي الدين بن عربي، فيلسوف ومتصوّف عاش في القرن الثالث عشر، ولد في منطقة الأندلس لأب عربي وأم امزيغيتية، إلّا أنّه قضى معظم حياته في دمشق، ومات ودُفن فيها. مؤلفاته كثيرة منها: الفتوحات المكية، كتاب اليقين ونصوص الحكم.

رغم اعتباره من كبار الفلاسفة والمتصوّفة المسلمين على مرّ العصور، إلّا أنّنا نجد من اتهمه بالكفر، الزندقة والتشيّع، لأنّه في دراساته وأبحاثه، طروحاته وتصوراته ناقض التفسير الديني السلفي المألوف. كتب الكثير عن علاقته بفيلسوف قُرطبة ابن رشد، منها حضور مساجلاته في منزل والده، مشاهدته لحرق كتب ابن رشد، وحضوره جنازته حيث يذكر "أنّ مؤلفات ابن رشد توازي وزن جثمانه". ولكن ما نبحث عنه هو تأثير ابن رشد في فلسفته. فالباحث "كوربان" يُشير إلى أنّ ابن عربي اتخذ من علاقاته بابن رشد المصدر والقاعدة لبناء وتأسيس منهجية فكرية، نجحت بنقله التصوّف من حركة دراويش إلى نظام ونهج فلسفي متكامل لم تعرفه الصوفيّة من قبل. وبرأيي: إنّ عوامل اللقاء المشترك بينهما انطلق من معارضتهما لهيمنة الفكر التسلّطي، الغيبي، وأصحاب التقليد والجمود العقائدي، أي جمعتهما أرضية فكرية مشتركة، وهي خطاب مختلف لنقد الذهنية الطاغية لتفسير دينامية العلاقة بين الشرع والعقل. إنّ نعت ابن عربي لابن رشد بأنّه من أكابِر العقل، هو اعتراف صريح بأنّ ريادة الفكر عنده هي: "العقل والعقلانية والحقّ".

هذا النهج الفكري، والذي هو امتداد وتأثير للرُشدية في فلسفته، قاده لنقد علماء الكلام وكشف وفضح محدودية عقولهم، ويؤكّد ذلك بمقولته: "هؤلاء علماء الكلام، هم أصحاب اللقلقة، والجدل العقيم، لأنّهم استعملوا فكرهم في تفسير الألفاظ التي صدرت عن الأوائل، وغابوا عن الأمر الذي أخذه عنها هؤلاء". إذًا أكّدت فلسفته بكل أبعادها، بأنّ مفهوم الشرح في منطِقِه، هو استعادة الخفي وإظهار الحقيقة المحجوبة، وهذا يتطلّب التحدّي والانفتاح الفكري، لتنقية الشرع من المذهبية، ليحلّ مكانه وحدة الكون والأديان والتسامح.

أكّد في فكره أنّ لوحدة الوجود والحقّ بُعدين: الأول منهجيّ هو الاقتناع بالتوحيد لكل الكون، وفي مقدّمته وحدة الأديان، والثاني، التعامل العقلاني بين التضادّ الممْكِن في القراءة والفهم. وأكبر إثبات لإساءة فهم المقروء ردود الفعل الانفعالية والتي أساءت لتفسير مقولته "أنّ ربّ الناس تحت أقدامه". قاصدا بذلك الذهب معبود كل الناس والذي كان مدفونا تحت أقدامه. ولم يقصد بهِ أية إساءة للذات الإلهية التي لم يُنكر قطعًا وجودها. إلّا أنّ الديماچوچيين المتزمّتين والانتهازيين من معارضيه أساءوا عمدًا تفسيرها لإقناع الشعب والسلطة وتأليبهم وتعبئتهم ضدّه، وكيف لا ينجحون في ذلك، وخاصة أنّ قلب الجمهور يعمل قبل عقله، أي تحرّكه الغريزة والعاطفة، لنجده حتى في عصرنا، يُضخم محبّته إذا أحبّ، ويبالغ في كراهيته إذا كره. وفعلاً اجتمع عليه الناس وقتلوه. وكيف لا يُقتل فيلسوف ومتصوف، يتميّز فكره بنزعة إنسانية وناقدة، وخاصة أنّه عاش في عصر تفكك وتشرذم العالم العربي إبّان الغزو الإفرنجي، فطغت فيه العقائد المتحجّرة والمتقوقعة في وحل الجهل، والتي لا وازع يردعها عن التمادي في تكفير، نبذ وقتل كل من يخالف احتكارها لتفسير الدين، بذريعة حماية شرْع الله.

إنّ سيرة معاناته، نَبْذِه وثم قتله يتوفّر فيها التداخل والتماس مع واقع عالمنا العربي الحالي، الذي يسوده التطرّف الديني، وأنظمة استبدادية تجنّد عقول متعصبة لمحاربة، ملاحقة، تكفير وقتل مفكرين، علماء وأدباء بتهمة تسفيه الدين، والذين لا جُنحةٍ عليهم سوى تصديهم للترابط العضوي لإساءة تفسير وتحريف الدين لخدمة الاستبداد السياسي، وتعريفهم ذلك بأنّه مصدر ومحرّك للفساد، والتخلّف بكل أنماطه.

وعليه اخترت تعريف القارئ بغيض من فيض من فكر ابن عربي، لأنّنا في هذه المرحلة بأمسّ الحاجة لتذويته والاهتداء به. فنجده قد نجح في فكره بالقيام بدور إيجابي ورائد، بتشكيله حلقة وصل وتواصل حيّ، ثريّ وخلاق بين التراث العالمي في عصره بكل تفرعاته وألوانه، أي التوليف بين القيم الإنسانية السامية في الإسلام، المسيحية، اليهودية والفلسفة التنويرية، ليقدم لنا فلسفة دين العقل والمحبة والتآخي.

لقد طوّر مفاهيم فلسفية تؤكّد ضرورة بل حتمية التقريب بين المقبول العقلي والتأمل الروحاني، من خلال إيمانه الراسخ "بوحدة الوجود". لقد كان نهجه لإثبات وتحقيق ذلك فقط، استعمال العقل والاستدلال المنطقي. لقد استنبط نظريته في وحدة الوجود بفرضه "أنّ الموجودات التي في الكون كلّها واحد.. وكل ما يراه الإنسان هو الخالق في صور متعدّدة". أي أقنعه ذلك بأنّ الخالق والخلق واحد. وصيرورة فكره هذه أوصلته للتأكيد بضرورة احترام كل مخلوق، حماية حقوقه وحياته. فنجده يؤكد "أنّ الحقّ ووحدة الوجود، هما شيء واحد". مما يدفعه لمناشدة كل واحد منا "بأن لا يحتقر أحدًا أو شيئًا، لأنّ الله خلقه ولم يحتقره".. ولن تبلغ من الدين شيئًا حتى توُقِّر جميع الخلائق" ويؤكد هذا التوجّه الباحث هادي علوي في كتابه "مدارات صوفية"، بأنّ ابن عربي يكرّر في كتاباته أنّ الحقّ وحده هو الحقّ، ويضيف أنّ فكرة وحدة الوجود الصوفية في فلسفته وتصوره، جعلت الإنسان أسمى المخلوقات ليُصبح موضوعًا للخير الأسمى والعدل. وعليه دعا بشكل قاطع لتحريم قتل أي إنسان لأن كل مخلوق هو صورة لله.

ويضيف بما أنّ جوهر الإنسان هو الخير والمحبة فتكون الديانات بجوهرها، ورسالتها ووظيفتها واحدة ألا وهي تحقيق العدل وإحقاق الحق بين المخلوقات. "إن الدين القويم بتصوره ليس كَثْرَة الصوم والصلاة، إنّما خوفك من الله والتزام الحّق والعدل". فيطالب كل مؤمن منا "بأن لا يصحب من الإخوان إلّا صادق اللسان ومن يعرف الحقّ". ولقد أوصله اقتناعه بالحقّ والعدل والصدق، لإعلانه أنّ من تنقصه الحكمة لا يصلح للحكم. وتفسيره لذلك "الحُكم نتيجة الحِكمة، والعلم نتيجة المعرفة، فمن لا حِكمة له لا حُكم له، ومن لا معرفة لهُ لا عِلّمَ لهُ". وهذا يثبت تصدّيه للحاكم الفاسد والجاهل. فالحاكم العادل في منظوره "من يرى الحقّ في كل شيء".
كيف لي أن لا اذكر ابيات شعره التي عبّرت وجسدت إيمانه الراسخ والرصين والصادق بوحدة الأديان والدعوة والتمسّك بدين الحبّ؟ وأسمح لنفسي بالتأكيد القاطع أن أقول بأنّنا لن نجد في تاريخ الدعوة وممارسة التسامح، عبارات أصدق وأشمل منها:
لقد كنت قبلاً منكرًا كل صاحب إن لــــــم يكُن ديــــــنه إلى ديني دان
وقــد صـــار قــلبي قابــــــــــــلاً كـــــل صِـــــلة فمـــــــــرعى لغُــــــــزلان وديـــر لرهــــبان
وبـــــــــيت لأوثــــــــــــــان وكعــــــــــــبةُ طــــــــــــــائف وألواح توراة ومصحف وقـرآن
أديــــــــــن بديــن الحــــبّ أنى توجـّـــــــهتْ مركــــباته، فالحبّ ديني وإيماني

يبقى السؤال: كيف توصّل إلى هذا المستوى من التسامي والتسامح الديني والدعوة إلى وحدة الأديان النابعة من محبّة إنسانية صادقة وجياشة في عصر حكمه التعصّب والتزمت الديني والطائفي والجهل؟ والجواب نجده في إيمانه الراسخ في وحدة الوجود والذي أقنعه "أنّ العابد هو المعبود، والشاكر هو المشكور.. وأنّ الربّ حقّ والعبد حقّ، أيا ليت شعري من المكلف؟". أي أنّ أقنعه نهجه الفكري العقلاني الاستيحائي، المُنفتح للتحرّر من الدوچماتية (الجمود العقائدي) من ناحية، والإيمان بكل جوارحه باتحاد ومحبة الله لخلقه. فنجده يحاور نفسه: "أهو هو، أم هو الله .. وليس في الوجود غيرنا، أنا هو، وهُو هو". فيصبح العالم في تصوره "اعتراف متبادل بين الله والإنسان عِبر العقل والتأمل"، إلّا أنّه كان واعيا للتحذير من عبودية الفكر بقوله: "تكريم أهل الفكر ليس معناه الإلغاء لعقولنا".

إنّ فلسفته العقلانية والإنسانية وتجربته الصوفية الصادقة، كانت وستبقى ثورة دينية عقلانية، ضدّ المؤسّسة الدينية التي حولت الدين وقيمه إلى هيئة ومؤسّسة ومنظومة طاغية، وظيفتها الأساسية الدعم والمحافظة لاستمرارية هيمنة، بطش واستبداد الطبقات المُسْتْغِلة.
وأخيرا، أناشد كل من يهمّه تطوّر ورقي مجتمعاتنا أن يتعمّق في دراسة وتحليل وتطبيق فكر محي الدين ابن عربي النيّر والتقدّمي، لأنّه المنارة المُشِعة للاعتماد على فكر عقلاني استدلالي يوفر أفقًا روحانيًّا، إنسانيًّا، تنويريًّا، هدفه تحرير عقلنا من آفة وجحيم البطش السياسي، وتسييس الدين وتوظيفه للفَتْكِ والتهميش بكل فكر حرّ، باسم التمسّك الأعمى بحرفية النصّ الديني، والامتناع عن ملاءمته للواقع المُتغيّر.

شفاعمرو / الدجليل 15.04.2021 - من كتابي "نحو مجتمع عقلانّي"



#الياس_خليل_نصرالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بول فيريري وفلسفة التعليم – خلاصات تهمّ مجتمعنا الياس خليل ن ...
- لا إمام سوى العقل!
- موقف الفيلسوف ابن الراوندي من الموت
- الانتهازية الطائفيّة والحمائليّة في الميزان! الياس خليل نصرا ...
- التعريف بمصطلح زندقة
- صوت الفقراء والمعذّبين في الارض - أبو ذَر الغفاري!
- ابن طفيل، رسالة العقل والمعرفة العلمية!
- الدين والحداثة وبناء المجتمع الإنساني، في فكر سلامة موسى!
- قراءة في الفكر المُنفتِح على الآخَر، عند المفكّر المتصوّف،
- جدلية العنف والغيبيات ان انتشار التخلف والتنافس الامبريالي ي ...
- ظاهرة زواج الاقارب، جذورها وعوامل تقلصها
- خطبة قس بن ساعدة الايادي
- جذور الفردانية في الولايات المتحدة ودورها في تحديد سياستها ا ...
- الدين والحداثة وبناء المجتمع الإنساني في فكر سلامة موسى!


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الياس خليل نصرالله - محيي الدين بن عربي، فيلسوفًا ومتصوّفًا!