أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الياس خليل نصرالله - موقف الفيلسوف ابن الراوندي من الموت















المزيد.....

موقف الفيلسوف ابن الراوندي من الموت


الياس خليل نصرالله

الحوار المتمدن-العدد: 6828 - 2021 / 3 / 1 - 11:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هو أبو الحسن بن إسحاق الراوندي (نسبة إلى قرية راوند بين أصفهان وكاشان في فارس). ولد سنة ٨٢٧م وتوفي سنة ٩١١م. شهدت حياته تحوّلات مذهبية وفكرية عميقة. فقد كان في بداياته العلمية من أعلام المعتزلة، إلّا أنّه اختلف معهم وأنتقدهم بشدّة في كتابه "فضيحة المعتزلة" ردًّا على كتاب الجاحظ "فضيلة المعتزلة". اعتنق لفترة قصيرة المذهب الشيعي، وكتب كتاب "الإمامة". لكن لقاءه بأبي عليّ الورّاق (الملحد)، كان نقطة تحوّل في فلسفته، باختياره "فلسفة اللاأدريين - الأغنوستية". كتب الكثير من المؤلفات ولم يصلنا منها أيّ كتاب. إنّ كل مصادر معلوماتنا عن فلسفته وصلتنا من المعجبون به وخصومه. كتاب "الانتصار" للخياط المعتزلي ضمّ تفنيدًا ونفيًا لمقولات الراوندي التي أوردها في كتابه "الزمرد". فلولا الخياط لما وصل إلينا إلّا القليل القليل من فكره. ومن الجدير ذكره أنّه عاش في عصر كانت تتأسّس فيه بذور الفلسفة الإسلامية المرتكزة على تفعيل العقل والمنطق، بفعل التلاقح بشكل خاص مع الفلسفة اليونانية اللاأدرية. تروي لنا المصادر حوار وتحقيقات الخليفة المعتصم معه حول كتابه "الفرند"، حيث دعاه الخليفة إليه وسأله هل قرأ كتابك هذا غيري، فردّ عليه نعم. فاستغرب الخليفة بقاءه حرّا بعد الكفر المذكور في كتابه، خاصة إنكاره فيه وجود الله، بذكره أنّ ما يعتقده الناس في الله، أسطورة انتقلت من جيل الى جيل. فنجد فيلسوفنا يجيبه: أنا كرّرت وأكّدت أنّه من أعظم الأساطير في حياة الإنسان، تلك الصورة التي يرسمها الإنسان بوهمه عن الخالق (يتقاطع هذا التصور مع فرضية أفلاطون بأنّ القوة الإلهية هي "العقل الأكبر" والإنسان هو "العقل الاصغر" وأكّد أنّه من المستحيل أن يعرف العقل الأصغر كُنه العقل الأكبر). عند سماع الخليفة هذا الردّ، قال له: أنت تعترف بوجود الله، خالق كل شيء، فأجابه نعم يا أمير المؤمنين. ثم أنتقل ليحقّق معه في قضية تطرقه للنبوة في كتابه "الفرند"، فقال بأنّه ليس من واجب الله إرسال الرسل.. ليرشد الناس إلى الصواب والرشد، لأنّ في قدرة الله وعلمه أن يجعل الإنسان يرقى إلى رشده وصلاحه بطبّعه. ثم يضيف: بما أنّ الإنسان يختلف عن النبات والحيوان، وأنّه خُلق ليعيش ويستأنس مع غيره ويقتدي به ويقلده وسيصل إلى الكمال المطلق إذا قام بذلك الرسول. فقال له الخليفة جوابك هذا يؤكّد أنّك تعترف برسالة الرسل، فردّ عليه "نعم". (طلب منه الخليفة أن يوقع ذلك بخطّه ففعل).

ومن المسائل الهامة التي تعرّض لها ابن الراوندي في كتابه (الفرند) مسألة الموت، وقد أثار هذا الرأي انتباه المتوكل، فسأله: ما معنى هذا الكلام الذي تنسبه إلى الحكيم أبيقور حيث يقول: "ما دمت موجوداً، فلا موت، وإن جاء الموت، فلا وجود لي، فلا داعي إذًا للتفكير في أمر ليس لي به شأن وأنا حيّ". ويُضيف الخليفة: أو ليس هذا هو كلام المشركين الذين ينكرون حقيقة الموت والبعث؟ أو ليس هذا كلام حكماء اليونان الملحدين؟

فأجابه ابن الراوندي قائلاً: يا أمير المؤمنين، لم أحاول أن أطرح هذه المسألة من الناحية الدينية، وإنّما أوردت آراء الحكماء السابقين وتفسيرهم العقلاني للموت، وكيف أن سرّ الموت لا سبيل إلى معرفته، فالإنسان منذ خلقه وهو يبحث عن سرّ الموت لكي يتمكّن من قهره، إلّا أنّه أخفق حتى الأن في هذا السعي، وقد لا يُوفَق في الاهتداء إلى سرّه إلى الأبد. وأضاف أنّ الموت شيء طبيعي، كلّنا سنمرّ به، فكيف نخاف من حتمية تُنهي كل الأشياء، والأحاسيس، ويضيف أنّ الإنسان حسب تصوّراته "لو مات ورجع الى الحياة فلا يشعر بما مرّ به".

وكان لابن الراوندي آراء في الموت تسترعي الاهتمام وتثير الدهشة، منها قوله في أحد طروحاته بأنّ "الناس جميعًا لا يعلمون كيف يموتون، ولو جرب الإنسان الموت ما أدركه أو عرفه حقّ المعرفة، وأن معاينة موت الآخرين لا تعلّم الإنسان شيئاً عن أسرار الموت". وحسب تصوّره للموت فهو مقتنع بأنه: "لا يستطيع أحدٌ أن يَعدّ نفسه ميتا، لأنّ هذه الحالة تستحيل مع الحياة، لأنّ المرء إن تخيّل أو ظنّ بأنه ميت، كان هذا التخيّل أو الظنّ في حدّ ذاته دليلاً على أنّه حيّ وليس بميت، لأنّ التفكير والتخيّل والظنّ هي من خصائص الأحياء". ومؤدّى موقفه في هذا الموضوع، أنّه "لا يسع أحداً أن يشعر بعد موته بأنّه جسد ميت، لأنّ هذا الشعور يتنافى مع الموت الحقيقي الذي يموت معه كل شعور أو إحساس".

ويضيف ابن الراوندي إلى ذلك قائلاً "إنّ الميت ينسلخ من شعوره الباطني أو ضميره، لأنّ الضمير من خصائص الحياة. ولو أن ميتاً عرف نفسه، وشعر بأنّه في حالة معينة، لكان معنى ذلك أنّه ليس بميت، لأنّ الميت لا يشعر بشيء ولا يفطن إلى من حوله، ولا يعرف أهله والمجتمعين من حوله، ولا يشعر ببكاء الغير على فقدانه، ولو حدث شيء من هذا القبيل، فلن يكون غير ميت".

ويؤكّد أيضًا أنّه، لا يسع الميت أن يتصوّر نفسه في العالم قبل الموت، ولو مات أبو الحسن (كنية ابن الراوندي نفسه) ووضع في قبره، لم يتأت لهذه الجثّة الهامدة أن تتصوّر نفسها في عالم ما قبل الموت. إلّا أنّنا نجده رغم طروحاته السابقة يدرك الطبيعة البشرية وفلسفتها العاجزة عن إقناع نفسها بأنّ مصيرها الموت، وبأنّها ستفنى من هذا الوجود. فهو متفهّم أنّ كل إنسان يتملكه الشعور ويتصرف بأمل أنّه لن يموت أبدا، وأنّه حين يثوي في قبره سيعيش ويبقى حيًّا، وإن يكن ذلك بطريقة أخرى وبنشأة تختلف عما كان عليه في هذه الدنيا. ومما يعزّز هذا الاعتقاد أنّ الإنسان يرقد نائمًا في كل يوم ثم يصحو من نومه، مما يجعله يعتقد بأنّ الموت شبيه بالنوم، وبأنّه سينهض منه كما ينهض كل صباح من نومه، ثم أنّ الأحلام التي يراها النائم تعزّز هذه الفكرة وتطرد من مخيلته فكرة الموت أي العدم. ويذكر ابن الراوندي في كتابه (الفرند): "أن الإنسان قد يرى نفسه ميتًا في الحلم، في حين هو حيّ، فيزيده ذلك اعتقادًا بأنّ حالة النوم لا تختلف عن الموت في شيء، وبأنّ الموت شبيه بالنوم الطويل العميق، وبأنّ الإنسان الراقد في سبات الموت انه لا يعرف نفسه ولا يرى ما حوله ولا يدرك ما يجول في خاطره".

ولكن الواقع خلاف ذلك، لأنّ الجسم البشري متى فارقته الروح وأدركه الموت، يفقد كل شعور وإحساس، ثم تدبّ فيه عناصر البلى شيئًا فشيئًا، ويتحوّل إلى عناصر وأجسام أخرى، كما أنّ الشعور والأحلام والخواطر، ما هي إلّا من فعل الجسم البشري الحيّ.
وفي هذا السياق يستشهد ابن الراوندي بما درج عليه المصريون القدماء من تحنيط أجساد الموتى اعتقادًا منهم بأنّهم عائدون إلى الحياة من جديد، ولهذا فأنّهم كانوا يحاولون الاحتفاظ بالجسم سليمًا ليتسنى للروح العودة إليه بعد ذلك متى أرادت. ولكنّه يأخذ على المصريين تجريدهم أجسام الموتى المحنطة من الأمعاء والقلب، قائلاً: كيف لجسم كهذا أن تدب فيه الروح متى عادت إليه مرة أخرى؟
هذه عينةٌ يسيرةٌ من الأراء الجريئة التي نادى بها ابن الراوندي وأحدثت ضجّة كبيرة في بغداد، كادت تنتهي بقتله بتهمة الكفر والإلحاد، لولا توبته في محضر الخليفة المتوكّل.
من كتاب "نحو مجتمع عقلانيّ" صدر حديثًا



#الياس_خليل_نصرالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتهازية الطائفيّة والحمائليّة في الميزان! الياس خليل نصرا ...
- التعريف بمصطلح زندقة
- صوت الفقراء والمعذّبين في الارض - أبو ذَر الغفاري!
- ابن طفيل، رسالة العقل والمعرفة العلمية!
- الدين والحداثة وبناء المجتمع الإنساني، في فكر سلامة موسى!
- قراءة في الفكر المُنفتِح على الآخَر، عند المفكّر المتصوّف،
- جدلية العنف والغيبيات ان انتشار التخلف والتنافس الامبريالي ي ...
- ظاهرة زواج الاقارب، جذورها وعوامل تقلصها
- خطبة قس بن ساعدة الايادي
- جذور الفردانية في الولايات المتحدة ودورها في تحديد سياستها ا ...
- الدين والحداثة وبناء المجتمع الإنساني في فكر سلامة موسى!


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الياس خليل نصرالله - موقف الفيلسوف ابن الراوندي من الموت