أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - شجيع السيما وجماهيره















المزيد.....

شجيع السيما وجماهيره


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1654 - 2006 / 8 / 26 - 11:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تقول أحد الدمى في أوبريت "الليلة الكبيرة" للراحلين صلاح جاهين وسيد مكاوي:

أنا شجيع السيما

أبو شنب بريمة

حالاً بالاً سأصارع . . أسد إنما إيه؟ . متوحش.

وها خللي وجهه شوارع

تصقيفة يا نا س ميصحش

تصقيفة إمال!

تشجيعة إمال!

ويصور لنا المشهد الدمية الشجيعة وهي تستفز الدمية الأسد قائلة له:

تعالالي اللالي اللالي يا حبيبي تعالالي!

وعندما يهجم عليه الأسد ينبطح على ظهره، لكنه يعاود الوقوف منادياً جماهيره:

تصقيفة إمال!

تشجيعة إمال!

وتتجاوب معه الجماهير المناضلة الوفية، بتصفيق منغم يتناسب مع نصره التاريخي!!

لقد أجاد الشاعر المصري الصميم في هذا المشهد من أوبريت العرائس، والتي أدمن مشاهدتها الكبار قبل الصغار، أجاد تصوير شخصية لها جذورها في الوجدان المصري، شخصية تجمع ما يتمناه العقل والوجدان الشعبي، بغض النظر عن تواجد تلك الشخصية الفعلي على أرض الواقع، وتتلهف الجماهير على تسميتها باسم أي مغامر أو خارج على القانون، فتسقط عليه كل الصفات المرجوة التي نسجها الخيال الشعبي، وتنسب له انتصارات لم تحدث يوماً، والحقيقة أن مسألة حقيقية تلك الصفات والانتصارات لا أهمية لها لدى الجماهير، فهي تحلم حلماً يلح عليها، ولابد من إلباسه ثوب الحقيقة، لتصنع منها ملاحم، تتخذها زاداً يعوضها عن شعور داخلي عميق بالضعف والصغار، هكذا صنعت سيرة عنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي وأدهم الشرقاوي وياسين، وعلى ذات النهج أيضاً ذاعت سير الشطار، الذين يتحدون ويتلاعبون بالحكام وبالظالمين.

وأفضل من جسد شخصية "الشجيع" على شاشة السينما الفنان الراحل فريد شوقي، الذي لقب "بملك الترسو"، أي ملك جماهير دور السينما من الدرجة الثالثة، التي يرتادها عامة الشعب من الفقراء والمقهورين والمهمشين، والذين يتوقون لمشاهدة الفقير وهو يهزم الأغنياء، والكادح المهمش وهو يدحر الأقوياء المتجبرين، وهكذا يدخل المشاهد إلى دار العرض وهو محمل بكل هموم وقهر واقعه البائس، ويخرج منتشياً بانتصارات الشجيع التاريخية!

الطريف في مشاهد معارك الشجيع الظافرة، أن المعركة تدور دائماً في حارة فقيرة، بين أغلب أهالي الحارة الأخيار يقودهم الشجيع، وبين جماعة الأشرار وعلى رأسهم شجيع شرير، وأثناء المعركة تطير كراسي المقاهي في الهواء لتصيب من تصيب، ويسقط العشرات من أهل الحارة بين مصاب وجريح، وتتحطم المحلات التجارية والمقاهي، ليأتي مشهد الانتصار النهائي وقد فر الأشرار، وبقي الشجيع وحده منتصباً يبرم شواربه، ويسير مختالاً، ينقل قدميه بحرص بين أجساد القتلى والجرحي، التي تفترش أرض الحارة المنتصرة!!

هذه هي المشاهد التي أدمنتها جماهيرنا المناضلة عبر أجيالها الممتدة، وبالذات "جماهير الترسو" التي هي في مسيس الحاجة النفسية والعاطفية لظهور "الشجيع"، ليعتلي في القلوب والعقول مكانه المحفوظ، مكان "ملك الترسو"، وحين يظهر الشجيع الموعود لن تسأله أو تحاكمه عن أي دمار يحيق بالحارة، ولن تحاسبه على عدد القتلى والجرحي في صفوف أهل الحارة البسطاء والفقراء، سواء الذين شاركوه المعركة، أو الذين حاق بهم الأذى فيما هم لا يملكون سوى موقف المتفرج.

قد يبدو من العجيب ألا تتأثر جماهير الترسو سلبياً بمشاهد معارك الشجيع، وهي ترى عامة الناس يصيبهم فيها أبلغ الضرر، فيما يبقى الشجيع وحده منتصباً، ووجه العجب هنا أن هذه الجماهير تنتمي واقعياً للطبقة التي تكون في المشاهد وقوداً للمعارك، لكن ما يحدث خلال الاندماج مع الفيلم المثير، أن هذه الجماهير تنسلخ عن وضعها الحقيقي، والذي تتوق للخلاص منه، وتتوحد – ولو وقتياً - مع شخصية الشجيع، ويكون مشهده منتصباً (يبرم شواربه) هو الانتصار الذي تتوق إليه، وحتى إن انتبهت بعد ذلك إلى الضرر الهائل الذي أصاب الحارة وسكانها الفقراء، فإن الجرم يمكن أن يسند بسهولة إلى جماعة الأشرار التي تم هزيمتها، ولا يتطرق إلى ذهن أحد من "جماهير الترسو" التساؤل عن مدى مسئولية الشجيع عن خراب الحارة، وعن شرعية اتخاذه الحارة وأهلها ضحية وثمناً بخساً لصنع انتصاراته المزعومة!!

أدمنت جماهيرنا المناضلة معايشة مسرحية الشجيع هذه، من خلال الاستماع إلى شعراء الربابة في المسامر والمقاهي، وفي عروض الأراجوز التي كانت تجوب القرى والنجوع، وعروض خيال الظل، ثم على شاشات السينما، وأخيراً وبعد ثورة الاتصالات التي أنتجها الغرب الكافر، الذي يتربص بأمتنا ليسلبنا هويتنا، استطعنا امتلاك قنوات تليفزيونية فضائية مناضلة، كرست جهدها لسب الغرب وفضح مؤامراته والتنديد بعنصريته، لكن الأهم أن هذه الفضائيات المناضلة قد وجدت ضالتها، الكفيلة بتحقيق أقصى إقبال جماهيري على برامجها، وهي ثيمة "شجيع السيما"، فانتشر مراسلوها في أقطار الأرض، يبحثون عن كل "ملك للترسو"، يعظمون بطولاته ويحقرون أعدائه، هكذا كان الشجيع بن لادن والشجيع الملا عمر، ثم الشجيع الزرقاوي وختام المسك حتى اللحظة، الشجيع سماحة السيد!!

لذا لا ينبغي يا سادتي العقلاء في أنحاء عالمنا العربي المناضل أن تندهشوا، لا تتعجبوا وأنتم ترون المظاهرات الجماهيرية الحاشدة في هذه العاصمة أو تلك، وترون جماهير الترسو ترفع صور بطلها ملك الترسو، وتهتف: بالروح بدم نفديك يا شجيع . . . . ، فهي تهتف لبطلها الذي تنتظره عبر العصور، لا تندهشوا ولا تمتعضوا، فهذه الجماهير المقهورة بالفقر والظلم من حقها أن تبحث عن بقعة ضوء ولو وهمية، من حقها أن تهتبل الفرصة السانحة للتوهم أنها تعيش انتصارات!!

لكن إذا لم يكن من اللوم بد، فعليكم يا عقلاء العالم العربي أن تتوجهوا به إلى قطعان الإعلاميين في الصحف والفضائيات المناضلة، الذين يبيعون دماء أهاليهم مقابل الدولار النفطي وغير النفطي، والذين يبيعونه مجاناً مقابل اليسير من الشهرة، وتوجهوا باللوم أيضاً إلى الكثيرين ممن كنا نعدهم في صفوف الأحرار، لكننا - سواء بدافع الخوف أو مسايرة للتيار الجارف - وجدناهم أخيراً، يهتفون لشجيع السيما أبو شنب بريمة، وينادون بملء حناجرهم: بالروح . بالدم نفديك يا "ملك الترسو"!!



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فوضى الهزيمة والانتصار
- عندما تتحدث الرهينة
- رجالات لبنان بين الحكمة والتخاذل
- العرب وأبطالهم الصناديد
- الأقباط والسقوط المدوي
- يحيا العدل والبقية تأتي
- العلمانية وسقوط الأيديولوجيا
- العلمانية المستحيلة
- عزاء واجب لقناة الخنزيرة
- البهائيون في أرض النفاق
- المأساة المصرية وترمومتر لينا الفيشاوي
- طبيعة النظم وإشكالية التغيير
- الأقباط والليبرالية
- الصعود إلى الهاوية برعاية أمريكية
- مصر الخالدة تلفظ أنفاسها
- تحرير العراق وأحجار الدومينو المرتعبة
- ائتلاف حماس كاديما وبئس المصير
- أما الشعوب فلا بواكي لها
- الليبراليون الجدد ومقولاتهم المستغربة
- العِلمانية تلك النافذة المغلقة


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - شجيع السيما وجماهيره