أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - مصر الخالدة تلفظ أنفاسها














المزيد.....

مصر الخالدة تلفظ أنفاسها


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1523 - 2006 / 4 / 17 - 10:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مصر العظيمة أم الحضارة.
مصر أعظم البنائين.

مصر النيل والزرع والسلام.

مصر ملتقى الحضارات وبوتقتها.

مصر الشعب الذي علم العالم كيف يقيم دولة، وكيف يصنع الحياة.

مصر الآن تلفظ أنفاسها.

سيكتب التاريخ الذي شهد عمر مصر المديد، أن الحلقة الثالثة من نظام انقلاب يوليو 1952 قد اكتمل على يديها الإجهاز على ذلك الكيان الذي استعصى على الزمن.

يا كل شعوب العالم.

يا كل أحرار العالم:

مصر المصريين.

ومصر الإنسانية تتحلل الآن.

تتحول إلى أشلاء يضرب فيها العفن.

مصر تتحول من مصدِّر للحضارة إلى مصدِّر للأوبئة والكراهية المدمرة وللفكر الظلامي، صارت منجبة لأعظم الأشرار في التاريخ، وصارت ملجأ وفناء خلفياً للمضروبين بالكراهية والعنف من كل أنحاء العالم.

مصر الفساد والفقر والبطالة، صارت جثة ينهشها القابضون على زمام السلطة، ويعمل المتسترون بالدين أنيابهم في جسدها المنهك.

مصر الجهل والجهالة يتعرض شعبها للتمزيق، وللتراجع به عن كل ميراث الحضارة الذي اكتسبه عبر آلاف السنين.

مصر تتحول ببطء لكن بثبات لأن تصير أمة من البؤساء والجوعى والمشردين والإرهابيين الكارهين للحياة وللحضارة ولكل البشر.

يكاد يكون الأمر قد انتهي، فلم تعد المشكلة في نظام حاكم يتحتم أن يرحل.

فالمعارضون والمثقفون في عصر النهاية المأساوية هذا، صاروا فلولاً من الانتهازيين والمنافقين والمهيجين، وصار أغلبهم ظهيراً ومروجاً لكل ما هو أسود اللون والمحتوى.

والشعب المسكين الذي علم الإنسانية في الماضي كيف تكون الحضارة، صار سجين الفقر والبطالة والأنين كدحاً لتدبير ما يحفظ الرمق، كما صار رهينة للكراهية وللظلامية التي تحقنه بها وسائل الإعلام ودور العبادة، لا يسلم من ذلك طائفة أو جماعة، وإن اختلفت الألوان والأعراض.

ما ترونه الآن من أحداث في الإسكندرية بعد الرابع عشر من أبريل، مما قد يسمى بسذاجة فتنة طائفية، ليس مجرد مشكلة تبحث عن حل، ضمن العديد من المشاكل، لأنه بالحقيقة أشبه بطفح جلدي لجسد عليل تنهشه الأمراض والفيروسات، وسيحتاج قريباً للدخول إلى غرفة الإنعاش.

مصر لا تعاني مجرد فتنة طائفية.

مصر في حالة مأساة إنسانية تفتك بجميع الأطراف، وفي جميع مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

إن ما يحدث في مصر في هذه اللحظات ليس مواجهة بين الأقباط والمسلمين، إنما هو مواجهة بين المصريين الأصحاء نفسياً وعقلياً، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، وبين المصابين بداء الوهابية القادمة إلينا من صحراء نجد، فالمسلمون المصريون غاضبون يكاد بذات قدر غضب الأقباط، لكن تيار الكراهية جارف، يمتلك الدولار النفطي والخنجر، كما يمتلك ميراث تغييب العقل لعقود وعقود.

النظام الحاكم بالكاد يحافظ على البقاء على كراسيه، وهو غير قادر ولا منشغل بمواجهة ما يفتك بالأمة من آفات.

الفساد يضرب أطنابه ليس فقط عند القمة، بل كذلك على كل المستويات الشعبية.

الظلاميون والتكفيريون والإرهابيون متغلغلون في كل مؤسسات الدولة، وبذات القدر –وربما أكثر- داخل تنظيمات شعبية، تدفع نحو الجهالة والكراهية وقتل العقل والعقلانية.

الشعب ينوء كاهله بميراث هائل من غيبة العقلانية، وبنظام تعليم ربما أسوأ ما عرفته الشعوب من نظم، يستوي الأمر بين التعليم الديني والتعليم المدني الرسمي، صار كلاهما مركزاً لتخريج أعداء العلم وأعداء العقل وبالتالي أعداء الحرية.

صارت قيم السلبية والتدين المظهري والفهلوة والتحايل على القانون والكذب والمراوغة والنفاق والتزلف، هي القيم الرائجة بين الناس، الذين صاروا غير مستعدين ولا قادرين على استيعاب ما يخرج عن هذا النطاق، أو هذه المنظومة من التوجهات المتكاملة، والتي تشكل القاعدة الراسخة لفشل أي محاولات جادة للإصلاح أو التغيير.

عبث هو انتظار التغيير من الخارج، فما من قوة في العالم قادرة على تغيير كيان هذا حاله.

ووهم هو انتظار التغيير من الداخل، فالتغيير الوحيد المنطقي والمتوقع هو نحو المزيد من الغرق.

هل تلك السطور ناتجة عن لحظة يأس؟

أو تكون فورة حزن وغضب عاطفي، لما يحدث الآن في مدينتي الإسكندرية، التي كانت جميلة ومتحضرة ومسالمة ومنفتحة على العالم وحضاراته؟!

هل هي مجرد تعبير عن حالة قصر نظر لدى كاتبها، حرمته من رؤية ملامح إيجابية عجز عن رصدها؟

أتمنى من كل قلبي أن يكون الأمر بهذا الشكل.

أميل إلى أن أنظر لغضب الأقباط المتفجر في هذه اللحظات في شوارع الإسكندرية، على أنه يعبر عن رفض ليس الأقباط وحدهم بل وجميع أبناء هذا الوطن بمختلف فئاته.

رفض لنظام الحكم الذي انتهى عمره الافتراضي منذ سنوات طويلة.

رفض للديكتاتورية الغير قادرة إلا على الاهتمام بنفسها وبقائها.

رفض لغربان الظلامية الذين يبشرون بالكراهية الدينية والتعصب، ويحرضون ضد العقل والحضارة.

رفض للجماعات غير الشرعية والشرعية في الوقت ذاته، والذين يزرعون المتفجرات بين الأخوة في الأسرة المصرية الواحدة، بمسلميها وأقباطها.

مصر يا مصر هل أنت قادرة على البقاء؟!!

هل ينتصر حبك للحياة على غيلان الموت المتربصة بك؟!!



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحرير العراق وأحجار الدومينو المرتعبة
- ائتلاف حماس كاديما وبئس المصير
- أما الشعوب فلا بواكي لها
- الليبراليون الجدد ومقولاتهم المستغربة
- العِلمانية تلك النافذة المغلقة
- ثقافة الذئاب من العراق إلى السعودية
- حسنة لسيدك مشعل أفندي
- خيار المقاومة (القتل) وثقافة اليأس
- وكأن على رؤوسهم الطير
- الرقص على أنغام إرهابية
- الدين والتدين وتبادل المقولات
- أزمة الحداثة في الشرق
- المصريون وسيكولوجية الرعية
- حالة تخلف مستعصية - مشكلة أسلمة القبطيات
- الليبرالية ومسيرة الحضارة
- مصر شجرة لن تموت
- قليل من الإخلاص يا سادة فمصرنا في خطر
- الفوضى الخلاقة مجرد احتمال
- كتابة عبر النوعية: حوار لم يتم
- حنانيك يا د. فيصل القاسم


المزيد.....




- -حظا سعيدا- و-استمر-.. ترامب يوجه رسالتين منفصلتين إلى خامنئ ...
- متى تندلع الحرب؟ عند عامل توصيل البيتزا الخبر اليقين!
- إصبع طهران على الزناد: هذه خطة إيران لمواجهة حرب محتملة مع أ ...
- ترامب: سئمت من الوضع في إيران وأريد استسلاما غير مشروط
- واشنطن بوست: ترامب يسعى لتفادي أي صراع مع إيران
- وزير الدفاع الإسرائيلي: سلاح الجو دمر مقر قيادة الأمن الداخل ...
- انقسام داخل إدارة ترامب بشأن التدخل في الحرب الإسرائيلية الإ ...
- استراتيجية إسرائيل في حربها ضد إيران: تدمير القدرات النووية ...
- صحة الفم، كيف تؤثر على صحتنا الجسدية والنفسية؟
- الإقطاعيون الرقميون.. من فلاحة الأرض إلى حرث البيانات


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - مصر الخالدة تلفظ أنفاسها