أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - العِلمانية تلك النافذة المغلقة















المزيد.....

العِلمانية تلك النافذة المغلقة


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1486 - 2006 / 3 / 11 - 09:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"مؤتمر تأسيس العِلمانية في مصر" الذي انعقد في الأول من مارس الجاري في قلب القاهرة، برعاية حزب مصر الأم (تحت التأسيس)، ومركز ابن رشد، وجمعية التنوير التي أسسها شهيد الحرية والإنسانية والوطن د. فرج فودة، جاء في زمانه ومكانه الصحيحين، فالزمان زمان سيادة الجهالة والغيبوبة والتراجع، والمكان القاهرة المختنقة بسكانها ومشاكلها المستعصية، والمحاصرة بين نعيق متثاقفيها، وعواء ذئابها المتنكرة في لباس التقوى والصلاح، وبين حكامها الذين أحكموا قبضاتهم على رقاب الوطن من نصف قرن، مرة وإلى الأبد.

المؤتمر لهذا وبهذا محاولة لإعادة إشعال شمعة لم يقيد لها في وطننا أن تنير، بعدما تعرض مصطلح العِلمانية إلى الرجم بالكفر ومعاداة الدين، فكان أن توارى خجلاً أو يأساً، وهو الأمر الطبيعي تماماً في ظل ما يخيم على مصر من وبال، فالمغامرون الجهلاء يحكمون المدينة، يظاهرهم جيش جرار ممن نصبوا أنفسهم وكلاء الله على الأرض، وما هم بالحقيقة إلا وكلاء لأنفسهم الطامعة في السلطة والثروة، وأعدى ما يعادون العلم الكفيل بفضح جهالتهم المزرية، وبين هؤلاء وأولئك فلول إعلاميين ومتثاقفين لم يتقنوا عبر خمسة عقود غير ترديد الشعارات ومقارعة طواحين الهواء، مديرين ظهورهم للعالم، ولكل ما يحدث فيه من متغيرات، ليس أهمها الصعود إلى القمر، فيما بقوا هم "يطقطقون عظام أرجلهم" كما قال نزار قباني.

لكن إذا كان من الصحيح أن أسوأ القوم متخاذليهم، فإننا لا بد وأن نتجه لعشرات أو مئات، بل وربما آلاف من العلماء والمستنيرين بحق، والذين كان من المفترض فيهم الوقوف في وجه زحف الجهل والجهالة، مهما كان حجم الجهد، أو الثمن الذي كان يتحتم عليهم دفعه، نعم فلو قيض لهذا الوطن من بين أبنائه رجالاً أشداء، يحبونه كما يحبون النور والعلم، ويصرون على التحديث والتقدم، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ولما أصبحنا محل ازدراء العالم بشرقه قبل غربه، طه حسين مثلاً لم يصمد لهجمات الغوغاء، وآثر السلامة على نضال قد يكلفه ما هو غير مستعد لدفعه، وزكي نجيب محمود قرر أخيراً أن يرضي جميع الأطراف، وجهل أو بالأحرى تجاهل أن العلم لا يعرف أنصاف الحلول، وأنه لا توجد منطقة وسطى بين العقل واللاعقل، فبدأ المفكر الذي كان كبيراً يطلق صيحات أشد جهالة مما يجود به علينا دعاة الجهل الأصلاء، فسمعنا منه عن التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، والمصيبة أن الأصالة التي كان يعنيها هي الاحتفاظ بالقديم ولكن في قالب جديد مستورد، وكأن مشكلتنا هي في المظاهر والأطر وليس في المحتوى، وكأن الأمم تتقدم بتغيير مظهرها وبقاء جوهرها على ما هو عليه، ولنا هنا أن نتساءل، هل كان الرجل بهذا يروم أن يخدع نفسه، أم أن يخدع العالم بمخايلته بثيابنا الحديثة القشيبة، فيما قلوبنا وعقولنا على حالها، وفيما نحمل على أكتافنا ونجرجر خلفنا ميراث جهالتنا الثقيل، أم أنه لم يفكر في الأمر على هذا النحو، وكان كل ما يهمه أن يجد من الآراء ما يفتح أمامه الأبواب المغلقة على دعاة الاستنارة، فيظل على الساحة المفكر الكبير من حيث الشكل، والمروج للظلامية والغيبوبة من حيث المضمون؟!

على هذا النحو أيضاً وجدنا زكي نجيب محمود صاحب "الوضعية المنطقية"، يجهد عقله -الذي ربما كان قد شاخ- في محاولة التوفيق بين العِلمانية وبين الجهالة التي وصلت أوج مجدها في الثمانينات، وكان أن تفتق ذهنه عن حل سحري، هو تجريد مصطلح العِلمانية من ارتباطه بالعلم، ولم لا مادام العلم يزعج القطيع، ويعد سُبة في حق من يدعو إليه، فليلعب ذات لعبة الإطار والمحتوى، بأن يحتفظ بالمصطلح بعد التخلص من محتواه الكريه، فكان أن طالعنا في جريدة الأهرام بمقال ميمون، عنوانه: "ع فتحة عَ"، أتحفنا فيه بمتاهة، تحول دلالة اللفظ اللغوي إلى العالم بدلاً من العلم، ولم يجد وقتها وإلى الآن من يسأله: وماذا يعني هذا؟ فالاهتمام بالعالم وقراءة مفرداته يمكن أن تتم بطرق شتى، عرفتها البشرية عبر مسيرتها، ومن بينها القراءة الغيبية المستندة إلى مقولات تنسب إلى مطلق متسام ومفارق، وهنالك أيضاً قراءة العالم عبر العادات والتقاليد والتراث بكل ما يحويه من خرافات، لقد اختار الرجل لنفسه نهج التراجع والموائمة غير العلمية ولا المنطقية، فكان أن هدم في شيخوخته كل ما بناه في شبابه!!

لقد حفر الرجل الذي كان كبيراً الحفرة، ليقع فيها الكثيرون بعد رحيله عن عالمنا، ولعل أهم من تكعبل في الشرك مركز ابن رشد، بقيادة مفكرنا الكبير د. مراد وهبة، فلقد فوجئت بلافتات "مؤتمر تأسيس العلمانية في مصر"، تشوهها الفتحة الزكي نجيب محمودية على حرف العين، كانت صدمة تدفع للتساؤل: هل مازلنا -رغم الشجاعة البادية- على نهج التراجع والتوافق غير المنطقي، فنجاهر بالمصطلح ونخجل من محتواه؟!

هل ثمة متسع من الوقت نهدره في التحايل والتلكوء، وفي محاولة التوفيق بين ما لا يتفق؟!

المحاضرات التنظيرية التي ألقيت أيضاً بالمؤتمر، ذكرتني بالقصة الطريفة الشهيرة، عن الشعب الذي ضاق ذرعاً بتدمير الفيل الذي يقتنيه الحاكم للمزروعات، فكان أن نظموا مظاهرة أمام قصر الحاكم، تمخضت عن مطالبته باقتناء فيلة أنثى لتؤنس وحدة فيل الحاكم الموقر، ولتنجب له أفيال صغيرة جميلة!!

فالشعب المصري يختنق من محاصرته بالمطلق، ومن سد جيع الأبواب والطرق في وجهه، بزعم جلاوزة الجمود امتلاك الحقائق المطلقة، والمؤتمر نفسه يرفع شعار" :التعامل مع النسبي بما هو نسبي"، ومع ذلك سمعنا في تنظيرات د. مراد وهبة وتلاميذه عن تناسل المطلق، وإنجابه لمطلقات متوالية عبر الجدل الهيجلي مع النسبي، كلام عجيب لا أتصور كيف يصدر من أساتذة في الفلسفة، أو حتى عن مجرد دارسين لها، فالتناقض صارخ بين مفهوم المطلق كمنتج نهائي صلب لا يقبل المراجعة، وبين القول بدخوله عملية الدياليكتك الهيجلي مع نقيضه، لينتج لنا مطلقاً جديداً، وهكذا دواليك!!

سمعنا أيضاً عن عملية تأويل المطلق بوصفها ديالكتيك هيجلي بين النسبي والمطلق!!

التأويل يا سادة عملية تحايل على المطلق للفكاك من إساره، أو على أحسن الفروض محاولة قراءته قراءة جديدة على ضوء المتغيرات، علنا نجد لأنفسنا من خلال ذلك ثقب ننفذ منه إلى العصر وحقائقه، ولا يمكن بأي حال اعتبار هذه المحاولات تناقضاً للأضداد (negation) يمكن أن يثمر منتج إيجابي، فالتناقض مع المطلق صراع سلبي هدام، لطبيعة المطلق النهائية والصلبة، ومثل هذا الصراع يتمخض عن تدمير أحد الطرفين وهزيمته.

لقد أصبت بالفزع من التحديث الذي يبشرنا به د. مراد وهبة وتلامذته، يبشروننا بجدل بين المطلق والنسبي، يثمر لنا مطلقاً جديداً، نعود لندخل معه صراعاً، وكأننا نخلع حاكماً ديكتاتوراً لننصب بدلاً منه ديكتاتوراً آخر نعود لنصارعة، لنمضي بهذا الشكل حياتنا في ظل ديكتاتورية دائمة، تغير أثوابها على فترات!!

على هذا النحو يصر د.مراد وهبة على إنتاج الأيديولوجية بصفتها مطلق، في وفاء فكري لتراث الفلاسفة القدماء، الذين افتتنوا بوهم العثور على رؤية موحدة تجمع شتات العالم، مديراً ظهره لما انتهت إليه البشرية بعد مسيرتها الطويلة، بأن العالم مكون من شذرات لا يمكن إلا أن تبقى شذرات، يتعامل معها العلم مستقلة باستكشاف معالمها، والإحاطة بعناصرها ومعطياتها الخاصة، وأن محاولات إدراجها ضمن منظومة شمولية لا يمكن أن يؤدي إلا إلى التعمية وإساءة الدرس والتضليل.

إذا كانت الحياة الإنسانية أشبه بقصر متعدد الحجرات، يطل على الجهات الأربع، وإذا كان القصر وحجراته بلا نوافذ، إلا نافذة واحدة هي نافذة المطلق، سواء كان أيديولوجية مادية أو ميتافيزيقية، فإن العِلمانية دعوة لفتح نوافذ عديدة في جميع الحجرات، يطل منها السكان على الجهات الأربع،وعلى الأرض والسماء، مع ادعاء أن نافذة العلم هي الكفيلة بإطلاعنا على حقائق العالم الذي نعيش فيه، بما يمكننا من التعامل معه، لتحقيق حاضر ومستقبل أفضل للبشرية..



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الذئاب من العراق إلى السعودية
- حسنة لسيدك مشعل أفندي
- خيار المقاومة (القتل) وثقافة اليأس
- وكأن على رؤوسهم الطير
- الرقص على أنغام إرهابية
- الدين والتدين وتبادل المقولات
- أزمة الحداثة في الشرق
- المصريون وسيكولوجية الرعية
- حالة تخلف مستعصية - مشكلة أسلمة القبطيات
- الليبرالية ومسيرة الحضارة
- مصر شجرة لن تموت
- قليل من الإخلاص يا سادة فمصرنا في خطر
- الفوضى الخلاقة مجرد احتمال
- كتابة عبر النوعية: حوار لم يتم
- حنانيك يا د. فيصل القاسم
- يا لك من متفائل يا صديقي د. شاكر النابلسي
- الصخرة الأرثوذكسية ورياح التغيير 2
- الكنيسة والوطن. . إعادة ترتيب الأوراق
- عقيدة التوحيد ومسيرة الحضارة
- همسة في أذن الأقباط، وحركة كفاية


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - العِلمانية تلك النافذة المغلقة