أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - البهائيون في أرض النفاق















المزيد.....

البهائيون في أرض النفاق


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1569 - 2006 / 6 / 2 - 11:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قضية البهائيين واحدة من القضايا المثارة بمصر حالياً، سواء في ساحات القضاء، أو على شاشات التليفزيون الفضائية وغير الفضائية، أو عبر النقاشات بين أفراد المجتمع، النقاش في حد ذاته ظاهرة صحية، وهذا جديد في مصر، هو أحد الدلائل الهامة على أن مصر تتثاءب، تفرك آثار السبات الطويل عن عينيها، فمما يبعث بحق على الأمل أن تتجرأ مجموعة مضطهدة قليلة العدد على رفع صوتها بالشكوى مطالبة برفع الغبن، مستندة لحقوق الإنسان وحقوق المواطنة، هو أمر يدعو بالتأكيد للتفاؤل، رغم أننا شبهنا ونشبه المناخ الثقافي المصري ببركة آسنة تجوس فيها الديان ويضرب العفن، لكن لحسن الحظ - وكما قلنا في استعراضنا لقضية الطفلة لينا الفيشاوي – مازال بمصر قلعة لم تسقط، هي القضاء المصري الشامخ، وقد أقر بحق البهائيين في إثبات هويتهم الدينية في بطاقة الهوية الشخصية، ليدور بعدها النقاش المجتمعي، لكن لكي لا نغرق في التفاؤل بلا مبرر حقيقي، علينا أن نتبين نهج المجادلات والبراهين التي يتقارع بها الأضداد، لنرى إن كانت تعتمد منهج الحوار العقلاني، الذي يعلي من قيم الحرية الإنسانية وحقوق الإنسان، وأن الاختلاف بين الأطراف محصور في اختلاف الرؤى لضوابط التطبيق، وانعكاساته على كافة مناحي الحياة المجتمعية المصرية، أم أن الأمر أشبه بحوار الطرشان، يطالب فيه الطرف الضعيف بحقه في الحياة، فيما الطرف المقابل غارق في ذاتية سلطوية لا ترى من العالم إلا سواد القبور.

لم يتوفر لي الوقت أو الدافع، لأعرف عن البهائيين أكثر مما يهمني أن أعرف، وأنا لا يهمني أن أعرف عن مواطني - أي شركائي في الوطن الذي نمتلكه جميعاً - إلا أمرين، أولهما تبين إن كان ما يعتنقون من أراء تحض على مكارم الأخلاق، بحدها الأدنى المتفق عليه من جميع البشر على سطح كوكبنا، والمتضمنة فيما اصطلح على تسميته بالوصايا العشر: لا تقتل . لا تسرق . لا تشهد بالزور . . إلخ، الأمر الثاني والأخير تبين موقفهم مني بصفتي آخر، وهل هم من محبي السلام والقبول بالتعددية في المواقف والمعتقدات، وهل هم حريصون على حريتي الفكرية والعملية، وعلى المساواة التامة بين البشر، أم يعتنقون آراء عنصرية تدمر البنية الاجتماعية والحضارية.

من حق وواجب الدولة الحديثة أن تحدد بأسلوب علمي العلاقات بين الأفراد والمؤسسات، بما يكفل صالح الفرد والحفاظ على حقوقه الوطنية والإنسانية، وبالتالي صالح المجتمع، وعليها أن تسن القوانين التي تكفل التزام جميع الأطراف بهذه النظم والعلاقات، كذا محاسبة الخارجين عليها عملياً وفكرياً، لكن الدولة غير مختصة بمحاكمة أفكار الناس فيما لا ينعكس سلبياً على هذه العلاقات، وعلى رأس الأمور المحرمة على التدخل من أي طرف خارجي، طبيعة إيمان الفرد بالأمور السماوية، وطبيعة إيمانه بالله والحياة الآخرة، فهذه ترجع لضمير الفرد وعلاقته الخاصة جداً بخالقه.

لأنني لا أبحث عن دين آخر غير ديني الذي أتمسك به حتى الموت، لم أحاول بحث إن كانت البهائية دين حق، أم مجرد أفكار وضعية، كما لم أتعب نفسي في بحث إن كان "بهاء الله ميرزا حسين"، رسول من الله جاءه الوحي من السماء، أم أنه مفكر كسائر المفكرين والفلاسفة، الذين تبنوا دعوات إنسانية.

لم أحاول أيضاً ولو من قبيل العلم بالشيء أو الرجم بالغيب، استنتاج إن كانت ديانة البهائيين ستؤدي بهم في الآخرة لدخول الجنة أم النار، وموقفي هذا يرجع لسببين رئيسيين، أولهما أن معتقداتي الدينية تؤكد لي أن هذا الأمر يعرفه ويحدده رب العزة وحده، وأن أي ادعاء لبشر بغير هذا هو تجاوز لا يغتفر، والسبب الثاني أن مصير البهائيين في الحياة الآخرة لا يعنيني، ويكفيني في هذا الأمر أن أهتم بنفسي، وأن أحاذر حتى لا أخطئ في حياتي الدنيا، فيكون مآلي جهنم وبئس المصير، أنا حتى لم ولن أحاول هداية أحداً منهم إلى ما أعتقد أنه الدين الصحيح، ففي هذا العصر لا يحتاج أحد إلى أحد يعلمه طريق الله، فبيوت العبادة لمختلف الأديان مفتوحة للجميع، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لا تدخر جهداً في شرح الطريق إلى معرفة الله، والشبكة الإلكترونية حالياً تزود كل طالب علم بأكثر مما يحتاج، وأنا أرى هذا الوضع مريح ورائع، فهو يعفيني من مسئولية التطفل على الآخرين لإبلاغهم بما أعتقد أنه حق، فكل الحقائق متاحة، وكل إنسان مسئول عن نفسه، أو "مربوط من عرقوبه" كما يقول المصريون.

فيما شاهدت من مناظرات تليفزيونية مع أفراد من البهائيين أعجبت بإصرارهم على عدم الانجرار إلى محاولة إقناع مناظريهم بصحة الديانة البهائية، أو بمجرد أنها ديانة سماوية، فالأمر فعلاً غير مطروح للنقاش، فهم من ناحية لا يرغبون ولا يقبلون أعضاءً جدداً في ديانتهم، ومن الناحية الأخرى هم لا يحتاجون، ولا ينبغي أن يكونوا في احتياج لمعرفة رأي أصحاب الديانات الأخرى في ديانتهم، وأخيراً لأننا إذا فتحنا باب تقصي أراء أصحاب الديانات في بعضها البعض، فإن هذا الباب لن يغلق أبداً، مع الأخذ في الاعتبار أنه في المجال الوطني السياسي والاجتماعي، لا مجال للمقارنة بين الأديان، فمجال هذا الأمر هو بين الإنسان ونفسه، أو فيما يعرف بدراسات الدين المقارن، والتي تأخذ نهجاً علمياً وقوراً، بعيداً عن أي تسفيه أو تحقير لأي فكر أو عقيدة.

من المؤسف فيما شاهدته في المناظرات التليفزيونية مع البهائيين، تمركز جدل الطرف المقابل على فكرة نفي أن البهائية ديانة سماوية، ونفي أن بهاء الله ميرزا حسين رسول من الله، فهذا الأمر هام لكنه يخص البهائيين وحدهم، أما الطرف الآخر – والمتمسك بدينه مثلي حتى الموت – فينبغي أن يهتم بمقولات العقيدة نفسها وليس مصدرها، فالإنسان تعرف على الله بالفطرة قبل الرسل بآلاف السنين، وجاء الرسل ليطوروا هذه المعرفة وينشرونها بين الناس على الوجه الأكمل، والمعنى أن الأساس هنا هو الرسالة نفسها، التي هي عبادة الله والتحلي بمكارم الأخلاق، وجميع الرسل بذلوا أقصى ما يستطيعون من جهد لأجل الرسالة ذاتها وليس من أجل أنفسهم، وبالتالي إذا كان البهائيون يعبدون الله ويحضون على مكارم الأخلاق، وهذا واضح في مقولاتهم، فليس هناك من مبرر لمحاكمتهم من أين أتوا بهذه الأقوال، من السماء أم تعرفوا عليها بطريقة بشرية، فهذا – للمرة الألف – أمر لا يعنينا نحن المتمسكين بدياناتنا.

التنوع في المجتمع ثروة، تدفع الأمم للتطور إذا ما أتاح المناخ الثقافي والعلاقات السائدة استغلالها وتوظيفها، لتكون بحق عامل ثراء حضاري، هذا أهم ملامح الأمم الناهضة القادرة على الابتكار والتجديد، ويتحول التنوع إلى نقمة إذا ما ساد الاستبداد والقمع من قبل أغلبية أو أقلية، يتراءى لها أنها الأفضل وأنها تمتلك الحقيقة المطلقة، وأن باقي ألوان وأطياف المجتمع يجب محاصرتهم والتضييق عليهم، لإجبارهم على الخضوع القسري لما تمليه عليهم الفئة المتسيدة، هنا يكون البناء الوطني هشاً ومريضاً، بعكس ما قد يبدو ظاهرياً من توحد وقوة، وفي هذا المجال فإن الفكر البهائي مؤسس بالدرجة الأولى على الاعتراف الوجوبي بالآخر، كل آخر مهما اختلفت تفصيلات عقائده، دون ما التفاف لتفريغ هذا الاعتراف من محتواه، لينقلب إلى تكفير لكل من يختلف في تفصيلة كبيرة أو صغيرة، كما نعاني ويعاني معنا العالم حالياً، من التفسيرات المتطرفة والمنغلقة، والتي تدفع شعوبنا إلى الصدام فيما بينها، والصدام مع العالم المتحضر كله، من هنا يكون البهائيون بالتحديد بمثابة حمامة سلام نحن بأشد الحاجة إليها، في زمن تنهش لحومنا فيه مناقير الصقور ومخالبها.

كل ما يطالب به البهائيون حالياً هو حق عدم الكذب أو عدم النفاق بتدوين ديانة غير ديانتهم الحقيقية في بطاقة الهوية الشخصية، وعندما يرفض المجتمع وبعض أجهزة الدولة هذا الحق في الصدق وعدم النفاق، فإننا نكون بهذا نحكم على أنفسنا بأننا أرض النفاق.

لم يطالب البهائيون بعد بحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية كما ينص الدستور، وإلى أن يفعلوا هذا قريباً على ما أظن، فنحن جميعاً ينبغي أن نطالب بذلك، تفعيلاً لمواد الدستور الذي نحيا في ظله، وإيماناً بمبادئ حقوق الإنسان، التي اتفق عليها العالم كله، ووقعت عليها بلادنا، الأمر ليس فقط قضية حقوق بعض إخواننا في الوطن والإنسانية، هي قضية الوطن ذاته ومستقبلة، قضية أن نخرج من كهوف الجمود والتعصب والتخلف لنلحق بالعصر الذي فاتنا منه الكثير



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المأساة المصرية وترمومتر لينا الفيشاوي
- طبيعة النظم وإشكالية التغيير
- الأقباط والليبرالية
- الصعود إلى الهاوية برعاية أمريكية
- مصر الخالدة تلفظ أنفاسها
- تحرير العراق وأحجار الدومينو المرتعبة
- ائتلاف حماس كاديما وبئس المصير
- أما الشعوب فلا بواكي لها
- الليبراليون الجدد ومقولاتهم المستغربة
- العِلمانية تلك النافذة المغلقة
- ثقافة الذئاب من العراق إلى السعودية
- حسنة لسيدك مشعل أفندي
- خيار المقاومة (القتل) وثقافة اليأس
- وكأن على رؤوسهم الطير
- الرقص على أنغام إرهابية
- الدين والتدين وتبادل المقولات
- أزمة الحداثة في الشرق
- المصريون وسيكولوجية الرعية
- حالة تخلف مستعصية - مشكلة أسلمة القبطيات
- الليبرالية ومسيرة الحضارة


المزيد.....




- “متع أطفالك ونمي أفكارهم” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ب ...
- لولو يا لولو ” اظبطي تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد ...
- أمين عام -الجماعة الإسلامية- في لبنان: غزة لن تبقى وحدها توا ...
- وزيرة الداخلية الألمانية: الخطوط الحمراء واضحة.. لا دعاية لد ...
- لجنة وزارية عربية إسلامية تشدد على فرض عقوبات فاعلة على إسرا ...
- اللجنة العربية الإسلامية المشتركة تصدر بيانا بشأن -اسرائيل- ...
- إلهي صغارك عنك وثبتِ تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمتابع ...
- اختفاء مظاهر الفرح خلال احتفالات الكنائس الفلسطينية في بيت ل ...
- المسلمون في هالدواني بالهند يعيشون في رعب منذ 3 شهور


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - البهائيون في أرض النفاق