أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - غار عمري














المزيد.....

غار عمري


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 7078 - 2021 / 11 / 15 - 08:22
المحور: الادب والفن
    


ما أقصر العمر !كأنه البارحة يوم ميلادك . كانت ليلة قاسية فتحت عينيك في الساعة الخامسة صباحاً بدأت تصرخين ، وضعك الطبيب عارية على بطني فسكت . العمر لحظة علينا أن نتمتع بها . تعتقد أنك مقبل على تحقيق بعض الأحلام ، يفاجئك المرض ، وبينما كنت قد حضّرت حقيبتي للسفرإلى كندا ..أخبرني الطبيب عن مرضي ، أصبت بخيبة أمل. كنت أعتقد أننّي صحيحة الجسم ، لكن يبدو أنه لا بد من العلاج ، و أوّله العلاج الكيماوي .
أعياد الميلاد يجب أن تكون مناسبة للفرح ، وفي يوم ميلاد ابنتي كنت أود أن أكتب فرحاً ، لكن قلمي استعصى ، وفي هذا العام اخترته مناسبة للبوح ، ربما كي أئن ، فعندما تئن تحتاج لم يقول لك: لا عليك! لازالت الدنيا بخير ، رغم أنها ليست بخير .
أقول لا بنتي:
أبوح لك بتفاصيل عمري الصغيرة كي تحمليها
أبوح لك بوجعي ، آهاتي ، ذكرياتي التي لا تعرفينها
أبوح لك بأشياء لا أعرفها،وقد عزّ عليّ البوح
عزّ علي البكاء ، والنوح
أنتظر على مفرق الدهر صوتاً يؤنسني
أسمع ضجيجاً ، صراخاً ، أختبئ منّي
مارست لعبة الاختباء زمناً، أصبحت جزءاً مني
سوف أظهر اليوم
لن أختبئ ثانية
المرض فضحني
أصبحت أنظر للمرآة أرى ظلي
كخيط رفيع ، أطويه
أضعه في جيبي
كي لا أفلت منّي
بينما كنت أتناول جرعات الكيماوي ، كانت ترافقني ابنتي أحياناً ، نظرت مرة إليها ،وكنت أئن من الوجع ، قلت لها : اشتقت لسيناء " غار عمري سيناء " بكت ابنتي، وقالت لي سوف تكونين بخير .
في رحلة علاج الأشعة كنت وحدي ، ممنوع أن يرافقني أحد ، وفي عمليتي الأولى للإشعاع الداخلي كنت أعتقد أنني سوف أموت ، لم أحزن ،لأنني سوف لن أشعر بالموت لأنني تحت التخدير ، وجسدي هزيل جداً وكان المستشفى قد أعطاني الدم في الليل . أي أنهم طوال الليل كانوا يعطونني الدم تارة و يطلبون مني أن أستحم تارة، وهي المرة الأولى التي غلبني النعاس فيها فمنعت من النوم .
كان يحز بنفسي يا ابنتي أنّك سوف تحزنين وحيدة . في الحقيقة لم أمت رغم أن الأمر كان قاسياً وكنت في العناية الفائقة ، أهلوس بك "غار عمري سيناء" يبدو أنني كررت التعبير كثيراً لدرجة أن الممرضة التي تراقبني حفظته .سألتني : من هو غار عمري؟ ابتسمت : هذا ليس اسم شخص . إنّه تعبير لا يفهمه سوى أهل ماردين ،حتى في اللغة العربية ليس له تفسير ، يمكن أن تفسر : لينته عمري وتبقين ، وربما تفسر كما يقال يا بعد عمري .أو لايفسر على الإطلاق هو قصة عمر يغور .
في عملية الإشعاع الثانية، كان ضعفي قد وصل لحد الانهيار ، اجتمع في غرفة العملية أكثر من عشرة أشخاص ، بعضهم متدرب ، قالوا بماذا تشعرين ؟ أجبت : أغني لا بنتي الصغيرة نطّي. نطّي ، لم أشعر بعدها ، كنت منهكة بعد العملية، عندما استيقظت كتبت بضع كلمات : ادفنوا معي الأغاني التي ألفتها: نطّي ، نطّي. رقص نط ، رقص نط .
كنت أتواصل معك عندما أهدأ فتبادريننني بسؤال: متى قال الطبيب أنه يمكنك السّفر ؟ ماذا أجيبك ، ولا زلت تحت العلاج؟
لا يروق لي منظر البنات وهن يقبلن أمهاتهن كدليل على الحبّ، وبخاصة لو وضعت الصور على الفيس بوك ، وقد جرت تلك العادة في عيد الأم الفائت وضع تلك الصور، وهي من ضمن عملية التزييف القائمة على الفيس بوك ، تساءلت يومها: نحن لسنا هكذا ، ثم تساءلت عن الحبّ ، ورأيته شيئاً مبهماً يشبه الله و السعادة و الوطن . ليس بيننا هذا الزخم من القبلات ، لكن بيننا انتماء.
أنت تنتمين لي يوم كنت تحشرين نفسك في الخلافات العائلية، أتسامح من أجلك .
هل تذكرين ؟ كنت في الصف الخامس الابتدائي ، يوم جلست في حضني و أنا جالسة على الأرض في غرفة النوم العلوية ، بيديك الصغيرتين مسحت دمعي ، قلت لي: سوف تبقى صورتك في قلبي ، وكنت عازمة على الرحيل. ابتسمت لك ، قلت : لن أرحل من أجلك .
لا أشعر بما يدعى " الحبّ" تجاه أولادي ، بل أشعر بالانتماء لهم، و أنهم ينتمون لي، لذا أعقد صفقات السلام في عقلي بيني وبينهم ، وحتى عندما أنفعل و أخرج عن السيطرة عندما كنت أهاتفك أعود و اعتذر دون اعتذار ، أقول: هل إذا كانت ابنتي يتوجب عليها أن تكون نسخة عنّي ؟ يجب أن أبقى ذلك الانتماء حتى الموت، ولو مت فادفنوا أشعار الزجل و الأغاني التي ألفتها لكم معي ، كنتم حياتي ، وكنتِ أوّل من شكّل تلك الحياة .
عندما أرحل لا تبكي
تحممي بنور الشّمس
ضعي أغنية طرب
اغفي على أنغام الأمل
أحببت الأغاني
أحببت الحياة
أودعتكم حبّي الغامض منها
ضميني عن بعد
قولي أنّك بخير
أستطيع أن أستشعر كلماتك حتى عند الموت
لن أموت اليوم ولا غداً ، و لا أعرف متى أوضب حقيبة سفري كي آت إليك ، لكنّني متأكدة أنك سوف تكونين بخير .
قلت لك مراراً أن الحياة سوف تعطيك ، و أنا مؤمنة بما أقول .
لا يسعني إلا أن أقول لك اليوم : غار عمري سيناء !
ويمضي عمري
يغور كينبوع ماء
وتبقين أنت
تكونين أنا
ولا ينتهي المشوار
قادمة إليك لنزرع الحديقة
لنسافر
لنفرح
ثم أعود كما أتيت
وأبقى أنا هنا ، وأنت هناك
لكنك أنت ، و أنت أنا
مادمتِ أنا لماذا أخاف؟
سوف يزهر عمري
هنا وهناك
أنا لا أموت ياحبيبتي
فقط أغفو وتنتقل روحي إليك ، وتستمر الحياة . . .



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتحار الجماعي على الحدود البولندية
- مابعد غلاسكو
- نساء أمل -12-
- انتهاء الصلاحية-7-
- هل أنت مع السّنة ، أم مع الشيعة
- وهم الحبّ
- انتهاء الصلاحية -6*
- الدولة القومية إلى زوال
- قضية المناخ قضية طبقية
- وطن بحجم دار
- انتهاء الصّلاحية -5-
- الجمال
- الفن من أجل الفن
- انتهاء الصلاحية -4-
- هلوين العرب
- نساء أمل -11-
- انتهاء الصلاحية -3-
- -المسامح كريم-
- انتهاء الصلاحية -2-
- قصة هروبي من العالم الافتراضي


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - غار عمري