أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير الصباغ - الفجوة بين الوعي الاجتماعي والوعي السياسي لدى بعض المثقفين اليساريين العرب















المزيد.....

الفجوة بين الوعي الاجتماعي والوعي السياسي لدى بعض المثقفين اليساريين العرب


زهير الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 7067 - 2021 / 11 / 4 - 00:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتناول هذه المقالة موضوع الفجوة في الوعي الموجودة بين البعد السياسي والبعد الاجتماعي، والتي تظهر لدى بعض المثقفين العرب اليساريين، حيث يقوم هؤلاء بتطوير وعي سياسي تقدمي، ولكنهم يحافظون على الوعي الاجتماعي الرجعي.
وتظهر هذه الفجوة في المواقف الاجتماعية التي يتخذها هؤلاء خاصة في قضايا المرأة وحقوقها، كيفية توزيع الإرث، الاختلافات في التنشئة الاجتماعية بين البنات والأولاد، الموقف من ظاهرة الدين، النرجسية، والتعامل المادي او السلوك المالي مع الاخرين.
تنشأ في المجتمع العربي الفلسطيني داخل منطقة 1948 كما وداخل المناطق الفلسطينية المستعمَرة (الضفة والقطاع)، نزاعات، قد تتطور لصراعات، داخل العائلة حول ملكية الأراضي والعقارات. وتنشأ أحيانا الصراعات بين افراد الاسرة الواحدة حول الميراث خاصة بعد وفاة الاب. قد يكون الاب من الأقلية التي تقوم بترك وصية قانونية تحدد ملكية كل فرد من الورثة، مع ذلك تنشأ الصراعات.
وتتحول العلاقات الاسرية، نتيجة لذلك، من علاقات سوية الى علاقات عدائية، بغيضة، ومستعصية الحل. وتوجد امامي نماذج عديدة لهذه الصراعات التي حولت حياة بعض العائلات الى جحيم وصراع متواصل حتى عبر أجيال. وقد تنشأ الصراعات على الميراث اثناء وجود الاب وربما في مرحلة ضعف مكانته الاجتماعية داخل العائلة، او نتيجة نهج غير عادل قام به الاب في توزيع املاكه وثروته على افراد العائلة.
حاولت مرارا دراسة هذه الظاهرة الاجتماعية من خلال تجميع معطيات عديدة، ومن خلال مقارنة نماذج منها عشتها وشاهدتها، ومنها سمعت بحدوثها. وبعد توفر المعطيات، قمت بمحاولة تحليلها بهدف معرفة دوافعها والأسباب الكامنة وراء عملية تكرار حدوثها.
وتوصلت، نتيجة للدراسة والتحليل، الى ان هذه الظاهرة الاجتماعية لها ارتباطات عميقة بالوعي الاجتماعي السائد في مجتمعنا، وبالتالي، بالافكار ومنظومة الاخلاق التي ينشأ عليها الفرد، وبما يرثه من معتقدات عن والديه.
يرتبط سلوك البشر بهذا الوعي، والسلوك الاجتماعي ليس خيارا يتبعه الانسان الفرد. فهو يكون سويا وايجابيا ويرتبط بدوافع إنسانية، وقد يكون سلبيا وعدائيا، يرتبط بتشوهات في التنشئة الاجتماعية. وترتبط النزاعات الاجتماعية بالوعي الاجتماعي المشوه الذي يكون الفرد قد ورثه عن والديه، وتربى عليه لعدد من السنوات، بحيث ترسخ وأصبح جزءا من شخصيته.
عدم الانسجام بين الوعي الاجتماعي والوعي السياسي لدى بعض المثقفين اليساريين العرب
لن ادخل في محاولة تفسير وتحليل الوعي الاجتماعي وتطوره عبر الأجيال، لأن ذلك يتطلب اجراء بحث ميداني معمق، ولكني ساحاول إعطاء اطلالة على ظاهرة محددة في الوعي الاجتماعي السائد بين بعض المثقفين العرب الذين يحملون فكرا سياسيا تقدميا، مع ذلك، نرى أحيانا ان سلوكهم الاجتماعي لا ينسجم كليا مع فكرهم السياسي التقدمي.
نرى هؤلاء يحملون فكرا قد يظهر نقديا ويساريا وتقدميا في المواقف السياسية، ولكنهم في الوقت ذاته، يسلكون بموجب نهج اجتماعي غريب يتناقض مع الفكر السياسي التقدمي ويقترب أكثر من الفكر الاجتماعي الرأسمالي. وهنا تظهر المشكلة التالية: كيف يستطيع هذا المثقف اليساري ان يطرح الشعارات اليسارية والتقدمية في كتاباته السياسية، وفي الوقت ذاته ان يكون نهجه الاجتماعي رأسمالي وانتهازي ونرجسي، أي غير منسجم بتاتا مع فكره التقدمي المعلن؟
ونتيجة لهذا التناقض، تنتج فجوة بين البعدين السياسي والاجتماعي، كما وينتج عدم توازن بين البعدين، وبالتالي عدم الانسجام في الوعي الاجتماعي. ويظهر التناقض وعدم الانسجام في السلوك الاجتماعي لدى المثقف. وهنا لا بد من الإشارة الى ان هذا المثقف يظهر وكأنه منسجم مع منظومة الاخلاق السائدة بين غالبية افراد المجتمع المحافظ. ولكن عند فحص منظومة اخلاقه، من قبل فرد نقدي، يظهر التناقض في موقف هذا المثقف.
الوعي الزائف
يعود عدم الانسجام في الوعي لدى بعض المثقفين العرب أيضا لوجود ما يسميه الماركسيون بالوعي الزائف والذي يحمله هؤلاء. ولكن، ما هو الوعي الزائف؟
في مقدمته لكتاب "الكتابات الأساسية لكارل ماركس"، أوضح الكاتب البريطاني ديفيد كوت مصطلح "الوعي الزائف" على النحو التالي:
... الوعي الزائف هو صورة ذهنية مشوهة للواقع ومصدره هو اغتراب الإنسان في المجتمع الطبقي. فالإنسان المغترب لم يعد يفهم العالم على حقيقته؛ انه يشعر بالابتعاد عن منتجات يديه، ويقف عاجزا امامها. كما ويقف منفردا ضد زملائه من البشر، وسيصبح ضحية للعاطفة والجشع ... (Caute, David, (1967), Essential Writings of Karl Marx (New York: Collier Books), p. 19)
ويعتقد كل من كارل ماركس وفريدريك انجلز ان وعي البشر هو الانعكاس الاجتماعي لعلاقات الإنتاج الرأسمالية، أي جزء من البنية الفوقية.
... إن أسلوب إنتاج الحياة المادية يؤثر بصورة عامة في عملية انتاج الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية. ليس وعي البشر هو الذي يحدد مكانتهم، ولكن، على العكس، فإن كيانهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم ... (Marx, Karl, and Engels, Frederick, (1962), “Preface to A Contribution to the Critique of Political Economy”, Selected Works, Volume I, (London: Lawrence & Wishart), pp. 362-364)
وبالإضافة للاستلاب الاجتماعي والوعي الزائف، فان المثقف المرتبك والذي يحمل تناقضا اساسيا داخل وعيه الاجتماعي، نجده يعتبر المال عنصرا أساسيا في وجوده. انه يسعى لكسب المزيد من المال وبأية طريقة حتى بالطرق المنافية للاخلاق الإنسانية. علاقة المثقف المرتبك بالمال هي علاقة مليئة بالجشع وخالية من الإنسانية.
وفي ادانته لدور المال في قلب المفاهيم الاجتماعية الى عكسها، وذلك في حياة البشر في ظل النظام الرأسمالي، كتب كارل ماركس ما يلي:
المال... يحول الإخلاص إلى خيانة، الحب إلى كراهية، الكراهية إلى حب، الفضيلة إلى رذيلة، الرذيلة إلى فضيلة، الخادم إلى سيد، السيد إلى خادم، الحماقة إلى ذكاء والذكاء إلى حماقة. (Marx, Karl (1961) Economic and Philosophic Manu-script-s of 1844. Translated by Martin Milligan (Lodon: Lawrence & Wishart), p. 141)
للحياة اهداف عديدة، منها علمية، واجتماعية، وسياسية. ولكن، اذا قام الفرد بحصر اهداف الحياة لديه في بند واحد هو جمع المال فقط، وبأية طريقة، فانه عندها سيجد ذاته اسيرا وعبدا للمال وهذه اخلاق رأسمالية محضة ولا ترقى للفكر التقدمي واليساري. ويتحول عندها المثقف "اليساري" الى ما كان لينين يسميه بمثقف الفجلة. فهو احمر في قشرته الخارجية وابيض في جوهره.
ضرورة حسم الصراع
ليس من السهل على المثقف ان يحل تناقضاته داخل مجتمع محافظ ورجعي اجتماعيا، ولكن هذه الخطوة ليست بالمستحيلة، واذا أراد المثقف المرتبك حل تناقضاته، فعليه ان يقوم بجهود كبيرة.
يعيش بعض هؤلاء طيلة حياتهم داخل التناقض والذي يظهر انهم غير مدركين لوجوده. ويدرك البعض الاخر هذا التناقض ويحاولون إيجاد حل له. ويختار بعضهم النهج السياسي الرجعي بدلا من النهج التقدمي، والذي يُظهِر انسجاما بين الفكر السياسي الرأسمالي والفكر الاجتماعي الرأسمالي.
ويحسم اخرون هذا التناقض بعملية توجيه النقد الذاتي لأفكارهم الاجتماعية الرجعية ولوعيهم الاجتماعي الرأسمالي والرجعي. وعندها يتخلصون رويدا منه، ويتبنون مواقف اجتماعية تقدمية. وتظهر هذه من خلال موقفهم من المرأة وحقوقها ومساواتها مع حقوق الرجل. عملية الاستبدال هذه تحتاج الى نقد ذاتي وإعادة تثقيف ذاتية، كما وتحتاج الى وقت مناسب.
في احدى خطابات الرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو، تطرق الى هذه الظاهرة على الوجه التالي. بعض الرفاق في الحزب الشيوعي الكوبي يدخلون الحزب وهم يحملون على ظهرهم كيس مليء بالقاذورات الاجتماعية الرجعية. هؤلاء يجب عليهم التخلص من هذه القاذورات وعدم تعميمها على بقية الرفاق، والا فسوف يتلوث الحزب بها.
وهكذا نرى ان ظاهرة عدم انسجام الوعي الاجتماعي مع الوعي السياسي موجودة لدى عدد من المثقفين العرب اليساريين، وهي لا تظهر بشكل واضح لكون المثقفين يعيشون داخل بيئة اجتماعية محافظة او حتى رجعية. وهنا يظهر هؤلاء بانهم منسجمين مع منظومة الاخلاق الاجتماعية السائدة في مجتمعهم. ولكن، بالرغم من هذا الانسجام، فان هؤلاء المثقفين يحملون في داخلهم تناقضا صارخا بين الوعي الاجتماعي الرجعي والوعي السياسي التقدمي.
____________________________________________



#زهير_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤثرات الماركسية على الفكر الاجتماعي
- السرقة الصهيونية الكبرى للممتلكات الفلسطينية
- التطهير العرقي الصهيوني في حي الشيخ جراح وقرية سلوان
- من اشعل نار الفتنة العنصرية في القدس المحتلة
- التحليل الماركسي للعرق وتقاطعه مع الطبقة
- يافا مدينة فلسطينية تقاوم الاستيطان الاستعماري الصهيوني
- من بيت الحكمة الى همجستان
- المنافسة بين الاحزاب الصهيونية على الاصوات العربية
- التهجين اللغوي للخطاب العربي
- في الذكرى السابعة لرحيل الشاعر الثوري احمد فؤاد نجم
- من المركزية الأوروبية إلى علم اجتماع عربيّ
- قطاع غزة تحت الحصار العسكري الصهيوني
- العنف السياسي الصهيوني: أنماط ودوافع
- مساهمة في الحوار الهاديء والنقد البناء
- النكبة الفلسطينية والتطهير العرقي الصهيوني
- صعود اليمين السياسي الاسرائيلي واحتمال زواله
- فلسطين، خطة ترامب والاستعمار الصهيوني


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير الصباغ - الفجوة بين الوعي الاجتماعي والوعي السياسي لدى بعض المثقفين اليساريين العرب