أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير الصباغ - التحليل الماركسي للعرق وتقاطعه مع الطبقة













المزيد.....

التحليل الماركسي للعرق وتقاطعه مع الطبقة


زهير الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 6894 - 2021 / 5 / 10 - 11:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


زهير الصباغ ⃰

تعالج الدراسة التالية المفهوم الماركسي لموضوع العرق ومن ثم تقاطعه مع المفهوم الماركسي للطبقة. وستتناول هذه الدراسة عددا من المواضيع المتعلقة مثل كيفية قيام البرجوازية باستخدام سلاح العنصرية وذلك في إقامة نظام الاستعمار الاستيطاني الداخلي، ونظام العبودية، وفي عملية تبخيس إنسانية بعض البشر.

يعتقد الماركسيون بان العنصرية تخدم مصالح الطبقة الراسمالية من خلال تجزئة الطبقة العاملة الى عمال سود واسبانيين وبيض (الولايات المتحدة) والى عمال افارقة وملونين وبيض (جنوب افريقيا) والى عمال هنود وافارقة وبيض (بريطانيا) والى عمال افارقة وعرب وفرنسيين (فرنسا) والى عمال يهود وعرب وعمال أجانب (الكيان الصهيوني).
ان تجزئة وشرذمة الطبقة العاملة، والتمييز بين مكوناتها، تضعفها وتقلل من امكانيات حدوث وحدة عمالية حول المصالح الطبقية المشتركة للعمال، وبالتالي تقلل من مقدرتهم على النضال الموحد من اجل الحصول على حقوقهم النقابية المشتركة.
ينطلق الماركسيون في تحليلهم الطبقي للعنصرية من التناقض الجذري بين المصالح الطبقية لكل من الطبقتين البرجوازية والبروليتاريا. تملك البرجوازية وسائل الانتاج وراس المال وهي تسعى باستمرار لزيادة ارباحها. اما الطبقة العاملة فتبيع قوة عملها وطاقتها على العمل مقابل اجر. وتحصل الطبقة البرجوازية على "ارباحها" بعد دفع اجر للعامل اقل من القيمة الاضافية التي يقوم العامل باضافتها على الإنتاج، وبعدها بيع الإنتاج الصناعي والزراعي. وتسمى هذه العملية استغلالا طبقيا.
من الجهة الأخرى تقوم العنصرية، كفكر وممارسة، في خدمة دورين رئيسيين تحت النظام الراسمالي:
(أ) انها تسمح للراسماليين في الحصول على ايدي عاملة رخيصة، غير منظمة في نقابات، والتي يمكن استغلالها بشكل كبير. امثلة على ذلك المهاجرين الجدد للدول الأوروبية الغربية، وللولايات المتحدة، والعمال الذين ينحدرون من الاقليات القومية في عدة دول في العالم. وكونهم خاضعين للتمييز العنصري فانهم يشكلون جزءا من الطبقة الكادحة ولكنهم الاكثر استغلالا. ويزود هذا الوضع الراسماليين بمستويات عالية من الارباح.
(ب) وتسمح العنصرية للطبقة الحاكمة ان تشرذم الطبقة العاملة وان تهيمن على هذه الطبقة المستغَلة. وتستخدم العنصرية من اجل رعاية واطالة مدة شرذمة وضعف الطبقة الكادحة لمساعدة الطبقة الحاكمة في البقاء في الحكم.
ويتم تحريض العمال الأوروبيين، من قبل السياسيين في الطبقة الحاكمة وبواسطة وسائط الاعلام، على كراهية العمال الأجانب، الافارقة، الاسيويين والعرب. وبهذا يتم ازاحة غضب العمال الأوروبيين على الراسماليين وتحويله الى كراهية عنصرية ضد عمال اخرين اجانب، والذين من المفروض والطبيعي ان تربطهم ببعض قواسم ومصالح طبقية مشتركة. وينتج عن ذلك وضعا مشوها وهو مظاهر من "المصالح المشتركة" بين العمال الاوروبيين والبرجوازية الاوروبية. يمكن إعطاء امثلة عديدة على عمليات التحريض العنصري من قبل الساسة البرجوازيين، ولكننا سنكتفي بتصريح الوزيرة الصهيونية العنصرية ميري ريجف، والتي شغلت رئاسة وزارة الثقافة والرياضة في العام 2012. وهي معروفة بتأجيج العنصرية والعنف ضد الفلسطينيين وغيرهم من العمال غير اليهود، وساعدت في عام 2012 في التحريض واثارة موجة من العنف المناهض للعمال الأفريقيين، بما في ذلك الاعتداءات والهجمات المتعمدة، التي استهدفت عمالاً من بلدان مثل السودان وإريتريا. واثناء احدى هذه المظاهرات، صرحت الوزيرة ريجف، امام حشد غاضب من الرعاع الإسرائيليين، إن العمال الأجانب طالبي اللجوء للكيان الصهيوني هم "سرطان في جسمنا". وفي العام ذاته، صرحت لصحفي محاور: "أنا سعيدة لكوني فاشية."
من الجدير ذكره ان العمال لا يستفيدون من العنصرية، كما ان الافكار العنصرية تقف عائقا امام توحيد صفوف الطبقة العاملة للنضال ضد الراسمالية. ويتم استخدام العنصرية من قبل البرجوازية من اجل اجهاض نضالات العمال. وكلما كانت الطبقة العاملة مجزأة اكثر، كلما كان وضعها العام اسوأ.
ويرجع السبب، في تبني قطاعات من العمال الاوروبيين وغيرهم افكارا نمطية عنصرية، الى الهيمنة الراسمالية على الوعي والفكر والانتاج الفكري للعمال وأيضا على وعي جزء من فئة المثقفين. فالراسماليون لا يسيطرون بالقوة فقط على أعضاء المجتمع، بل ايضا تتم سيطرتهم على وعيه الاجتماعي الجمعي، من خلال هيمنتهم على وسائط الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ومن خلال سيطرتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال هيمنتهم على المدارس والجامعات ودور النشر. ويقوم الاعلاميون الراسماليون، من خلال احتكار استخدام جميع هذه الأدوات، ببث وتطوير نظرتهم الراسمالية للعالم وللحياة. اكد هذه الحقيقة كل من كارل ماركس وفريدريك انجلز حيث كتبا، "إن أفكار الطبقة الحاكمة هي في كل عصر الأفكار الحاكمة: أي الطبقة، التي هي القوة المادية الحاكمة للمجتمع، هي في نفس الوقت قوتها الفكرية الحاكمة... "
كيف تقوم البرجوازية باستخدام سلاح العنصرية؟
ترتكز العلاقة الطبقية، بين الطبقتين البرجوازية والبروليتاريا، على مصالح طبقية متناقضة. ويؤدي التناقض الى تطوير صراع طبقي بينهما. ويشكل الصراع بين البرجوازية والبروليتاريا جزءا من سيرورة النظام الراسمالي. يحاول العمال خلالها رفع اجورهم وتحسين شروط عملهم والنضال من اجل الحصول على حقوقهم. اما البرجوازيون فيحاولون تحديد الاجور وزيادة كمية العمل الذي يتم إنجازه في الساعة الواحدة. ويخضع العمال لشروط العمل هذه ويملك المشغِل اليد العليا في مصيرهم لان العمال، اذا تمردوا على هذه الشروط، يخافون من فقدان عملهم وعدم الحصول على عمل اخر بسرعة.
يتم وضع حد للاستغلال من خلال قيام الطبقة العاملة بالثورة والقضاء على الراسمالية وعلى الطبقات الاجتماعية، ومن ثم إقامة النظام الاشتراكي الخالي من الطبقات الراسمالية. ويستطيع العمال تحسين اوضاعهم الاقتصادية والمعيشية من خلال تشكيل اتحادات العمال وتنظيماتهم العمالية (مثل حزب نضالي وحقيقي للعمال). وكلما كانت تجزئة الطبقة العاملة مهيمنة اكثر على العمال، كلما كانوا اضعف في مقاومة المشغِل بشكل فعال وناجع. ولذلك تسعى البرجوازية الى تجزئة الطبقة العاملة وتقسمها الى عمال سود وبيض، اوروبيين وافارقة، عرب ويهود. واذا قام العمال الاوروبيون بتعريف انفسهم كعمال بيض وليس كعمال، فانهم لن يستطيعوا رؤية مصالحهم الطبقية المشتركة مع العمال السود، والعمال الافارقة. ولذلك، فان الطريقة الوحيدة لانهاء الاضطهاد العرقي والاستغلال الطبقي تكمن في انشاء طبقة عاملة موحدة ومتعددة الاعراق، وليس من خلال اتحادات للعمال البيض والتي تستثني العمال السود. وهذا الامر حدث في الولايات المتحدة كما وحدث في الكيان الصهيوني الذي لم تقبل نقابة العمال فيه (المسماة الهستدروت) العمال العرب في عضويتها الا في العام 1958، وعندما قبلتهم أنشأت لهم "دائرة الأقليات" لتحولها بعد ذلك الى "دائرة الدمج" وهي دائرة خاصة بالعمال الفلسطينيين المواطنين. عندما سألت رئيس هذه الدائرة لماذا لدى الهستدروت "دائرة عربية" خاصة بالعمال الفلسطينيين، اجابني "لأن العمال العرب لديهم مشاكل مختلفة عن العمال اليهود. وأضاف أن نقابة العمال الهستدروت تعتزم إنشاء "دائرة الدمج" لاستيعاب العمال العرب داخل الهستدروت." لذلك، لا تزال الهستدروت مؤسسة استيطانية استعمارية تتأثر بنظام الفصل العنصري الصهيوني المهيمن ولا زالت تفصل العمال الفلسطينيين العرب عن العمال اليهود.
وهكذا نرى ان التجزئة العرقية للطبقة العاملة بين كل من العمال السود والبيض والعرب واليهود، والاستغلال الطبقي للعمال السود اكثر من العمال البيض وللعمال العرب اكثر من اليهود، يخدم المصالح الراسمالية وهذا الامر لا زال يتم اعادة انتاجه في جميع الدول الاستيطانية الاستعمارية.
تستخدم البرجوازية الاستيطانية ظاهرة العنصرية من اجل تحقيق الاهداف الراسمالية التالية:
1. انها تمكن المشغِلين الراسماليين ان يدفعوا اجرا للعمال السود وللعرب اقل من الاجر المدفوع للعمال الاوروبيين ولليهود الاوروبيين.
2. ومن اجل تشكيل والهيمنة على وعيهم الطبقي، تقوم البرجوازية بترويج الايديولوجية العنصرية والتي يتم استدخالها بدرجات متفاوتة، من قبل معظم العمال الاوروبيين واليهود الاوروبيين.
3. يعاني كل من العمال السود والعرب من مستويات من البطالة اعلى بكثير من مستويات بطالة العمال الاوروبيين واليهود الاوروبيين. وتجعل العنصرية بطالة السود وبطالة العرب مقبولة اكثر من بطالة الاوروبيين واليهود الأوروبيين داخل كل من المجتمع الاستيطاني الابيض والمجتمع الاستيطاني اليهودي الاوروبي.
4. من خلال تخفيض مقدرة العمال على المناورة والتفاوض مع المشغِلين بسبب العنصرية، فان البطالة العالية تؤدي الى تخفيض الاجور وتزيد من نسب ارباح البرجوازية.
نظام الاستعمار الاستيطاني الداخلي
من الملاحظ ان العنصرية والتمييز العنصري والفصل العرقي هي ظواهر تنتشر في المجتمعات الاستيطانية الاستعمارية مثل جنوب افريقيا، الكيان الصهيوني، الولايات المتحدة، استراليا، كندا ونيوزيلندا. كما ان جميع دول أمريكا الجنوبية، ودول النصف الجنوبي من قارة افريقيا، والجزائر تحت الحكم الاستعماري الفرنسي، كانت دولا استيطانية استعمارية.
بعد تحول هذه المستعمرات السابقة الى دول مستقلة، نرى ان العنصرية والتمييز العنصري والفصل العرقي لا زالت ظواهر وسياسات يتم ممارستها واعادة انتاجها داخل هذه الأنظمة. ويمكن تفسير هذا التواصل واستمرارية العنصرية بنظرية الاستعمار الداخلي والتي يمكن تلخيصها على الوجه التالي:
نظرية الاستعمار الداخلي
يشير مفهوم الاستعمار الداخلي الى وجود بنية اقتصادية-اجتماعية-سياسية من عدم المساواة، تطورت تاريخيا، وتهدف حاليا الى تامين السيطرة الكاملة على قوة عمل السكان الأصليين بالاضافة الى الاستمرار في نهب ثرواتهم الطبيعية ومواردهم الاقتصادية. الاضطهاد العرقي هو بناء حائط اقتصادي، اجتماعي وثقافي من قبل المستوطنين الاستعماريين حول مجموعة من عمال السكان الأصليين من اجل انشاء معسكر دائم من العمال. وتم تطوير هذه البنية تاريخيا لتلبية حاجة النظام الراسمالي لاحتياطي دائم من العمال الخاضعين لاكثر الوظائف سوءا ولآجر منخفض (او دون اجر كما كان الحال مع العمال العبيد)، عمال يمكن تجنيدهم وتسريحهم حسب تقلبات النظام الراسمالي بين دورات الازدهار ودورات التراجع والبطالة العالية. ويرغب حكام النظام الاستيطاني الاستعماري بعمال يمكن ابقائهم غير منظمين لاستخدامهم بمرونة لتحقيق ماّرب المشغِلين في معاركهم مع العمال الاخرين.
العلاقة بين العرقية والراسمالية
وضعت الاكتشافات الجديدة، الانسان الاوروبي في مواجهة مباشرة مع شعوب غير أوروبية في العالم الثالث. وادى هذا اللقاء الوجاهي الى بداية تكوين الصورة الذهنية الأولى للإنسان غير الأوروبي داخل الوعي الجماعي الأوروبي. ونشأت تراكمات أيديولوجية حول هذه الصورة الذهنية، والحقت بها صفات عنصرية، فظهر الانسان غير الأوروبي بشكل بشع، متخلف، بري وبدائي. وهكذا تطور مفهوم الاخر لدى الاوروبي. وجائت بعد هذه الاكتشافات حملات من التوسع الاستعماري في العالم الجديد ومن ثم تطور البرجوازية الاستيطانية والاستيطان الاستعماري، وبداية النهب المنهجي لخيرات وموارد المستعمرات الجديدة.
خلال عملية الاستيطان الاستعماري، جرت محاولات لتحويل السكان الهنود الأصليين الى عمال عبيد يعملون بالسخرى، بعضها نجح وغالبيتها فشلت. قاوم الهنود هذه المحاولات واصروا على بقائهم مزارعين وفلاحين. وشكلت هذه محاولات فاشلة من قبل المستوطنين الاوروبيين لاسترقاق الهنود واستخدامهم كايدي عاملة في المشروع الاستيطاني الأوروبي. .
الفشل في هذه المحاولات، واشتداد عمليات النهب، واكتشاف الذهب في كليفورنيا في العام 1849، ومقاومة الهنود الفلاحين ادى لاحقا بالمستوطنين المستعمرين الى اتخاذ قرار التطهير العرقي الذي تحول فيما بعد الى القرار بالابادة الجماعية نتيجة لمقاومة السكان الأصليين من الهنود.
تمت عمليات التطهير العرقي، ببشاعة لا توصف، من اجل الاستيلاء على اراضي الهنود الزراعية، ومن اجل السيطرة على مناجم المعادن. ادت عمليات التطهير العرقي والابادة الجماعية الى حدوث نقص حاد في الايدي العاملة. ودفع هذا الامر بالبرجوازية الى "استيراد" ايدي عاملة من أوروبا الشرقية، وايرلندا، وتم استرقاق السجناء الجنائيين. ولكن هذه البدائل لم تكن كافية، فلجأت البرجوازية الأوروبية الى شراء واقتناص الايدي العاملة من افريقيا. وهكذا تم تطوير عصر العبودية.
عصر العبودية
ان فشل عملية تحويل الهنود الى عمال عبيد وحدوث النقص الحاد في الايدي العاملة والتوسع في عمليات الاقتصاد الاستيطاني الراسمالي أدت الى إرساء العناصر الأولى لعصر العبودية. وجاء العمال العبيد لتلبية الأدوار الراسمالية الرئيسية في العالم الجديد مثل العمل في المناجم، مد خطوط السكك الحديدية، صهر المعادن وسكبها، العمل في المصانع الأولى، والزارعة الراسمالية. ادت جميع هذه العمليات الراسمالية الى دفع البرجوازية الاستيطانية الصاعدة الى البحث عن مصادر اخرى للايدي العاملة، وتم ذلك من خلال تجارة العبيد.
بداية تجارة العبيد
بدأت تجارة العبيد في القرنين الخامس والسادس عشر وكان يتم اختطاف الشباب الافريقي والشابات الافريقيات من السواحل الغربية لقارة افريقيا، من السنغال، غانا، نيجيريا وانغولا. وبدأت تجارة العبيد من قبل المستعمرين الاسبان والبرتغاليين ولكن الارباح الطائلة جذبت اوروبيين اخرين. ففي القرن السابع عشر دخل هذه التجارة كل من الهولنديين، والسويديين، والدانمركيين، والالمان، والفرنسيين، والانكليز. واقام كل منهم مراكز تجارية على الشاطيء الغربي لافريقيا، شحنوا منها العبيد والذهب والمنتوجات الزراعية من افريقيا الى مستوطناتهم في العالم الجديد.
تمت عمليات اقتناص واسر الشباب والشابات الافارقة بتعاون من بعض الافارقة. لا توجد احصاءات دقيقة تعكس حجم العبيد الافارقة الذين تم شحنهم من افريقيا الى الامريكيتيين. وتشير احدى التقديرات الى انه في الفترة 1451-1870 وصل العدد الاجمالي للعبيد الذين نقلوا الى امريكا الشمالية الى 10،665،900مليون افريقي.
لا تاخذ هذه الاحصاءات بعين الاعتبار اعداد من هلكوا من العبيد في الطريق بسبب الاوبئة، وسوء التغذية والغرق، وغيرها من الاسباب. مع ذلك، ادت عملية استرقاق الافارقة الى حدوث كارثتين :
(1) الكارثة الاولى: ادى كل من الاقتناص والاسر والاسترقاق الى حدوث نقص هائل في الايدي الزراعية في المجتمعات الافريقية وبالتالي الى حدوث ازمات اقتصادية واجتماعية في هذه المجتمعات المستهدفة.
(2) الكارثة الثانية: حول اسر واسترقاق الفلاحين الافارقة اعدادا منهم من فلاحين الى عمال-عبيد في الزراعة والتعدين ومد خطوط السكك الحديدية. وهذه عملية بلترة قسرية قامت بها البرجوازيات الاستيطانية في المستعمرات الاستيطانية الامر الذي نتج عنه عملية تشويه طبقي واجتماعي ونفسي لملايين البشر.
تم استخدام العمال العبيد في الغالب في مزارع القطن، السكر، الزراعة الاستيطانية، واستخدم جزء منهم في عمليات استخراج المعادن، وانشاء، كل من شبكات الطرقات، السكك الحديدية، المدن والقرى الاستيطانية.
عملية تبخيس انسانية بعض البشر
ان اقتناص البشر، واسرهم ومن ثم استرقاقهم يتطلب تبريرا اخلاقيا و"شرعنة" ما هو غير اخلاقي وغير انساني من قبل البرجوازية. من اجل تبرير الاسترقاق، قام تجار العبيد والبرجوازية الاستيطانية بتطوير ايديولوجية تقول: "ان الافارقة بدائيون، ومنحطون حضاريا وعرقيا ولديهم قابلية واستعدادا ليصبحوا رقيقا." و"يسعى الاوروبيون الى تمدينهم وتطويرهم واكسابهم حضارة وتحويلهم من وثنيين الى مسيحيين وتعليمهم مهنا حديثة وعملا مجديا. لذلك فان العبودية مبررة وسوف تنتج بشرا افضل". وكانت هذه الايديولوجية هي بداية تبخيس انسانية الاخر ونشوء الفكر العنصري."
وشكلت عملية شرعنة وتبرير ما هو غير انساني وغير شرعي غطاء مزيفا لعملية نهب الطاقة البشرية والثروات الوطنية لشعوب افريقيا والعالم الجديد. فالعبد يحرم من الاجر و"صيانته" كاداة انتاج تعتبر رخيصة نسبيا حيث تتطلب مأوى بسيط وملبس بسيط وطعام قليل جدا.
وتطورت عملية تبخيس انسانية "الاخر" لتصبح ايديولوجية عنصرية تنظر بازدراء شديد الى الافارقة وتعتبرهم اعراقا منحطة بالمقارنة مع الاعراق المتحضرة الاوروبية. وتطورت هذه النظرة الاستعلائية العنصرية للاخر غير الأوروبي لتشمل الصينيين، والهنود، والعرب، والأتراك وغيرهم من شعوب العالم الثالث.
تقاطع العرق مع الطبقة ونشوء الراسمالية اللصوصية
تطورت النظرة العرقية نحو الهنود والافارقة لتصبح جزءا من ايديولوجية الاستيطان الاستعماري الاوروبي. وتداخل العرق بالمصالح الطبقية الاستعمارية ليشكل تقاطعا بامتياز بين العنصرية الاستيطانية ومصالحها الاستعمارية والطبقية.
يمكن اعتبار كل من عمليات نهب الارض ومواردها الطبيعية، واسترقاق البشر وكانها عمليات راسمالية لصوصية كونها تعتمد على السرقة، والخسة وليس على التراكم الراسمالي والاستثمار والتجارة الراسمالية. بدأت الراسمالية الأوروبية تتكون من العمليات والمراحل الراسمالية التي حدثت في كافة الاقتصادات الراسمالية الأوروبية والتي بدأت بالمراحل التالية: تراكم فائض انتاج زراعي وغيره، تحويل الفائض الى رؤوس اموال من خلال الادخار والتوفير، استثمار رؤوس الاموال في مشاريع راسمالية، تجنيد عمال للعمل في هذه المشاريع مقابل اجر، بداية انتاج البضائع المصنعة، تحسين خطوط المواصلات (مرتبط بتوسيع السوق الداخلي)، زيادة الاستهلاك، والتوسع الاستعماري (توسيع السوق الخارجي)، وزيادة التراكم الراسمالي.
تمت جميع هذه الخطوات في كافة الدول الراسمالية وتعتبر مراحل في تطور النظام الراسمالي الاوروبي وانتقاله من مرحلة الاقطاع-الزراعي-الحرفي الى مرحلة الراسمالية-الصناعية.
اما عمليات نهب الثروات واقتناص واسترقاق البشر فهي ليست استثمارا راسماليا عاديا بل عناصر مكونة لراسمالية لصوصية تعتمد على النهب والاستغلال البشع والسرقة لاملاك الاخرين من اجل تسريع عملية التراكم الراسمالي. وتطورت هذه الراسمالية اللصوصية في جميع المشاريع الاستيطانية الاستعمارية، الاوروبية وأيضا في المشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني.
واخيرا، يمكن النظر لهذا النوع من الراسمالية بان البرجوازية لا تصادر فقط فائض القيمة الذي ينتجه العامل، بل تصادر كل القيمة، اي عملية النهب والسرقة ليست جزئية بل كلية وشاملة، وهذه الراسمالية الاكثر خسة والاكثر تغولا والاكثر بشاعة.
المراجع
⃰ زهير الصباغ: كاتب عربي من فلسطين ويحمل شهادة الدكتوراة في علم الاجتماع. وهو خريج جامعة مانشيستر البريطانية. له عدة كتب وابحاث باللغتين العربية والإنكليزية.
1. IMEU, “Discrimination Against Palestinian Citizens of Israel”, https://imeu.org, September 28, 2011
2. Marx, Karl, (1846) The German Ideology. Edited by R. Pascal, New York, International Publishers Co. Inc., 1947. New World Paperback Edition, 1963. London, Lawrence & Wishart, pp. 39-40
3. Bohmer, Peter, "Radical Theories of Racism and Radical Inequality", ZNET, Z Magazine on the web, at https://www.lbbs.org. Accessed on: 20-12-2003
4. ء تم مع رئيس "دائرة الدمج" في نقابة العمال الهستدروت، مقر الهستدروت، تل-ابيب، بتاريخ 2-5-1992
5. Allen, Robert, Black Awakening in Capitalist America, p. 124, as quoted by Bohmer, Peter, Op. Cit.
6. Selfa, Lance, “Slavery and the origins of racism”, International Socialist Review, Issue 26, November–December 2002, https://www.isreview.org, Dec 2002
7. Ibid.
8. Ibid.
9. Rotberg, Robert I., "History of Africa", The 1996 Grolier Multimedia Encyclopedia.
10. Ibid.
11. Ibid.
12. As quoted by: Franklin K, John Hope (1974) From Slavery to Freedom (New York: Alfred A. Knope) p. 44
13. BBC, “The slave trade s effect on African societies”, https://www.bbc.co.uk. Accessed on 6-5-2021
14. BBC, “Attempts to Justify Slavery”, http://www.bbc.co.uk. Accessed on: 6-5-2021
15. Selfa, Lance, “Slavery and the origins of racism”, International Socialist Review, Issue 26, November–December 2002, https://www.isreview.org, Dec 2002



#زهير_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يافا مدينة فلسطينية تقاوم الاستيطان الاستعماري الصهيوني
- من بيت الحكمة الى همجستان
- المنافسة بين الاحزاب الصهيونية على الاصوات العربية
- التهجين اللغوي للخطاب العربي
- في الذكرى السابعة لرحيل الشاعر الثوري احمد فؤاد نجم
- من المركزية الأوروبية إلى علم اجتماع عربيّ
- قطاع غزة تحت الحصار العسكري الصهيوني
- العنف السياسي الصهيوني: أنماط ودوافع
- مساهمة في الحوار الهاديء والنقد البناء
- النكبة الفلسطينية والتطهير العرقي الصهيوني
- صعود اليمين السياسي الاسرائيلي واحتمال زواله
- فلسطين، خطة ترامب والاستعمار الصهيوني


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير الصباغ - التحليل الماركسي للعرق وتقاطعه مع الطبقة