أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير الصباغ - من بيت الحكمة الى همجستان















المزيد.....

من بيت الحكمة الى همجستان


زهير الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 6823 - 2021 / 2 / 24 - 01:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من بيت الحكمة إلى همجستان
تم نشرها في صحيفة الاخبار اللبنانية
بتاريخ: 18 أيلول 2015

نشرت هذه المقالة في صحيفة الاخبار اللبنانية وذلك بتاريخ 18-9-2015. ونتيجة لأهمية المعلومات المذكورة بها، وجدت من الضروري إعادة نشرها في موقع "الحوار المتمدن" لافسح المجال لقراء "الحوار المتمدن" للاطلاع على هذه المعلومات.


يتناول هذا المقال السياسة المنهجية التي يتبعها كل من النظام السعودي وتنظيم "داعش"، في استهداف وتدمير الآثار اليمنية، العراقية، والسورية. كما ويشكل هذا المقال محاولة لفهم الأسباب، والدوافع وراء عمليات التخريب المقصودة لهذه الآثار، من خلال القصف الجوي السعودي المتواصل لآثار اليمن، والتخريب المنهجي المتواصل لآثار العراق وسوريا الكبرى، الذي قام به تنظيم "داعش" على الأراضي العراقية والسورية. ولكن، قبل تناول هذه المواضيع بالتحليل، علينا معرفه النهج التاريخي لتعامل العرب والمسلمين مع الاثار التي وجدوها في بلاد الشام والعراق وغيرها. كما ويتناول جزء من تاريخ نهج العرب والمسلمين في التعامل مع المخطوطات والتراث الفكري والثقافي والعلمي الذي وجدوه في سوريا الكبرى والعراق.
كيف تعامل العرب مع المعرفة والمخطوطات والاثار
لم يتعرّض النظام العربي "الإسلامي" لأية آثار في الأقطار التي تمّ الاستيلاء عليها، بل اعتبرها العرب شواهد على حضارات غابرة وعريقة، وليست أصناماً للعبادة. وبقيت هذه الآثار قائمة لأكثر من ألف وستمئة سنة، إلى أن جاء "داعش" لينهبها ويبيعها ويخربها ويدمرها. كما أنّ العرب، الذين قدموا من الجزيرة العربية إلى العراق وسوريا، لم يجلبوا معهم الكثير من العلوم والثقافة، بل تميزوا بحبّ جامح للمعرفة، فحافظوا على المخطوطات التي وجدوها، وأقاموا المكتبات لحفظها، والمراكز لترجمتها، ونسخها، ونقاش مواضيعها، والتعقيب عليها. وحرص العرب على شراء المخطوطات، حتى من أعدائهم البيزنطيين، ولكنهم لم يحرقوها، ولم يدمروها، بل ترجموها للعربية ليقرأوها ويستنيروا بعلمها.
نجح العرب، ليس فقط في المحافظة على التراث الفكري والثقافي الإغريقي والروماني والبيزنطي الذي وجدوه في سوريا، بل أيضاً في تطويره وتوسيعه. ومن معالم الحضارة العربية تطوير العلوم، من كيمياء وفيزياء وطب ورياضيات وفلسفة ومنطق وأدب. ونشأت أولى جامعات العالم في الأندلس، ودرس فيها الأوروبيون، وبعدها انتشرت في أوروبا، ومن ثم في العالم. وتعلّم العرب صناعة الورق من الصينيين، لكنهم حولوها إلى صناعة مركزية، وأخذوا في انتاج وتصدير الورق للعالم. وبقي العرب يصدرون الورق إلى أوروبا حتى القرن السابع عشر. وأنشأ العرب المكتبات العامة، في بغداد ودمشق والقاهرة والجزائر وقرطبة. وكان في بغداد، في القرن الثالث عشر، 36 مكتبة، ومئة تاجر كتب، وبعضهم قاموا بنشر الكتب. وكان العديد من النبلاء، والتجار العرب، يملكون مجموعات كبيرة من الكتب في مكتباتهم الخاصة. وكانت أشهر المكتبات العامة مكتبتين: بيت الحكمة في بغداد، والمكتبة الأموية في قرطبة - الأندلس. أقام الخليفة العباسي، هارون الرشيد، بيت الحكمة في بغداد، في القرن الثامن ميلادي، وطوّرها ووسّعها ابنه الخليفة عبد الله المأمون. وكان بيت الحكمة عبارة عن أكاديمية تعجّ بالعلماء، والمفكرين، والأطباء، والفلاسفة، والرياضيين، والفلكيين، والأدباء، والشعراء، والكتاب، والكتبة، والنسّاخ، والمترجمين في الآداب والعلوم. وحوت مكتبة بيت الحكمة على آلاف المخطوطات والكتب والمجلدات بلغات عدّة: العربية، الفارسية، السريانية، اليونانية، البيزنطية، اللاتينية، السنسكريتية، والعبرية. وبالإضافة لبيت الحكمة، أنشأ المأمون العديد من المعاهد العليا، والمراصد الفلكية، ومصانع النسيج. ووصل عدد المعاهد في عصره إلى 332 معهداً.
أما المكتبة الثانية، فكانت المكتبة الأموية في قرطبة، والتي أنشأها أمير المؤمنين، عبد الرحمن الناصر في أحد قصوره. ورث الحَكَم، عن أبيه، عبد الرحمن الناصر، الخلافة في الاندلس، وكان شغوفاً بالعلم، محباً للقراءة والاطلاع، وتعوّد أن يقتطع من أوقات عمله بضع ساعات، ينصرف فيها وحده للدراسة والإطلاع في مكتبة القصر. وملأ الحَكَم الأندلس بجميع كتب العلوم، وأغدق عطاياه على العلماء في عصره، سواء كانوا من المسلمين أو غيرهم. وبذل الكثير من الأموال لاقتناء تلك الكتب والمخطوطات، التي كان يبعث رسله للبلدان لجلبها. ولمّا ضاقت مساحات القصر عن استيعاب العدد الكبير من الكتب الواردة إليها باستمرار، أنشأ الحكم، على مقربة من القصر، مكتبة قرطبة، التي وصلت محتوياتها إلى 400 ألف مجلد في مختلف العلوم والفنون والآداب. كما أنشأ الحكم جامعة قُرْطُبَة، التي كان مقرها في مسجد الجامع الكبير، وكانت أول جامعة في أوروبا، وتمّ تدريس مختلف العلوم في حلقاتها، وكان الطلبة يُعَدُّون بالآلاف.
هذه كانت شيم العرب وتراثهم وأخلاقهم، احترام المخطوطات والكتب، وحبّ المعرفة، والاستزادة من العلم. وبقيت بعض هذه الشيم متواصلة حتى تحت الحكم الاستعماري العثماني، حيث تابع الحكام العثمانيون في جمع المخطوطات والكتب، ومعظمها تمّ جمعه بحدّ السيف. وحافظ العثمانيون على هذه المخطوطات، ووضعوها في مكتبات خاصّة أقاموها في المدن التركية، خاصّة اسطنبول، ويبلغ اليوم تعدادها 250 ألف مخطوطة موجودة في مكتبة خاصة في مدينة إسطنبول.
وهكذا نرى أن العرب حافظوا على مخطوطاتهم، وأنشأوا المكتبات العامة والخاصة لصيانتها. ولكن المحتلين الأجانب قاموا بتدمير جزء منها في ثلاث مناسبات تاريخية: (1) في عام 1258 احتل همج المغول الدولة العباسية، فدمّروا القصور، والمراصد الفلكية، والمكتبات، والمدارس، والمساجد. وبعد احتلالهم لبيت الحكمة، ألقوا بآلاف الكتب والمخطوطات إلى نهر دجلة، فتحوّلت مياهه إلى اللون الأسود، بعد ذوبان حبر آلاف الصفحات المكتوبة، ثمّ ذبحوا آلاف العرب. (2) خلال الحملات الصليبية (1096-1291) قام همج الصليبيين بتدمير عشرات الألوف من المخطوطات في مجالات العلوم والفلسفة والأدب، والتي كانت موجودة في خزائن القدس ودمشق وحلب وطرابلس، ثم ذبحوا آلاف العرب واليهود. (3) بعد سقوط الأندلس، عام 1492، قام همج الاسبان بإحراق مليون مخطوطة، عربية وغير عربية، من خزائن قرطبة وغرناطة، أمام الملك فرديناند الثاني والملكة إيزابيلا الذين جلسا سوية لمراقبة هذا المشهد الهمجي، ثم ذبحوا آلاف العرب واليهود. واستطاع عرب إسبانيا، الفارين من الاندلس، تهريب 1900 مخطوطة في سفينة، ولكن الإسبان استطاعوا أسرها، فصادروا المخطوطات، ولسبب ما لم يحرقوها. وما تزال هذه المخطوطات محفوظة في مكتبة الأسكوريال في مدريد. وبعد مصادرتها، أرسل حاكم دولة المرابطين في شمال أفريقيا بالمفكر العربي عبد الرحمن ابن خلدون، وهو أندلسي الأصل، للتفاوض مع الإسبان في أمرين: إطلاق سراح الأسرى العرب، واستعادة المخطوطات. وافق الإسبان على إطلاق سراح الأسرى، لكنهم رفضوا إعادة المخطوطات.
إيديولوجية التوحش لتنظيم "داعش"
وفي تطابق مذهل مع جرائم كل من همج: المغول والصليبيين والإسبان، قام المستعمرون الامريكيون بنهب متحف بغداد وحرق الاف المخطوطات التاريخية النادرة في متحف اخر، وتدمير مواقع اثرية عديدة في العراق. اما فاشيو "داعش"، فقاموا بارتكاب العديد من المجازر، واستهدفوا الأقليات الدينية والإثنية من العرب المسيحيين، والفلسطينيين، والأيزيديين، والشيعة، والسنة، والتركمان، والأكراد، والشبك، والآشوريين، والكلدانيين، والأرمن، والجنود السوريين والعراقيين. وتفننوا بطرق القتل بساديّة لا توصف، من ذبح بالسكاكين، وقطع الرؤوس بالبلطات، وحرق ضحاياهم أحياء، وإغراق آخرين في الماء وهم سجناء داخل الأقفاص الحديدية، ورجم حتى الموت. كما أخذوا النساء من الأقليات "سبايا"، وباعوهن في سوق العبيد، واغتصبوا النساء والأطفال، كما ادعى أحدهم "تقرباً من الله".
بالإضافة لهذه الجرائم البشعة، قام فاشيو "داعش" بهدم المدن الأثرية، وحرق الكتب والمخطوطات في المكتبات والجامعات، وتخريب المشافي، وسرقة الأجهزة الطبية، وتدمير المدارس، والجامعات، والمساجد، والكنائس، وأضرحة الأولياء، والمطارات، والمصانع، وتدمير قواعد الصواريخ المضادة للطائرات الحربية. وحرقوا مخازن القمح، ودمّروا المخابز، ونهبوا المتاحف، وسرقوا الأدوية، والدكاكين، والمتاجر، وخرّبوا السدود، ومحطّات توليد الطاقة، وخطوط الضغط العالي، وخطوط السكك الحديدية، وآبار النفط، وقطعوا مياه الشرب عن مدن وبلدات وقرى سورية عدّة، وفخخوا السيارات، ونفذوا العمليات الانتحارية، وأطلقوا القذائف على أحياء المدنيين وعلى حرم الجامعات، والغوا الجامعات العراقية بعد ان حرقوا الاف الكتب ونهبوا المخطوطات التاريخية القيمة. وكان الهدف الأكبر وراء هذا الكمّ المذهل من الجرائم والتخريب هو تقويض الثقافة والحضارة والتراث العربي داخل الدولتين السورية والعراقية، وهدم اقتصادهما، لكي يصبح كلاهما هشاً، مفككا وتابعاً كليّاً للاستعمار الأميركي والعدو الصهيوني. كما ويهدف الإرهاب إلى زرع الخوف في نفوس الناس وزرع عدم الشعور بالأمان لديهم. وتهدف هذه الجرائم الى إحداث تطهير عرقي في المجتمعين العراقي والسوري، بهدف تجزئة المجزأ، وتأسيس الدويلات الإثنية والمذهبية والطائفية الصافية، خدمة للدولة الصهيونية العرقية الصافية، وللاستعمار الأميركي التوحشي.
وفي تبريرهم لهدم الآثار، استخدم همج "داعش" الحجة الوهابية الواهية، من أن الآثار هي مظاهر "للكفر وعبادة الاصنام". وتعتقد الكاتبة المغربية، نصيرة تختوخ، أن اعتبار الحجر الأثري مجرّد صنم "دليل على ضيق تفكير، وضلال كبير، فالآثار ليست مجرد بنايات بدائية، ولكنها مخزون حكايات الإنسان ليقرأها إنسان آخر بعده بآلاف السنين".
أمام هذه التشكيلة من الجرائم شديدة البشاعة، خرج علينا بعض "المثقفين" العرب، المأجورين، ليردّدوا مقولة أن هذه "ثورة"، وأن النظام السوري يقذف على "الثورة" براميل المتفجرات. ولكن هؤلاء المأجورين أشبه بالغبي الذي حاول حجب الشمس بالغربال، ففاشيو "داعش" حريصون على توثيق جرائمهم بتصويرها بتقنية هوليوودية عالية، ومن ثمّ بثها على صفحات تواصلهم السوداء. كما أنّ أي ثورة حقيقية يجب أن تكون لها فلسفة ثورية توجهها، ورؤية مستقبلية ثورية، وبرنامج عمل ثوري، يهدف إلى إحداث التغيير العميق والإيجابي في حياة الجماهير، ويجب أن يقودها عدد من المثقفين الثوريين. أمّا "داعش" فبرنامجها مبنيّ على جماجم العرب، وبعض العجم، ويتلخّص بالتفجير، التدمير، التفخيخ، الذبح، قطع الرؤوس، الاغتصاب، النهب، واللصوصية الخسيسة. أمّا (فلسفة) "داعش" فهي إيديولوجية التوحش والهمجية والتخلف والانحراف النفسي والاجتماعي، و"مرض التدمير، تدمير الفن، والإنسان، والمجتمع". كما ان "مثقفو داعش" مجموعة من الساديين، ومرضى النفس، الذين يتلذذون على الذبح، وقطع الرؤوس "ويبتكرون" طرقاً جديدة للقتل والتعذيب والاغتصاب. وهذه ليست بثورة، بل ثورة مضادة، تمّ تدريب مأجوريها المرتزقة على فنون الإرهاب، من قبل خبراء الإرهاب في كل من المخابرات المركزية الأميركيةCIA، والموساد الصهيوني، ومخابرات الأنظمة العربية الرجعية، وجاءت لخدمة مصالح الثالوث الأسود: الصهيونية، الرجعية العربية، والاستعمار الغربي.
الحقيقة غير المستهجنة، تثبت لنا أنّ تنظيم "داعش" الفاشي والارهابي، لم يطلق رصاصة واحدة لا على العدو الصهيوني، ولا على المستعمرين الأميركيين، والذين تنتشر قواعدهم في العراق وسوريا والسعودية ودول الخليج العربي. كما أن أكثر من 1500 من عناصر "داعش" الجرحى تمّت معالجتهم في مستشفيات العدو الصهيوني. وأهم ما في الأمر أن بوصلة فاشيي "داعش" لا تشير مطلقاً إلى فلسطين، بل إلى الكيان الصهيوني والسعودية والاستعمار الأمريكي وحلف الناتو.
نهب وتدمير الآثار
في مطلع العام 2015، تمكن تنظيم "داعش" من السيطرة على محافظة نينوى العراقية، وبعد أن نهب آلاف القطع الأثرية من 1750 موقعاً أثرياً، قام فاشيوه بتجريف أربع مدن أثرية كبيرة جداً، مثل (النمرود، كاحل، خرسباد، الحضر". وبتاريخ 7 آذار 2015 قاموا بنهب القطع الأثرية، الذهبية والفضية، من مدينة حترا التاريخية، وعمرها 2000 سنة. واستخدموا بعدها الجرافات الثقيلة لإزالة مدينة حترا الاثرية من الوجود.
ومن أجل تمويل عمليات الذبح والتخريب، وتمويل خلافة "همجستان"، قام لصوص "داعش" بالتعاون مع مافيات الآثار بتهريب آلاف القطع الأثرية العراقية، وبيعها، عبر حلفائهم في الأردن وتركيا وإسرائيل، و يموّل التنظيم أعماله الإرهابية من المتاجرة غير القانونية بالتحف الأثرية. وأحد أفراد الأسرة الحاكمة في الكويت قام بشراء ستة آلاف قطعة أثرية عراقية، من لصوص الآثار، ويحتفظ بها في بيته. كما أن رجل أعمال نرويجي قام بشراء ستة آلاف قطعة أثرية عراقية، ليضعها في متحفه الخاص. وكذلك فعل أحد أفراد الأسرة الحاكمة في دولة الإمارات. وترفض إيران وتركيا والكويت ودولة الإمارات تسليم القطع الأثرية، الموجودة على أراضيها، للحكومة العراقية. سورية هي الدولة الوحيدة التي سلّمت القطع العراقية المسروقة، والتي وجدتها على أراضيها، الى الحكومة العراقية.
يسعى فاشيو "داعش" من خلال استهداف الآثار للقيام "بالتطهير الثقافي" ومحو تاريخ الإنسان العربي، وتفريغ العالم العربي من عمقه التاريخي. ويعتقد الكاتب السوري، نوري الجراح، أن الإرث الثقافي والحضاري العربي راح يتحطّم ويتلاشى، سرقة وتخريباً وتدميراً في العراق وسوريا واليمن. ويضيف: "كان للحكام الطغاة ولأمراء الحرب من أدوار في إبادة الوثيقة التاريخية بعد إبادة أصحابها".
وجهة نظر النظام الوهابي وفاشيي "داعش" من الآثار
يشترك النظام الوهابي لآل سعود مع فاشيي "داعش" في موقفهم المتصلّب من الآثار. وهنا يجب أن نستذكر أن الوهابيين قاموا سابقاً بهدم الآثار الإسلامية في مكّة والمدينة والبقيع، وحولوها إلى أتربة بحجّة محاربة البدعة والشرك، وهدموا بيت رسول الله ليحولوه إلى مرافق عامّة، وحرقوا قبر أمه، وهدموا قبور الصحابة، ومساجد الأولياء، وكانوا على وشك هدم الكعبة، لولا تدخل العثمانيين. ومن خلال عدوانهم السافر على الشعب اليمني، يواصل النظام السعودي الاستهداف، المباشر والممنهج والمتعمّد، للآثار في اليمن، والإغارة عليها، وضربها بالصواريخ الأميركية. فسلاح الطيران السعودي أغار ثلاث مرات على سدّ السبئيين التاريخي بمأرب، وقام بقصف جوي لقلعة القشلة الأثرية، وحصن "براش" التاريخي، وحصن عفاش التاريخي، بمديرية سنحان، محافظة صنعاء، ومنازل مدينة صنعاء القديمة، ودار الحجر الشهير في همدان بصنعاء، و"جرف أسعد الكامل" الأثري الشهير في إب، ومتحف ذمار الإقليمي، وقلعة القاهرة في تعز، وقلعة باجل التاريخية، ومدينة براقش في الجوف، وبموجب إحصاءات رئيس الهيئة العامة لحماية للآثار والمتاحف في اليمن، مهند أحمد السياني، فإن عدد المواقع والمعالم الأثرية التي دمّرت في اليمن، خلال الصراع المسلح الدائر حالياً، بلغت 26 معلماً حضارياً تاريخياً. ونستطيع هنا تأكيد انتهاج سياسة سعودية، منهجية ومتعمّدة، لتدمير الآثار اليمنية العريقة. وتتقاطع هذه السياسة مع سياسة مماثلة لحلفاء السعودية، ومرتزقتها، في تنظيم "داعش" الذي يمارس تدميراً ونهباً وتخريباً للآثار العراقية والسورية. وهنا يجب طرح بعض الأسئلة: ما هذا الحقد المرضي، الأسود، ضد الحضارة العربية العريقة، المنتشرة في اليمن والعراق وسوريا، وضدّ الآثار العربية العريقة؟ أليس هذا حقداً فاشياً على العروبة، والهوية العربية، والقومية العربية، والانتماء العربي، من قبل قبائل بدوية لا تنتمي للعروبة، وترفض الخروج من مغارة الجهل، لأن أنوار الحضارة تزعجها وتفقدها صوابها؟ أليست قبيلة آل سعود الوهابية هي المنبع الحقيقي للفكر الفاشي لـ"داعش" ومشتقاتها، من همج ومتخلفين ومرضى نفس ومنحرفين؟

ومن أجل فهم الدوافع الحقيقية وراء التدمير المنهجي للآثار، من قبل عملاء الاستعمار، داعش والسعودية، علينا أن نضع هذه المشكلة في سياقها الصحيح، أي الاستعماري. إن الخطة الاستعمارية التي يمكن أن نرى ملامحها تتشكّل أمامنا، في السنوات الماضية، هي شرذمة، وتقسيم المنطقة، من خلال استخدام أدوات فاعلة على الأرض. فيسعى التطهير العرقي لإخراج الأقليات الدينية والإثنية خارج المجتمع العربي، من أجل خلق الكيانات المذهبية الصافية (شيعية، سنية، وكردية). ومن أجل نجاح عملية الشرذمة وترسيخ الطائفية، فإن القواسم الوطنية المشتركة الموجودة يجب تحطيمها. العروبة، والهوية العربية، والتاريخ العربي المشترك، يجب تكسيرها والقضاء عليها، لأنها تشكل الإسمنت الاجتماعي الذي يجمع تحت مظلته مكوّنات أي شعب عربي. وهنا تشكل الآثار إحدى القواسم المشتركة لجميع العرب، فهي موروثنا الحضاري، وجزء من هوية الشعب العربي، وجزء من تاريخ الشعب العربي، وجزء من الضمير الجماعي للشعب العربي. ولذلك يجب القضاء على الآثار، بجرفها وتدميرها وسرقتها، ويعتقد المستعمرون أنهم بهذا يقضون على الهوية الوطنية العربية، والانتماء الوطني العربي. أما الإرهاب، فله دور في السياسة الاستعمارية للمنطقة العربية. ويعتقد الكاتب المتخصّص في قضايا الإرهاب، جورج لوبيز، أن "الإرهاب هو شكل من العنف السياسي... والارهاب هو ليس عنفاً من دون تفكير. إنه يعكس استراتيجية ذات تفاصيل تستخدم العنف الشديد لكي تسبّب للناس شعوراً بأنهم ضعفاء، ويمكن إيذاؤهم مرّات عديدة... ويسعى الإرهابيون، وعلى المدى البعيد، أن يوظفوا هذا الخوف لخدمة أهداف سياسية حقيقية".

* كاتب عربي ــ فلسطين



#زهير_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنافسة بين الاحزاب الصهيونية على الاصوات العربية
- التهجين اللغوي للخطاب العربي
- في الذكرى السابعة لرحيل الشاعر الثوري احمد فؤاد نجم
- من المركزية الأوروبية إلى علم اجتماع عربيّ
- قطاع غزة تحت الحصار العسكري الصهيوني
- العنف السياسي الصهيوني: أنماط ودوافع
- مساهمة في الحوار الهاديء والنقد البناء
- النكبة الفلسطينية والتطهير العرقي الصهيوني
- صعود اليمين السياسي الاسرائيلي واحتمال زواله
- فلسطين، خطة ترامب والاستعمار الصهيوني


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير الصباغ - من بيت الحكمة الى همجستان