أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد عبد الكريم يوسف - من أسرار الحياة التي نسيتها البشرية















المزيد.....

من أسرار الحياة التي نسيتها البشرية


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 7051 - 2021 / 10 / 18 - 22:49
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


كلما فكرت في هذه الحياة أكثر ، وصلت إلى حقائق غريبة ثابتة يمكن أن يكون أهمها تلك اللعنة التي حلت بالبشر وهي النسيان. النسيان لعنة ومأزق حقيقي يعاني منه إنسان المجتمع الحديث ، يجتاح حياته زاحفا يدمر ثقافته وكينونته وإنسانيته ويضعه في موقع جديد على المستوى الفردي والجماعي والثقافي والتاريخي ، وكأن العصر وأخلاقياته يحكم على الإنسان أن ينسى .
لم ينس الانسان ماضيه فقط لكنه نسي أيضا مكانته في الحاضر ومسؤولياته تجاه المستقبل. على المستوى الشخصي ، تساهم حالة الوعي المبنية على الأنا في ابقاء الإنسان في حالة من النسيان وكسر الارتباط بين كينونة الانسان وشبكة الحياة الكونية والوعي الفطري العام. وعلى المستوى الجمعي، النسيان حالة مستدامة تعززها الوسائل الثقافية والاجتماعية التي يمارسها الإنسان في غير مكان في حياته وتحوله إلى شخص مستهلك انطلاقا من اللاوعي وتعزز لديه أنماط الحياة المزيفة البعيدة عن المحتوى العقلي المجبولة بالمحتوى المادي.
الجانب الأكثر إشراقا في حياة الإنسان هو أن لدينا جميعا فرصة لإعادة توطين أنفسنا في المكان الطبيعي للحياة وإعادة الاتصال بأنفسنا والكون المحيط بنا. إن قوة التذكر هي في قلب المسار الروحي للإنسان وتساعده في اكتشاف ذاته وتحقيقها.
في هذا المقال سنحاول أن نستعرض بعض القيم التي نسيتها البشرية والتي يمكن أن نتذكرها ونذكر بها :
1- نسي الإنسان مكانه في العالم الطبيعي:
لقد فصل الإنسان نفسه عن الطبيعة خلال القرنين الماضيين فقد استغل الطبيعة استغلالا بشعا ودمرها واستهلكها وحاول جاهدا السيطرة عليها ليرضي جشعه الذي يوجهه جنون متأصل في عقله وقلبه . وحاول أن يبعد نفسه عن دورة الحياة الطبيعية ونسي الاصغاء للطبيعة وفهم ايقاعها ودورة الحياة على الأرض وإشاراتها ورسائلها ولغاتها. نسي الإنسان مسار الطبيعة والتوازن الحياتي معها .
2- لقد نسي الانسان تواصله مع الحياة والكون:
بعد أن فصل الإنسان نفسه عن الطبيعة نسي أنه مرتبط معها بحبل سري ونسي أيضا أنه لا يستطيع العيش من دونها ونسي ارتباطه بدورة الكون. بعض القبائل المتواجدة على أطراف الحضارة الإنسانية لا تزال تتبع طرق الأجداد وأساليبهم في الحفاظ على التواصل مع الطبيعة وتبادل الحب والاحترام معها. أما نحن فقد فصلنا أنفسنا عن الطبيعة وابتعدنا عن توازننا معها ونتعامل معها بجور. لقد نسينا أن وعينا وكينونتنا مرتبطان بالحياة ومنسوجان معها في رقصة تناغم جميلة ولطيفة .
3- نسي الإنسان الحكمة القديمة :
نسي الإنسان حكمة الأجداد القديمة وهي الوديعة الموروثة .وفي خضم سعيه المحموم نحو تمكين العقل عبر المعارف العلمية الحديثة والتكنولوجيا والنانو ، غاب عن فكره حكمة القلب التي ورثها عن أبائه وأجداده واختل التوازن بين حاجات القلب وحاجات العقل ونسي القصص التراثية القديمة المليئة بالحكمة والموعظة الحسنة التي تبقيه على تواصل وائتلاف وتصالح مع الكون .
4- نسي الإنسان طريقه وأحلامه:
لقد ركز الإنسان اليوم على استكشاف طريق عوالمه الداخلية ونسي طريق الأحلام الحياتية وتحقيق حلم الحياة . وأكثر من ذلك ، نسي الإنسان كيف يستيقظ من حلمه ويرى الطبيعة كشريك في الحياة وتجاهل الطريق الذي يحلم بها الحالمون. نسي الإنسان أنه يمتلك القدرة على حياكة الأحلام ونسجها واستخدام قوة الإرادة في تحقيق الأحلام ووضعها موضع التطبيق.
5- نسي الإنسان غاية وجوده :
وسط هذا الكون المليء بالثرثرة والضجيج والابتعاد عن الحقيقة الكونية وقضاء وقت طويل في فراغ لا معنى له ، نسي الإنسان غاية وجوده على الكوكب. لكنه من حيث يدري أو لا يدري وقع في فخ الحياة المركبة المنسوجة بعيدا عن الحقيقة الكونية وفقد رؤيته الصائبة للحقيقة وابتعد عن المصداقية في تعامله مع نفسه ومحيطه ومع الكونونسي كل شيء عن السر الداخلي الموجود في قلبه والذي يشكل الدافع الحقيقي نحو السعادة وتحقيق الذات. ويبدو أنه غاب عن ذهن الإنسان أنه كائن روحاني يتجسد على شكل فيزيائي في عالم كوني متجانس.
6- نسي الإنسان أن كل شيء مصنوع من الحب
وربما كان هذا هو السر العميق الذي يراه قليلون في الحياة ويفهمون أن الحب هو الحقيقة الوحيدة في الحياة ، وأن هذه الحقيقة مدفونة عميقا في داخل الإنسان في مكان ما مجهول تظهر فجأة ومن دون سابق انذار على شكل حنين ورأفة وتسامح. كثيرون يفقدون التواصل مع المحبة في مرحلة من حياتهم ولكنها تعود للظهور في لحظة من لحظات العمر. الحب في حياة الإنسان مصدر للطاقة القصوى والوعي الداخلي والخارجي ونسيج الكون الأساسي الذي يولد الطاقة والوعي والإدراك.
7- نسي الإنسان الغفران:
وحيث أن الإنسان تعلم مفاهيم جديدة ومعتقدات تساعده على الانفصال عن الطبيعة والأخرين فقد نسي الغفران والتسامح. الغفران والتسامح في معناهما العميق تذكرة لنا بأن التسامح والغفران سمات ربانية يمكنها القصاص متى شاءت لكن العفو عند المقدرة ناموس الأقوياء والكبار وديدنهم. الغفران والتسامح جزء من الشبكة الديناميكية للكون تسمى الحياة .
8- نسي الإنسان أن يكون حرا
على الإنسان أن يتذكر دائما كل صباح أنه ولد ليكون حرا..
تربى الإنسان منذ ولادته على حقيقة تقول أن الحرية فكرة ومفهوم مجرد. لقد تربى على ثقافة الخوف والمفاهيم الخاطئة والإيديولوجيا الموجهة والمكافآت المادية وصار مع الوقت ضحية القوانين والقواعد والأصول يعمل ليل نهار ليحمي مصالح فئة قليلة من الناس ونسي أنه أحد العناصر المهمة للتغيير الايجابي والتفاعل الخلاق. الحرية مسؤولية وجهد واجتهاد ومحبة . الحرية نقاء وصفاء لا يمكن للخوف أن يعيش معها.
9- نسي الانسان القوة الحقيقية
الحياة مع الخوف تجعل الإنسان ينسى قوته الحقيقية ، وقد نسي الإنسان قوته الهائلة الجمعية ورغبته في تغيير حاله وتحول إلى ماكينة تعمل طيلة النهار وتستريح في الليل. وصار يعمل مثل سيارات الشوارع يلتزم بالإشارات الطرقية من دون أدنى رغبة في التغيير الحقيقي.
10- نسي الإنسان دروس التاريخ
التاريخ يعلم الإنسان دروسا كثيرة ويعلمه دروسا من الحياة لكن العلاقة بين الإنسان والتاريخ تدل على أن الإنسان ينسى دروس التاريخ الغنية ولهذا السبب يكرر الإنسان الأخطاء نفسها مرات ومرات وتتكرر الحروب والجشع والتدمير الذاتي والحروب الأهلية ولا نستطيع أن نلوم الإنسان على ما حدث من أخطاء وجرائم وحروب في الماضي ولكن إنسان اليوم مسؤول عن مستقبل البشرية وما يلحق به من ضرر.
11- نسي الإنسان البساطة
ازدادت الحياة تعقيدا وتشابكا وصار الإنسان أكثر ميلا نحو بريق الكثير أكثر من الميل لقوة القليل. يبدو أن الإنسان نسي البساطة ومعانيها الكثيرة . الحياة الحقيقية تميل نحو البساطة وليس التعقيد. البساطة تعني التخلص والابتعاد عن الأشياء والأفكار غير الضرورية والتي تحرف الانسان في غالب الأوقات عن المسار الصحيح لغاية الحياة ومنطلق الحياة وتدفع الإنسان إلى احتراف النسيان وسلوك طريق مجهول.
12- نسي الإنسان الثقة بالآخر والإيمان بالله والتساؤل حول مستقبل الحياة
نسي الإنسان الثقة بالآخر واستبدل الثقة بالشك ومذاهبه وحل الشك محل اليقين كما نسي سحر خلق العالم وجماله واعتدى على البيئة التي يعيش فيها ونسي التساؤل والتفكر في معجزات الحياة المختلفة ولم يعد الإنسان يقف بخشوع أمام عظمة الكون الفسيح وجماله وجلاله . في العصر الحديث حل الشك والمذهب المادي والنفعي مكان التفكير السليم وهذا أفقد الإنسان ثقته بنفسه وبالعالم المحيط به. نسي البشر كيف يؤمنون وكيف يفكرون وكيف يسامحون. الحياة اليوم تراجيديا طويلة ومستمرة أضعفت الروح والايمان والمعتقدات وغرست مكانها أفكارا وقيما دينية مشوهة بعيدة عن فطرة الفضيلة الأولى .

خاتمة
يقولون الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان ....ويقولون من ابتعد عن العين سلاه القلب ...ويقولون البعد والسلوى يؤجج الغرام .....يقولون ...ويقولون....ولكن أن يمتلك الإنسان ذاكرة قصيرة مثل ذاكرة السمكة تلك هي المسألة وربما أخطر ما يمكن أن يتعرض له الإنسان من تراجيديا.

المراجع
Leadership and Democracy , Arthur M Schlesinger , Dialogue, 1989
The Story of Mankind, Hendrik Willem van Loon, 1957
The Life of Science - Essays in the History of Civilization , George Sarton ,Henry Shuman, NewYork,1948



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهداف الحرب: المجد والعدل ، أم المصالح أم الإبادة؟
- كيف نحفظ مستقبلنا المشترك؟
- حروب بالوكالة
- وثائق بندورا
- ترنيمة للفضيلة، أرسطو
- بين الرومانسية والكلاسيكية
- الجاسوسية تحت المجهر
- الطبيعة البشرية ، صامويل تايلور كوليريدج
- ما يجب أن تعرفه عن عملة البتكوين
- التطرف الديني وجذوره
- الدولة الفاشلة
- أجمل قصائد صامويل تايلور كوليريدج
- دبلوماسية المتاحف، فن الدبلوماسية: المتاحف والقوة الناعمة
- العمل بلا أمل
- الجهل يثير الفضول والفضول يعالج الجهل
- هل العودة للدين الأنثوي تنقذ العالم؟
- أهمية الفلسفة في حياتنا
- أضواء على المرأة الناجحة
- تاريخ العلم السري
- الدكتاتورية الرقمية


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد عبد الكريم يوسف - من أسرار الحياة التي نسيتها البشرية