أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خسرو حميد عثمان - قراءات في كتاب - الثروة، الفقر والسياسة- المناخ ، الحيوانات والمواصلات (6)















المزيد.....


قراءات في كتاب - الثروة، الفقر والسياسة- المناخ ، الحيوانات والمواصلات (6)


خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)


الحوار المتمدن-العدد: 7045 - 2021 / 10 / 12 - 11:46
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


الفصل الرابع -1
يرى مؤلف الكتاب " توماس سويل" بأن أهمية تأثيرات عوامل جغرافية أخرى مثل المناخ، الحيوانات والأمراض لا تقل عن أهمية تأثير الممرات المائية والأراضي، التي سبق التطرق اليها في التفاوتات الاقتصادية بين الأفراد والجماعات والأمم.
المناخ CLIMATE
حدثت تغيرات كبيرة في المناخ خلال القرون والاف السنين التي مضت حيث تشير بوضوح متحجرات الكائنات البحرية التي أُكتشفت في الصحراء الكبرى بأنها لم تكن صحراءً وكذلك الحال بالنسبة لأحفوريات لحيوانات ونباتات استوائية أو شبه استوائية في الأماكن شديدة البرودة التي لا تسمح لها بالعيش في الوقت الحاضر.
درجات الحرارة Temperatures
تتأثر درجات الحرارة بعدة عوامل:
1- التيارات المائية التي تنتقل في المحيطات: تؤثر المسطحات المائية الكبيرة على درجة الحرارة على الأراضي المجاورة بحيث تميل المناطق الساحلية إلى أن تكون مناخها معتدل في الصيف، و بارد في الشتاء بالمقارنة مع المناطق البعيدة عن هذه المناطق، لكون الحرارة النوعية specific heat للماء عالية تجعله لا يكتسب الحرارة ولا يفقدها بسرعة مثل اليابسة. ولكن التيارات المائية التي تتحرك في المحيطات تنقل الحرارة من مكان إلى آخر تسبب في تعديل المناخ، وهي تيارات كبيرة الحجم تصاحبها آلاف الامواج.
على سبيل المثال: التفاعل بين خط العرض ودرجة الحرارة المتغيرة لتيارات المحيط يجعل درجات حرارة الشتاء في لندن أكثر دفئًا مما هي عليه في بعض المدن الأمريكية على بعد مئات الأميال جنوبًا من لندن. مثال أخر: ميناء مورمانسك شمال روسيا، الواقع داخل الدائرة القطبية الشمالية، خالٍ من الجليد في الشتاء، بسبب الحرارة المتبقية في تيار الخليج، التي تنتقل الى مسافات على بعد آلاف الكيلومترات من منبعه، بينما الأنهار الروسية على بعد مئات الأميال إلى الجنوب من مورمانسك متجمدة .
بالمقابل فإن تيارات المحيط الأخرى تنقل كميات هائلة من المياه الباردة من خطوط العرض الشمالية إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة. مما تعطي سان فرانسيسكو أدنى متوسط ​​درجة حرارة في الصيف مقارنة بأي مدينة رئيسية أخرى في الولايات المتحدة.
2-العوامل الجغرافية الاخرى التي تجعل درجات الحرارة مختلفة تمامًا عما يمكن أن تكون عليه إذا تم تحديدها من خلال خط العرض وحده أو عن طريق أي عامل آخر بمفرده. حيث تم تسجيل أعلى درجة حرارة تم تسجيلها على الإطلاق في آسيا أو إفريقيا أو أمريكا الشمالية أو الجنوبية في أماكن خارج المناطق المدارية.
3- حرارة أشعة الشمس: على الرغم من أن درجة حرارة أشعة الشمس هي الأعلى في المناطق الاستوائية، إلا أن الشمس تشرق ساعات أكثر يوميًا خلال فصل الصيف في المناطق المعتدلة منها في المناطق الاستوائية مما تسمح بتراكم الحرارة خلال اليوم لفترة أطول وساعات أقل لفقدانها بين عشية وضحاها. تشرق الشمس عند خط الاستواء، حوالي 12 ساعة في اليوم على مدار السنة، ولكن، في المنطقة المعتدلة تشرق الشمس خلال الصيف لساعات أطول - تصل إلى 15 ساعة في اليوم في شهر يونيو عند خط عرض 40 درجة شمال أو جنوب خط الاستواء. المدن الأوروبية في المنطقة المعتدلة، أثينا وإشبيلية على سبيل المثال، لديها درجات حرارة قياسية أعلى من العديد من المدن الواقعة في المناطق الاستوائية، بما في ذلك بعض المدن الواقعة فعليًا على خط الاستواء، مثل سنغافورة.
4- تعترض السحب والغيوم أشعة الشمس للوصول إلى الأرض وتعكسها الى الفضاء الخارجي. تغطي الغيوم ما يقرب من نصف الكرة الأرضية. أنتجت أيام الصيف العديدة الخالية من السحب في المدن الواقعة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​في إفريقيا مثل الجزائر العاصمة، طرابلس والإسكندرية- مدن واقعة في المنطقة المعتدلة - درجات حرارة أعلى من درجة الحرارة في العديد من المدن في أفريقيا الاستوائية، وحتى المدن القريبة جدًا من خط الاستواء، مثل نيروبي أو ليبرفيل.
حصلت ذلك في النصف الغربي من الكرة الأرضية أيضًا، حيث وصلت درجات الحرارة في المدن ذات السماء الصحراوية الصافية، مثل لاس فيجاس وفينيكس، إلى درجات أعلى من المدن واقعة في المناطق الاستوائية، التي غالبًا ما تكون سمائها ملبدة بالغيوم وتسقط فيها المطر بغزارة. سجلت أعلى درجة حرارة في العالم في وادي الموت - كاليفورنيا، منطقة صحراوية تقع في المنطقة المعتدلة.
5- يؤثر الارتفاع على درجة الحرارة أيضًا، أعلى درجات الحرارة المسجلة في مدينة كوزكو، الواقعة على خطوط العرض الاستوائية في جبال الأنديز بأمريكا الجنوبية، أقل بكثير من أعلى درجات الحرارة المسجلة صيفا في مدن المنطقة المعتدلة مثل نيويورك أو باريس. يمكن أن تؤثر السلاسل الجبلية على مناخ المناطق المجاورة أيضًا، عن طريق منع وصول الهواء الدافئ أو البارد إلى تلك المناطق. في جنوب شرق أوروبا، على سبيل المثال، قد تكون درجات الحرارة الشتوية في سراييفو أبرد بنحو 10 درجات من درجات حرارة المدن الواقعة على الساحل الدلماسي Dalmatian coast، على بعد مائة ميل تقريبا، لأن جبال البلقان تمنع الهواء الدافئ للبحر الأبيض المتوسط ​​من الوصول إلى المناطق الداخلية البعيدة. في آسيا، تمنع جبال الهيمالايا الهواء الدافئ من الوصول إلى آسيا الوسطى وتمنع وصول الهواء البارد الى الهند.
لكي نتحدث بعبارات موثوقة عن المناخات الاستوائية أو المعتدلة أو مناخ القطب الشمالي في أماكن محددة، مثل مدن معينة أو مناطقها الزراعية النائية، يجب ان يُؤخد في الاعتبار تفاعلات مجموعات معينة من العوامل الخاصة بتلك المواقع بشكل عام، تعتبر التفاعلات داخل وبين العوامل الجغرافية والثقافية والسياسية وعوامل أخرى ضرورية لفهم العديد من النتائج الاقتصادية والاجتماعية.
مناطق المناخ Climate Zones
يذكر المؤلف بأن المؤرخ الاقتصادي David S. Landes كان من بين العديد من الباحثين الذين لاحظوا نمطًا ملفتًا للنظر لسعة التفاوتات الاقتصادية بين المناطق المناخية الواسعة على خارطة العالم: تقع البلدان الغنية المتقدمة اقتصاديا وتقنيا، من حيث الناتج أو دخل الفرد، في المناطق المعتدلة، لا سيما في نصف الكرة الشمالي والبلدان الفقيرة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.
حاول البعض تفسير هذه الظاهرة ة من خلال استنزاف الطاقة في المناطق المدارية، أو بسبب تفشي العديد من الأمراض المنهكة التي تقضي عليها درجات حرارة الشتاء المنخفضة في المناطق المعتدلة. سبق وذُكر بأن التربة الخصبة تكاد تكون معدومة في المناطق الاستوائية أيضاً. ومع ذلك، انتقل العديد من الأشخاص من خارج المناطق الاستوائية للعيش فيها، ازدهروا، غالبًا، أكثر بكثير من السكان الأصليين. تُعتبر الأقلية الصينية المغتربة في جنوب شرق آسيا والأقلية اللبنانية في غرب إفريقيا من الأمثلة البارزة.
البريطانيون الذين استقروا في أستراليا مثال أخر أكثر وضوحا، لأنهم أصبحوا غالبية سكان البلاد، وحوالي 40 في المائة من سكان أستراليا يعيشون في المناطق الاستوائية. يشكل الأشخاص من أصول يابانية وصينية وأوروبية جزءًا كبيرًا من سكان هاواي الاستوائية، و ازدهروا هناك أيضاً.
يدحض مؤلف الكتاب النظرية الشائعة بأن: (السكان الأصليون في بيئة جغرافية معينة أكثر قدرة على تحقيق أقصى استفادة من فرص تلك البيئة، وأكثر قدرة على التعامل مع مساوئها من الأشخاص الذين ينتمون إلى بيئات مختلفة تمامًا). بعض الأدلة تشير إلى عكس ذلك. ولكن، كما تَوضَحَ في سياقات أخرى، بأن تأثير البيئات الجغرافية على الناس لا تنحصر من خلال المنافع الاقتصادية المباشرة أو معوقاتها وإنما من خلال المدى الذي تُسهل أو تُقيد تطوير المعرفة والمهارات والخبرات والعادات و رأس المال البشري.
إذا كانت الإعدادات الجغرافية للمناطق المعتدلة تعزز نوعية رأس المال البشري الذي يعتمد عليه الرخاء في أي مناخ تعيش فيه الناس، ليس من المستغرب أن تزدهر الشعوب التى تنتقل من مناخ معتدل إلى مناخ استوائي أكثر من الشعوب الأصلية في المناطق المدارية. قد تزدهر ثقافات معينة وتتطور "في مناطق لا يمكن أن تنشأ فيها أبدًا"
ما هي العواقب الثقافية للحياة في المناطق المعتدلة التي قد تكون ذات قيمة في مناطق أخرى من غير المرجح أن تنتج مثل هذه الثقافات؟ إن الاختلاف الاجتماعي الأكثر وضوحًا بين العيش في المناطق المعتدلة والعيش في المناطق المدارية لا تنحصر في الاعتماد على الاختلاف في متوسط ​​درجات الحرارة، وإنما الاختلاف في طريقة إنتاج الغذاء أيضاً، وهو التحدي الذي هدد حياة البشر في المناطق المعتدلة من العالم لآلاف السنين بسبب حتمية زراعة ما يكفي من الغذاء خلال أشهر فصلي الربيع والصيف القصيرين وتخزينها للاستهلاك خلال فصل الشتاء الطويل القارص أيضاً. هذا يعني بدء المهام الشاقة المتمثلة في إعداد الأرض للزراعة في وقت مبكر من الربيع، ولكن في أجزاء من أراضي منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​ذات أنماط هطول الأمطار الخاصة بها، كان ذلك يعني الزراعة في الخريف.
هذا يعني أن الأشخاص الذين يعيشون تحت حكم فصول متغيرة بشكل جذري خلال العام عليهم أن يطوروا إحساسًا ملحاً بشأن الوقت، والانضباط الذاتي لتلائم حياتهم وجهودهم مع متطلبات المواسم. هذه الصفات ليست ضرورية، تقريبًا، في الأماكن التي يمكن فيها زراعة الطعام على مدار السنة، بالإضافة إلى توافر الكثير من الغذاء الذي توفره الطبيعة تلقائيًا لهم في العديد من الأراضي الاستوائية، الصيد على البر أو في المياه.
لم تنحصر أهمية هذا الانضباط الذاتي للادخار فقط، وإنما لتحويل الأطعمة القابلة للتلف مثل الحليب والفاكهة إلى أغذية قابلة للتخزين مثل الجبن والمربى. لم تكن هذه ضرورة ملحة في المناطق الاستوائية. علاوة على ذلك، لم تكن الأطعمة الاستوائية مثل الموز والأناناس قابلة للتخزين في مناخ حار مثل القمح أو البطاطس في مناخ أكثر برودة.
لقد حررتنا الظروف الاقتصادية والتكنولوجية الحديثة من الاضطرار إلى التفكير في مثل هذه الأشياء بحيث أصبح من السهل التغاضي عن مدى أهمية هذه الأشياء للبقاء خلال آلاف السنين قبل أن يتمكن البشر من نقل كميات هائلة من الطعام على مسافات كبيرة أو تخزين أنواع كثيرة من الأطعمة المجففة تجاريا أو المعلبة أو المجمدة.
قيل الكثير عن حقيقة أن الإنكا، الواقعة في منطقة استوائية، أوجدت حضارة أكبر وأكثر تعقيدًا من معظم المجتمعات الأصلية في مناطق استوائية أخرى خلال نفس العصر. ومع ذلك، فإن المناخ الذي تطورت فيه حضارة الإنكا لم يكن نموذجاً للمناطق الاستوائية أو المعتدلة. لم يقتصر الأمر على أعلى درجة الحرارة اليومية خلال السنة التى كانت بمتوسط ​󈑢 درجة مئوية والصغرى ​󈑠 درجة في كوزكو Cuzco، العاصمة السابقة للإنكا،. ولكن على الرغم من هذا التغيير الطفيف للغاية في درجات الحرارة اليومية خلال العام، إلا أن هناك موسمًا ممطرًا وأخر جاف، حيث تتراوح الاختلافات في هطول الأمطار من متوسط ​​شهري يبلغ 5 ملم في يونيو إلى 163 ملم في يناير. بالإضافة إلى ذلك، تتراوح درجات الحرارة بين عشية وضحاها إلى مستويات التجمد في الشتاء.
بسبب الاختلافات في هطول الأمطار والاختلافات في درجات الحرارة بين الليل والنهار في أوقات مختلفة من السنة، كانت هناك مواسم مختلفة لزراعة محاصيل معينة، على الرغم من أن الزراعة كانت نشاطًا لسكان الأنكا في جبال الأنديز على مدار العام. باختصار، في حين أن المناخ الذي نشأت فيه إمبراطورية الإنكا لم يكن نموذجا للمناطق الاستوائية أو المعتدلة، فإن مواسم النمو المتغيرة للمحاصيل المختلفة قدمت نفس التحدي الذي يواجهه سكان المناطق المعتدلة - أي الانضباط الذاتي لمواءمة حياة الفرد وعمله في إطار زمني تمليه الظروف المتغيرة موسميًا في الزراعة.
عوضت الارتفاعات العالية لجبال الأنديز حرارة أشعة الشمس الاستوائية، كانت إمبراطورية الإنكا استوائية فقط بالمعنى الضيق لوقوعها بين خطوط معينة على الخريطة.
الحيوانات Animals
رغم تشابه جغرافيا المناطق المعتدلة الشاسعة في نصف الكرة الغربي إلى حد كبير لجغرافيا أوروبا الغربية، لا سيما الأنهار والموانئ في الولايات المتحدة، فضلاً عن سهولها الواسعة، وفي نيو إنجلاند، مناطق الصيد الغنية قبالة سواحل المحيط الأطلسي. ومع ذلك، كانت ثقافات السكان الأصليين في نصف الكرة الغربي مختلفة تمامًا عن ثقافات أوروبا الغربية. قد يبدو أن هذا الاختلاف يشير إلى أن الجغرافيا كانت لها تأثير ضئيل أو معدوم على المصير الاقتصادي للشعوب، على نقيض ذلك علينا أن نتذكر مرة أخرى أن تفاعلات العوامل الجغرافية المختلفة هي التي تعتبر حاسمة للنتائج الاقتصادية والاجتماعية. التي كانت تنقص السكان الأصليين في جميع أنحاء نصف الكرة الغربي قبل وصول الأوروبيون هي الخيول، الثيران وغيرها من حيوانات الجر الثقيلة وحيوانات الحمل كالحمير والبغال.
المواصلات Transportation
قبل اختراع المركبات الآلية كان الاعتماد على الخيول في أداء المهام الثقيلة من النقل والزراعة إلى الحروب في أوروبا. انتقلت بواسطة الحصان العديد من الاختراعات التي ظهرت في آسيا لأول مرة و أصبحت جزءًا من الثقافة الأوروبية - بما في ذلك الورق، الأجراس، الطباعة، البارود، البوصلة، الدفة لتوجيه القوارب والبواخر، المعكرونة، الشطرنج، أوراق اللعب، وما يسمى بالأرقام العربية معظمها عبر اليابسة الأوراسية. بدون الخيول أو الثيران، كان لابد أن يكون تطور الاقتصاد والمجتمع الأوروبيين مختلفين اختلافًا جذريًا. بسبب عدم وجود حيوانات الجر الثقيلة أو الحمل ( الجمال، جاموس الماء، أو الأفيال في مكان آخر) كانت الاقتصادات والمجتمعات في جميع أنحاء نصف الكرة الغربي في الواقع مختلفة جذريًا عن تلك الموجودة في أوروبا قبل وصول الأوروبيين.
وصلت التداعيات الاقتصادية والثقافية إلى أبعد من ذلك: لم يكن هناك أي مكان في النصف الغربي من الكرة الأرضية أُستُخدم فيها المركبات ذات العجلات. على الرغم من اعتبار العجلة في كثير من الأحيان علامة بارزة في التقدم التكنولوجي للجنس البشري، إلا أن الانتفاع من المركبات ذات العجلات في معظم تاريخ الجنس البشري مقرون بشكل كبير بتوافر حيوانات الجر لسحب مثل هذه المركبات. صنع المايا "العجلة" في نصف الكرة الغربي، ولكن استخداماتها كانت مقصورة في لعب الأطفال، بسبب عدم توفر حيوانات الجر. لا تكمن المشكلة في القدرة الفكرية على ابتكار العجلة ولكن القيمة الاقتصادية للعربات المجهزة بالعجلات تظهر بتوفر الحيوانات لسحب مثل هذه المركبات منذ آلاف السنين قبل النقل الآلي.
أثر عدم وجود حيوانات الجر الثقيلة أو الحمير والبغال قبل وصول الأوروبيين إلى نصف الكرة الغربي حتى على الميزات والمنافع التي كان النقل المائي يوفرها، لم تكن هناك قوارب كبيرة مثل سفن الأوروبيين في أي مكان في أمريكا الشمالية أو أمريكا الجنوبية، ناهيك عن السفن الأكبر والأكثر تقدمًا التي طورها الصينيون سابقًا. تعتمد الجدوى الاقتصادية للسفن الكبيرة على توافر وسائل التحميل والتفريغ الفعالين في موانئ التحميل و التفريغ - لشحن وتعبئة هذه السفن قبل الرحلة، والقدرة على تفريغ الشحنات الكبيرة بكفاءة وسرعة في موانئ التفريغ.
إن الغياب التام للحيوانات القادرة على القيام بمثل هذه المهام يَحُدُ من حجم السفن المجدية اقتصاديًا. كانت التجارة المنقولة بالمياه في نصف الكرة الغربي، قبل وصول الأوروبيين، تتم في سفن أصغر، بحجم الزوارق. كان هذا دليلاً على أن السكان الأصليين في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية كان لديهم عالم اقتصادي أصغر وفضاء ثقافي أضيق من فضاءات العديد من الشعوب في أوروبا أو آسيا أو شمال إفريقيا. لا تقتصر قدرة نقل البضائع الغريبة على السفر آلاف الأميال عبر اليابسة الأوراسية، بل يمكنها أيضًا السفر آلاف الأميال عبر المياه في السفن الكبيرة. سلكت الكثير من المعارف البشرية من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا طريقها إلى أوروبا أيضًا، بما في ذلك التطورات الزراعية والمعمارية التي جلبها مغاربة شمال إفريقيا معهم عندما غزوا إسبانيا .
كانت محدودية كل من النقل البري والمائي في نصف الكرة الغربي قبل وصول الأوروبيين تضع قيودًا شديدة على الانتشار الثقافي، سواء على اللغات أو الأساليب الزراعية أو ممارسات تدجين الحيوانات أو الأنظمة السياسية. كانت المسافات ووتيرة الانتشار الثقافي في نصف الكرة الغربي محدودة بدرجة أكبر، قبل وصول الأوروبيين، منها في أراضي أوراسيا وشمال إفريقيا في نصف الكرة الشرقي. على سبيل المثال:
تم اختراع العجلات في أمريكا الوسطى كأدوات للألعاب. لم تكن لأمريكا الوسطى أية علاقات سياسية مع مشيخات شرق الولايات المتحدة التي كانت على مسافة 700 ميل إلى الشمال. في الوقت الذي ساهم التمدد من الشرق إلى الغرب في العالم القديم في امتداد كل من الإمبراطورية المقدونية والإمبراطورية الرومانية مسافة 3000 ميل، و الإمبراطورية المغولية 6000 ميل. على النقيض من ذلك، كانت المركبات ذات العجلات التي تجرها الخيول موجودة في وقت واحد في كل من فرنسا والصين، على بعد 8000 ميل، وفي الوقت نفسه، استغرقت محاصيل مثل الذرة والفاصوليا آلاف السنين للسفر من المكسيك إلى شرق الولايات المتحدة .
بشكل عام، وفقًا لـ البروفيسور جاريد دايموند من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس:"لم يكن هناك انتشار الحيوانات الأليفة، الكتابة، والكيانات السياسية، وانتشار محدود أو بطيء للمحاصيل والتكنولوجيا، بين مراكز العالم الجديد في أمريكا الوسطى، وشرق الولايات المتحدة، وجبال الأنديز والأمازون". باختصار، لم تكن الأكوان الثقافية واسعة الانتشار في نصف الكرة الغربي كما كانت في نصف الكرة الشرقي، قبل وصول الأوروبيين.
عندما واجه البريطانيون الإيروكوا Iroquois لأول مرة على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، لم تكن القدرات العقلية ولا الإمكانيات المادية المتاحة لهذين الطرفين المتحاربين مقتصرة، بأي حال من الأحوال، على ما طوره كلٌ منهما بنفسه. كان البريطانيون قادرين على التنقل عبر المحيط الأطلسي، في المقام الأول، باستخدام البوصلة التي تم اختراعها في الصين، والقيام بحسابات رياضية بنظام ترقيم من الهند، وتوجيه السفن باستخدام الدَّفاَّت rudders اوالكتابة على ورق من اختراعات الصين، باستخدام الحروف التي أنشأها الرومان، والعامل الحاسم في نهاية المطاف باستخدام البارود، أخترع في الصين أيضًا. بالمقابل لم يكن لدى الإيروكوا عالم ثقافي واسع نسبيًا.
للفضاء الثقافي أهمية كبيرة، وكانت توفر الحيوانات من بين أسباب التباينات الكبيرة التي حصلت في سعة الفضاءات الثقافية في بيئات جغرافية مختلفة. لم تكن العوائق الثقافية النسبية للشعوب الأصلية في نصف الكرة الغربي فريدة من نوعها. عوائق مماثلة ، من بين أمور أخرى، قيدت العالم الثقافي لشعوب أفريقيا جنوب الصحراء، ولا يزال العالم الثقافي للسكان الأصليين في أستراليا.
لم تكن الحيوانات - سواء كانت حيوانات الجر، أو حيوانات الحمل، أو حيوانات المزرعة أو حيوانات القطيع - موزعة بالتساوي أو بعشوائية حول العالم أكثر من العوامل الأخرى المؤثرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. على سبيل المثال، تركزت الجمال في الأراضي الصحراوية، من الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا إلى صحراء جوبي Gobi في آسيا - الجمال أحادى السنام dromedaries في الصحاري الحارة و الجمال ذات السنامين في الصحاري والمرتفعات الأكثر برودة حيث لا بديل لها للسفر مسافات طويلة في الصحاري بين مصادر مياه الشرب وهي نادرة الوجود في أماكن أخرى.
كانت للخيول أدوار أساسية في غزوات المحاربين الفرسان العظماء في آسيا الوسطى، مثل أولئك الذين قادهم جنكيز خان وبناة إمبراطوريات آخرين كالعثمانيين، الذين توغلوا في الشرق الأوسط ثم وسعوا غزواتهم نحو جنوب شرق أوروبا. اجتاح محاربون آخرون من آسيا غربًا إلى أوروبا الشرقية، مما أجبرهم على رد فعل متسلسل من الحركات الغربية للسلاف وغيرهم، وغالبًا ما دفع السكان الموجودين قبلهم غربًا أو دفعهم إلى الجبال من منازلهم في السهول. ومع ذلك، كانت الخيول نادرة داخل الصين، بل وأكثر ندرة في الهند وأفريقيا جنوب الصحراء، كما كانت غير موجودة تمامًا في أستراليا قبل وصول الأوروبيين في أواخر القرن الثامن عشر.
أدى وصول الأوروبيين إلى نصف الكرة الغربي إلى تغيير جذري في أعداد وتنوع الحيوانات في العالم الجديد، وفي الحياة الاقتصادية لهذا النصف من العالم. "كانت البغال هي الأهم في الحياة الاقتصادية، والتي أصبحت لا غنى عنها تدريجياً كناقلات" في معظم أنحاء أمريكا الجنوبية، وفقًا للمؤرخ فرناند بروديل. كان هناك نصف مليون بغل في بيرو وحدها عام 1776، وربما ما يصل العدد إلى مليوني بغل في نصف الكرة الأرضية إجمالاً. لم يوجد في أي مكان آخر في العالم تركيز مماثل من البغال، نسبة إلى عدد السكان، باستثناء أوروبا. تكاثرت الخيول والثيران أيضًا في جميع أنحاء نصف الكرة الغربي بعد وصول الأوروبيين . اشتهر الغاوشو gauchos الأرجنتينيون بفروسيتهم وأصبح هنود السهول في الولايات المتحدة صيادون ومحاربون من خلال إتقان طريقة السفر الجديدة هذه. مثل هذه الثروة الحيوانية في إفريقيا الاستوائية كانت محدودة ومحج، بسبب ذبابة tsetse، لأن الحيوانات المناسبة لم تكن موجودة في أستراليا.
(يتبع)



#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)       Khasrow_Hamid_Othman#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءات في كتاب - الثروة، الفقر والسياسة- الاراضي (5)
- قراءات في كتاب - الثروة، الفقر والسياسة- الممرات المائية (4)
- قراءات في كتاب - الثروة، الفقر والسياسة- حتمية الجغرافيا (3)
- قراءات في كتاب - الثروة، الفقر والسياسة- قضايا (2)
- قراءات في كتاب -الثروة، الفقر والسياسة - 1
- تظاهرت نساء محلة باداوة مجدداً! شجون وذكريات 2
- تظاهرت نساء محلة باداوة مجدداَ! شجونٌ وذكرياتْ 1
- إختبار المِرأتْ 1( THE MIRROR TEST) .
- الخطوط الموازية والمتقاطعة (4)
- الخطوط المتوازية والمتقاطعة (3)
- الخطوط المتوازية والمتقاطعة (2)
- الخطوط الموازية والمتقاطعة (1)
- عودة إلى - خاتمة د. جليلي- و ملاحظات - د. كاوس قفطان- 1
- ملاحضات د. كاوس قفطان على بعض إستنتاجات مؤلف كتاب- اكراد الا ...
- اكراد الامبراطورية العثمانية (6)
- اكراد الامبراطورية العثمانية (5)
- تحية صميمية ل(هذه) و(تلك)
- اكراد الامبراطورية العثمانية (4)
- اكراد الامبراطورية العثمانية (3)
- حوار هادئ مع صبح كنجي، الأهم أن يكون بناءً


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خسرو حميد عثمان - قراءات في كتاب - الثروة، الفقر والسياسة- المناخ ، الحيوانات والمواصلات (6)