أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالرزاق دحنون - ناجيتُ قَبرَكَ استوحي غياهِبَهُ














المزيد.....

ناجيتُ قَبرَكَ استوحي غياهِبَهُ


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 7042 - 2021 / 10 / 9 - 09:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


"إن أخلاق الناس تتبع سلوك الحاكم، فإن كان عادلاً مستقيماً عدلوا واستقاموا وإن جار وسرق جاروا وسرقوا"
كونفوشيوس

نزعم -نحن أهل محافظة إدلب- أن بلداتنا الصغيرة المتناثرة على الهضاب والمرتفعات الكلسية والسهول الخصبة بتربتها الحمراء على تخوم البادية في الشمال الغربي من سورية هي سرة بلاد الشام, والوارثة لملاحة الحضارات القديمة في شرقنا العربي, على الرغم من إهمال ياقوت الحموي ذكر معظمها في كتابه الكبير "معجم البلدان", لأنها لم تكن في أيامه إلا قرى صغيرة, في حين كان بعضها مشهوراً مثل معرة النعمان بلدة "فيلسوف المعرة" أحمد بن عبد الله سليمان التنوخي المكني بأبي العلاء المعري, ونحن نفتخر بأن تربتنا تحتضن رفات ذلك الإنسان الجليل. وعلى بُعد بضعة كيلو مترات إلى الشرق من معرة النعمان يرقد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز في "دير شرقي" والناس تظن قبره في دمشق. ما الذي أتي به إلى هذه الناحية النائية؟

يكتب الروائي السوداني الطيب صالح عند زيارته هذا الضريح في خريف سنة 1991 في مقال منشور: إن عمر بن عبد العزيز كان عائداً من غزوة في بلاد الروم, فعرَّج على صديقه القس في هذا الدير, وكانت بينه وبين القسيس مودة, فمات مقتولاً بالسم علي يد بني أمية. وفي رواية أنه ملّ العيش بدمشق, فجاء وأقام في هذه الناحية إلى أن مات. عند قدميه ترقد زوجته الوفية التي عانت معه شظف العيش, بعد نعمة ولين. ابنة الخليفة وأخت الخلفاء, فاطمة ابنة عبد الملك بن مروان. لقد أوصت أن تدفن معه عند قدميه, فكان لها ما أرادت. ولا أدري أي الأمرين أدعى للاستعبار والأسى, رقدة ذلك الإنسان العظيم في ذلك المكان النائي أم مشاهدة زوجته الصالحة وهي تتشبث به في مماته كما تشبثت به في حياته, لقد خيرها حين ولي الخلافة وخلع عنه حلية الترف, بين حياة الزهد والتقشف أو الفراق, فاختارت العيش معه.

مع اشتداد الصراع بين البشر علي امتداد كوكب الأرض تشتد الحاجة إلى استثارة أمجاد العدل. وأحسب أن الوقت قد حان؛ وآن لهذا الفجر المرتقب الذي مضي عليه أكثر من ألف عام أن يظهر. وقد أجمع البشر شرقاً وغرباً أن "الحضارة الإسلامية" المثقفة أقامت إمبراطورية هي الأوسع بين إمبراطوريات العالم القديم, امتدت من ساحل الأطلسي إلى تخوم الصين. و القليل منا ومن غيرنا يعرف أن كفاحنا في سبيل العدل يرجع إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام, وأننا أنشأنا على امتداد هذه السنين محطات كان الناس يتوقفون عندها حتى يلتقطوا أنفاسهم ويستريحوا من عناء الكر والفر في هذه الساحة غير المتناهية من صراع العصور.

من المتفق عليه أن الخلفاء الأوائل لم يكونوا طغاة, وأن تسميتهم خلفاء لا ملوكاً كان لتميزهم عن الغرارات السائدة في زمانهم من الأكاسرة والقياصرة, وأنهم لهذا السبب لم يؤسسوا دولتهم علي ولاية العهد. وقدَّموا مثالاً على الحاكم الذي يأبي التمايز عن رعاياه فيعيش عيشة أدني واحد منهم متبعاً في ذلك قاعدة شرّعوها بأنفسهم تجعل الزهد في الحياة إلزاماً للحاكم دون المحكوم. ولم تعرف حقبتهم القصور المترفة مع أنهم كانوا يحكمون دولة شاسعة. كما لم يتمتعوا بامتيازات الملوك فلم يكن لهم بلاط وإنما كان مقرهم المسجد, وكان اللقب الوحيد الذي رضوا به هو أمير المؤمنين دون سيدي أو مولاي أو صاحب الجلالة أو صاحب العظمة أو ملك الملوك. ولم تكن لهم حاشية ولا حرس ولا مرافقون. وحين يجلسون للعمل الرسمي في المسجد لا يغلق باب المسجد ولا يقف عليه حاجب. وقد يكون أحدهم يزاول عمله ومعه كاتبه أو أعوانه وفي زاوية أخري من المسجد رجل يصلي غير عابئ بالخليفة, فالمسجد متعدد الوظائف.

كانت مهمة عمر بن عبد العزيز أصعب وأعقد من مهمة الخلفاء الراشدين السابقين لأنه جاء وقد تسلط الملوك علي العرب, وخاضوا في دمائهم, وثبتت ولاية العهد وفردية الحاكم, واحتدم الطغيان مع الوليد بن عبد الملك الذي وصفه المؤرخون بأنه أول من تجبّر في نفسه, إذ كان الجبابرة من آبائه بمثابة تمهيد له قبل أن يأخذ الطغيان مداه الأخير علي يديه. استعرض عمر بن عبد العزيز الأوضاع في الدولة الأموية قبل خلافته, وكان الوليد بالشام, والحجاج بالعراق, وعثمان بن حيان بالحجاز, وقرة بن شريك بمصر. فقال: اللهم قد امتلأت الدنيا ظلماً وجوراً فأرح الناس.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى روائيَّة شابَّة
- المسيح المُخلّص
- رحم الله شيوعيَّة ماو تسي تونغ
- واطلق كلابك في الشوارع واقفل زنازينك علينا
- رواية صغيرة تصبُّ في بحر الحياة
- زعماء دول يقلدون النموذج الروسي
- لماذا فشل نموذج الدولة الحديث في الوطن العربي؟
- ستالين الواقع والأسطورة
- حديث مع غسّان غنّوم حول الثورات والكهرباء
- الشيوعيون
- وجهة نظر روزا لوكسمبورغ في الثورة البلشفية
- ماذا سيحدث بعد رحيل الرئيس الصيني شي جين بينغ؟
- وطن الغجر - حوارية مسرحية
- عن رفيقي محمد دكروب
- أنا لا أحب عبد الفتاح السيسي
- فاطمة ناعوت في مديح عبد الفتاح السيسي
- كيف تصبح كردياً في خمسة أيام؟
- حول شيوعيون في المساجد وشيوعيون في النشاط الاجتماعي
- ثلاث سنوات في الحوار المتمدن
- تعال اقترح عنواناً لهذا المقال يا عمّار


المزيد.....




- رغم إعلان ترامب لوقف إطلاق النار.. شاهد كيف كانت الدفاعات ال ...
- وسط إرباك حول توقيته.. وسائل إعلام من إيران وإسرائيل تُعلن س ...
- ترامب يُعلن دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ ويوجه -رجاءً- ...
- إسرائيل.. الكشف عن حصيلة قتلى الهجوم الإيراني على بئر السبع ...
- -فُرض على العدو بعد مهاجمة العُديد-.. شاهد كيف وصف التلفزيون ...
- رضا بهلوي من باريس: أنا مستعد لحكم إيران وعلى خامنئي أن يرحل ...
- ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على وقف لإطلاق النار
- فيما تتصاعد حرب الإبادة في غزة: المهمّات المباشرة لإسناد فلس ...
- حادثة الطفلة غيثة تشعل المغرب.. موجة غضب وتضامن
- ثمرة واحدة قبل النوم تُحسّن جودة نومك بشكل ملحوظ


المزيد.....

- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالرزاق دحنون - ناجيتُ قَبرَكَ استوحي غياهِبَهُ