أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - لماذا فشل نموذج الدولة الحديث في الوطن العربي؟














المزيد.....

لماذا فشل نموذج الدولة الحديث في الوطن العربي؟


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 7000 - 2021 / 8 / 26 - 13:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(يشكو الإنسان من حذائه والعلَّة في قدميه)
صمويل بيكت

1

هل فشل فعلاً نموذج الدولة الحديثة الذي ساد الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية، ونحن الآن في آخر العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين؟ ولكن في الأساس ماذا نعني بالدولة هنا، وما هي فكرة الدولة التي ترسخت في عقل المواطن العربي؟ الدولة في المعجمات من دال - فتح الدال - ودالت الأيام أي دارت، والله يُداولها بين الناس، وتداولته الأيدي أخذته هذه مرة وهذه مرة. وهذا على الضدِّ من مفهوم الدولة في العصر الحديث حيث تجنح نحو الثبات والاستقرار. الدولة عند هيجل هي طريقة تنظيم الأمة لنفسها، الشعب لنفسه، أي أن المجتمع يُنظم نفسه من خلال مؤسسات اجتماعية، تُسمى في مجموعها دولة، والشهيد مهدي عامل توصَّل بعد دراسة إلى أن الدولة لا فكر لها، وهي ملاحظة ذكية ومهمة، ويُقال إن لكل زمان دولة ورجالاً. وابن عمي زكريا يقول: "الدولة أفهم من بني آدم" وشكل الدولة الذي تكرَّس في الوطن العربي جمهوري ديمقراطي عسكري. وقد كان المُنتج الرئيسي لهذا الشكل من الدولة: الفساد العام Corruption، ومن ثم قاد هذا الفساد العام إلى الفشل العام، شكل الدولة هذا أوصل المجتمعات في الجمهوريات العربية إلى الحروب الأهلية التي نعيش بعض نتائجها اليوم، لأن الحاكم الفرد سعى مع عسكره ليكون هو الدولة.

2

في علم السياسة تُعتبر السلطة المُطلقة في القصر الجمهوري شديدة الهشاشة ومزعزعة بسبب وجودها في يدَيْ فرد واحد. إن سلطة كهذه تُعتبر خطراً على مصالح المجتمع والدولة معاً، لأنها تُنمي الكبرياء والاستخفاف في نفس صاحبها. وتُنمي الخنوع والذل في نفوس أفراد المجتمع على اختلاف مشاربهم الإثنية والعرقية. تتعرَّض هذه السلطة الفردية في القصر الجمهوري بسهولة للتشوّش بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأنها لا تسعى وراء الواقع الحقيقي أو التقويم المتأني والمناقشة المُفيدة. والأهم من ذلك كله هو أنها تقود الدولة، وهي رفيقتها الحميمة، إلى عالم الفوضى والانهيار.

3

في ظني أن الشباب الأحرار في الشوارع والساحات والمدن والأرياف وفي البوادي والقفار قد تمردوا على هذا النمط من الدولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهم يحاربون هذا الشكل من الدولة الاستبدادية التي يحكمها العسكر ويريدون العودة بها إلى مفهومها الأول: دولة بسيطة، تُقاد من حاكم بسيط من عامة الخلق، وليس إلهاً على كل حال، بل بشراً سويّاً يخاف من ربِّ العباد الذي رفع السماء ووضع الميزان. والسؤال المقلق والحقيقي الذي يهرب منه أصحاب الشأن: أليس غريباً أن تنهار الجمهوريات "العربية" الثورية التي يشبه بعضها بعضاً وتتفكك سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ويتراجع مشروعها التنموي وتتراجع النهضة الحضارية ويدخل بعضها في أتون الحرب الأهلية، ولا تستطيع حكوماتها العتيدة تأمين الحد الأدنى من أمن وأمان وغذاء ودواء وكساء وتعليم وسكن ومواصلات لمواطنيها، بل وفوق ذلك تقتلهم وتشردهم؟ كيف ذلك وما الذي يفسر هذا الأمر؟ وكيف لنا أن ندرس ما حصل ويحصل وسوف يحصل في هذه الجمهوريات؟

4

مشروع الشباب الأحرار في الشوارع والساحات يتعارض بالمطلق مع شكل الدولة الحديثة التي حكمت الجمهوريات العربية لأكثر من سبعين عاماً. ومع ذلك فشلت في حمل هذه المجتمعات على القبول بها. وهذه نتيجة طبيعية لأن الدولة في شكلها الجمهوري الديمقراطي العسكري، الثوري إن شئت، استبدادية يحكمها لمدة طويلة أحد العساكر الطغاة، والأمثلة كثيرة، وهو في الغالب من فئة "دكتاتور صغير مجنون" مكانه الحقيقي ليس في القصر الجمهوري، بل في مشفى الأمراض العقلية "العصفورية" كما نسميها في بلاد الشام. هذه الدول الاستبدادية لا تدمر المرء، ولكنها تمنع وجوده، وهي لا تستبده فقط، بل تعصره وتوهنه وتخمده وتخدره، بل وتفعل ذلك في الأمة كلها، كي لا تكون شيئاً أكثر من قطعان حيوانات مذعورة.

5

من هنا يُحاجج صاحب كتاب "نقد السياسة - الدولة والدين" بأن انهيار قواعد عمل الدولة هو الذي قاد إلى انهيار تقاليد تسامح دينية حيَّة منذ آلاف السنين بحيث إن الضربة الحقيقية التي تلقتها المجتمعات المتعددة الإثنيات الدينية والقومية في دول الجمهوريات "العربية" لم تكن في عقائدها ذلك أنها كانت أكثر من كل المجتمعات الحديثة الأخرى قدرة على استيعاب القيم والأفكار والمذاهب الجديدة نظراً لوجود تقاليد التعددية الدينية بمختلف تجلياتها منذ آلاف السنين، ولكنها تكمن في ما تعرض له نموذج الدولة من تهديم موضوعي وفي ما ظهر من تخلفه الهائل والمفاجئ بالمقارنة مع نموذج الدولة الحديثة في الغرب والشرق ومن ثم ذوبان كل مقدرة على إعادة إنتاج السلطة المركزية دون التغيير الشامل في طبيعة التوازنات الاجتماعية القائمة. ولا يزال المجتمع لم يخرج من هذه الصدمة التي تمسّ نموذج بناء السلطة وعمل الدولة حتى الآن.

6

لماذا لم تتحول الدولة المحررة من الدين في الجمهوريات العربيَّة إلى دولة علمانية يحكمها القانون، بل تحولت إلى دولة عسكر تحكمها الأجهزة الأمنية بفظاظة مفرطة؟ ولأن المؤسسة العسكرية هي الوحيدة المنظمة في شكلها العام أمام مؤسسات الدولة الأخرى، فمن حق المؤسسة العسكرية - الجيش والأجهزة الأمنية والمخابرات - أن تكون قائداً للدولة والمجتمع. وهذا يُفسر أيضاً لماذا لم تستطع الدولة الحديثة التي ولدت بعد حقبة الاستعمار الغربي وتحت إرشاد النظرية العلمانية والنهضة الخجولة - التي تبناها حتى المصلحون الدينيون - أن تفرز سلطة سياسية دستورية قانونية تقود المجتمع إلى بر الأمان، بل أفرزت سلطة عسكرية يقودها مجلس قيادة الثورة، ومن ثمَّ الزعيم الخالد مع حزبه القائد، الذي يسعى لتوريث الحكم إلى أولاده في الجمهوريات "العربية"، وهي ظاهرة غريبة تستحق التأمل والدراسة.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ستالين الواقع والأسطورة
- حديث مع غسّان غنّوم حول الثورات والكهرباء
- الشيوعيون
- وجهة نظر روزا لوكسمبورغ في الثورة البلشفية
- ماذا سيحدث بعد رحيل الرئيس الصيني شي جين بينغ؟
- وطن الغجر - حوارية مسرحية
- عن رفيقي محمد دكروب
- أنا لا أحب عبد الفتاح السيسي
- فاطمة ناعوت في مديح عبد الفتاح السيسي
- كيف تصبح كردياً في خمسة أيام؟
- حول شيوعيون في المساجد وشيوعيون في النشاط الاجتماعي
- ثلاث سنوات في الحوار المتمدن
- تعال اقترح عنواناً لهذا المقال يا عمّار
- مرحباً، بكم الدولار اليوم؟
- اللَّحْظَّةُ الماركسيَّة
- الشيوعية بديلاً عن الرأسمالية
- عن رفيقي فؤاد النمري وفرضيَّة فائض القيمة
- أناشيد سائق القطار في الأول من أيار
- فرضيّات حول فائض القيمة
- الثورة السودانية في كتاب البروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - لماذا فشل نموذج الدولة الحديث في الوطن العربي؟