أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالرزاق دحنون - رواية صغيرة تصبُّ في بحر الحياة















المزيد.....

رواية صغيرة تصبُّ في بحر الحياة


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 7007 - 2021 / 9 / 2 - 22:33
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


عندما أكملتُ التسعين من عمري أردتُ أن أهدي نفسي ليلة حب مجنونة مع مراهقة عذراء. تذكرتُ "روسا كاباركاس" صاحبة بيت دعارة -كرخانة- اعتادت على الاتصال بالزبائن المميزين عندما يكون لديها شيء جديد. لم أذعن أبداً لها ولا لأي من العروض المغرية الكثيرة، لكنها لم تكن تصدّق نقاء مبادئي. أيضاً من الطبيعي التفكير في موضوع الزمن، كانت تقول، بابتسامة خبيثة، سنرى. كانت أصغر قليلاً مني، فقدتُ الاتصال بها منذ سنوات عدة لدرجة أنني فكرتُ أنها ربما تكون قد ماتت. ولكن مع رنة الجرس الأولى تعرفتُ على صوتها في التلفون، وقلتُ لها مباشرة وبلا مقدمات:
- اليوم، نعم، أريد ذلك الشيء المميز.
تنهدت، ثمَّ قالت: أي، يا حكيمي الحزين، تختفي عشرين عاماً وتعود فقط لطلب المستحيل. ثمَّ عادت على الفور إلى السيطرة على طريقتها في التعامل وعرضت نصف دستة من البدائل، لكنها كلها مستخدمة من قبل. أصررتُ على الرفض، وأنه يجب ان تكون مراهقة ولهذه الليلة نفسها. سألتْ وهي منزعجة: ما الذي تريد أن تجربه؟ بدوري كنتُ أعرف ما الذي أستطيعه والذي لا أستطيعه. قالت: إن الحكماء يعرفون أشياء، ولكن ليس كل شيء، لماذا لم تُخابرني بوقت كاف؟ قلتُ لها الإلهام يأتي فجأة. قالتْ: دعه ينتظر.

هذا الاقتباس من الصفحة الأولى من رواية ممتعة جداً، خطرت في بالي أول أمس، فأعدتُ قراءتها من جديد في ساعتين. وأنا أُنهي قراءة الصفحة الأخيرة من الرواية القصيرة هذه تساءلتُ لماذا أخذت دور النشر العربية تلعب في عنوان الرواية بحيث أعطتها هذه الأسماء : " من ذكريات عاهرات بلدي الكئيبات" أو "ذاكرة غانياتي الحزينات" وفي ترجمة "ذكريات عن عاهراتي الحزينات" وفي ترجمة أخرى "ذكريات حبيباتي الحزينات" وقرأتُ ترجمة تحت عنوان" ذاكرة غانياتي الصغيرات" و "ذاكرة نسائي الحزينات" هي أسماء متعددة لرواية واحدة كتبها الروائي الكولومبي صاحب نوبل في الآداب غابريل غارسيا ماركيز في الأعوام الأخيرة من حياته.

نُشرتْ الرواية أول مرة في إسبانيا عام 2004 والنسخة المترجمة للإنجليزية تم نشرها لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر عام 2005. تعددت الترجمات العربية وصدرت إحداها عن دار المدى ترجمة صالح علماني. نُشرت الطبعة الفارسية في إيران عام 2007 تحت عنوان "ذكريات حبيباتي الحزينات" وحقَّقت رقماً قياسياً في المبيعات حيث بيعت خمسة آلاف نسخة في ثلاثة أسابيع. وبعد ذلك تم حظرها في إيران من قِبل وزارة الثقافة بعدما تلقت عدداً كبيراً من الشكاوى من هيئة المحافظين الذين انتقدوا الرواية بشكل لاذع مؤكدين على أنها رواية مُخلة بالأدب وتُشجع على العُهرِ والبغاء.

لفت نظري ظاهرة مُحيرة -من خلال الرواية- ولم أجد لها تفسيراً مقبولاً وهي الفحش في الكلام على ألسنة من يتقدم في العمر من الرجال والنساء على حدّ سواء. وهذه الظاهرة تعود بي إلى ألفاظ فاحشة عارية في كتب التراث العربي شعره ونثره وخاصَّة في عصره الذهبي فأنت تفتح كتاب "المخلاة" للعاملي مثلاً فتجد شحاذاً يطرق باب أحدهم فيُجيب صاحب البيت: أم العيال ليست في البيت. فيرد الشحاذ: أطلب شئياً آكله وليس شيئاً أضاجعه. وهذا كثير تجده عند عمرو بن بحر، أبو عثمان، المشهور بالجّاحظ، في كتاب الحيوان وفي كتاب البغل وفي كتاب الرسائل. وتجد ما يُماثله عند التوحيدي أبو حيَّان في كتاب الإمتاع والمؤانسة والرسالة البغدادية وكتاب مثالب الوزيرين. ناهيك عن حكايات ألف ليلة وليلة وما فيها قبل أن يعمد الرقيب إلى تهذيب طبعاتها الحديثة. الظاهرة قديمة على كل حال ولم أجد لها تفسيراً معقولاً حتى اليوم.

في روايته "ذكرى عاهراتي الحزينات" فرض غابريل غارسيا ماركيز على العالم كله الموافقة على تقبل عاهراته وصديقاته الحزينات، بغض النظر عن العادات الاجتماعية التي تتجاهل وجود هذه الفئة من النساء العاملات، مثلهن مثل بقية زميلاتهن اللواتي يعملن في وظائف أخرى.

الرواية تحكى قصة رجل عجوز يحتفل في عيد ميلاده التسعين، ويقع في حب صبية عمرها 14 عاماً، تعيده إلى عواصف سن المراهقة، إلا أنها رواية شاملة ومركزة، وعلى مدى صفحات الرواية القليلة المقسمة إلى خمسة فصول، يروى فيها عبر ضمير الأنا المتكلم، حياة رجل بلا اسم، لا شيء يدل في حديثه وحماسته وطريقته في النظر إلى محيطه والعالم على أنه عجوز في التسعين.

يتحدث الراوي-هل هو غابريل غارسيا مركيز؟- في هذه الرواية عن الموسيقى والكتب، وعن الشيخوخة والشهرة بحماسة شبابية، وسيخيب ظن من يعتقد للوهلة الأولى بأن الرواية تمجد هذا الحب، بصفته ميلاً جسدياً لا أكثر ولا أقل، وتمنحه صفة الشرعية، من هذه الناحية فقط، لتبرير علاقة جنسية من هذا النمط، كما هو شائع في مجتمعاتنا أيضاً.

تذهب الرواية إلى ما هو أبعد من ذلك، تذهب إلى العمق، حتى أنها تتحول قصيدة هجاء ضد المجتمع الذكوري، بكل ما تحويه من سخرية لاذعة وكوميديا سوداء، ابتداء من البورتريه الذي يرسمه ماركيز لشخصية الراوي وحتى وصفه شخصية القوادة والصبية، اللتين تحتلان، مع النساء الأخريات، ومع أكثر من خمسمائة عاهرة يتذكرهن الراوي في صدر الرواية. والرواية تعبر عن قيمة الحلم الذي لم تنجح الشيخوخة بإتلافه، ويكتشف جمال أو قيمة النساء اللواتي عرفهن في حياته، بل يكتشف للمرة الأولى عندما يقع في الحب، القيمة الإنسانية للنساء، ليس بصفتهن وعاء لتفريغ رغباته فقط، فهو حتى وقوعه في حب هذه الصغيرة، لم يحب امرأة من قبل، إنما اعتاد أن يحصل على الحب من طريق العاهرات، لم يحبهن، إنما كان يقضى وقتاً معهن في مقابل مبلغ من المال، ولكن هذه الصغيرة أيضاً، تجعله يتذكر كل تلك العاهرات اللواتي ضاجعهن في الليالي البعيدة.

لا تستيقظ العاهرات وحدهن في ذاكرته، إنما يبدأ أيضاً في تذكر النساء اللواتي عرفهن تدريجياً، وكأنه يستعيد عن طريق هذه الصبية الصغيرة بصيرته الإنسانية، الجمالية، بعد أن أصابته الذكورة بالعمى قبل ذلك ولعقود طويلة، مثلما تصيب عادة مجتمع الرجال في البلدان الذكورية، وتدريجاً نتعرف في الرواية إلى النساء اللواتي أثَّرن في حياته مثل أمه، فلوريندا، امرأة جميلة تتمتع بحبها للموسيقى والموهبة التي أورثتها إياها، داميانا الخادمة التي رفضت أخذ الأجرة منه في مقابل فضائلها، كسيمينا المرأة التي كان على شفا الزواج منها، والتي خذلها وهجرها ساعات قليلة قبل العرس، كاسيلدا، العاهرة العجوز التي تحملته بصفته زبوناً مخلصاً ومواظباً وغيرهم كثير. والرواية لم تقل يأن كل العاهرات حزينات، وليست هي رواية حزينة في النهاية، على رغم ما بها من الذكريات، وهو يحصى سنوات عمره، وإنما هي رواية تمجد الحياة وتصبُّ في بحرها.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زعماء دول يقلدون النموذج الروسي
- لماذا فشل نموذج الدولة الحديث في الوطن العربي؟
- ستالين الواقع والأسطورة
- حديث مع غسّان غنّوم حول الثورات والكهرباء
- الشيوعيون
- وجهة نظر روزا لوكسمبورغ في الثورة البلشفية
- ماذا سيحدث بعد رحيل الرئيس الصيني شي جين بينغ؟
- وطن الغجر - حوارية مسرحية
- عن رفيقي محمد دكروب
- أنا لا أحب عبد الفتاح السيسي
- فاطمة ناعوت في مديح عبد الفتاح السيسي
- كيف تصبح كردياً في خمسة أيام؟
- حول شيوعيون في المساجد وشيوعيون في النشاط الاجتماعي
- ثلاث سنوات في الحوار المتمدن
- تعال اقترح عنواناً لهذا المقال يا عمّار
- مرحباً، بكم الدولار اليوم؟
- اللَّحْظَّةُ الماركسيَّة
- الشيوعية بديلاً عن الرأسمالية
- عن رفيقي فؤاد النمري وفرضيَّة فائض القيمة
- أناشيد سائق القطار في الأول من أيار


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالرزاق دحنون - رواية صغيرة تصبُّ في بحر الحياة