أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - سوريا: تدمير التراث النصيري العلوي















المزيد.....

سوريا: تدمير التراث النصيري العلوي


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 7037 - 2021 / 10 / 4 - 17:17
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



غصت، وأبحرت بعيداً وعميقاً جداً، وبحبشت كثيراً، ودون استعمال أي من أدوات الغوص، في تلك "الكرتونة" (الخضارة* تلفظ غضارة) التي كانت مليئة بالبرغل المسلوق، ودون أن أحظى، بالمطلق، على قطعة، أو "نتوفة" أو "فرمة" لحمة، من المفترض أن تكون، كما درج الطقس العلوي النصيري، على وجه تلك الكرتونة، (الخضارة)، كانت فتاة فقيرة، ابنة لمعلم مدرسة مهترئ ومشحر ومنتوف نتفاً من الفقر والشحتفة والتعتير، قد جلبتها لي من "الحسنة" (عمل الخبر والأضحية عند العلوية النصيرية)، التي دأب أبوها على بذلها، وارثاً إياها عن المرحوم والده، وبعد أن ناولتني إياها، قالت وهي تشعر بحرج أشبه بالألم الغامض،: " تفضل عمي أبو محمد هاي من البابا، وبيسلم علي"، فقلت لها الله يتقبل منكم يا عمي، وكل عام وأنتم بخير".
غابت "فرمة اللحمة"، وزيت الزيتون، أيضاً، وهو أحد مكونات الخضارة الرئيسية، تماماً، عن تلك "الحسنة"، وهي عماد وأصل هذا الطقس النصيري العتيق والأصيل، أي الأضحية، التي يجب أن يـُضحى بها، ويأكل الناس منها، وكأن تكون أيفاءً لنذر، ما، أو إحياءً لذكرى دينية كعيد الغدير، وسواه من الأعياد النصيرية.
وهذه الحستة، وأحياناً "العيد" أو النذر، ولكل منها تعريفها، ومناسبتها، ونحن لسنا في صدده ها هنا، وبعيداً عن بعدها الديني والروحي، هي، بالنهاية، نمط من التكافل الاجتماعي، والمساعدة، وإطعام المسكين، أو الفقير، كانت شائعة، ويعتقد العلويون النصيريون، أنها تعود عليهم بالبركات والثواب في الدنيا والآخرة.
ويتوارث العلويون النصيريون هذه الطقوس أباً عن جد، ويلتزم الأبناء بذلك، حتى لو لم يكونوا مؤمنين، ومتدينين، وذلك من باب الوفاء، للإرث العائلي، ولإيمانهم ببعدها الاجتماعي التكافلي، وإحياءً لذكرى أمواتهم، وهناك اعتقاد بأن من يترك هذه التقليد وعمل الخير هذا، ويتنكر له ويهمله، ولا يقوم به، سيتعرض لكارثة ما، (وعكة صحية، حادث أليم، أو أزمة مالية)، ويعتبر تركها إثماً و"حرام" و"خطي" (خطيئة) كبرى يجب تجنبها رغم عدم القدرة، اليوم، على القيام والإيفاء بمتطلباتها.
الآن، ومع هذا الغلاء الفاحش، والهجمة النيوليبرالية المتوحشة غير المسبوقة التي تشنها تروستات مالية نهمة في الداخل السوري، والنهب، والفقر، والقلة، والجوع، والطفر والإفلاس والعوز، فقد بات شراء مجرد دجاجة، يعتبر مخاطرة كبرى، ومغامرة غير محسوبة العواقب، إذ قد يبلغ سعر الفروج الواحد (بين 15-20 ألف ليرة سورية أحياناً)، ما يعادل ربع، أو نصف الدخل الشهري لموظف عادي، أما الخاروف، والتيس، والعجل، فقد أصبحت أسعارها فضائية، ولا يستطيع إلا كل طويل عمر التفكير بالتضحية بها. وبات الصرف على، وإعالة عائلة بسيطة، وإطعامها، وإكفاؤها يستوجب ميزانيات ليست بمتناول ومقدور حتى من هم في عداد الطبقة الوسطى والتكنوقراط أي أطباء، مهندسون، ضباط في مراكز عادية، معلمون، محامون، أكاديميون (أساتذة جامعات وسواهم).....إلخ
وكان نظام التقدم والاشتراكية (رجاء ممنوع الضحك)، قد ألغى واحداً من أعرق التقاليد والطقوس العلوية في الساحل السوري التي تعود، حقيقة، لحقب ما قبل الغزو والاحتلال العربي والإسلامي وهو الاحتفال بعيد الزهورية أو مهرجان "عيد الرابع" الشعبي، وكان يقام في صنوبر جبلة، عند مقام الشيخ مقبل، ومن جملىة أسباب منعه الأخرى، كان تحسباً، وخوفاً، ومنعاً لقيام أية تجمعات، قد تتسبب بمظاهرات أو احتجاجات ةهذا كان محظوراً، تماماً، في ظل قانون الطوارئ الفاشي الذي تم إلغاؤه مع انفجار الأوضاع في ربيع 2، حيث كان التجمع لأكثر من ثلاثة أشخاص يتطلب موافقة أمنية تمر بقنوات معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً للحصول عليها..
منذ ما يسمى بـ"ثورة البعث العربي الاشتراكي" التي قضت على الإقطاع والبرجوازية حسب فذلكاتها وخطابها وأتت بطبقة أوليغاركية جشعة، نهبوية مقترة شديدة البخل، ترحّم الناس بعدها على البرجوازيات المدينية القديمة التي سـُلبت ممتلكاتها وتم السطو عليها بحجة التأميم الاشتراكي، لم تقم الطبقة الحاكمة الجديدة، ولحسابات خاصة، ببناء مرافق حيوية أو جمعية خيرية واحدة، أو معمل إنتاجي أو مشروع استثماري في عموم مناطق النصيرية العلوية، بل كانت تسعى لمراكمة ثرواتها وزيادتها والاستفادة من مكرمات ونعم وامتيازات السلطة الاستثنائية الممنوحة لها.
وكسائر شرائح المجتمعات والشعوب السورية، لم تعد هناك طبقة وسطى، واختفت تماماً من الوجود عند النصيرية العلوية، وهناك عائلات كانت ميسورة تم إفقارها، ودخلت لوائح وخانة الفقر والإملاق، فيما تشكلت طبقة علوية عريضة مدقعة الفقر وطبقة قليلة جداً من أثرياء السلطة وفوقهم الطبقة الأهم وهم ممثلو وواجهات مالية و"بزنس" لشخصيات كبيرة بالنظام، صار لها حظوة كبيرة واستثنائية ولا أحد يعلم بالضبط مقدار ما تملك فيما تعيش شريحة شعبية واسعة من الشعوب العلوية تحت وطأة الفقر والقلة والحرمان.
أصبح ذاك الإرث والتراث والتقليد والطقس العلوي التكافلي الجميل، تقريباً، في حكم الماضي، او في طريقه للاندثار والزوال وقد لا تبقى منه سوى القصص الجميلة والذكريات الطيبة، وأعتقد أنه سيندثر تماما، إن ما استمر الإفقار الممنهج المرعب على ما هو عليه، وقد لا يكون له أي وجود خلال عقد قادم، وسيختفي تماماً مع ازدياد معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأعمال وتراجع قطاع الزراعة وانخفاض القدرة الشرائية وانهيار قيمة العملية وتنامي سعار الاحتكار ونهم الاستحواذ وجشع التملك الجاري الآن.
وكله كوم، وأولئك الذين يتحدثون عن "نظام علوي"، و"علوية سياسية"، و"مجلس ملـّي مزعوم"، كوم آخر، هو أكثر بؤساً ووقعاً، وأشد غضاضة على النفس، وشفقة، من حال تلك الفتاة المشحـّرة، وأبيها المنتوف، (المصر على إحياء الطقس)، والتي أتتني بـ"خضارة" برغل مسلوق سادة، بدون أي "فرمة" لحم تعلوها تسد نهم وتوق وشوق متلقيها لممارسة طقس علوي تكافلي اجتماعي رومانسي قديم.
*كانت الخضارة عبارة عن وعاء فخاري يوضع فيها البرغل مع قطعة لحم تعلوه، الآن، ومع التحولات والانهيارات الكبرى استبدلت بطبق من الورق المقوى عليه ورقة سيلوفان.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا: أوهام القوة الفارغة
- تقليم مخالب الإخوان المسلمين
- خرافة العروبة وحقيقة الاستعراب
- خرافة الله الواحد الأحد
- جوائز الترضية لملالي طهران
- غزوة البعث الكبرى
- ظاهرة بناء المساجد
- من خرافات الصحراء المتداولة
- الإلحاد يتقدم والأديان تخسر وتتراجع
- سجناء جلبوع: من ساواك لنفسه ما ظلمك
- دبلوماسية الناقلات: لن يصلح النفط ما أفسده ملالي طهران
- روسيا: أذن من طين وأذن من عجين
- لماذا التطبيع مع العرب حلال؟
- طالبان: عودة الابن الضال
- ليست انتصارات إلهية إنها الحرب الأهلية الأفغانية
- أعياد وطقوس المكونات والأقليات السورية؟
- ضربة المعلم لواشنطن
- لماذا استوطؤوا حيطان المستعربين؟
- افغانستان: سيناريو الرعب القادم
- أباطيل العروبة


المزيد.....




- كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش ...
- -لا توجد ديمقراطية هنا، هذا هو الفصل العنصري-
- -لا نعرف إلى أين سنذهب بعد رفح-
- شاهد: طلقات مدفعية في مناطق بريطانية مختلفة احتفالاً بذكرى ت ...
- باحثة ألمانية: يمكن أن يكون الضحك وسيلة علاجية واعدة
- من يقف وراء ظاهرة الاعتداء على السياسيين في ألمانيا؟
- مصر تحذر من مخاطر عملية عسكرية إسرائيلية محتملة في رفح
- ماذا تكشف روائح الجسم الكريهة عن صحتك؟
- الخارجية الروسية توجه احتجاجا شديد اللهجة للسفير البريطاني ب ...
- فرنسا تتنصل من تصريحات أمريكية وتوضح حقيقة نشرها جنودها إلى ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - سوريا: تدمير التراث النصيري العلوي