أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جدعان الشايب - البلاد تغلق أبوابها..... قصة















المزيد.....

البلاد تغلق أبوابها..... قصة


أحمد جدعان الشايب

الحوار المتمدن-العدد: 7030 - 2021 / 9 / 26 - 00:52
المحور: الادب والفن
    


المحبة ليست بفضيلة .. هي ضرورة أشد من ضرورة الخبز والماء , والنور والهواء .
ميخائل نعيمة
...............................................................

ليتني ما جئت إلى هذه البلاد .
قالها وهو يغلق خلفه باب غرفته , وقذف بحقيبته على الطاولة بشيء من الضيق , وتهالك على سريره زافراً عبء شهور ربضت على صدره , حاملةً ألم الوحدة والفراق .
لكنه يلتجئ إلى كتاب أو مجلة , يحاوره على الصفحات مفكر يطرح رأيا في أهمية نقل المجتمع من حالة الركود والثبات في فكر غيبي أحادي , إلى أفكار متنوعة في العلمانية والحداثة والحرية.
يمضي به الوقت , يتأرجح بين القبول والرفض , فيوماً يجد نفسه منافحاً عن مجتمع يرتدي جلباب العزلة , متكئاً على خلفية صيانة الهوية الثقافية , وخشية الذوبان في مرجل عالمي يصهر الخصوصية التي نشأ عليها فاعتادها , ما يجعل الذهب العتيق يختلط بشوائب الحديد والنحاس والصدأ.
ويوماً آخر, يتحفز للترويج لآراء الفكر الغربي وإبداعاته , التي خلّص بعض المجتمعات من الخرافة والظلم , وآمن بإنجازات العقل وتحرير الذات .
وكثيراً ما يسأل نفسه عن أعظم قيمة يمتلكها الإنسان الحب , هذه النفحة الإلهية , هذه الخلطة الكيميائية التي بثها الله في العروق والشرايين , فصار نسيجاً شفافاً , يسري مع الدماء فينعش القلب , ويزكي الأعصاب بنور ملا ئكي.
الحب ؟ دق قلبه , سمع دقاته , طيف هالة ينتصب قبالته, دامعة العينين , عاتِبة ( لا خبر منك .. ولا سؤال عنا ؟ ).
ارتعد , خنقته عبرة , ( يا ملكة القلب , وعبير الروح , حقك أن تعتبي, رغم محاولاتي المملة للاتصال بك, دون جدوى , لا أحد يرد , لا هاتفك الجوال , ولا هاتف المنزل , فماذا جرى ؟ ).
يزفر, يمسح دمعه , يتمدد , يسرح مفاضلاً بين حياته يوم كان مع هالة في الجامعة , في السوق , في المطعم , في زيارة الأصدقاء من الجنسين , يسود بينهم الاحترام والمودة , وبين مجتمع لا يعرف رجاله النساء , ولا تعرف نساؤه الرجال , هم يؤمنون لو أن رجلاً يرى وجه امرأة أو يكلمها , قد تنهدّ السماء على الأرض .
النساء ليل كتيم , سواد دامس , ينتقل السواد إلى القلوب, فتنغلق النفوس , وتتحجر العقول , فتتصحر البساتين .
ما هذه الحياة , أين نفحة السماء ؟ أين نسيم الروح ؟ وكيف يأتي النور الملائكي ؟
الحب!.. نهض بجذعه, افتر ثغره عن ابتسامة ساخرة تحمل العديد من التساؤلات , تنبه , يا إلهي , ما هذه التعاسة ؟ كيف يختار الشاب فتاة أحلامه ؟
تصور نفسه طالباً يدرس في الجامعة , دون أن يرى هالة , وهي تخطو أمامه , وتشير له بأصابع كفها بتحية ناعمة , فيلحق بها مثل فراشة يجذبها الضوء , يحس أن الأرض تميد حين تميس , تتمايل , كأن جذعها سينقطع ليفترق عن حوضها , يهتز صدره , يتقافز شعرها مثل مروحة ملكية فوق عنق نبيل , يشرئب كبرياءً واعتزازاً بعلاقة حب ناضجة .
تنفس بعمق , ارتاح , طمأن نفسه , فهو سيعود إلى بلاده , يرى الحياة ويعيشها , الشباب والفتيات , وبينهن هالة سيأخذها من يدها , يتمشى معها , سيشاهدوهما معاً , ويتحدثون عن حبهما , وسيعلنان لهم جميعاً أنهما خطيبين , وقريباً زوجين , وسيقول للشباب والصبايا , ليبحث كل واحد عمن يحبه , فنحن نعيش في نعمة لا حدود لها , اختاروا من تحبون وتزوجوا , وسيهتف فرحاً , اصدح بغنائك أيها العمر, فالغناء يبعث الفراشات والعصافير في بستان قلب قاحل .
فرد مخدة الذكريات , ونام على سرير من أرق, أغمض جفنيه , أحضر يوم الوداع , وقبله , استحضر فرحة النجاح والتخرج , هو وهالة , تعاهدا على الزواج , رغم كل العقبات , ويوم وصله فاكس بعقد العمل خارج البلد , فرِح به وزف الفرحة لحبيبته هالة, فبنت عليه آمالاً ولونت أيامها بالأحلام , فهو بعد عام واحد , يستطيع تأمين طلبات الزواج .
ودّعها وهو يشد على كفها , كل همسة منه رعشةٌ تسري تحت مسامات الجلد والنبض والعروق, يكاد قلبه يسقط في أحشائه, وهو يمسح دمعتين غسلتا هدبيها وحين أفلت يده من يدها قالت: (الله معك لا تنساني) .
مرت الأيام طويلة , رتيبة , كل يوم يمضي , يحس أنه يقترب من حلمه أكثر, لكنه لا يستطيع أن يوصل لها أي خبر أو اتصال , ولم يتلق منها ما يطمئنه عن أحوالها , كأنه في سجن يحرّم عليه التواصل , ولم يبق أمامه إلا ذكرياته .
صورتها تنهض على الطاولة , يلقي عليها تحية الصباح , حين يستقبل الشروق , يتألق نور وجهها مع أشعة الشمس لتصب على قلبه الأمان والرضى .
قرر ألا يعود مرة ثانية إلى هذه البلاد , سينهي كل علاقة له , ويمضي ليعيش الحياة الحقيقية , فما جدوى حياته بلا محبة ؟ وما جدوى أن يجمع المال وهو يفقد أثمن ما في الدنيا ؟ سيعبّ السعادة قبل أن يشيخ الزمن وينطفئ سراج عمره , ويرقد في قبر الظلام والرطوبة.
وحدها أمه في المطار تنتظره , كان يتوقع أن ترافقها هالة , ضمته بذراعيها ورفرف قلبها , واكتحلت عيناها, وهو يخبئ دهشة السؤال.
هزت أمه رأسها وقالت :( أفهم ما يدور في رأسك.. لم أعرف شيئاً عن هالة يا بني.. ولم استطع رؤيتها منذ سافرت...لا تهتم ..غداً خذني إلى بيتهم لأخطبها لك) .
قفز مع الفرحة , قبّل رأس أمه ويدها , تنفس نسيم صيف دمشق , وهو يمد رأسه خلال نافذة السيارة التي تقلهما , ليملأ رئتيه عبير الياسمين والنارنج , ليتنشق عبق ذكرياته مع هالة عبر الأرصفة , والحدائق والمتحف الوطني , وقصر العظم , والصالحية , ومسرح الحمراء .
أحسّ أنه عاد إلى الحياة من جديد , كأنه طائر يحلّق بجناحين من حرية , هو أمير البلاد بحب هالة , صورتها تنهض على الطاولة في غرفته , ترافقه حيث حل , وفجأة يتنبه , يهمس لنفسه برعب , ويحاول إزاحة هذا الخاطر, خاطر جديد لم يداوره أبداً من قبل .
قاوم همس أفكاره بلا جدوى , أ يكون انقطاعها وغيابها وصمتها , سببه ...الموت ؟ خاطر صرع روحه , جذوة من لهب تحرق صدره .
يهز رأسه رافضاً خاطره , ينهمر الياسمين ليملأ دلو الصبح عبيراً أسيلا, فتتفتق جراح النفس , وينفلت عقال صهيل جيادها في ملعب التصورات القاتلة ,
استعجل أمه للذهاب إليهم , فلامته على اندلاقه وتهافته, ثم عذرته ضاحكةً حين تذكرت أنها كانت تطير كنحلة إلى أبيه , ويرفرف كعصفور نحوها .
سلّما على والد هالة وأمها , وجلسوا في غرفة الاستقبال, عرّف عن نفسه , وقدّم أمه أيضاً , كانت أم هالة ترتدي جلباب الكآبة , قالت أمه :
- جئنا إليكم نطلب يد هالة لابني .
نظر الرجل إلى زوجته ثم قال ببرود كئيب :
- اطلبي هالة لتحضر لدقيقة فقط .
دق قلبه بغير انتظام , خطف نظرة سريعة إلى عيني أمه , تبادلا تنهيدة حائرة .
دخلت فتاة صامتة , مترددة , لم يعتد أن يراها بمثل هذا الشكل الذي يلفها من رأسها حتى قدميها , وجهها لا يكاد يبدو من لفائف الأقمشة المحيطة به .
بُهت , ذُهل , أمسك رأسه بكفيه , كاد يبكي , قالت أمه:
- أهذه هالة ؟
أبوها رد قائلاً :
- نعم هذه هالة.. وشرطنا لمن يخطبها للزواج ، أن تبقى بهذا اللباس مدى حياتها .
استدارت هالة باتجاه الباب.. خرجت دون أن تفوه بكلمة, رمت بنفسها على سريرها وانفلتت بالبكاء .
أحس أنه فقد هالة إلى الأبد , لا فرق عنده بين فقدانها وبين شرط أبيها , قال :
- لكنني أحب هالة , وهي تحبني , ونحن أحرار في حياتنا نلبس ما نشاء.. ونعيش كما يحلو لنا.. المهم أن نحافظ على حبنا وكرامتنا .
انتفض الأب واقفاً وصرخ :
- رأي بنتي من رأيي , ليس عندي بنات للزواج , مع السلامة .
احتضن يأسه في غرفته مخذولاً , لا يدري من يسب , يجرِّض ريقه , ليبصقه في وجه الظلم , فيبتلعه منهزماً تحت وطأة المواجهة الخاسرة .
تسرح في رأسه أفكار غريبة , محاولةً إنقاذ هالة من وكر الوحشة والعفونة , لكنه يرتد عن هلوساته إلى واقع يطحن الحصى .
يخشى القانون الذي يسلبه حلمه وحريته , لأنه وحده لا يقدر على تغيير شيء .
بقي مدة الصيف , بدلاً من أن يملأ الوديان والجبال والساحل فرحاً ومرحاً مع الحبيبة , استمر قابعاً في مكانه , يئن تحت وطأة الاستلاب , ولا يملك إلا أن يتدثر بغير الصبر, ليبرأ من وجع الروح , يتأمل ما فاته من كآبات , وتبوح ساقية النفس بآهات من دمع وأسى .
حزم حقائبه , تخلخلت أحشاؤه ساعة الرحيل , ودّع أمه, ومضى قاصداً المطار.



#أحمد_جدعان_الشايب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انعطافة لابد منها..... قصة
- المغفل يستخدم عقله...... قصة
- مبادئ وقناعات متحولة......قصة
- القارض لم يمت
- المأزق....... قصة
- حق مشروع... قصة
- مشوار العذاب
- البدائل لأساليب التدريس القديمة.
- الصرخة.. وعناق الأرض...... قصة
- طرق التعليم التقليدية.. القمع الأسري والمدرسي للأطفال
- خفقات القلب الأخيرة.... قصة
- أسود.. وأسود.... قصة
- أهمية الكتاب والقراءة.. وتعميم الثقافة.
- مأساة إيزادورا...... قصة
- الغلس....... قصة
- الكمين....قصة عن أحداث الجزائرفي نهاية القرن الماضي
- ضد الفطرة....( قصة)
- وسوسات التحدي الكبير
- الجرح............... قصة
- عليّ بحماري.................قصة


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جدعان الشايب - البلاد تغلق أبوابها..... قصة