أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جدعان الشايب - الكمين....قصة عن أحداث الجزائرفي نهاية القرن الماضي















المزيد.....

الكمين....قصة عن أحداث الجزائرفي نهاية القرن الماضي


أحمد جدعان الشايب

الحوار المتمدن-العدد: 6981 - 2021 / 8 / 7 - 11:44
المحور: الادب والفن
    


الذئاب المتعطشة للدماء, تسعى لتبطش بأول فريسة تصادفها, تولغ رؤوسها في أحشاء ضحاياها, مشهرة أنيابها ومخالبها الخنجرية, تخلع القلوب, تبتر الأطراف, وتطحن الرؤوس, ذئاب في إهاب بشر, يهيئون أنفسهم في أول كل ليل, يتسلحون بالمدى والسيوف التترية, يتوقون لإنعاش نفوسهم بالصراخ المتوجع للضحايا, النابت في الحناجر المرعوبة إثر مشهد ذبح رضيع, أو بقر بطن يحمل الوعد والأمل.
حددوا هدفهم البغيض, يعتقدون أن الزمن يسبقهم, ومازال أمامهم الكثير, يرسمون خططا وبرامج لاجتثاث الحياة المطمئنة.
تمترس ثلاثة منهم هذا المساء على جانبي الطريق المؤدي إلى العاصمة, عندما ودعت الشمس قمم الجبال, وتركت شيئا من دفئها بين أغصان الزيتون البري والصفصاف والسرو.
الطريق طويلة, تغيب عن الأعين قليلا وتظهر من جديد, تبدو خالية من شيء يتحرك على اسفلتها العتيق, لكن وراء الأكمة ما وراءها.
في السيارة الصغيرة أربعة رجال وامرأة تضم طفلها إلى صدرها, تهدهد له براحة كفها, يشم رائحة عرقها فيطمئن, ويغفو بأمان. يجلس بجانبها زوجها ميلود, يتحدث بأمل كبير عن مستقبل الزراعة في بلاده, يرى أن تتشكل حملة كبرى بإشراف وزارة الزراعة لتحويل الملايين من أشجار الزيتون المهمل, إلى شجر منتج لحبوب الزيتون وزيت المائدة, لتكفي حاجة الوطن وما يزيد يصدّر إلى الأجزاء الأخرى من الوطن الكبير.
نداء( الله أكبر) يشق ثوب السكون, يصدح من مسجد القرية التي توزعت بيوتها على أطراف هضبة مخضرة بالزرع. ما كادت السيارة تنحدر نحو الوادي الموازي للقرية, حتى فوجئوا بثلاثة رجال يشيرون بأيديهم أن يتوقفوا, أحدهم يشهر مسدسا باتجاههم, يلبسون لباسا محيّرا, لا هو عسكري ولا هو مدني, يطلقون لحاهم لتغطي جزءا من صدورهم, يقبضون على مدى وخناجر تلمع نصالها رغم الغبش الذي يغلف الوادي. وما أن فتح السائق الباب حتى انهال عليه واحد منهم بسكينه الغادرة.
أعزلا حاول المقاومة, لكنه تلطخ بدمه وسقط متهالكا, فارتمى فوقه القاتل ذبحا من الوريد إلى الوريد.
صاروا يسحبون الركاب الذين يتشبثون ببعضهم وقد هربت من أبدانهم القوة والعزيمة, سيطر الرعب عليهم، يرتجفون هلعا, يستنجدون بشهامة القتلة, يستغيثون بأي شيء, فلا مروءة ولا نخوة ولا شفقة.
انهارت المرأة ولم يبق فيها إلا نفس يكاد ينضب, وماتزال تلف رضيعها بذراعيها المتهالكين, بينما واحد منهم يجرجرها خارج السيارة فتتهاوى على الإسفلت ليصحو الطفل مادا يده, باحثا عن حلمة يمتصها, لكن حلمه انتهى بسكين معقوفة, فصلت رأسه عن جسده, وتدحرج مشبعا بدمائه الموردة. تنتقل السكين إلى رقبة المرأة, في الوقت الذي كان الركاب الثلاثة يسرعون بالنزول عزّلا من أي سلاح, إلا من الغضب والارتعاد والحماسة للرد والانتقام أو الهرب.
قاوموا بأيديهم التي أصيبت بجروح إثر الاشتباك لبضع لحظات, استطاع أحد الركاب أن يجد غصنا مرميا على طرف الطريق, حمله بيديه فأحس أنه يمتلك رشاشا, هوى به على جمجمة القاتل الذي راح يطلق رصاص مسدسه في كل الاتجاهات, لكنه سقط متكوما على نفسه, بعد أن كسرت جمجمته وراحت تنثر دماء قاتمة. التقط الرجل المسدس وهو يتدحرج نحوه بسرعة, أطلق على قاتل آخر يجهز على أحد الركاب, ولكن بعد فوات الأوان. كان قد أنهى ذبحه, فقذف بمديته نحوه, فانغرزت في خاصرته, وسقط الاثنان معا.
استطاع ميلود أن يهرب مختفيا بين أشجار البلوط المحيطة بالطريق, في الوقت الذي كان القاتل الأخير ينهي حياة المرأة, فقفز خلفه قفزة كبيرة دون أن يرى مواضع قدميه فسقط في بئر قديمة متوسطة العمق, لا يحتوي قعرها إلا على الحصى والحجارة والعيدان, وبعض قطع أثاث تالف,
اصطدمت ساقه بصخرة ناتئة في عنق البئر, فأصيبت بكسر, وانكسر ساعده, على حجارة القاع, وظل غائبا عن الوعي مدة.
ما يزال ميلود يقبع خلف شجرة كثيفة, أحس بصوت ارتطام وحركة حوله, اعتقد أن أحدهم يتابعه أو يبحث عنه, أخذ بيديه غصنا جافا وحجرا, لكنه لم ير أحدا, في البداية تأهب للمقاومة, وما يزال قريبا من الطريق. الخوف يرعد أعضاءه, مشهد ذبح طفله يقطع فؤاده, انهيار زوجته ورعبهم جميعا يخجله من نفسه, ويسكب في وجدانه الحسرة والندم.
حاول البحث عن مكان يجد فيه الأمان حتى نهار اليوم القادم, مشى خطوات حذرة, حين وجد البئر, قرر النزول فيه ليختفي عن أعين القتلة، لعله يلتقي بأحدهم يوما, وخاصة الذي ذبح ابنه وزوجته, تيقن أنه عرفه وحفظ شكله وملامحه كأنه يعرفه, سيبحث عنه في كل مكان, فلا هم له اليوم إلا الانتقام لجميع الأبرياء, سيسلّم من يعثر عليه إلى رجال الأمن فور اكتشافه.
نظر إلى البئر, تلمسه من الداخل في فوهته وعنقه, اطمأن حين وجده على اتساع ساقيه, ويستطيع تشبيك كفيه وقدميه في الحجارة النافرة, نزل بتؤدة حتى وصل إلى منتصفه، وضع قدمه ليقف على حجر آخر, فوجد تحتها خاليا ومتسعا في نصفه السفلي. فكر في وضعه الحالي, هل يخرج أم يبقى هكذا ثابتا بلا حركة حتى ينقضي ليله اللئيم. لكنه خشي أن تأخذه غفوة, أو قد لا تقوى ساقاه على الثبات ساعات طويلة, وهو ما يزال يرتعد غيظا ورعبا, لا يستطيع تهدئة أطرافه ومفاصله, كأن حملا ثقيلا قصم ظهره, قرر القفز إلى القاع ليستريح, وفي النهار لابد أن يجد طريقة للخروج حيا ليبدأ البحث عن القتلة.
خطرت على ذهنه قصة (النبي يوسف) مع إخوته يوم رموه في الجب العميقة, وخرج منها على يد بعض المارة في الطريق, فهو أيضا ليس بعيدا عن الطريق, قريب من مزارع القرية, يمكن له أن يصرخ ويطلب النجدة, ويمكن أن يقذف بالحصى والحجارة من قاع الجب إلى الطريق, ولابد من اكتشاف أمره, أو يمكن أن تأتي سيارات الإسعاف وعناصر الأمن بعد مدة قصيرة, عندها سيصرخ وينقذه رجال الأمن.
مرت لحظات قليلة, قفز إلى وسط قاع الجب, مد يده عاليا فوق رأسه, لكن كفيه لم تلامسا الحجارة الناتئة. وقف فترة يتأمل ما وصلت إليه حاله, وما صار لزوجته وولده, درس تفاصيل مـأساته القاتمة, وسط حلكة هذا الجب المنعزل المهجور, في ليلة دامسة, مشى خطوات يتلمس أطراف البئر, وقبع في جانب منه, مسندا ظهره المفتت تعبا وفزعا, وراح يبكي تعاسته بألم وحرقة.
قضى ساعات من الوحشة القاتلة, وحيدا يتداول الأمور, ما مضى وما يحدث الآن وما سيحدث في المستقبل. انتصفت ليلته المشؤومة, وهو يحملق في فراغ الجب المغطى بالسواد, يود اكتشاف أطرافه واتساعه, ليطمئن لخلوه من عقرب أو أفعى, وتكون بالتالي نهايته الوخيمة في جب مهجور بعد أن نجا بنفسه من نهايته على أيدي قتلة مجرمين, لينتقم منهم, يموت ميتة لا قيمة لها. مشهد ذبح الطفل في حضن أمه المتهالكة, يفتت نفسه ويوتر أعصابه, لديه رغبة في الصراخ والعويل, لماذا لماذا لماذا؟.
سمع أنينا ضعيفا, كأنه صوت إنسان يختنق, ظن أنه يتوهم أنين زوجته وابنه, أو أحد الركاب قرب الطريق, أضاءت بقعة أمل في نفسه, فقد يكون هذا الأنين لزوجته حقا, أو لأحد الركاب على الطريق. كاد يصرخ, ينادي زوجته, يصيح بأعلى ضوته, يا ناس يا أهل الخير أنا هنا في الجب, أنا هنا انقذوني, لكنه حبسها فجأة, خوف أن يكون واحد من القتلة, وبدلا من إنقاذه ينهي حياته بالمسدس أو السكين.
علا صوت الأنين والتأوه, تيقن أنه يجاوره في قعر الجب, لكنه لم يخمّن وجود بشر فيه, اعتقد جازما أنه الآن بين الجن, صار رأسه ثقيلا يكاد ينفجر, قرر أن يسلم أمره لقدره, ويثبت في مكانه ساكنا هادئا بلا حركة, حتى أنفاسه التي يعلو ضغطها في صدره ليقلل من تتابعها, لكي لا يزعج سكان الجب, إيمانا منه أنه إذا لم يزعجهم لا يزعجونه.
تحرك القاتل المتأوه, صحى من غيبوبته إثر كسر ساقه ويده, مد يده إلى جيبه, أخرج قداحة وأشعلها, فأنارت ما حوله, لكنها لم تكشف كل أطراف الجب, لم يستطع رؤية ميلود في الطرف الآخر, وعاد يئن ويتأوه, أشعلها ثانية, لكنه لم يشاهد أي شيء.
هبط قلب ميلود هبطة مفاجئة, أحس أنه صار في غير موضعه, لم يستطع في المرة الأولى التأكد من الشخصية المتمددة في مواجهته, لكنه في المرة الثانية, تيقن تماما أنه القاتل. في البداية اشتد ارتعاده لرؤية قاتل ابنه وزوجته, وحين شاهده محطما في رجله ويده, ولا يقوى على فعل شيء وهو يئن من الألم, استجمع قواه وعزم أمره أن ينتقم الآن بكل هدوء.
نهض, تقدم نحوه, طرطقت الحجارة والحصى والعيدان تحت قدميه, انبعث في نفس القاتل بعض أمل, ففي رأيه أن أية حال أفضل من حاله, حتى الموت لم يخف منه, فهو برمج دماغه على محبة الموت ومعاداة الحياة.
أشعل قداحته فرأى الرجل الذي هرب منه وقت الاشتباك, أحس بأنه يعرفه من قبل, أو أنه شاهده منذ زمن, قال:
( من أنت؟.. ماذا.. ماذا تريد؟.. ساعدني.. أنقذني.. بالله عليك.. من تكون أنت؟.. وماذا تفعل هنا؟.. أنا.. أنا كنت ألحق بأرنب فسقطت هنا).
( هات القداحة..).
أخذ ميلود القداحة منه, اشعلها قرب وجهه, قربها أكثر حتى كادت تلتهم جزءا من لحيته الطويلة, غطى القاتل لحيته بسرعة, مد ميلود أصابعه إلى وجهه, أبعد لُثامَه عن وجهه, حدّق ودقق في ملامحه:
( أنت يعيشي؟..)
( نعم يا أخي.. أنا يعيشي)
( وأنا الأرنب التي كنت تلاحقها.. هربت منك بعد أن ذبحت طفلي وزوجتي.. لماذا؟.. لماذا قتلت طفلا رضيعا وامرأة؟.. ماذا تريد من رضيع مستسلم لقدره وأمه البريئة؟.. ماذا فعلنا لكم ؟.. تكلم).
ودّ لو يحطم رأسه بكل حجارة هذا الجب, أو يربط غطاء رأسه على حنجرته ويضغط, لكنه تراجع حين سمع أنينه يقطع جوابه:
( عذرا يا أخي.. لم نكن نعرفكم.. وليس لدينا وقت للتعرف على الناس).
( فكيف تقتلون أي إنسان تصادفونه؟.. وكيف لا يعذبك ضميرك بعد ذبح النساء والأطفال .. وحتى الرجال الأبرياء؟).
( هذا ما يطلب منا.. ساعدني يا أخي .. ساقي تؤلمني كثيرا.. وساعدي انكسرت.. إني أتألم .. ساعدني).
( وأنا أتألم لذبحك زوجتي وابني.. فهل أستطيع مساعدتك إلا بقتلك؟..)
( لا يهمني.. افعل بي ما تشاء.. المهم أن تخلصني من عذابي وآلامي.. ولو كان لي الحق بقتل نفسي لفعلتها.. ولكن عند الله أكون قاتلا).
( ولا تعد قاتلا عند الله إذا قتلت طفلا وامرأة .. أو أي إنسان بريء.. ما هذا الإيمان؟.. ما هذه الثقافة ؟).
بقي ميلود ثابتا في مكانه, القداحة تنشر ضوءا ضعيفا, بدا وجه يعيشي القاتل ينشر سما زعافا من خلال الظلال المتشكلة في تفاصيل ملامحه اللئيمة, كأنه صخرة صماء, تسيطر عليها حفر قذرة, نفخ نفخة محملة بهمومه الثقيلة, اهتز لهب القداحة فتماوجت الظلال.
أخذ غطاء رأس يعيشي, مزقه قطعتين طويلتين, وبحث عن عيدان قوية ومستقيمة, ثبّتها على ساقه المكسورة, ولف عليها قطعة القماش, لفّ ساعده أيضا بالقطعة القماشية والعيدان, وضع قطعة اسفنج متهرئة, وجدها بين قطع اللباس العتيقة, مدده فوقها, ثم خلع سترته وغطاه بها ليدفئ بدنه المرتجف, فرطوبة الجب إضافة إلى كسوره أوهنت عزمه.
تمدد ميلود بجانبه بعد تعب ورعب وإرهاق لم يتوقف طيلة الليلة, تلاطمت في ذهنه أفكار وصور مختلفة الأشكال والألوان, أشعل القداحة بعد مضي وقت, كان يعيشي مغمضا عينيه باطمئنان.
أصوات أبواق السيارات تملأ المكان, وشخير محركاتها يهدأ على الطريق, كان أفراد الأمن والصحة يلملمون الجثث. كان ميلود يصرخ, يتعالى صراخه ويجأر باستغاثة ملهوفة, ومن عمق الجب لم يصل صوته لأذن أحد. فأصوات المحركات والضجة والأصوات الكثيرة, تحول دون سماع أي صوت بعيد.
بدأ يقذف بالحصى فوق فم الجب لعلها تصل إلى جوار أحد منهم, لكن الحصى ترتطم بأطراف الحجارة الناتئة في عنق وفم الجب التي تبدو كأسنان سمك القرش وقد ابتلعهما إلى الأبد, فتعود إلى قاعه من جديد.
ارتفع صوت محركات السيارات, وزعقت الأبواق, وسحجت العجلات مبتعدة عن المكان. قطعت الضجة والحصى المقذوفة إغفاءة يعيشي, الذي فرح لإنقاذه وإسعافه على هذا الوضع. لكن ما إن عاد السكون إلى المحيط, حتى فقد ميلود الأمل بالنجاة. بينما عاد يعيشي يتمدد من جديد وقد قرر أن يرمي بحمله على كاهل ميلود, فهو الآن أقدر منه لإيجاد مخرج لحالته, قال له:
( ماذا نفعل الآن؟)
( سنخلع لباسنا لأمزقه إلى قطع طويلة.. وسأربطها ببعضها.. وفي نهايتها أربط حجرا لأقذفه خارج فم الجب.. كي يعلق بغصن شجرة أو بين صخرتين.. أخرج أنا أولا.. ثم أنتشلك من هنا).
( فكرة جيدة.. ليس أمامنا إلا هذا الحل).
( ولكن سننتظر حتى الفجر.. لكي لانصاب بالبرد).
أشعل القداحة ليرى مكانا يتمدد عليه حتى الفجر, لمح فتحة في جانب أسفل الجب اختفى نصفها تحت ردم الحصى والحجارة والعيدان, اقترب منها, وجدها منفذا ينفث موجات من الهواء البارد, صاح:
( هذه فتحة تتجه نحو السطح.. يأتي منها هواء قوي..). وراح ينبش الحجارة والحصى من أسفل الحفرة, وجدها كافية تتسع لجسم إنسان تماما.
( الآن يمكنني الخروج منها بسهولة.. لكن وقت الصباح قادم, لنستطيع رؤية الأشياء في هذا النفق). قال له يعيشي بلؤم وخبث:
( تمدد قليلا لتستريح حتى الصباح).
نفرت مخالب الشر في ذهنه المريض, بدأ يخطط للتخلص من ميلود, أوهمه أنه سينام أيضا ليستريح, بعد أن أحس بقليل من الدفء, إثر تضميد وجبر كسوره, حدّث نفسه:
( لن أتركه يحيا.. فهو لن ينسى أني قاتل ابنه وزوجته.. وسيقتلني يوما ما.. عليّ أن أتخلص منه قبل أن ينهي حياتي.. وقد عرفت كيف أنجو بنفسي من هذا الجب).
مضت مدة من الوقت, اطمأن يعيشي لاستسلام ميلود لنوم عميق, لقد هده الألم والتعب والفقد, في حين صوت المؤذن في القرية, يعلن عن قدوم الفجر, مدّ يعيشي قدمه السليمة نحو عنق ميلود, تحسسها جيدا بهدوء, ثبّتها على حنجرته, وبدأ بسرعة يضغط بجبروت كريه, وأشهر سكينه في كفه ليغرزها في الجسد المستسلم, لكن فجأة قفز ميلود من مكانه قفزة واحدة مرعوبة, أشعل القداحة, كانت السكين مهيأة في قبضة يعيشي, وقدمه ممتدة إلى موضعه يريد سحقه, قال متحسرا:
( لا فائدة منكم ومن أمثالكم.. ستظلون قتلة.. تعشقون القتل والموت والفناء .. وتكرهون الحياة.. ورغم كل ما فعلته بي وبأسرتي.. لن ألطخ يدي بدمك القذر .. أنت الآن اخترت نهايتك في هذا المكان.).
أسرع نحوه, أخذ مديته, ثم غرز جذعه في الفتحة, وراح يزحف رويدا رويدا إلى أن وصل نهايتها, قطع الكثير من النباتات والجذور المتشابكة والأشواك في فمها, وخرج يستنشق هواء الحياة والأمل.
أسرع نحو صخرة كبيرة, دحرجها حتى سد فم الفتحة المتصلة بقاع الجب, كوّم فوقها الحجارة والتراب والأغصان , وهرول إلى فم الجب, شبّكه بالأغصان الكثيفة, ورمى فوقه الكثير من الحجارة والأشواك والتراب. اتجه إلى الطريق, توقف للحظات في مكان الجريمة, طوفان من الدمع يغرق عينيه. كان ضوء الفجر يشمل الوادي, نظر نحو الهضاب والتلال, عزم أمره أن يحوّل ما يستطيع من أشجار الزيتون الوحشي إلى شجر مثمر يستفيد منه جميع أبناء الوطن.



#أحمد_جدعان_الشايب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضد الفطرة....( قصة)
- وسوسات التحدي الكبير
- الجرح............... قصة
- عليّ بحماري.................قصة
- المأزوم
- أسف
- القناع
- حمزة رستناوي.. وإسقاطات جلجامش على الحياة
- في يوم عيد
- تآلف
- كبرياء الراعية ( شولمين)
- أمنية لن تضيع
- القرار الأخير
- العدالة والضواري
- صباح رائق.. وخيبة
- قراءة انطباعية في قصيدة ما الجدوى؟ لحمزة رستناوي


المزيد.....




- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد جدعان الشايب - الكمين....قصة عن أحداث الجزائرفي نهاية القرن الماضي