أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود الرشيدي - رمزية اللاشعور على واقع المستقبل[قصة قصيرة]














المزيد.....

رمزية اللاشعور على واقع المستقبل[قصة قصيرة]


محمود الرشيدي

الحوار المتمدن-العدد: 7027 - 2021 / 9 / 22 - 00:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كعادته في الإسترخاء عند كل قيلولة يُشبك لقمان أصابع يديه ويُرسلها الى الخلف كوسادة فوق الوسادة ، ويمدد رجليه ، اليمنى فوق اليسرى، ثم ينطرح إلى الوراء ويغمض عينيه .
بسرعة، تَظهر الشاشة السوداء التي تتراقص فيها بُقع ملونة صغيرة ، تُغَيِّر جلدها في كل مرة ،كما تُغَير مكانها هنا وهناك .
أما البُقَع الأكبر الناصعة البياض فهي غالبا ما تتحرك في خط واحد وإلى جهة معينة، وتنطفئ قبل الوصول إلى حافة الشاشة.
الشاشة السوداء تَرَمَّدت ثم بدأت غيومها تنقشع وكأن أشعة مصباح غزتها من الوراء، ذابت الشاشة وساحت من كل جوانبها على أنغام إيقاعية انْخَفَتَت تدريجيا حتى صمتت، ليظهر موكب في مقدمته حصان لامع السواد يرقص بدون إيقاع والناس على شكل هلال حوله في خشوع تام.
دنا لقمان وعَيْنُه على الدابة الهائجة أو الفنانة، تسبقه يده اليمنى ولا يدري مَن ومتى سَيَلْمَس أَحَدَهم.
تَلَمَّس بمهارة الطبيب نتوءً صلباً لم يعهده في ظهر أحد ، حينما انتفض مفزوعاً ذلك القصير صاحب الحدبة وهو يصيح في وجهه :
  - ليس من حقك أن تضع يدك هناك، ألاَ تحترمون عورات الناس؟
-ماذا تقول ياأخي؟ متى كانت الحدبة عورة؟
-ومتى كانت لك حدبة حتى تعرف؟
-أنا طبيب ياسيدي.
-وهل أنت أحدب طبيب؟ هذا علم لا يعلمه إلا طبيب أحدب مختص .
-لم يسبق لي أن سمعت بهذا ، ومعلوماتي لا زالت طرية حديثة ، أُمَارِس فقط منذ سنة وبضعة أشهر.ونعمل بأحدث التقنيات في المجال.
كيف ذلك؟ تقول : حَدِيثُ التخرج، ولا تعرف المستجدات؟
-أية مستجدات؟
-بل قُلْ لي أنت..متى كانت دفعتك؟ اعطني سنة التخرج.
-أنا من خريجي سنة 2020.
-لم أسمع جيداً، أعد ما قلتَه أرجوك. هل قلتَ سنة 2020؟
-نعم.
-وهل نحن الآن في سنة 2021؟
-بكل تأكيد . إلاَّ إذا كنت أنت أتيتَ من كوكب آخر .
-وهل نحن إلاَّ فوق كوكب الأرض؟
-نعم نحن كذلك .
-إذن ، بَقِيَ شيء واحد. ألا تكون من أصحاب الكهف؟
-إذا كنت أنا كما تقول ، فمن أنت؟
-نحن ، حسب استنتاجي ؛ من أزمنة مختلفة ياسَلَفِي العزيز ، فأنتم تعيشون الآن في سنة2021، أمّا نحن فإننا في سنة 2345 .
تعجب لقمان من هذا الأمر وأحس ببرودة تَنْتَابُه وتَصَلَّب كأنه من أحد المعادن أو قطعة من القطع الأثرية يجوز بيعها. تحسس جسمه وراح يقارن بين هيأته كما عَهِدَها في المرآة ، وهؤلاء أمامه ، دون تمييز يُذكَر.
استعاد هدوءه وراح يتأمل الأحدب.
الأحدب لا يُظْهِر انشغالا بلقمان، ولا يَنْظُر حتى الى ناحيته ومع ذلك تنبأ بما يدور من أسئلة في خُلِْده وقال :
سأرفع عنك العجب فيما يخص العورة.
العورة هي كل عضو أو منطقة أو جزء في الجسم لا فائدة به أوفيه أو منه في إظهاره، فهذا يُعْتَبَر عورة يجب إخفاءه أو على الأقل ستره.
العينان ليستا عورة ، لأننا بهما نُحَقِّق الرؤية ، الأدنان كذلك ، وقِس على هذا .
أما الحدبة فهي بالإضافة إلى عدم الفائدة من إظهارها ، فهي مثيرةٌ للإنتباه والفضول، ومُدِلَّةٌ للطبيب المختص في هذا المجال ، لأنه تمكن من حيازة المرض لجسمه في إطار الإختبار والتجريب ، ولم يَتَوَفَّق بَعْدُ في علاجه ، ولهذا تُعتَبَر عورة .
-وماذا عن الطب؟
-هناك الطب العام القاعدي وهو عِلم يُدَرّس، وتقنيات تُمارس ، للمتفوقين في سائر مراحل التعلم، والأجدر من ذلك لمن يَكْشِفُهم حُبهم للناس قبل أن يُصنِّفوا لهذه المهنة.
أما الطب الخاص فهو إبحار أعمق وأدق في أحد فروع أجهزة الجسم الظاهرة أو الباطنة وكذا الأمراض النفسية والعقلية وغيرها.
ونصل أخيرا إلى الطب الخاص مع درجة التميز وهو كما أَسْلَفْتُ الإشارة اليه ؛ التعمق والتبحر والدقة في أحد الفروع من أجهزة الجسم بالإضافة إلى احتضان المرض داخل ذات الطبيب المختص تطوعا وبأية طريقة كانت يَتِمُّ زرعه، ثم التفاعل مع الوضع من الداخل والخارج من باب الدراية الشاملة للأسباب والنتائج والحلول ، وجَرْياً وراء العلاج حتى الشفاء ، أو الموت دون ذلك. ويُسَجَّل في هذه الحالة  المتطوع في ديوان يسمى ديوان أصحاب الإنسانية الراقيين ، ويُكْتَب على قبره =شهيد التضحية الكبرى =.
ِانْقَادَ لقمانُ مجروراً وراء توضيحات الطبيب الأحدب ، ولما سكت الأخير انتبه الآخر إلى اختفاء الموكب والفرس ، وَهَمَّ بسؤال الحاضر عن الغائب ، بعدما غاب الجميع.
أَطْفَأَتْ زوجة لقمان شاشة التلفاز عندما سمعت منبه سيارة  ، تبعه رنين جرس المنزل ودقات على الباب.
للتو سارعت لإيقاظ زوجها ، فوجدته قد استوى جالسا وهو يتعوذ ويحوقل ويسأل الله السلامة و العافية ، ثم أخبرته بأن سيارة المصلحة والسائق ينتظرانه أمام المنزل على غير المألوف ، لأن لقمان يعود لعمله غالبا بوسائله الخاصة .
قبل سماع ما جيء به من أجله ، سمع دقات داخل صدره. لكن ترحيب ومجاملة رئيسه أَنْسَيَانِه توتره .
بدون تعليق أو أَيَّةِ معارضة تَسلَّم مهمته الجديدة مع زملائه هناك وهو يردد في نفسه "قَدَّر الله ، وما شاء فعل".
في قاعة الإستعداد كَلَّم أسرته بأمر من رئيسه عن غيابه المفتوح إلى أجل غير محدد في قسم كوفيد 19، ثم تَسلَّم عُدَّتَه وبِدْلَتَه الحامية ، وراح يرتدي ويتهيأ كما يجب ، وهو يتذكر ما رآه في منامه  :  الدابة، احتضان المرض، المعاناة، التفاعل معه من الداخل والخارج، حب الناس، شهيد التضحية ، إخفاء العورة....
إبَّانَ تِعْدَادِ شدرات الحُلْم بدأ يُسْقِطها كترميزات واحدة تِلْوَ الأخرى على واقع الحال : سَتْرالعورة على البذلة الواقية، الدابة على الفيروس، شهيد التضحية، و.. و...
و ما بدا حقيقياً في تعبير لقمان لِحُلْمِه هو العدد 2345 الذي وافق مساء ذلك اليوم في نشرة الأخبار ، عدد المصابين بالفيروس



#محمود_الرشيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعيادنا ربما أصولها مأساوية.
- مستقبل بوساطة الماضي عند الحاضر.
- من الفلسفة إلى الفلسفة عبر الأدب والفن
- اليُتم
- الحياة تؤثث نفسها وسط عبقرية الغموض
- الجَمال
- حال الحال
- ويستمر مشعل المعاناة
- رفقا بهذا الإنسان
- تقاطع الروح و الكلمة
- الموت : قبل الموت وبعد الموت
- نفَس واحد وفضاءات .
- شرارات بدون نار
- من أين أتيت ؟
- كلام في علب سوداء .
- حكايات وردة .
- قصيدة بعنوان : أقول ....
- قصيدة بعنوان: شيء من رماد ذاكرة .
- سبع نغمات لسبعة أجراس .
- قصيدة بعنوان: في انتظار أن يأ تي .


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود الرشيدي - رمزية اللاشعور على واقع المستقبل[قصة قصيرة]