أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمنية حامد - النمو المُفقر















المزيد.....

النمو المُفقر


أمنية حامد

الحوار المتمدن-العدد: 7008 - 2021 / 9 / 3 - 05:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن طالعتك الصحف بأخبار النمو المزدهرة، و فتحتك تلفازك علي وجه مزيعة بشوشة مدليه بأخبار تحسن الحالة الاقتصادية، و تلا هذا وذاك أعلانات عن مدن جديدة و منتجعات سياحية، فأنظر حولك. هل ينتظرك الفقر داخل بيتك وخارجه؟.

يطرح التباين الفظ ما بين الحالة الاقتصادية لطبقات مجتمعاتنا الفقيرة و مظاهر النمو المحكي عنها عدد من التساؤلات, علي سبيل المثال:
- هل نحن بصدد مشاهد حقيقية لنمو حقيقي ؟
- هل المظاهر المشاهدة للفقر هي مظاهر عرضية أو مرحليه لقله قليله لا تنقص من ابتهاجات النمو ؟

ماذا لو لم نكن بصدد قله قليله، بل أمام ظاهرة تعتصر قلب مجتمعاتنا، تتزايد حدتها علي الطبقات الفقيرة، وتدفع بالطبقات الأخري نحو الفقر؟

التساؤل هو في صلبه أطروحة لسؤال محوري: هل يضمن النمو الخروج أو النجاة من الفقر؟ ليس ضروري. و هو ما يعرف بظاهرة النمو المفقر Immiserizing Growth.

يمكن القول أن النمو و الفقر ليسا وجهان لعملة واحدة. عادة ما يعُبر عن ظاهرة النمو بالاعتماد علي أحد المقاييس الكلية (مثل الدخل القومي) التي يُختزل فيها العديد من المؤشرات، أما الحديث عن الفقر فيستدعي التنقيب عما هو طي الاختزال، يعتمد الباحثين فيه علي مجموعة من المؤشرات لمحاولة فهم ظاهرة الفقر من حيث مدي انتشاره و حدته ( مثل نسبة افراد المجتمع تحت خط الفقر ، او نسبة دخل الطبقات الأكثر فقرآ مقارنه بأجمالي دخل المجتمع).
إضافه لحده الفقر و مدي انتشاره، نجد عدد من المؤشرات التي تهدف لفحص جوانب آخري من ظاهرة الفقر: مثل المدي الزمني لظاهرة الفقر (فنجد ما يعرف بظاهرة الفقر المزمن "Chronic Poverty" مقارنة بالفقر المرحلي)، أو تحليل ظاهرة الفقر و معاناته من خلال الإعتماد علي مؤشرات لصحة الأطفال، (مثل نسبة "التقزم" و هو ما يشير لقصر الطول نسبة لعمر الطفل، أو "الهزال" لقياس نحافة الطفل نسبة لطوله).

ظاهرة النمو المُفقر ليست إذا بالظاهرة الغريبة، إن ما صاحب سياسات النمو إستخدام لآليات تعتمد علي توزيع ثمار النمو بعيدا عن الطبقات الفقيرة، أو آليات من شآنها الإضرار بالفقراء في الطريق لهذا النمو، لتكون المحصلة تدهور وضع الطبقات الفقيرة رغما عما يبدو من مظاهر للنمو علي بعض الأصعدة الأخري أو لبعض فئات المجتمع.


تشير الدراسات لعدد من الأسباب المفسرة لظاهرة النمو المفقر، منها:
- التقدم التكنولوجي و الاعتماد علي تكنولوجيات موفرة للعمالة.
- الارتفاع النسبي لاسعار السلع التي يعتمد عليها الفقراء.
- تحويل الطلب عن السلع/الخدمات المنتجة بواسطة الطبقات الفقيرة.

غير ان تلك الأسباب ليست كافية لتفسير حال مجتمعاتنا، خاصة أن آليات مثل التقدم التكنولوجي أو تغيير طبيعة الطلب هي بطبيعتها آليات تدريجية تحتاج فترة من الزمن لتتبور نتائجها، و هو ما يصعب معه تفسير المُشاهد من تسارع حدة و انتشار مظاهر الفقر في غضون السنوات القليلة الماضية.
تنم طبيعة تطور ظاهرة الفقر المُشاهدة في بعض بلداننا علي تفعيل لآليات الإضرار بالطبقات الفقيرة.

يمكننا تصنيف تلك الآليات في ثلاثة محاور:
١. آليات إضرار فوري و مباشر للطبقات الفقيرة: مثل هدم بيوت الفقراء، زيادة الضرائب علي تلك الطبقات، إرتفاع لأسعر السلع أو الخدمات التي يعتمد عيها الفقراء (العيش و السكر و أسعار المواصلات العامة…)، و تسريح العماله.

٢. آليات إعاقة الطبقات الفقيرة: تعمل تلك الآليات علي تحطيم قدرة الفرد من تكويين وصياغة قدراته و إمكانياته من الارتقاء بنفسه، فتكون إعاقته من خلال تقليص فرصه في الحصول علي التعليم الكفء، الرعاية الصحية المناسبة، فرص العمل الكريمة…إي أصابته في جوهرة كفرد (هو ما يمكن الإشارة له برأس المال البشري).

مقارنة بآليات الإضرار الفوري و المباشر، تصيب آليات الإعاقة مستقبليات الطبقات الفقيرة، و كثيرا ما ينتج عنها ما يعرف بمصيدة الفقر Poverty Trap (عجز الفرد عن الخروج من حالة الفقر، لعدم تمكنه من أدوات النجاة مثل التعليم)، و تأصيل للتمييز الطبقي ضد الفقراء.

٣. آليات ضرر ممارساتي/ بيئي/ مؤسسي: يمكننا هنا الإشارة لعدد من الآليات التي تؤثر علي البيئة الحياتيه و المؤسسية للمجتمع مثل عدم المساواة، غياب الديمقراطية، أو الفساد و التي تتسبب في غياب آليات تمكن تلك الطبقات من تمثيل مصالحها والدفاع عنها. كذلك نجد أليات ضرر نتاج تدهور بيئي أو كوارث طبيعية ( مثل إصابه الأراضي الزراعية نتاج عن جفاف أو فيضانات).

وهنا وجب علينا ثلاثة ملاحظات:
أول ملاحظة: ان الطبقات الفقيرة، بطبيعتها أقل قدرة علي التعامل مع وقع آليات الضرر، لقله البدائل المتاحة لهم. علي سبيل المثال، ما هي بدائل الفقير أمام ارتفاع أسعار المواصلات العامة؟ ما هي بدائل الفلاح في شحه مياة الري؟ ما هي بدائل الاسر الفقيرة امام ارتفاع أسعار رغيف العيش؟
ثاني ملاحظة: علينا الإشارة ان السياسات الاقتصادية هي مجموعة من السياسات التي يجب الحكم عليها في مجمل تأثيرها. علي سبيل المثال في حين قد نشاهد ارتفاع اسعار بعض السلع في عدد من الدول نجد توازن هذا من خلال استخدام سياسات مكملة مثل إعانات مالية مباشرة للطبقات الفقيرة لمجابهة تلك الزيادة، لتكون المحصلة هي منع الضرر عن تلك الطبقات.
ثالث ملاحظة: حديثنا عن آليات الضرر لا يعني بالضرورة وجود إرادة أو فعل قصدي لإيقاع الضرر علي طبقات مجتمعاتنا الفقيرة، بل انه كثيرا ما تكون عرض جانبي و غير مقصود لإتباع مجموعة من سياسات النمو غير المتوازنة: مثل الاعتماد المفرط علي المعونات/القروض لما يوقع تلك البلدان في معضلة خدمة تلك الديون عبر سياسات تقشفية تقلص من الإنفاق علي الخدمات الأساسية مثل التعليم و الصحة. أو الاعتماد علي العمالة غير مدفوعة الأجر (مثل المجنديين) في المشاريع الاقتصادية المختلفة و التي تتسبب بقطع التدفق المالي عبر القنوات الطبيعية للنشاط الاقتصادي في المجتمع (في هيئة أجور/مرتبات للطبقة العاملة التي يعاد ضخها في الدورة الاقتصادية)، إضافة لأعراض اقتصادية أخري مثل التأثير علي المناخ التنافسي.

خلاصة حديثنا: لا يضمن النمو تحسيين في وضع طبقات مجتمعاتنا الفقيرة. بل ان استفحال مظاهر الفقر هو المحصلة الطبيعية لغياب رؤية تنموية متوازنة وراعية لمصلحة مختلف فئات المجتمع، في بلدان تعاظم فيها نسبة الفقراء و ضعف بها الإطار المؤسسي الديمقراطي.
إن محاولة البعض من التملص من مسئولية مجابهة الفقر، أو تحميل الفقراء مسئولية فقرهم، أو الحديث عما يشبه أطروحة "البقاء للأقوي" لا يعبر إلا عن خلل في البوصلة القيمية، مع قصور في الرؤية الاستراتيجية لمستقبل أوطاننا.



#أمنية_حامد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النوايا الحسنة و السلطة المطلقة: كارثية شواهد التغيير
- ما بين محاولات التنصل و الإحباطات و الأماني: ثوراتنا و ما بع ...
- بلداننا وماضينا: هاوية التنقيب عن الذات
- المواطن والسلطة: ثلاثية المخلص والقائد والملهم
- ”التحول السلطوي“ : هل ترتد الديمقراطية علي عقبيها؟
- علل نموذج الغرب المتقدم
- ماذا ينقص الإنتفاضات الشعبية
- عبقرية المواطن العاري
- نحن و الغرب.. أكثر من قصة واحدة للخلل
- مسارات متعثرة - معضلة التغيير في بلادنا
- رأس و عديد من الأرجل
- الابتكار الاجتماعي لتفادي العجز المكتسب


المزيد.....




- ترامب يعلق بعد استخدامه مصطلحا معاديا للسامية: لم أكن أعلم
- دفاعًا عن الحق في الوصول للعدالة: نتضامن مع مطالب المحامين ا ...
- سوريا تعلن عن هويتها البصرية الجديدة … ما هي دلالات شعار الد ...
- إثيوبيا تدعو مصر والسودان لحفل افتتاح سد النهضة… والقاهرة تر ...
- قانون ترامب للإنفاق يمرر بالكونغرس بعد جدل طويل، ما هي بنوده ...
- جزيرة كريت اليونانية تشتعل: إجلاء أكثر من 1500 شخص واستنفار ...
- بعيد اتصال بوتين وترامب .. روسيا تشن أكبر هجوم مسيرات على أو ...
- جهود لتحويل آثار بابل العراقية إلى وجهة سياحية
- حتى الدفن صار امتيازا.. أزمة مقابر خانقة في غزة
- جنرال هندي: الصين زودت باكستان بمعلومات لحظية خلال الحرب الأ ...


المزيد.....

- نقد الحركات الهوياتية / رحمان النوضة
- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمنية حامد - النمو المُفقر