أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمنية حامد - نحن و الغرب.. أكثر من قصة واحدة للخلل















المزيد.....

نحن و الغرب.. أكثر من قصة واحدة للخلل


أمنية حامد

الحوار المتمدن-العدد: 5488 - 2017 / 4 / 11 - 10:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يستعرض البعض ما يحدث في مجتمعات الغرب كنذير النهاية لعصر طال من تقدم معرفي و إنجاز علمي و تطور تكنولوجي، لتقدم لم يمتد ليشمل الجانب القيمي و الاخلاقي ولم يتسع ليحقق رفاهية ورخاء تلك المجتمعات.
بوسعنا تفهم تلك الاطروحات - نسبياً - خاصةً في إطار ما يساق من برهان في شكل تزايد الاضطرابات و مظاهر الغضب مثل تقدم لحركات اليمين المتطرف و التعصبات العرقية و الأصولية.

ما يؤرقنا هنا هو ما نلاحظه مؤخراً من محاولات لمد نقر ذلك النذير إلي الاوضاع في بلداننا، فيبدو النذير بالاكثر تشاؤماً. فبرغم تخلفنا في اللحاق بالتقدم المعرفي و التكنولوجي، فاننا نعاني أعراض تدهور مشابة، سواء من مظاهر لتعصبات دينية أو عذوف عن الحياة السياسية بعد ربيع لم يكتمل!.
ويكون الاستنتاج لتلك المحاولات هو ان التقدم الانساني ليس حتمية للتقدم المعرفي.

هل بلغنا إذا النهاية؟ هل ربطتنا العولمة و التشابكية التكنولوجية بخيوط من شأنها إيقاعنا ما أن سقط النموذج الغربي؟ أو أننا عرضه لنفس الاعراض و العلل فيكون التشخيص و المرض واحداً؟

مما لا شك فيه ان تفاعلاتنا مع باقي أجزاء العالم افرجت عن تشارك نسبي في الميول و الوعكات. و لكن لا يجب ان نقع ضحايا لخطأ إدراج اسباب الخلل في بلداننا تحت اطروحات صممت خصيصا لتحليل النموذج الغربي (علي الأخص المجتمعات الصناعية المتقدمة). و إلا انتهينا إلي استنتاجات قاصرة، و ان كانت طريفة، علي غرار ان تقدمنا التكنولوجي هو عامل مفسر اساسي لاعراض الخلل في مجتماعتنا!

***
تداعيات اضطراب المجتمعات الغربية:

لا يغيب عن ذهن المراقب لتاريخ الفكر الغربي ان كثيراً مما يساق مؤخراً من تداعيات اضطراب المجتمعات الغربية هو- بشكل او بآخر- تجسيم لمخاوف و تنبؤات كثير من مفكريهم و فلاسفتهم من تأثير النظام الاقتصادي و التقدم التكنولوجي علي الكيان المجتمعي.

فبداية بمنتصف القرن التاسع عشر نجدنا امام كتابات تُعني بتأثير النمط الرأسمالي للانتاج علي الكيان المجتمعي و التي تبلورت في تنبؤات بحتمية سقوط النظام الرأسمالي في أطار صراع طبقي بين الطبقة العاملة و أصحاب رأس المال. سيتمخض ذلك الصراع علي ثورة، ثورة الأغلبية المُستغَلة (العمال) علي مستغليهم (أصحاب رأس المال)، ثورة ستعيد ترتيب العلاقات المجتمعية لنظام اشتراكي. فكان النداء الشهير ” يا عمال العالم، اتحدوا“.

قرن لاحقا لذلك النداء، نلاحظ تبدل في الأطروحات. انحسرت الرؤي المتنبئة بثورات عمالية في المجتمعات الرأسمالية. وهو ما يمكن عزوه -في نظرنا- إلي التحسن الملحوظ في مستوي معيشة تلك المجتمعات، و الطبقة العاملة. لقد تبدلت صورة العامل من ذاك المطحون، مسلوب الحق، المنعدم، إلي آخر ينعم برعاية صحية وحقوق مكفولة، و حماية اتحادات عمالية قوية، و نصيب من المشاركة في ثمار التقدم. ربما لن تكون ثورة إذا!
إلا انه علي الجانب الآخر نلاحظ بزوغ نوع آخر من التخوف لما قد يحمله المستقبل في طياته من جراء التقدم الاقتصادي و التكنولوجي. تبلورت تلك المخاوف في تحذيرات بتغيير جذري لنفسية المواطن و قيم المجتمع المعاصر جراء التقدم التكنولوجي الذي تجاوز تأثيره نطاق إعادة هيكله انماط العمل إلي تأثير علي أنماط الفكر و العلاقات المجتمعية.

إذا ما استمر وقع التقدم التكنولوجي و النظام الراسمالي علي ما هو عليه، كما أكدت تلك الاطروحات، فلن تستمر الهيمنة الرأسمالية. و لكن ليس لفشل النظام أو ثورة عمالية، بل لبلوغ النظام عزه و ذروة نجاحه. عندها، سيتخطي نجاح النظام حدود استقراره، و سيهاجم دعائم بناءه.
فبرغم تحسن الأوضاع المعيشية للعامة، سيؤثر النظام الرأسمالي علي معايير وقيم الانسان المعاصر (عامل كان أو رأسمالي) بتقنين وسائل الانتاج و عملية الابتكار، سيفقد العامل و المدير و الرئيس ارتباطه وانتماءه لمصنعه. أما الرأسمالي فسيفقد ذلك الاحساس المميز بملكيته الخاصة بتحول الملكية من شكل الملكية المباشرة (صاحب مصنع يدير و يتحكم) إلي ملكية في شكل العقود الورقية و الاسهم بينما تتحول الادارة الفعلية لتستقر في المجالس الإدارية،.

سيتلاشي كلا من العامل النمطي والرأسمالي النمطي، و تتلاشي امكانية الحراك المجتمعي، ليحل محل كل ذلك الغضب و الاضطراب نحو أي مشهد أو عرض لانكماش اقتصادي (الذي هو عرض دوري طبيعي و مؤقت لعجلة التقدم الاقتصادي). سيتبلور ذلك الاضطراب علي أيدي المفكريين و المتعلميين، فسيكونوا سند للغضب المتزايد و مٌشكلين لنطاقه الفكري.
حذرت تلك الرؤي من مستقبل يفقد فيه الانسان المعاصر ارتباطة العاطفي و الوجداني بالنظام الاقتصادي، عندها لن يُنجي النظام شيئا ما ان تبلور الغضب.
***

تساهم تلك الاطروحات في فهم نسبي للوضع الحالي للغرب، و علي الأخص الوضع المضطرب للدولة التي تقدمت مسيرة النمو الرأسمالي و حملت رايته، الولايات المتحدة الأمريكية. فنجاح الرئيس ترمب في الانتخابات الرئاسية- و هو النجاح الذي لم يتوقعه كثيرون - بُني علي توظيف استراتيجي لغضب العامة و إحباطاتهم.

لكن الغضب الذي حذرت منه تلك الأطروحات السابقة ليس كافي لتفسير المظاهر غير المعتادة و اللاعقلانية للأوضاع في الغرب المتقدم . فما نشاهده الآن ليس غضب ضد نظام رأسمالي بقدر ما هو غضب ضد وضع متدهور و لكن دون تبلور واضح لدي العامة عن أسباب منطقية لتفسير ذلك التدهور أو بديل للمسار. و إلا ما كان انتخاب رئيساً من الطراز الرأسمالي الأصيل، أبا عن جد، مثل ترمب، رئيساً للولايات المتحدة،.

في محاولة التقرب من تفسير لقصة التدهور الغربي، وجب علينا التوقف أمام جيل جديد من الإطروحات. حيث نلاحظ في العقود الآخيرة، تعالي أصوات نخبة من المفكريين و الفلاسفة تحذر من مظاهر تدهور جديدة، و ربما أكثر وطأة لمسار تلك المجتمعات. لقد ولّد التقدم التكنولوجي- في ظل النظام الرأسمالي -أنساق جديدة للهيمنة و السيطرة الاجتماعية من خلال القضاء علي القدرات النقدية و الثورية و المعارضة للإنسان الغربي و تفشي نوع من العقلانية التكنولوجية التي تهدف لاستمرار الوضع علي ما هو عليه، دون القدرة علي تكوين رؤية بنسق مختلف لوضع مغاير.

علي الجانب الآخر، نجد ان الواقع الغربي تغير بشكل كبير. فلم يستمر العامل شريكاً في ثمار التقدم كما كان سابقا، و ما حققته الأجيال العاملة من تحسن في مستوي المعيشة في ظل النظام الرأسمالي، لم يلبس إلا و بدأ في التراجع.
بل أصبح العامل عرضة لتوحش متزايد من النظام الانتاجي و بدون حماية الاتحادات العمالية و التي ضربت في مقتل من قبل تعملق وتغول المؤسسات الراسمالية و الشركات متعددة الجنسيات.
لقد جُرد المواطن و العامل من قدراته النقدية و الثورية. فحتي إذا ما ان تبلور الغضب في سياق الأوضاع المتدهورة (و الآخذة في التدهور كما يتنبأ الكثير) ، لن يتمكن المواطن من توجيه هذا الغضب، أو تحليله و تعبئته في شكل حركة عمالية، أو ثورة.

و هنا تكمن مأساة الوضع الغربي.

***
هل يمكننا الان النظرإلي أوضاع بلداننا و ادراجها تحت نفس اطروحات تفسير اضطراب الوضع الغربي؟
و لننظر بعين فاحصة للمواطن في بلادنا.
هل شبعت أجيال عاملة تحت أمجاد النظام الراسمالي حتي استكان المواطن المعاصر في بلادنا؟ هل قُنن تقدمنا فصار وقع التكنولوجيا عبء يلوح في أفقنا؟ هل بلغ النظام الاقتصادي عنفوانه فانصهر فية الرأسمالي ليفقد نزعة ملكيته الخاصة؟ بل هل صنفنا نظامنا بالرأسمالي ؟

مالبست و مازالت شوارعنا تعج بالمحلات و المقاهي ، و الصيدليات التي تحمل يافطاتها أسماء أصحابها، لتعبر عن الرأسمالي الصغير. ذاك الكائن الذي اوشك علي الانقراض في الغرب المتقدم، مفسحا الطريق للسلاسل العملاقة من المطاعم و المحلات و الصيدليات . أما العامل، فلا تزال معاناته حاضرة في الذاكرة، و غضبه حي يرزق لم يستكين.

هل هي مصادفة ان ما نجده في الغرب من روايات و أفلام تتناول رؤي مختلفة لمستقبل العالم في ظل التقدم التكنولوجي (سناريوهات فناء العالم، أو ظهور طبقة منعمة و تلك المسحوقة المستعبدة قاطنة الخرابات التكنولوجية، أو سيناريوهات بلوغ الرفاهية المطلقة) ليس لها قرين في ثقافتنا و تلفازنا؟

و أخيرا، ربما لم يتمخض الربيع العربي ليحقق آماله، و لكنه يبقي برهان علي قدرة المواطن العربي، ليس فقط علي الغضب، بل علي توجية غضبه و الثورة علي أوضاعه.

***

قد يعكس غياب هيكل من أطروحات تفسير و استشراف الوضع في بلداننا، علي غرار ما عرضناه من أطروحات الغرب المتقدم،
صعوبه تفهم الاوضاع في ظل تعطل آليات التغيير الطبيعي في مجتمعاتنا (و هو ما تناولناه في مقال سابق - ”مسارات متعثرة“ — {الحوار المتمدن، بتاريخ 2017 / 3 / 5 } ). ولكن لا يجب ان يحول ذلك دون إدراك لأختلافنا.

ختاما ليس بوسعنا، با انه ليس بوسع أي فرد، الجزم بأن التقدم الانساني حتمية للتقدم المعرفي.
ولكن، لنقلب التسؤال السابق رأسا علي عقب، هل يمكن لتقدم انساني أن يحدوث بعزلة عن تقدم معرفي؟!
الخيار لم يكن يوما ما بين التقدم المعرفي أو عدمه، و لكن الخيار هو حول كيفية احداث هذا التقدم، و هو ما يتطلب فهماً لخصوصية مجتمعاتنا و مواطن تلك المجتمعات.



#أمنية_حامد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسارات متعثرة - معضلة التغيير في بلادنا
- رأس و عديد من الأرجل
- الابتكار الاجتماعي لتفادي العجز المكتسب


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمنية حامد - نحن و الغرب.. أكثر من قصة واحدة للخلل