أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - المحجر مجموعة محمد خضير القصصية الجديدة















المزيد.....

المحجر مجموعة محمد خضير القصصية الجديدة


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 6985 - 2021 / 8 / 11 - 17:00
المحور: الادب والفن
    


رؤية و أسلوب الكاتب وطبيعة المادة الخام

1- المقدمة

أفكار الكاتب حول نصوص كتابه

يقدم القاص العراقي محمد خضير لمجموعته القصصية الجديدة توطئة لنصوصه الستة التي تضمنتها المجموعة، تحت عنوان "توازيات وتقاطعات "قصص تشرين" يقدم في مقطعها الأول وصفاً للمتظاهرين في ليلة داجية من تشرين 2019 في مركز البصرة، فيسجل ملاحظات تشبه رؤوس النقاط تحيله إلى تأملات تجعله يتأمل المفردة واستخداماتها في لغته وأسلوبه فيورد مثلاً مفردة "شصّ" ويذكر أنه أستخدم هذه المفردة قبل أربعين عاماً في قصة "إله المستنقعات" التي نشرها أول مرة في جريدة محلية في البصرة أسمها الميناء على ما أتذكر، ويصور كيف كتب أول قصة قصيرة في مطلع ستينات القرن المنصرم على حافة مسفن في العشار وأهداها إلى عمال المسفن، وهي إشارة إلى انحياز الكاتب للطبقات الكادحة والمهضومة في المجتمع وتتصل عضوياً بما يروم تصويره في قصصه عن ثوار تشرين 2019 المهضومة حقوقهم أيضاً. وكأي صانع ماهر يتأمل عدته من مفردات التجربة المقبل على صوغها فيعدد مفردات المشاهد من "نعل، قبعّة، لافتة كارتون الخ" شاهدناها في خضم التظاهرات حية ومصورة، لينتهي هذا المدخل بفاصلة وينعطف نحو المسار الفكري للكتابة، فيورد نصاً من كتاب "حنّه أرندت" في "الثورة" المتعلق بالكومونة الجديدة تحتاج إلى تأسيس جديد، ليخلص الكاتب "محمد خضير" إلى أنه يضع ثوار تشرين مقابل الثوار الألمان الذين أسقطوا جدار برلين 1989، ويكثف فكرته التي أسس عليها نصوصه كما سنرى عند تحليل نصوصه، ونص الفكرة:
"الحرية وليدة العنف، والتغيير وليدُ الزحزحة الكبرى للجدران والمتاريس السلطوية. وذاك ما صوّرته عشرات اللوحات الجدارية على مدخل الجسر ونفق "ساحة التحرير ص12"
ولم أجد رابطاً ما بين التجربتين من ناحية الظرف التاريخي وطبيعة القوى المتصارعة وأهداف الثوار المتظاهرين، وطبيعة المجتمعين الألماني والعراقي من ناحية التطور الحضاري ومسار التطور السياسي الذي أدى إلى حروب متعاقبة وتقسيم برلين إلى شرقية وغريبة مستتب فيهما النظام والقوانين والبناء والثقافة بالرغم من اختلاف التوجهات الأيديولوجية بين نظام شمولي في الشرقية ونظام ديمقراطي في الغربية، وبين مجتمع عراقي مخرب بالاحتلال وتسلط أحزاب طوائف وقوميات هم في حقيقة الأمر لصوص وقتلة لم تجد سلطات الاحتلال الأمريكية والغربية والإيرانية أفضل منهم لتسهيل نهب ثروات العراق وسحق الشعب العراقي، الرابط الوحيد الذي يربط بين التجربتين هو رابط عام يربط كل الثورات في العالم إلا وهو المطالبة بالحرية والحقوق في حياة كريمة يحترم فيها الإنسان وتلبى احتياجاته. ويبدو أن جدار برلين الذي حطمه الثوار في 1989 و الذي أدى إلى توحيد ألمانيا، والمتاريس الإسمنتية التي وضعتها السلطات العراقية على جسري الأحرار والجمهورية والتي حاول فيها الثوار اقتحامها ونجحوا في بعض المرات هي التي أوحت للكاتب بتشابه التجربتين.
هذه الناصية يستند عليها الكاتب ليذهب إلى التخريج الفكري ومنطلق كتابة نصوص المجموعة الخاص به حول الصراع بين سلطة القديم وإرادة الجديد، فيعمم خلاصة تقول ما ملخصها " أن على الكّتاب ألا يستعيروا أسلوب العنف ( وهنا يقصد أسلوب الكتابة) في نصوص قديمة لتجديد السرد بموجبها) ويورد أمثلة عن كتّاب كتبوا عن الثورات كغوركي وجاك لندن و شتاينبك وقصص عراقية من زمن الاحتلال والاستعمار الذين صوروا تلك التجارب بواقعية ودقة على التوالي في رواية "الأم" و "عشرة أيام هزت العالم" و " عناقيد الغضب" وحفروا لنا وللتاريخ أنفاس ورسوم وأماني وأفعال أولئك الثوار إلى الأبد، يحاول الكاتب في قصصه التخلص من أرث أسلوب الكتابة الواقعية عن الثورات، والكتابة بأسلوب يختلف ويذهب بواقع الثورة ومكانها الذي يحدده في "خانقٍ صغير محصور بين ميدان التحرير ومنفذ ساحة الخلاني باتجاه الجسرين التاريخيين الجمهورية والأحرار" ص13 إلى حيز أوسع من الخانق حسب تعبيره بالذهاب بالسرد إلى مناحٍ غير ما ذهب إليه السرد في نماذج الأدب الثوري التي أورد أسماء بعض كتابها والسبب بهذا المنحى الذي يريد الذهاب إليه في أسلوب السرد يكثفه بهذه الجملة
( ما دام الكيان السياسي الضاغط "هنا يقصد سلطة الطوائف العراقية" على الحريات ليس الكيان التسلطي القديم وميكانيكيته الكلاسيكية ص13)
وهذا الاستنتاج شكلي من وجهة نظري، فالسلطة القديمة نفسها عادت بأشكال وتسميات جديدة، وهذا يعني أن الصراع القديم نفسه، وسلوك السلطة التي وصفها الكاتب "ليس الكيان التسلطي القديم" هو نفسه حتى من حيث مفرداته ووسائله: خطف، اغتيال، قمع، تغييب، وتجري هذه المرة تحت غطاء الديمقراطية بخلاف زمن الدكتاتوريات، مضاف إلى أن السلطات استغلت القوانين الجديدة للامعان في خنقها للحريات بفضل منظومة الفساد التي خرج المتظاهرين للقضاء عليها، وهذه ثمرات الحرية التي جلبها الاحتلال، فانشغلت المحاكم في دعوات تسقيط الناشطين. أما في المعتقلات فقد جرى تعذيب، وقتل، وتسقيط باستحصال تعهدات لا تختلف عن توقيع المعتقل على المادة 200 زمن الدكتاتور التي تحكم الموقع بالإعدام سلفاً.
فكيف يأتي الأسلوب المبتكر والشكل القصصي الجديد على فرضية مبنية على تصور غير دقيق لبينية المنظومة السياسية السلطوية القديمة والجديدة؟
على أساس هذه الركيزة والتصور الفكري يخلص الكاتب إلى أن نصوصه المحجر (ستنحو نحوّها التجريبي بما يضعها في قلب المغامرة ونقل الحادث التشريني أبعد من المتراس الثوري، المستمتع بدواره التاريخي ومثل هذه الجرأة على منطق "الحتميات التاريخية"ص13)
وعلى أساس هذه الخلاصة الجديدة يعدد الكاتب العلامات الجديدة وتوزيعها الفاعل بالنصوص ومنها صور الجدران، أناشيد الاقتحام، قنابل الدخان، شعارات الثورة الخ
وهذه العلامات صاحبت كل الثورات ولا تخص ثورة تشرين العراقية، والكاتب يدرك ذلك، لكنه يحاول بقصص تشرين يُشيد نصوصاً تختلف عما أشاده ، ما سماهم "الحتميون" الوارثون عنف الطقس القديم، ويتساءل :
وهل من فائدة إعادة نص قديم بحذافيره؟
ويستدل في خلاصة أفكاره عن خلفية أسلوب نصوص الكتاب بنص برتولت برشت يقول
" لا تبدأ من الأشياء القديمة الجيدة، وابدأ من الأشياء الجديدة السيئة ص15 "
وهذه الخلاصة قد تصح إلى حد كبير في نهج التجريب المسرحي الذي أنتهجه بريخت أسلوباً مغايراً بمسرحه الجديد، لكن هل يصح هذا على أسلوب محمد خضير السردي، وما أوجه الجديدة في أسلوبه السردي بنصوص "المحجر" ؟
وإلى أين أدت به أفكار التخلص من شبح التجارب الثورية والهروب من أساليبها الواقعية، في محاولة بناء نص معني بالثوار مختلف وجديد يتناسب مع التجربة الجديدة حسب تعبيره، هذا ما سأحاول الوصول إليه من خلال تحليل النص الأول من نصوص الكتاب الستة وهو أطول النصوص.

2- أسلوب "محمد خضير"

من خلال معاينتي لتجربة "محمد خضير" السردية منذ مجموعته الأولى "المملكة السوداء" وحتى كتابه القصصي "حدائق الوجوه" وجدتُ أنها نحت منحاً تجريبياً وشمها ببصمته الخاصة، و لها خصائصها العديدة التي أسست لأسلوب الكاتب وأفردت تجربته كتجربة جديدة في القصة العراقية، إحدى هذه الخصائص هو أبهات عنصرين جوهرين في البناء القصصي هما الحدث والحوار اللذان يعدان من هياكل الحبكة دونهما لا يشاد هيكل القصة، واستعاض عن ذلك بالسرد واللغة، إذ شكلت اللغة الهاجس الجوهري لمسعى "خضير" السردي، ساعده بذلك قاموسه الغني بمفردات اللغة العربية التي تعد من أغنى وأعمق وأقدم اللغات في العالم، وعمل على تطوير مفردات لغته وتشذيبها إذ ستختفي في مجاميعه المتأخرة الشعرية والاستطرادات التي وسمت قصص "المملكة السوداء" وتتحول إلى جمل سردية رصينة محسوبة مختارة من قبل مهندس لغوي أمسك بسرها وجعل يديرها حسب ثيمة كل نص سردي، فعادت ثقيلة يضيق بها قالب القصة القصيرة بمضمونها الفكري والفلسفي وتجلى ذلك بوضوح شديد في كتابه السردي "حدائق الوجوه".
من الخصائص الأخرى التي ميزت أسلوب الكاتب هي اختيار لحظة السرد التي تتيح له بناء يعتمد على اللغة وشعرية الإحساس، إلا وهي لحظة تتأرجح بين النوم واليقظة، بين الواقع الصلب والحلم، فيقوم بتوسيع هذه اللحظة بالتركيز على إحساس الشخصية القصصية التي يديرها في أغلب نصوصه السارد العليم –الضمير الثالث- في مزجٍ متقنٍ بوصف المكان بعيني مخدرٍ يرى الموصوفات مغطاة بغلالة شفافة من روح بشرها، وهذه الميزة ظهرت بجلاء ووضوح وكانت إضافةً جديدة لبنية القصة العراقية القصيرة نهاية ستينيات القرن المنصرم وميزت أجواء قصص "المملكة السوداء" ستتطور هذه الخصائص التي أرست أسلوب الكاتب، في كتابه السردي الثاني "في درجة 45 مئوي" وكتابه الثالث "رؤيا الخريف" وكتبه السردية اللاحقة، وفي كل هذه الكتب تحاشى الأحداث الدامية التي عصفت في المجتمع العراقي، القمع والدكتاتورية والحرب، وعمد في فترات اشتداد القمع وموجه كتابة قصص تمجد الحرب في ذروتها مع إيران إلى كتابة قصص تعتمد بنيتها ورؤيتها على أحداث التاريخ العراقي الغابر السابق للحضارة الإسلامية مستحضراً رموز التاريخ السومري والبابلي فشكل تيارا قصصيا جديدا وقتها مع عدد محدود من الكتاب الذين تحاشوا ببراعة مصيدة كتابة تمجد قيم القتل والحرب والدكتاتور. و هذا المنحى الجديد شددَّ من اغتراب نص الكاتب وهذا التيار عن محنة العراقي الذي سحقه القمع وجبهات الحرب ثم الحصار.
وفي خضم هذه المطحنة التي لم تبرد حتى الآن، في أيام الحصار والجوع ، ظهر كتابه "بصرياثا "صورة مدينة" عن مدينته البصرة فتغنى في أمكنتها الغابرة والحاضرة بأسلوبه لغةً وهي مجموعة نصوص سردية متفرقة شكلت صفحات الكتاب وصورت المدينة مع إشارات خفيفة عن أوضاع البشر فيها تحت الحرب في عنوان القسم الأخير "صباحات وليليات "يوميات الحرب" ، التي ضمنها يوميات قديمة وعلامات عن الحروب العربية 1967 و1976 في تفاصيل صغيرة لم تمس جوهر تلك الحروب وبشرها.

3- التجريب و المادة الخام

لنعاين محاولة "محمد خضير" كتابة نصوص مغايرة عن تظاهرات تشرين 2019 بقالب القصة القصيرة بأدواته وأسلوبه الذي وصفنا طرفاً جوهرياً من خصائصه في المقطع السابق، وبرؤيا جديدة بالنسبة لتجربته الكتابية، فهو هنا يحاول الكتابة عن تجربة التظاهرات وثورة الشباب العراقي العارمة التي كانت شعاراتها شديدة الوضوح، بمعنى أنه يخوض في غمار تجربة كتابية مختلفة عن جهده في كتبه السابقة، فهنا كل شيء واضح، أهداف ثورة الشباب المعلنة من أجل استعادة عراق مستلب من السراق ودول الاحتلال الظاهر والباطن، وكل الأحداث من قتل المتظاهرين بالقنص والاغتيال وقنابل الدخان والرصاص الحي وحتى التعذيب رأيناها موثقة بأفلام وأحياناً بنقل حي بأجهزة التلفونات على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا الوضوح هو ما كان يخشاه الكاتب من كتابة نص يشابه ما كتب عن ثورات مماثلة ، مثل ثورة كتوبر 1917 في روسيا، "عشرة أيام هزت العالم" لجون ريد وغيره من الكتب المماثلة ذكرناها في المقطع الأول. و أشار بأنه سيذهب بالحدث الواقعي إلى مناح تجعل منه مترفعاً على الواقع ويقصد بذلك إضفاء بعداً رمزياً تجريبياً على نصوص تشرين كما أسماها، ومن هنا سنضع قصة الكتاب الأولى "تحت الجسر" تحت المعاينة كي نتوصل إلى الإجابة على السؤال الجوهري:
هل أضافت نصوص تشرين في "المحجر" أبعاداً جمالية وفكرية ومعرفية للحدث الثوري ورسمت حيوات الثوار والسلطات وما جرى بعين جسّدتْ التجربة كما فعل كتاب الثورات والأحداث الكبرى الذين أشرنا لبعضهم، وإلى أين أدى هاجس التجريب والإضافة والمغايرة بالنصوص في المحصلة النهائية.
قصة " تحت الجسر" وهي أطول قصص الكتاب من ص19- ص65 الذي عدد صفحاته 120. وهي بخلاف نصوص الكاتب في كتبه السابقة عادت إلى بنية القصة القصيرة التقليدية فهي قصة حدث وشخوصها واضحة، نستطيع تلخيصها من خلال الشخصية المحورية المصور " شاهر الشاهري" العراقي المغترب في الدنمارك العامل في منظمة دنماركية مهتمة بتصوير الجسور وتبعثه كي يصور الجسور في العراق من أقصى الشمال إلى الجنوب، وأثناء هذه المهمة تحدث تظاهرات تشرين 2019 فيعكف على تصوير المتظاهرين الساعين إلى عبور جسر الجمهورية والوصول إلى "المنطقة الخضراء" وفي خضم ذلك يتعرف على المتظاهر المهندس "فارس الصفواني" ويدور حوار بينهما فيدعوه إلى اجتماع للثوار في قاعة سينما قريبة.
لا يعود الكاتب إلى الحدث الواضح وحبكة البداية والوسط والنهاية بل إلى الحوار الذي يظهر متباعداً في أغلبه نصوص كتبه السابقة ففي ص21
( - يشوقني أن أعرف رُغم أنّي فحصتُ كل جزء في باطن الجسر، فما زلتُ أجهل عدد قطع الحديد المتقاطعة هنا في الأسفل".
" إنها تكفي لبناء ناطحات سحابٍ على ضفة دجلة "
حقاً؟ ظننتك مشرداً يا صديقي لكني الآن أحسبُكَ مهندساً أو مخطّط مُدن".
منقبِ جسورٍ وحسب. أدعى فارس الصفواني. اعتبرني واحداً من تلاميذ طه باقر"
لم يكن هذا العالم الآثاري باني جسور؟"
لا. لكنه مكتشف متاهات، كمتاهات هذا الجسر.
أؤيدك في هذا. وما يُلجِئك إلى هذه المتاهة؟ أتعاني مشكلةَ ما؟ هل أنت من المطلوبين إلى الأعلى؟"
تستطيع قول ذلك. المنقّبون يحسبون أنفسهم من أصحاب دموزي الهارب من قبضة عفاريت أرشيكيكال"
أنا شاهر الشاهري، مصور وباحث في تاريخ الجسور ص21-22)
ويدعو فارس في نهاية الحوار شاهر للالتحاق بالثوار الذي يطلق عليهم أسم المنقبين.
هيا إذن. اضبط بؤرتك لتدخل باب الثورة من ممر الجسر الأسفل. التحقْ بالمنقبين الأشاوس أيها الصديق!" ص23
قسم الكاتب قصته إلى ستة اقسام بعناوين كونت جسد النص هي
1- المنقبون
2- الاجتماع
3- الاختطاف
4- التحقيق
5- الجصاصون
6- تحت الجسر
يتابع فيها تطورات حدث القصة، مصوراً تفاصيل الاجتماع، ثم اختطاف المصور وسجنه في أستوديو للرسم والتصوير، ثم حوارات المحقق مع الشاهري وهي حوارات ثقافية تحمل بصمة وأفكار ووجهة نظر السارد لا الشخصيات، ففيها حوارات عن جون ريد والثورة الروسية، وعما كتب عن حروب العراق وعن كتاب "الانهيار" وحوار بين الشاهري والمحقق عن الجسور والجمال وهذه الحوارات هي حوارات أفكار الكاتب نفسه عن الشخصيات التي رسمها ولا تحتملها أي تجربة اعتقال في سجون مثل سجون العراق بسلطاته الهمجية منذ تأسيس الدولة العراقية. في مقطع "الجصاصون" يعيش المصور وهو مطلق السراح في كوابيس النوم واليقظة في بيت خالته ونعلم أن الشاهري تعاون مع السلطات وكلف بمهمة، فيعيش في حالة هلع وخوف من اغتياله ويبدي مخاوفه في حوارات مع خالته مستذكراً تاريخ سابق له في السجون قبل اللجوء إلى الدنمارك. ومرة أخرى يحاول تحميل النص أبعاداً رمزية، بالكلام عن خطيب الثورة الفرنسية ومسرحية في سجن، ووضع اسم معروف في حركة القيادة المركزية نهايات ستينيات القرن المنصرم في الأهوار "خالد محمد زكي" وظروف اغتياله ومزج بأحداث وممثلين وراقصات زادت في تغريب النص عن واقع ثوار تشرين وقربته من قصة عامة غامضة بأحداثها، فالتعويل على رمزية الجسر وما تحمله هذه المفردة وتجلياتها الواقعية لم تضف إلى النص الأبعاد التي أرادها الكاتب، فبدى "الشاهري" مصور الجسور في مهمة فحواها في أغراض النص ليس مهماً ولا يمت للثوار وغاية ثورتهم بصلة، لا بل ألقى ظلاله الباهتة على حدث وهدف شباب الثورة، وضيّع ملامحها الجوهرية، يضاف إلى أن المصور المكلف بمهمة غامضة من قبل السلطات تحت الجسر وكأن تحت الجسر في انتفاضة تشرين هو مكان الثورة وبؤرتها، وهذا ينافي واقع الأحداث، فقد كانت الساحة والساحات في مدن جنوب العراق –عصب الحياة الاجتماعية في رمزيتها - والمطعم التركي الذي سيطر عليه الثوار هو البؤرة والمكان والمعنى والثيمة الجوهرية والرمزية كما تابعنا ورأينا.
يكتشفه المنقبون في مشهد مكثف ويقومون بقتله فيسقط في النهر وتبتلعه الأعماق. ويرسم المشهد بهذه الصورة"
واقتربت مصابيح "المنقّبين" فأحاطت به من جانبيه. بسط كفّه ليقي عينيه، حين اخترقت صدره وخزةٌ حارقةٌ. وازنَ قدميه على العارضة التي تسفل عارضة الصفواني..... فيما كان ينقلب ويهوى سريعاً. انفرج الضباب تحته، وشاهد سقوطه ينعكس على صفحة النهر القريبة، كالتماعة مصباح الكاميرا.
فانقلبت طبيعة الأحداث وما جرى للثوار في مشهد نهائي لكاتب عمل على ترميز نصه ومعني بهذه الرمزية، مصوراً أن الثوار كقتلة اقتصوا من المصور الخائن، في فعل لم يستدعه لا واقع ما جرى ولا طبيعة الثوار السلميين ولا طبيعة الشخصيات في النص وتكوينها، فالشاهري أصلاً لم يكن ثائراً ولا الثوار قتلوا من ضعف في المعتقل وأطلق سراحه.
وفي بقية القصص يستمر هذا النهج بتغريب أحداث تشرين، وإضفاء أجواء كابوسيه ورمزية، تمت بصلة إلى متاهات ألف ليلة وليلة وأجواء كوابيس روايات كافكا وقصص "بو" لا إلى أحداث تشرين واقعية تحتاج من ينحتها باللغة بمستوى انفعال ما رأيناه حياً من الأحداث وما صُور من أفلام وصور فوتوغرافية وشهادات من خاض غمار التجربة، فمثلا في قصة "النفق" يضيع متظاهر في نفق التحرير ليكتشف أبواب تؤدي إلى نهر، و مقبرة، و قصر، وسور تحير الهارب في مبني يحيلك إلى قصص الليالي ويغرب ما حدث فعلا في هذه الأمكنة التي تحولت لأشهر ما أسميته في حينها "جمهورية ساحة التحرير".
في المحصلة النهائية نجد أن المادة الخام تفرض في أحيان كثيرة على الكاتب أسلوب كتابة نصه، فحدث مثل الثورة لا مناص من كتابة تحفر ما حدث جمالياً، فالثورة في كل الأحوال فعلٌ في الحياة يتفوق على فكرة الفن والتجريب ويجعل الكاتب مهما كان عظيماً يقتفى أثرها ويحاول تصوير طرفاً منها، ففعلها سواء فشلت أو نجحت هو فن محاولة تغيير الحياة نحو الأفضل.
9-8-2021
—————-
*المحجر قصص دار شهريار 2021



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار: سلام إبراهيم: جعلت من ذاتي الموشور الذي كشف المحيط وال ...
- بمناسبة صدور روايتي -كل شيء ضدي-
- بمناسبة عيد العمال العالمي حوار حول اليسار العراقي
- فردوسي المفقود
- لا تدر
- أفكار حول الرواية العراقية
- الوعي المزيف
- السكوت عن الأغتصاب جريمة
- خواء الساعة
- قصص كتبتها تحت ظل الدكتاتور
- المعلم والشاعر -عباس المهجة.
- في وداع الرفيق اشتي
- ادب السيرة في النص الروائي العراقي
- تأملات شخصية الشيوعي العراقي -1-
- يوميات ثورة تشرين العراقية 2019
- قصة قصيدة غرگان
- الشاعر عريان السيد خلف
- الكائن الأيديولوجي -2-
- الكائن الايديولوجي
- قضية الناشر والباحث المختتطف مازن لطيف


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - المحجر مجموعة محمد خضير القصصية الجديدة