أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رواء محمود حسين - حنة ارندت ومفهوم حداثة الثورة: نقد موجز















المزيد.....

حنة ارندت ومفهوم حداثة الثورة: نقد موجز


رواء محمود حسين

الحوار المتمدن-العدد: 6981 - 2021 / 8 / 7 - 01:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تفهم حنة ارندت من الحرية السياسية أنها ليست ظاهرة سياسية، وإنما على العكس السلسلة الحرة من الأفعال غير السياسية التي يبيحها كيان سياسي ويضمنها للأفراد الذين يكونون هذا النظام. إن التحرر والحرية ليسا مثل بعضهما، وإن التحرر قد يكون هو شرط الحرية، ولكنه لا يقود إليها آلية، وإن فكرة الحرية (Liberty) التي ينطوي عليها التحرر لا يمكن أن تكون إلا سلبية، لذا فحتى النية بالتحرر لا تتشابه مع الرغبة في الحرية (Freedom). ولئن كانت مثل هذه الحقائق البداهية منسية في غالب الأحيان، فذلك لأن التحرر كان هو الطاغي دائماً وأن أساس الحرية كان دائماً يلفه الغموض، إن لم نقل إنه كان عقيماً بالكامل. يضاف إلى هذا أن الحرية قد قامت بدور كبير، وإن كان خلافية في تاريخ الفكر الفلسفي والفكر الديني معاً، وذلك خلال تلك القرون - من نهاية العالم القديم حتى ولادة العالم الجديد - حين كانت الحرية السياسية غير موجودة، وحين كان البشر غير معنيين بها. وطبقاً لحنة ارندت، إن من المهم جداً في أي فهم للثورات في العصر الحديث أن تتزامن فكرة الحرية مع التجربة لبداية جديدة. وبما إن الفكرة الموجودة للعالم الحر هي أن الحرية، وليست العدالة والعظمة، تمثل المعيار الأعلى للحكم على الهيئات السياسية، فإنه ليس فهمنا للثورة وحده، بل مفهومنا كذلك للحرية الذي هو ثوري الأصل، هما اللذان عليهما يتوقف قبولنا ورفضنا لذلك التزامن. وقد يكون من الحكمة، حتى عند هذا الأمر الذي لم نزل عنده نتحدث عنها بشكل تاريخي، أن نتوقف ونفكر بجانب من الجوانب التي بدت عليها الحرية عندئذ، عسی أن نتجنب خطأ الفهم الشائع، وأن نختلس نظرة أولى لحداثة الثورة ذاتها (ينظر: حنة ارندت: "في الثورة"، ترجمة عطا عبد الوهاب، مراجعة رامز بورسلان، ط1، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008، ص 39 – 40).

يرى اريك هوبزباوم أن ثورة 1789-1848 (العظيمة كما يسميها) لم تكن انتصارا ل " الصناعة " فقط، بل للصناعة الرأسمالية؛ ولا للحرية والمساواة عموماً، بل للطبقة الوسطى وللمجتمع " البورجوازي الليبرالي؛ ولا " الاقتصاد الحديث " أو " الدولة الحديثة "، بل للاقتصادات والدول في منطقة جغرافية معينة من العالم هي جزء من أوروبا وأقسام من أمریکا الشمالية، كان مركزها يتمثل في دولتين متجاورتين متنافستين هما: بريطانيا العظمى وفرنسا. لقد كان التحول الذي طرأ بين العام 1789 والعام 1848، في جوهره، تجسيده للنهضة التوأم التي انطلقت من هذين البلدين، وانتشرت في مختلف أرجاء المعمورة. ويعتقد اريك هوبزباوم أن الثورة التي اندلعت بين العامين 1789 و1848 تمثل التحول الأعظم في تاريخ البشرية منذ العصور المغرقة في القدم التي اخترع فيها الإنسان الزراعة، وصنع الأدوات المعدنية، والكتابة، والمدن، والدولة. فقد نقلت هذه الثورة العالم بأسره من حال إلى حال، وما زالت تفعل ذلك. لكن يجب علينا التمييز بین نتائجها على المدى البعيد، وهي التي لا يمكن حصرها في أي إطار اجتماعي، أو منظمة سياسية، أو توزيع للقوى والموارد على الصعيد الدولي من جهة، والمرحلة المبكرة الحاسمة لهذه الثورة، التي ارتبطت ارتباطاً وثيقا بوضع اجتماعي عالمي محدد من جهة ثانية (إريك هوبزباوم: "عصر الثورة: أوربا 1789 - 1848)"، ترجمة د. فايز الصايغ، تقديم مصطفى الحمارنة، مؤسسة ترجمان، عمان، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007، ص 36).
لشد ما حبس الباستيل في رمزه النظام القديم. وينبغي للتاريخ أن يحدد أولا ذلك النظام في واقعه اليومي: النمط الاقتصادي القديم. إن نضال الناس لكي ينتزعوا من الطبيعة شروط الحياة المادية - الخبز أولا وقبل كل شيء - يحتفظ بسماته التي مضى عليها قرن: هيمنة ساحقة للإنتاج الزراعي الثروة القومية، إنتاجية ضعيفة للعمل، هشاشة توازن مقلقل بين عدد الناس وحجم الأقوات. الاقتصاد هنا، في الوقائع وفي العقليات، اقتصاد البقيا حيث الجمود التقني وحركة السكان الطبيعية وتقلبات الجو تعمل متضافرة ولا تبيح. لأجل قصير - إلا الأمل بموسم جيد أو الهلع من موسم رديء. وعبر التشنجات القصيرة استقر ركود طويل للثروات المنتجة؛ إن النمو الاقتصادي والتفاؤل بسعادة مادية سيكونان فكرتين ثوريتين (ينظر: فرانسوا فوريه، ديني ريشيه: " الثورة الفرنسية: القسم الأول"، ترجمة زياد العودة، ‏منشورات الهيئة السورية العامة للكتاب 2012 ميلادية، ص 7).
أما إذا فهمنا من الروح الثورية أنها تنشأ فعلاً من الثورة، فحينئذ يجب التمييز بعناية بينها وبين ذلك التوق العصري للجدة بأي ثمن كان. وإذا نظرنا إلى الموضوع من الناحية النفسانية، فإن تجربة التأسيس المصحوبة بالاعتقاد بأن حكاية جديدة هي على وشك أن تظهر في التاريخ ستجعل الناس «محافظين» وليس «ثوريين»، وهم يتوقون إلى الحفاظ على ما تم عمله وضمان استقراره وليس إلى فتح الباب أمام أمور جديدة وتطورات جديدة وأفكار جديدة. إن كون ظاهرة الثورة أمراً لا سابق له في التاريخ ما قبل الحديث لا يعتبر أمراً مفروغاً منه بطبيعة الحال. والأكيد أن معظم الناس سيوافقون على أن التوق إلى أمور جديدة مصحوبة بالاعتقاد بأن الجدة ذاتها شيء مرغوب به، فهذا كله من مميزات العالم الذي نعيش فيه، كما أن جعل مزاج المجتمع الحديث يماثل ما يدعی بالروح الثورية هو أمر شائع حقاً (ينظر: حنة ارندت: "في الثورة"، ص 56).
ويرى كرين برنت أن ثمة تشابك فريد بين كل هذه المراحل من الثورات وبين وجود مشاعر معينة في البشر تجعل من الصعب للغاية تطبيق وسائل العلم على دراسة الإنسان في المجتمع. غير أن الأهمية التامة لمسائل من مثل الديمقراطية، حقوق الإنسان، الدساتير المدونة وكل جهاز الحكومة الشعبية. نفذت الثورات كافة باسم الحرية ووجهت كلها ضد طغيان القلة ومن أجل حكم الكثرة. واشتملت هذه المرحلة كلها من الثورات بخاصة على وجود مشاعر مؤكدة في البشر تجعل من الصعب تطبيق وسائل العلم على دراسة البشر دراسة علمية في المجتمع (ينظر: كرين برنتن: "تشريح الثورة"، ترجمة سمير الجلبي، مراجعة د. غازي برو، ط 1، دار كلمة أبو ظبي، دار الفارابي، بيروت، 1430 ه - 2009م، ص 301).
وتتحدث حنة ارندت عن الضرورة والعنف، فتشير أن العنف جرى تبريره وتمجيده لأنه يعمل من أجل قضية الضرورة، والضرورة التي لم يعد يثار ضدها شيء في مجهود التحرير السامي ولا تقبل باستسلام ورع، بل هي على العكس تبجل بإيمان بصفتها القوة الجبارة التي تمارس إكراها تامة بالتأكيد، إن التفاعل بين الضرورة والعنف قد صار سمة مميزة للثورات الناجحة في القرن العشرين، كما أنه صفة بارزة الآن للأحداث الثورية كلها، وهذا أمر معروف للجميع. يا للأسف الشديد، أن الحرية كانت أفضل صوناً في أقطار لم تنشب فيها ثورة قط مهما تكن ظروف السلطات الحاكمة فيها مثيرة للاستهجان، وأن هناك من الحريات المدنية حتى في الأقطار التي هزمت فيها الثورة أكثر مما هو أقطار أصابت فيها الثورات نجاحاً (ينظر: حنة ارندت: "في الثورة"، ص 159).
وتشخص حنة ارندت الظرف الملائم للثورة بالإشارة إلى أنه حين يكون فقدان السلطة واضحاً تماماً، فإن الثورات لا يمكن أن تندلع وتنجح إلا إذا كان هناك عدد كاف من الرجال المهيئين لسقوط السلطة والمستعدين في الوقت ذاته لتولي السلطة، التواقين لتنظيم أنفسهم وللعمل أجل غرض مشترك. ولا يحتاج الأمر لعدد كبير من الرجال. إن عشرة رجال يعملون عملاً ثورياً معيناً معين يمكنهم، كما قال میرابو ذات مرة، أن يجعلوا مئة ألف ترتعد فرائصهم وهم متفرقون ولا يجوز لنا أن نستنتج من ذلك أن الثورات تحدث دائمة عندما تكون الحكومة غير قادرة على فرض السلطة وعلى فرض الاحترام الذي يرافق ذلك. على العكس، فإن طول العمر اللافت للنظر والغريب في بابه لهياكل سياسية عفى عليها الزمن هو أمر معروف في التاريخ المسجل، بل كان ظاهرة بارزة في التاريخ السياسي الغربي قبل الحرب العالمية الأولى (ينظر: حنة ارندت: "في الثورة"، ص 160).
لكن ينبغي تجريد الثورة والفعل الثوري من مفاهيم العنف الذي درسته حنة ارندت في كتابها: "في العنف"، إذ تقول: "ونعود لحظة إلى اللغة المفهومية: أن السلطة تكمن حقاً، في جوهر كل حكومة، لكن العنف لا يكمن في هذا الجوهر. العنف، بطبيعته، ادواتي، وهو ككل وسيلة، يظل على الدوام بحاجة إلى توجيه وتبرير في طريقه إلى الهدف الذي يتبعه. ويحتاج إلى تبرير يأتيه من طرف آخر، لا يمكنه أبدا أن يكون في جوهر أي شيء. إن نهاية الحرب - النهاية بمعناها المزدوج: كهدف وكخاتمة - هي السلام أو النصر. أما إذا تساءلنا عن نهاية السلام، فإننا لن نحرز أي جواب. السلام شيء مطلق، حتى ولو كانت مدونات التاريخ تفيدنا بأن أزمان الحروب كانت أطول بكثير من از مان السلم. والسلطة تقف في نفس الخانة! فهي، كما يقال، وغاية في ذاتها" (ينظر: حنة ارندت: "في العنف"، ترجمة ابراهيم العريس، دار الساقي، بيروت، 2015م، ص 45).
إن الثورة الحقيقية في تصوري هي التي تعود بالنفع العام على الإنسان في مختلف المجالات، فهي ليست فعلاً سياسياً محضاً فقط، بل هي أعم من ذلك بكثير، كما نشهد الان، على سبيل المثال، أي الثورة في مجالات العلم والتكنولوجيا، ومن ذلك الثورة الرابعة المسماة بالثورة المعلوماتية.
إذ "يشهد الجيل الحالي انتقالا من التأريخ إلى التأريخ المفرط. فمجتمعات المعلومات المتقدمة يتزايد اعتمادها أكثر فأكثر على تكنولوجيات المعلومات والاتصالات الأداء عملها الاعتيادي ولتحقيق النمو؛ وسوف تتزايد قدرة المعالجة، في حين أن أسعارها سوف تنخفض؛ وسوف يبلغ کم البيانات قدرا لا يمكن تصوره؛ وسوف تنمو قيمة فائدة شبكتنا الحاسوبية نموا يكاد يكون عموديا" (ينظر: لوتشيانو فلوريدي: "الثورة الرابعة: كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني"، ترجمة لؤي عبد المجيد السيد، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سبتمبر، 2017، (452)، ص 48.



#رواء_محمود_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سبينوزا ومنهج اصلاح العقل: قراءة ناقدة ومقارنة
- نقد الاركونية / الحلقة الخامسة
- نقد الاركونية / الحلقة الرابعة
- نقد الاركونية / الحلقة الثالثة
- نقد الاركونية / الحلقة الثانية
- نقد الاركونية / الحلقة الأولى
- في اللعب
- خاطرة في الأدب (2)
- خاطرة في الأدب (1)
- خاطرة في الطوفان
- خاطرة في صبر أيوب
- خاطرة حول ابن خلدون
- خاطرة جوزية
- خاطرة في الحنين إلى الوطن
- خاطرة في الفرح
- خاطرة في معرفة النفس
- خاطرة في الهجرة
- حنة آرندت ونقد التوتاليتارية
- خاطرة في التاريخ (2)
- خاطرة في التاريخ (1)


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رواء محمود حسين - حنة ارندت ومفهوم حداثة الثورة: نقد موجز