نظام الفساد والافساد

حسن نبو

الحوار المتمدن-العدد: 6971 - 2021 / 7 / 27 - 02:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

بعد القاء بشار الاسد مايسمى بخطاب القسم منذ ايام تحدث الكثيرون عن خيبة الامل التي خلقها الخطاب لدى نسبة كبيرة من الموالين قبل المعارضين ، بسبب عدم تضمن الخطاب خطة واضحة لمكافحة الفساد الذي تضخم حجمه وخطره خلال السنوات الماضية اكثر من ذي قبل. 

اعتقد ان خيبة الامل لاتكمن في عدم تضمن الخطاب برنامج او خطة محددة المعالم لمكافحة الفساد ، بل تكمن - للأسف - في وجود عدد غير قليل من الناس ، وخاصة من المعارضين ، لازالوا يأملون ويراهنون على نظام بشار الاسد في مكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية ،وهو النظام الذي ساهم بقسط كبير في قتل وتهجير ملايين السوريين وتدمير البنى التحتية على مدى عقد من الزمن  .

الفساد في سوريا عامل اساسي من عوامل استمرارية هذا النظام منذ عام 1970 وحتى الآن ، وبالتالي فإن فتح كل ملفات الفساد بشكل علني من قبل النظام لن يكون في صالح النظام ، لأن هذا الامر سيبين الدور الكبير الذي مارسه النظام في حدوث الفساد بجميع اشكاله في سوريا .

الفساد موجود في العالم كله كما يقال، وقد كان موجودا في سوريا ايضا منذ تشكل الدولة السورية، ولكنه قفز قفزة نوعية نحو الامام في بدايات ستينيات القرن المنصرم ، عندما قام ضباط بعثيون وناصريون بالانقلاب على نظام ناظم القدسي في صبيحة الثامن من اذار 1964 ادى لاحقا الى سيطرة البعثيين وحدهم على السلطة . لقد اصدرت السلطات البعثية جملة من القوانين والاجراءات الاستثنائية بدأت بقانون الطوارئ الذي اعلنت بموجبه الاحكام العرفية التي حولت سوريا الى دولة بوليسية وفتحت الباب على مصراعيه امام اقتصاد السرقة والرشوة والمحسوبية، وقد هرب الكثير من رجال الاعمال السوريين الى الخارج بسبب عمليات التأميم واغلاق البنوك الخاصة ... قبل ان تطالهم اجراءات التأميم . وعليه يمكن القول : ان السياسات التي اتبعها نظام البعث على صعيد تحول الاقتصاد من اقتصاد السوق الى الاقتصاد المخطط مركزيا ومانتج عنه والنهب والسرقة الذين رافقا هذا التحول كان سببا اساسيا للفساد السياسي في سوريا. وازدادت الامور سوءا بعد الانقلاب العسكري الذي قام به حافظ الاسد سنة 1970 , اذ حول الاسد البعث مجردة اداة في يده بعد ان جعل من نفسه حاكما مستبدا مطلق الصلاحيات من خلال وضع كل اجهزة الدولة تحت سيطرته ، وقيامه بتوسبع الجيش والاجهزة الامنية بمايتوافق مشروعه الديكتاتوري .

كان لابد للاسد الاب لكي يستمر في الحكم كحاكم مطلق او ديكتاتور مطلق الصلاحيات لاطول فترة ممكنة ويرث السلطة من بعده لاحد اولاده ان يخلق طغمة تدين له بالولاء المطلق، يطلق يدها في نهب ثروات البلاد من خلال استغلالها لمناصبها . هذه السياسة هي التي خلقت الفساد ؛ بل وجعل الفساد احد اهم مرتكزات حكم الاسد الاب طوال ثلاثين سنة . وكان الحديث عن مكافحة الفساد مجرد وهم لامكان له على ارض الواقع .

وعندما وصل بشار الاسد الى الحكم من خلال انقلاب ابيض رتب له والده اثناء حياة والده ، اوهم الكثيرين بأنه رائد الاصلاح والتطوير ، ولكنه بعد اشهر من حكمه كشر عن انيابه وبين انه ليس سوى نسخة عن الاب ، وان الاصلاح والتطوير الذين تحدث عنهما عند استلامه الحكم كانا كذبة كبرى اطلقها لكي يثبت نفسه في الحكم ، حيث اغلق كل منتديات المجتمع المدني التي تأسست خلال الاشهر الاولى من حكمه، وزج بمؤسسيها في السجون ، وتبين جليا ان النظام الذي يقوده بشار الاسد قائم على الفساد والافساد وليس هناك اي مجال لمكافحته . لابل اصبح هو هم مصدر من مصادر الفساد،

من خلال احاطة نفسه بطبقة من اللصوص مثلت واجهة لمصالحه الخاصة، برز في مقدمتها رامي مخلوف ابن خاله الذي امسك بكل مفاصل الاقتصاد السوري تقريبا من خلال شركاته العديدة في مجال النفط والبناء والاتصالات والعديد من الشركات الاخرى اضافة الى سيطرته على كل الاسواق الحرة . وتعكس الخلافات الدائرة اليوم بين بشار الاسد وبين رامي مخلوف مدى حجم الفساد خلال السنوات العشرين الماضية، كما يقول الاكاديمي الكويتي شفيق الغبرا .

والاستيلاء على جزء من الاموال الطائلة التي سرقها رامي مخلوف وهرب معظمها الى خارج البلاد لايعكس مكافحة النظام للفساد ، بل له علاقة بالظروف المالية الصعبة التي يعيشها النظام حاليا وحاجته الى بعض الاموال المسروقة تحت انظاره سابقا، وهو دعاية سخيفة للنظام بأنه يعمل على مكافحة الفساد .

من الوهم التصور بأن نظاما قتل مئات الالوف من الشعب وشرد الملايين وزج بمئات الالوف منهم في الجون  وافقر غالبية السكان واوصلهم الى مستوى المجاعة قادر على مكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وهو الذي اسس للفساد اصلا ، وجعل الفساد احد اعمدة النظام على مدى عشرات السنين .

#حسن_نبو (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل