أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - نوبة هلع














المزيد.....

نوبة هلع


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 6969 - 2021 / 7 / 25 - 11:14
المحور: الادب والفن
    


نوبة هلَع
قصة واقعية حصلت.

لو تدري ماذا أصابني عندما عدتُ إلى البيت ولم أجدك، عندما اقتربتُ من فتحة الدار، سقط نظري نحو البالون، كنت قد قمتَ بربطه على منشر الغسيل المتواجد في واجهة البيت محتفلاً بيوم الانفصال.
تركتَ رسالة توبيخ قصيرة على الطاولة، ووبّختني على أشياء مغلوطة، أخبرتني برحيلك دون عودة، ودون أن تترك لي عنوانكَ، كم كنتَ جلفًا وأحمقًا!
وقفتُ مكاني حائرة، لم أصدّق ما خطّه قلمكَ، قاسية رسالتكَ، أسرعتُ إلى غرفتكَ فلم أجدك فيها، ولم أجد حاجياتك أيضا، فرغت الغرفة من كل شيء يدل على وجودك، لا سرير، لا طاولة، لا حاسوب، لا ستائر، لا شيء أبدًا، لم تترك لي شيئا سوى شالك الأصفر الصّوف، وما أزال أتساءل لماذا تركته، هل سقط منك أم قصدت تركه؟ تيقّنتُ حينها أنك غادرت فعلا، وأن رسالتك ما هي إلا حقيقة واردة، وبرهان يؤكد على غيابك، لقد غبتَ، ذهبتَ وخرجتَ من البيت... لقد افترقنا بعد خمس وثلاثين سنة...وتألمتُ بهدوء، ما هذا الأسى؟
أحزنني الهدوء الذي استتب داخلي حتى في لحظات الألم، لم أصرخ، لم أبكِ، لم أثر، لكنني وقعتُ فريسة الخوف عندما استسلمتُ أخيرا إلى فكرة راودتني دائما، و أخافتني كثيرًا، وهي أن أستيقظ يوما ما ولا أجدك معي، نكلَ فقدانكَ دواخلي وتجدّدَ الذعر، انتفض الثعبان المتعسف وأكل دواخلي، تسارعت نبضات قلبي وارتجفت أوصالي، وكردّة فعل من جراء الصدمة، زحزحتُ قطع الأثاث من مكانها، ووضعتها خلف الباب غير مكترثة بحجمها أو بثقلها، كنبة، كرسي، منضدة، مكنسة، كتاب، صحيفة، أزحتُ وجمعتُ كل شيء كان أمامي، فإن حاولَ أحدهم الدخول، أكون قد سمعتُ صوت الزحزحة فأتنبّه، لا أدري سبب هذا التصرف الذي اعتبرته غير عقلاني، لكني فعلتها، لقد ذهبَ عقلي!
أخبروني فيما بعد أنني أصبت بصدمة عصبية، ونوبة هلع كبيرة، كادت تؤدي بي إلى الجنون!
مرّت ليلة ثانية، وثالثة، ورابعة، وحيدة وخائفة من كل شيء، عادتني نوبة الهلع في كل ليلة، وقتلني ارتعاب غير مبرر وغير مفهوم، توجّس، وذعر، وفزع، وانهيار، وقلق، اتسعت رقعتها كلما استبدت العتمة، أرتجفتُ وارتعدتُ، وتسارعت دقات قلبي، يا لهذا الأرق الخفي! انقضى أسبوع وبقي حالي على حاله.
أصبتُ بسعال عميق، و اجتاحتني حمى غريبة، ودارت بي الدنيا، ومرضت حواسي، غاص الألم فأرهق عقلي وسرق توازني، وضاقت أنفاسي، وأصبحتُ فريسة لكل انفعال.
ليلا، دمّستهُ العتمة وكتمتهُ، فأخذتُ أسترق السمع إلى أتفه الأصوات الصادرة في الخارج، أجزم أن دبيب أبسط الزواحف وصل إلى مسامعي، لم أستطع النوم إلا عندما بزغ أول الفجر، ارتجفتُ بردًا طوال الليل والفصل صيف، لم أستطع النهوض من السرير لكي أدفيء جسدي، لكني، وعند الفجر، نهضتُ ورميتُ على جسدي قطعا كثيرة تافهة، منامات، وفساتين، ومناديل، وأبقيت رأسي مكشوفا لكي استنشق بعض الهواء، خشيتُ من الإختناق، ولم يتدفأ قلبي.
أصبتُ بحالة هلع غير مبررة، خشيت من كل شيء، من نباح كلب جارتي، ومواء قطة جاري، وهدير سيارة جمع النفايات، وأزيز طائرة، أغلقتُ بوابة المرآب بقفل مجنزر، صدئ ومجنزر، وأوصدتُ بوابة المدخل المؤدي إلى الحديقة بجنزير آخر، ودعّمتُ الأبواب الداخلية بدعامات خشبية من الداخل، اقتنيتها خصيصا من بائع ثائر، أرخيتُ الستائر في الغرف وضبطتُ حوافها بملاقط الغسيل.
شدّني الرّعب من شعري وحطّمني، فقدتُ عقلي، وأخذتني الأوهام إلى طريق مسدود، جذبتني وحطّت بي عند شطآن الأرق، انتزعتني من موجة خوف وأدخلتني في متاهات من الرّعب، وعندما طلع النهار، هربتُ من البيت إلى الشارع، وأمضيت جلّ نهاراتي وأنا أتجول بين الناس.
تؤلمني الأماكن الفارغة منكَ، وتثير داخلي خيبات الأمل، أصبح البيت مكامن ذعر ورعب، لكنني ابتعدتُ لكي لا أكرهه، ابتعدتُ حتى أشفى منكَ ومن الذكريات الأليمة.

دينا سليم حنحن - أستراليا



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرجل المجهول
- جزيرة كريت
- عادات الشعوب - سورينتو إيطاليا
- شبشب أمي
- فانتازيا
- الهدية: مشهد حقيقي.
- مضيق موسيمان - كوينزلاند أستراليا
- الجمال بعيون عذراء
- إلى الرجال بمناسبة عيد الأم
- مشهد من سيرة حياة. مدينة اللد
- روما سوسنة الحب
- من نيويورك إلى واشنطن العاصمة
- قراءة تكوينية في قصة-الضباب- لدينا سليم حنحن
- الضباب - الزّنجي
- خطوات في المساء
- سنة 2021
- خطوات راسخة
- الحياة مستنقع
- تيفولي - ايطاليا
- من يافا إلى بيروت


المزيد.....




- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - نوبة هلع