أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - شبشب أمي














المزيد.....

شبشب أمي


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 6933 - 2021 / 6 / 19 - 11:39
المحور: الادب والفن
    


شِبـْشـِبْ أمّـي
دينا سليم حنحن - أستراليا

إن حصل وفقدتُ الأمل يوما، أكن قد فقدتُ طيرًا حلّق في سمائي ورحل.
الطيور مدرستي الأولى، وحرية التعبير حق من حقوقي، بالأمس، لحقتُ يمامة تعرج، لكنها هربت من عدستي ففرحت لشجاعتها، ذكّرتني بنفسي عندما هربت أنا من شبشب أمي، عندما نبتت أجنحتي التي بدأت تحلّق في الفضاء الشاسع، هل يمكنني أن أدعو ذلك: ذاكرة متقدة؟!.
أستاء من بعض أصوات الحاضرين في حياتي، كما استأت من بعض أصوات الماضي فقتلتها بالقلم، طريقتي المثلى للدفاع عن كبريائي، أهم شيء هو ألا أنكسر، وألا أخضع!
كم أكره رؤية مكسور ينحني استعطافا لأحد!
غرابي يلاحقني ويلازمني، زُرع في سمائي كي يتعقبني! لا تندهشوا، فلكل واحد منا غرابه الذي يلاحقه ويتعقبه، يذكّرنا هذا الطير بأول جريمة إنسانية حدثت، جريمة قتل قاييل لأخيه هابيل.
والأنكى من ذلك كله، أن الغربان تشبهنا، لكنها لا تبارح أماكنها مثلنا، هذا هو الإنسان بطبيعته المستفزة، يطحن الشر أنواعا، وأصنافا، أما شبشب أمي فقد استطاع أن يغرز داخلي تقبّل الضربات بصدر رحب، بما أن الحياة في انتظاري بمطباتها التي لا تحصى..
فما حكاية هذا الشبشب؟
كانت والدتي قد اطلعت على أجندة ملاحظاتي، يوميات ثرية بالمشاهدات، كنت في العاشرة من عمري، أسجل مجريات الأحداث التي تستفزني في الحارة، كنت مثلا قد سجلت حكاية الأخ حزقيال، الجار اليهودي الذي هاجر من مصر إلى فلسطين، عزله أبناؤه ووضعوه خارج البيت، عانى من مرض السل الخبيث، يكرر البصق داخل تنكة قذرة، كان أزعجني بصاقه فهجوته بقصيدة قاسية، وخشية غضب الجيران أكلت علقة شبشب محترمة!.
سجلت أيضا مشهدا عن ابنة الجيران التي زفّها والدها إلى عريسها وهي دون الرابعة عشر من عمرها، وعندما كانت هذه الطفلة في الكوشة صرخت عاليا وأرادت النزول، منعتها عمّاتها ووبخنها قائلات: (لوين هاربه، وشو نعمل بكل هذه المخاسر؟)، لكنها صرخت بهم قائلة، حتى وصل صوتها إلى مسامعي، أنا الطفلة: (ما بدي أهرب، نزلوني بدي أبدّل كلسوني، نسيت أبدّل كلسوني..). طلقها زوجها بعد عدة شهور، وتزوجت مجددا، وأنجبت طفلة أسمتها (صابرين)، ثم تطلقت مجددا، وتوفي زوجها الثالث، قابلتها في إحدى المستشفيات، حيث خضع والدي إلى عملية في القلب، قالت لي: (هل كتبتِ قصتي يا جارتنا، قولي إنني أصبحت خادمة في المشافي، أمسح أرضيتها حتى أؤمن حياة جيدة لابنتي، نصيبي في الحياة)!
عندما هطلت أمطار كانون، دلف سقف غرفة أم يحيي، فبدأت تدير أواني المطبخ وتضعها تحت النزيف الشتوي، وهي تلعن الفقر وأبا الفقر، ووالدها الذي زوّجها رجلا فقيرا، لأنها، كما قالوا عنها، قبيحة وقصيرة، فكتبتُ قصة استعطفت بها الفقر وأباه، وكان أن أكلت علقة شبشب أيضا!.
دوّنتُ في يومياتي أحداثا خطيرة جرت في حرب الستة أيام وقت انهمك الجنود في تحميل ذخائرهم وعتادهم داخل القطارات في سكة الحديد، استعدادا للذهاب إلى جبهات القتال على الحدود، قابل بيتنا في حينها محطة القطارات تماما، ومن خلف النافذة، ومثل طفلة فضولية، تابعت مجريات الأمور، وعندما قرأت والدتي ما دونته، نبهتني ألا أفعل، لكني عصيتها ولم أرضخ، فما كان منها إلا أن لقنتني درسا عظيما، وهات يا ضرب على قفاي بالشبشب، وأخذت تصرخ: (وين بوجعك، بدك تخربي بيتنا إنتِ؟)، وعندما استفقت من الضربات، أقصد عندما تحررت من يديها الناعمتين، قصدت مخدعي وبدأت أكتب حكاية طويلة، يا لعنادي، لم أعرف ما اسم الذي أكتبه، صفحات تلو الصفحات والحكاية لا تنتهي، ثم علمت أنني دونت أول رواية، احتفظت بالمدونة بمكان بعيد عن عيني والدتي، لكن ما يزال الشبشب باقيا في ذهني، وكذلك التهديد بالردع: (وينو الألشين، هاتوا الألشين!) كانت ضرباتها عبارة عن حماية لي، ضربات غير مؤلمة أبدا، ومنذ ذاك الحين أصبحت أدوّن كل شيء يضايقني، أو يستفزني، عنادا، وحتى الصغائر والتوافه منها، وهكذا أصبح التعبير الكتابي أسلوبي الخاص في التعاطي مع من أساؤوا لي.
لقد علمتني التجربة أن طريق العطاء يبدأ من حيث قسا الزمان على الكاتب الذي لم يكتب له أن يعيش عيشة رخية!
...
(1) كلسون: الرداء الداخلي
(2) ألشين: شبشب - حذاء البيت



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فانتازيا
- الهدية: مشهد حقيقي.
- مضيق موسيمان - كوينزلاند أستراليا
- الجمال بعيون عذراء
- إلى الرجال بمناسبة عيد الأم
- مشهد من سيرة حياة. مدينة اللد
- روما سوسنة الحب
- من نيويورك إلى واشنطن العاصمة
- قراءة تكوينية في قصة-الضباب- لدينا سليم حنحن
- الضباب - الزّنجي
- خطوات في المساء
- سنة 2021
- خطوات راسخة
- الحياة مستنقع
- تيفولي - ايطاليا
- من يافا إلى بيروت
- منطقة كانغرو بوينت
- فظاظة اللسان
- مش غلط أتذكر
- رحلة إلى جزيرة جيمس بوند - تايلاند.


المزيد.....




- خريطة أدب مصغرة للعالم.. من يفوز بنوبل الآداب 2025 غدا؟
- لقاءان للشعر العربي والمغربي في تطوان ومراكش
- فن المقامة في الثّقافة العربيّة.. مقامات الهمذاني أنموذجا
- استدعاء فنانين ومشاهير أتراك على خلفية تحقيقات مرتبطة بالمخد ...
- -ترحب بالفوضى-.. تايلور سويفت غير منزعجة من ردود الفعل المتب ...
- هيفاء وهبي بإطلالة جريئة على الطراز الكوري في ألبومها الجديد ...
- هل ألغت هامبورغ الألمانية دروس الموسيقى بالمدارس بسبب المسلم ...
- -معجم الدوحة التاريخي- يعيد رسم الأنساق اللغوية برؤية ثقافية ...
- عامان على حرب الإبادة في غزة: 67 ألف شهيد.. وانهيار منظومتي ...
- حكم نهائي بسجن المؤرخ محمد الأمين بلغيث بعد تصريحاته عن الثق ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - شبشب أمي