أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - جزيرة كريت














المزيد.....

جزيرة كريت


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 6948 - 2021 / 7 / 4 - 12:01
المحور: الادب والفن
    


جزيرة كريت، إقريطش، اليونانية.
دينا سليم حنحن – أستراليا.

السّماء، غطاء البشرية، ووعودها، أن تعدك السّماء بالبقاء على قيد الحياة، عليك أن تنجز لتصبح أهلا للوعد!
من بحث عن السّماء، بحث عن إرث يورثه للآخرين، على شيء خالد يتركه، المعرفة، وطالما أن الإنسان يتوق إلى المعرفة فلن يقصر بحثه على الكتب السماوية فقط.
قادتني خطواتي إلى جزيرة كريت، وإذ بي هناك أصدم بصورة كائن بشري هزيل ومسنّ، انتشرت في ربوع هرقليون العاصمة، نُقِش وجهه على العملة ذات العشرة يورو أيضا، كاتب ورحالة، رجل مسافر وصادق، كتبَ عن الغلال، والرعاة، والفتيات الفلاحات، ووصف عرائش الدّوالي، ورقصة زوربا، وخصّ في كتاباته نساءه اللواتي دخلن حيّز تفكيره وحياته.

وطئتُ أرض الجزيرة التي تبلغ مساحتها 8336 كم مربعا، ويصل ارتفاعها إلى 2456مترا، أرض مزروعة بالذكريات، كتب عنها كزانتزاكيس عندما كانت في عهدة الامبراطورية التركية، كتب عن الحرب الضروس التي حصلت بين الأتراك واليونانيين، عن الفقراء، والمهمشين، والجياع، والجاهلين، انتقد العاطلين عن المعرفة والعمل قائلا، إنهم زيادة على العالم!

دخلتُ متحف فارفاري ميرتيا في هرقليون، وبدأت أنبش عن معلومات بين المعروضات والمخطوطات، وعن تفاصيل الرحلة التي قام بها إلى فلسطين وجزيرة سيناء، المكان ذاته الذي أتيتُ منه، والمفارقة الكبرى هي أنه غادر الحياة عندما ولدتُ، في السنة ذاتها، جمعتنا سماء واحدة، وعشنا معا تحت قبتها عدة شهور، في محيط البحر المتوسط، صدفة كانت، عندما بلغتُ ستة شهور شيّعَ العالم عجوزًا عملاقًا أثّر على تفكيري كثيرا، ربما أكون قد تخطيت حدود اللياقة في المقارنة، لكن لي أسبابي، لأنني عندما أمسكتُ بأول كتاب له، شعرتُ بإحساس غريب، وهو أنني عشت معه المسافات، والظروف، والأحاسيس، والعواطف ذاتها، لقد شطحتُ معه في خطواته هناك في فلسطين، وفي مسقط رأسه في كريت.

اقتربتُ من بوابة خان، دخلتُ المقبرة وبحثتُ عن القبر، لم أجده داخلها، دفن كزنتزاكيس على جدار ملاصق للسور في المدينة، لأن الكنيسة في تلك الفترة، رفضت دفنه داخل المقبرة الرئيسة، كان أوصى أن يكتب على قبره باللغة اليونانية، اقتباسا من تعاليم هندية " لا آمل في شيء، لا أخشى شيئا، أنا حر".

بحثتُ عن كتابهِ " رحلة إلى فلسطين " ترجم إلى العربية سنة 1990، حتى أتطلع إلى الأماكن التي تركت انطباعا داخله، كتب عن الخليل والجليل:" في الخليل، مدينة إبراهيم الخليل تشعرُ بأُلفةٍ وطمأنينة، وتبدو الجبالُ في السامرة والجليل أكثر وُدَّا وأُلفةً"، وكتب أيضا عن أريحا وحيفا.
خرجنا قبل شهور من أجواء عيد القيامة، فعادت إلى تفكيري روايتا كاتبنا المذكور"المسيح يصلب مرتين"، و" الإغواء الأخير للمسيح"، واحترت كيف أوّزع التفكير بين الجزيرة الفاتنة، مسقط رأسه، وبين الأماكن التي زارها في القدس، خاصة كنيسة القيامة.
بين يدي الآن، هنا في أستراليا، كتاب "بارباس" للكاتب السويدي لاغركفيست، تحدّث فيه عندما صُلب المسيح مكان بارباس، أطلقوا سراح الأخير وأصبح حرا، وهو المجرم الذي اعترف بأخطائه، وتساءل عن سبب إطلاق سراحه كثيرا، وعندما عاد ليبحث عن الجواب، وجد المسيح مصلوبا وينزف دمًا، رقد تحت قدميه وبدأ يصلّي لأول مرة. معلومات كثيرة تضج في دماغي، لكنني عدتُ لأستذكر الرحلة إلى كريت مجددا.

استقللتُ مركبتي المستأجرة وتنقّلتُ حيث تنقّل كاتبنا، وصلت مغارة زيوس بعد سفر ساعة كاملة على مرتفعات تتسع لمركبة واحدة يحدها كسر حاد وعميق، وخطير لوديان عميقة لا تنتهي، كان الطريق أشبه بمغامرة منسية، ثم انتقلت إلى جهة البحر، حيث وقف زوربا وأشار من البعيد، " إنه البحر" إشارة فرحة النصر وتحدي الذات. أبحرت داخل مركب أخذني إلى شاطىء آخر، انهمكت العامة بأداء رقصة زوربا من الفلكلور اليوناني، انضممتُ إليهم ورقصت على أنغام الموسيقار ثيودوراكيس الرائعة.
انطلقتُ إلى منطقة أخرى، حيث الآثار التي تحدّث عنها كاتبنا والتي ترجمها من الأساطير الخالدة، تعددت التسميات، والأماكن، والقصص، والأسماء، ولم أعد أستوعب كل التاريخ الذي تمتعت به جزيرة كريت، هربت إلى المغارات الأكثر شهرة، وارتفعت بي المسافات بين الترجل واللهاث، ركب السياح الحمير، فساقتهم إلى أهدافهم في المناطق الجبلية الوعرة، بينما قطعان الأغنام تسرح سعيدة في السهول الغنية بالأعشاب يلفها الغبار.

من لم يصل إلى قمة المرتفعات في الجزيرة، حتى لو اقترب من السماء، لا يمكنه الوصول إلى أي هدف منشود، ومن لم يصل البحر، يبقى جاهلا، ومتقوقعا.
عدم المعرفة من قلة الترحال.



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عادات الشعوب - سورينتو إيطاليا
- شبشب أمي
- فانتازيا
- الهدية: مشهد حقيقي.
- مضيق موسيمان - كوينزلاند أستراليا
- الجمال بعيون عذراء
- إلى الرجال بمناسبة عيد الأم
- مشهد من سيرة حياة. مدينة اللد
- روما سوسنة الحب
- من نيويورك إلى واشنطن العاصمة
- قراءة تكوينية في قصة-الضباب- لدينا سليم حنحن
- الضباب - الزّنجي
- خطوات في المساء
- سنة 2021
- خطوات راسخة
- الحياة مستنقع
- تيفولي - ايطاليا
- من يافا إلى بيروت
- منطقة كانغرو بوينت
- فظاظة اللسان


المزيد.....




- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - جزيرة كريت