|
فتح التي في خاطري
نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 6962 - 2021 / 7 / 18 - 15:04
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
نهاد أبو غوش أثارت التصريحات الأخيرة لعدد من كبار القياديين في حركة فتح، وخاصة لنائب رئيس الحركة محمود العالول، وأمين سر لجنتها المركزية جبريل الرجوب، جملة من المخاوف والالتباسات بشأن موقف الحركة وقيادتها ممن يخالفونها الراي من أبناء الشعب الفلسطيني، سواء قوى وفصائل أو حراكات اجتماعية، او ناشطين أفرادا. والمقصود بذلك طبعا هي تلك التصريحات التي تحذر من "استفزاز" حركة فتح وتجربتها، أو التحذير من اختبار حركة فتح وصولا إلى القول "أن فتح لن ترحم أحدا". وعلى الرغم مما رافق التصريحات وأعقبها من تحفظات وشروح، ودعوة إلى عدم نزعها من سياقها، وعدم تناولها بمعزل عن الإشارات الإيجابية في الحديث عن الحوار والوحدة الوطنية، وسلطة القانون. إلا أن كل هذه التوضيحات لم تفلح في نزع المضمون "التهديدي" وبخاصة أنها صدرت عن مسؤولين كبيرين بارزين في الحركة، وهما الأعلى مكانة في الحركة بعد الرئيس فضلا عن تمتعهما بقاعدة شعبية معروفة. جاءت هذه التصريحات في أجواء شديدة الاحتقان، وبعد مقتل الناشط نزار بنات، والقمع الشديد الذي تعرضت له المسيرات والاحتجاجات، وبالتالي فَهِم كثير من الناس والمتابعين، أو أعربوا عن مخاوفهم من أن هذه التصريحات والتهديدات تاتي استكمالا لما قامت به السلطة والأجهزة الأمنية في قمع معارضيها، وأنها ترسم معادلة جديدة وصارمة للعلاقة مع قوى المعارضة، تمنع فيه انتقاد الحركة، أو الاحتجاج على سلوك وممارسات الأجهزة الأمنية. ولا يمكن بالطبع، الحكم على حركة بحجم حركة فتح، بتاريخها والدور المنوط بها، والدور المأمول منها، اعتمادا على تصريحين عابرين، ربما صدرا وسط حالة محتقنة ومأزومة، لكن هذه الأقوال ترتبط بجملة من الأحداث والوقائع والتصريحات الأخرى التي صدرت عن عناصر قيادية ومسؤولين في السلطة وبعض الكوادر، بما يوحي بأنها كلها تشكل نسقا متكاملا لا ينسجم مع تاريخ الحركة وبرنامجها وتقاليدها الوطنية والثورية في استيعاب الخلافات مع الآخرين، والقدرة على توسيع مساحات القواسم المشتركة. من الممكن تفهم (وليس قبول) هذه التصريحات باعتبارها خطابا موجها للداخل الفتحاوي، وليس لعموم أبناء وبنات الشعب مع أن كثيرا من المسؤولين يتعمدون عدم التمييز بين جمهور فتح والشعب، لذلك فإن هذا الخطاب وإن كان هدفه تعزيز الانتماء وتصليب الأوضاع الداخلية للحركة، فإنه قد يقود إلى تكريس التعصب وعدم قبول الآخر المختلف بالرأي، وفي جميع الأحوال فإن هذا الخطاب قد يقنع الفتحاويين المقتنعين اصلا بفتح وخياراتها، ولكنه لن يقنع باقي فئات الشعب، سواء الفئات المحايدة أو المعارضة. ووسط هذه الأزمة المعقدة، سواء في التوجهات السياسية أو في إدارة الشأن الداخلي، ليس غريبا أن تتناسل المشكلات وتتكاثر كالفطر فتنبثق مشكلات جديدة من تلك القديمة، وما يزيد الأمر تعقيدا هو غياب المؤسسات التشريعية والرقابية، لذلك فإن اول ما ينبغي التركيز عليه هو الفصل بين فتح، الحركة والتنظيم والفصيل السياسي، والسلطة باعتبارها جهازا مؤسسيا ينبغي أن يبنى وفق قواعد مهنية متخصصة، فتنظيم فتح وحتى لو كان أعضاؤه يشغلون النسبة الكبرى من المواقع القيادية المدنية والعسكرية، ليس مسؤولا عن سلوك الأجهزة الأمنية، تماما مثلما أن (فتح) ليست مسؤولة عن تطورات الوضع الوبائي لجائحة كورونا، ولا عن أزمة المرور في المدن، ولا عن أداء السفارات والبعثات الدبلوماسية، وفي المقابل وبنفس المقدار من الجزم فإن الأجهزة الأمنية ليست مسؤولة عن تنظيم الفعاليات السياسية الجماهيرية لتأييد رأي معين أو معارضة غيره، فدور الأجهزة الأمنية والعسكرية مرتبط بدقة بصلاحياتها المنوطة بها وبالأحكام العسكرية الصارمة التي تنظم عملها. المسألة الثانية الواجب إبرازها، هي ضرورة احتفاظ فتح بهويتها كحركة تحرر وطني، وليس كحزب سلطة يدافع عن كل ما يقوم به مسؤولو السلطة وقادتها، هذه الحقيقة البسيطة تتطلب جملة من التبعات والاشتقاقات، وهي تحل سلسلة من الأمور المعقدة، ولأن الشعب الفلسطيني ما زال تحت الاحتلال وفي مرحلة تحرر وطني، فإن قانون التحرر الذي ينبغي عدم نسيانه أو التفريط به لحظة واحدة، هو قانون الوحدة الوطنية والجبهات الوطنية الائتلافية العريضة، ولذلك فإن أي إخلال بهذا القانون يضرّ بفتح قبل غيرها لأنها هي التي تقود حركة التحرر الوطني الفلسطيني. ولذلك فإن من المبكر جدا اختزال هذه المهمة المركزية لحركة فتح والتي تأسست من أجلها، وتحويلها إلى امتداد جماهيري أو ميليشيوي لأجهزة السلطة. وللمقارنة يجدر بنا أن نأخذ مثالا حيا من الجزائر الشقيقة التي قاد فيها حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري البلاد نحو الحرية والاستقلال، ظل هذه الحزب يحكم البلاد بعد الاستقلال، ولم ينتف دوره إلا بعد مرور ثلاثة عقود من الانتصار على المستعمر وبعد تفشي مظاهر البيروقراطية والفساد والترهل والاستبداد، وبالتالي فإن سنوات طويلة من النضال ضد الاحتلال ما زالت تنتظر كوادر فتح وعناصرها وجمهورها، وليس من الحكمة تبديد جهودها على الصراع مع الشركاء في الوطن. يقال دائما أن فتح تشبه شعبها، من حيث التعددية وتنوع الآراء والاجتهادات والمشارب الفكرية والأيديولوجية وتضارب المصالح الطبقية، لذلك نأمل أن تستعيد فتح صورتها المشرقة، فهي غلّابة على أعدائها وليس على شعبها وشركائها، ما يستدعي أن تكون فتح أكثر تسامحا وصبرا وقبولا لمن يخالفها أو ينتقدها، فالنقد ليس استفزازا، والاختلاف مع الحركة وقيادتها، بما في ذلك المطالبة الديمقراطية السلمية بإجراء الانتخابات أو تغيير القيادة، حق ديمقراطي يكفله القانون الأساسي وينص عليه إعلان الاستقلال، وهي تقاليد راسخة للثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وبالتالي فإن من يختلفون مع حركة فتح ليسوا ضيوفا على هذا الوطن لكي ترحمهم حركة فتح او تحرمهم من هذه الرحمة، بل هم شركاء أساسيون. أما عن التطاول على الأشخاص من القيادات والأجهزة الأمنية فهي مسلكيات ينبغي الرجوع فيها للقانون وحده الذي يحاسب على مثل هذه التصرفات بموجب مواد كثية واردة في قانون العقوبات التي لا تطبق للأسف إلا على الصحفيين.
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معالجة شاملة لأزمتنا الشاملة
-
الغضنفر أبو عطوان
-
غسان كنفاني : المثقف العضوي بحق
-
إسرائيل تدير الجريمة لتفكيك المجتمع العربي والسيطرة عليه
-
إسرائيل تنظر للعربي كمشكلة أمنية
-
جهاز المخابرات (الشاباك) يدير الجريمة في اوساط عرب الداخل
-
مبادرة الأسرى وتحقيق العدالة لنزار بنات
-
مظاهرات رام الله: عن الشعارات البذيئة والعدمية وإفراغ الحراك
...
-
قانون القومية الصهيوني وحق عودة اللاجئين
-
قانون القومية والجذور العنصرية في الفكر الصهيوني
-
قانون القومية العنصري يُرسّم اسرائيل كدولة أبارتهايد
-
من الذي يتآمر على حركة فتح؟؟
-
المحاسبة والإصلاح لا الفوضى والانتقام
-
عن تصفية المعارض نزار بنات
-
كابوس نتنياهو
-
عن إعادة الاعتبار لحركة فتح
-
عائلتنا : النكبة والشتات والخسارات المتتالية
-
نقاط على حروف الانتصار
-
أزمة اليسار الفلسطيني ومقومات نهوضه
-
كنت شاهدا على المأساة
المزيد.....
-
مصر.. بدء تطبيق التوقيت الشتوي.. وبرلمانية: طالبنا الحكومة ب
...
-
نتنياهو يهدد.. لن تملك إيران سلاحا نوويا
-
سقوط مسيرة -مجهولة- في الأردن.. ومصدر عسكري يعلق
-
الهند تضيء ملايين المصابيح الطينية في احتفالات -ديوالي- المق
...
-
المغرب يعتقل الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني
-
استطلاع: أغلبية الألمان يرغبون في إجراء انتخابات مبكرة
-
المنفي: الاستفتاء الشعبي على قوانين الانتخابات يكسر الجمود و
...
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
الحرس الثوري الإيراني: رد طهران على العدوان الإسرائيلي حتمي
...
-
الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال الألماني بسبب إغلا
...
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|