أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - قصة (الحصاوي) للقاص سعدي عوض الزيدي خطوب بطعم الالم















المزيد.....

قصة (الحصاوي) للقاص سعدي عوض الزيدي خطوب بطعم الالم


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 6960 - 2021 / 7 / 16 - 22:40
المحور: الادب والفن
    


منذ أن وجد الانسان على ظهر البسيطة، والى اليوم هذا، مازال يتعرّض الى المحن والخطوب، وتصاحبه الى المآسي والآلام. فالكوارث الطبيعية والبيئية اخذت من حياته شطرًا كبيرًا، ناهيك عن الظلم الذي كدر صفوه من قبل الانسان نفسه من اخيه الانسان على يد الظلمة والمتسلطين، والتاريخ مشحون بذلك، فضلا عن المحن التي لازمته والتعرضات من الحيوانات المفترسة، خصوصًا للناس الذين يعيشون في الغابات والصحارى المترامية الاطراف، في ارض الله الواسعة، كذلك من الفيضانات التي حدثت لعدد كبير جدًا على الذين يسكنون قرب المحيطات والبحار. وهذا الباب اذا ما فتحناه على مصراعيه لا تكفي مجلدات كثيرة نسوّد صفحاتها بشأن ما يتعرض لها الانسان، منذ آلاف السنين الى عصرنا هذا الحديث، وهو عصر تطور الانسان علميا وتكنولوجيا وعمرانيا.
في قصة قصيرة من قصصه التي اطلق عليها "مجموعة قصصية" يصور لنا القاص سعدي عوض الزيدي قصة قصيرة، بمعاني انسانية نبلة، مأساة أو قل جريمة انسانية راح ضحيتها مجموعة من الناس تحت طائل الجوع والعطش، في بقعية معينة من الارض في عهد قريب. واطلق القاص الزيدي على هذه القصة "الحصاوي" و الحصاوي هو مصطلح اشتق من "الحصى" والذي يدخل في عملية البناء وتشييد البيوت، كما هو ايضًا اوضح ذلك، واشار الى أن تسمية "الحصاوي" هم الذي يجمعون الحصى ليبيعوه او ليشيدوا به منازلهم، بطريقة او باخري، وجاءت التسمية من هذا الباب.
كان الحصاوي يسكنون في منطقة نائية من جنوب العراق، كما ينوّه القاص، في فترة الستينيات من القرن المنصرم، وتحديدًا قرب محافظة البصرة، وكان هؤلاء الناس يعتاشون على انتاج وما تثمر الارض بالإضافة على المواشي، ويستخدمون الآبار لري مزارعهم ولسقي مواشيهم، وكذلك لشربهم، احيانا، من هذه المياه (اليوم هذه المياه لا تصلح لشرب البشر فضلا اعطائها الحيوان، وذلك لأنها تحتوي على مكروبات وجراثيم فتسبب الكثير من الامراض التي بالتالي تعرض الناس والمواشي للموت).
عميد الادب العربي طه حسين يقول: "ولم يكن البؤس يرضى أن يصحب هذا الفريق إلا إذا تبعه أصحابه من الجوع والعري والعلل والذل والهوان، والكد الذي يضني ولا يفني، والهم الذي يسوء وينوء، وكان الناس من ذلك الفريق يبغضون أولئك الضيف أشد البغض، ويضيقون بهم أشد الضيق، ولكنهم لا يجدون إلى الخلاص من ضيفهم الثقلاء سبيلًا إلا أن يأتي العدل فيلقي بينهم وبين ضيفهم ستارًا، ولكن العدل كان بطيئًا مسرفًا في البطء، كأنه كان يمشي في القيد، لا يكاد يخطو خطوات قصارًا حتى يجذبه من ورائه جاذبٌ، فيرده إلى مكانه الذي استقر فيه بعيدًا كلَّ البعد عن الناس الذين يحبهم ويحبونه، ويشتاق إليهم ويشتاقون إليه. كذلك كان ذلك الفريق طامحًا إلى العدل، يحرقه طموحه دون أن يبلغه شيئًا، وما أكثر ما مضت الأجيال وليس لها من العدل حظٌّ إلا انتظارها له، وتحرُّقها شوقًا إليه". (طه حسين – المعذبون في الارض – ص 6-7، من المقدمة) فطه حسين بصدد حديثه عن الناس الذين تعرضوا الى مآس وخطوب، وكيف أنهم جزعوا هذه الحياة، وتمنوا الموت ولا حياة الذل التي نالوا شطرًا طويلا منها. وانما نحن ننقله هنا لتقريب صورة البؤس وقسوة الحياة.
بطل القصة أسمه سليمان الجاثي، والجاثي تعني باللغة العربية الذي يجثُ على ركبتيه، كما في "قاموس المعاني". وعندما اختار القاص هذه التسمية، فالعبارة كانت التفاتة مقصودة من قبل الكاتب، والمقصود بها، عمومًا، الناس الذين يجثون على ركبهم وهم يبحثون على قوتهم وقوت مواشيهم التي يعتاشون عليها في تلك الظروف الحرجة، وهي علامة من ظلم الحياة وقسوة العيش وضنك الدنيا، وتعرض الانسان على صنوف المحن في سبيل اجتياز تلك المحن بالقدر الممكن، لكي يستمرون في تدفق وجودهم.
"الصوت المروّع انتزعه من أرض يعرف كيف يغرف حصاها دون ملل...(ابتعد من هنا) قالوا له ببساطة ساعات طويلة قضاها يبحث عن وهاد جديد تبحث له الرزق والحصى الوفير، جماعات كثيرة كانت هنا في "المطلاع" وللمرة الاولى تداهم مسامعه حقيقة هذا الاسم والصحراء امتداد موحش لولا تلك الركيا (الركيا بستان صغير يقع في وسط الصحراء) الصغيرة النابتة في قلب الصحراء، يتعلق بها الانسان المزروع هناك يمسح الارض، يلم حصاها محدودبا دونما انين، يشده الحلم حمام يلي على رؤوس المباني ونك قتلني يا حمام". (المجموعة: ص 39، دار الحرم للنشر والتوزيع بمصر لسنة 2019).
في روايته الفقراء أو المساكين، يروي لنا دوستويفسكي قصة مجتمع معين وحياة بؤس وحرمان وشظف عيش. ومن خلال هذه الرواية يغور الكاتب في النفس البشرية فيعري كثير من الاشياء الكامنة في دواخل تلك النفس، ورغم أن الكاتب – وهو يكتب هذه الرواية- فقد كان في بداية حياته واوج شبابه، الا اننا نراها رواية متكاملة، من جميع الاوجه، النفية وسواها، ما يدل على عظمته، وهو هنا يظهر كمحلل نفساني، عالم بخفايا النفس البشرية، وقد سبق فرويد في هذا المضمار.
"ألن يستطيع المرء أن يعيش في ركنه العادي، أيا كان هذا الركن وفي أي جهة؟ هل أصبح من غير الجائز للمرء أن يحيا دون أن يعكر ماء جاره، على حد قول المثل، ومن دون أن يؤدب أحدا، خاشيا ربه مهتما بنفسه، حتى لا يؤذيه أحد أيضا، وحتى لا يدخل أحد إلى ركنه الصغير فيحشر أنفه في شؤونه الداخلية، هل من الضروري أن يعرف كيف أعيش في بيتس، وهل أملك صديرة، وهل عندي ما أحتاج إليه وهل آكل إذا جعت، وما طعامي، وما شرابي، وما هي النصوص التي أنسخها؟ أي ضير يا ماتوشكا في أن أجتاز الطريق ماشيا على رؤوس الأصابع اذا لم تكن الطريق مرصوفة، حتى لا يهترئ حذائي ما حاجتهم الى الكتابة عن أخيهم أنه يمر بأيام بؤس وحرمان، وأنه لا يحتسي قليلا من الشاي؟ فهل من الضروري أن يشرب جميع الناس الشاي؟ هل أنظر أنا الى فم كل إنسان لأعرف ماذا يدخل إلى بطنه؟ مع من سلكت هذا السلوك؟ ومن أهنت هذه الإهانة ؟ لا ياماتوشكا، عيب علينا أن نجرح إنسانا لم يمسسنا بسوء." (الفقراء، ص 112، المركز الثقافي العربي، ترجمة سامي الدروبي).
وهذه الصورة التي رسمها دوستويفسكي في "الفقراء" هي كما يبدو قريبة جدا للصورة التي رسمها بريشته ابداعه سعدي عوض الزيدي، أعني قريبة من الناحية جانب مهم من حياة البؤس التي مرّت على فئة كبيرة من المجتمعات الانسانية.
"لعن الله الجوع، أناس مثلنا تعلموا القهر وشتم البطن يتحملون المسير ساعات الى الركايا". (المجموعة ص 41)
وكانت شاحنات المياه التي تعودوا أن ينتظروها، فتجيئهم محملة بالمياه الصالحة للشرب، وقد انقطعت عنهم بصورة مفاجئة، ولم يعلموا الاسباب الكامنة وراء ذلك، فما لبثوا أن ماتوا عطشا. وقد صور الكاتب في هذه القصة القصيرة البعُد الانساني المأساوي، وكذلك صور شطر من محنة الانسان في المعمورة، كما صور جزء منها دوستويفسكي في مدونته "الفقراء".
ولا أريد أن اتطرق اكثر من هذا، كي أدع القاري الكريم الى قراءتها، واترك له متعة الاطلاع عليها بنفسه.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (كم مضى من الوقت؟) لوليد حسين وفلسفة التاريخ
- قصيدة (غذّ سيّرك) للشاعر سرحان الربيعي ومبدأ الشك الديكارتي ...
- في (وصايا العائد) عمر السراي ماذا قال للطلقة التي قتلت حُلمن ...
- في قصيدته - قرب حانة (المرايا)- عبد الحُرّ يؤرخ للجنون وللذك ...
- الشعور النفسي اللامجدي في (ليل وشباك) للشاعر كاظم الميزري
- القلق الوجودي في (أيُّها الترابيُّ) للشاعر جبار الكواز
- في (أصنام أم نعوش) قاسم وداي الربيعي يتمرّد على الواقع المري ...
- مأساة شعب في (للمفتاح وجوه عدّة) للروائي مهدي علي ازبيّن
- (البهلوان) لأحمد خلف سردية تغتال السأم
- (أنين الضفدعة) ل عبد الامير المجر نهاية بطعم الرحيل
- تجلي المعنى في (للآن ألتمسُ بريقاً) للشاعر وليد حسين
- الحس الواقعي والتطلع للحرية في ديوان (بحثا عن رغيف المعنى)
- مبدأ الشك بين المعرّي ونيتشة2 /2
- مبدأ الشك بين المعرّي ونيتشة1 /2
- طاعون البير كامو وفايروس كورونا1 /2
- طاعون البير كامو وفايروس كورونا2 /2
- نهاية تولستوي بعد الاعتراف كأديب2 /2
- نهاية تولستوي بعد الاعتراف كأديب1 /2
- الغزالي يفضّل الشرع على العقل!
- قصة الجنس..دراسة علمية تاريخية


المزيد.....




- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - قصة (الحصاوي) للقاص سعدي عوض الزيدي خطوب بطعم الالم