أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عزالدين بوغانمي - الذين حكموا البلاد بعد 14 جانفي هم الكارثة، وليست الثورة















المزيد.....

الذين حكموا البلاد بعد 14 جانفي هم الكارثة، وليست الثورة


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 6945 - 2021 / 7 / 1 - 08:07
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


بعد عشرة سنوات من حكم الإسلام السّياسي، وبسبب الإحباط الكبير وخيبة الأمل وفقدان الثقة في الطبقة السياسية برُمتها، نلاحظ هجومًا شنيعًا على الثورة وعلى الديمقراطية وكأنّ الديمقراطية تُساوي هذا الخراب الذي بلغته تونس اليوم.

قرون طويلة عاشها الناس في بلادنا العربية في ظل الطغيان والتسلط والقهر. ولمّا خرج الاستعمار، انتصبت مكان إدارته مسوخ من دول مُصطنعة ومُنصّبة خارج إرادة الشعوب، فوُلدت من يومها الأول مُشوّهة، معطوبة، مسلوخة جغرافيا وديمغرافيا، شحيحة المُقدّرات، بلا قدرة على توحيد سكّانها، وخائفة من جوارِها ومن شعبها. هذه الدّول التي ورثت إدارات وإرادات وحدود استعمارية، قادتها أقلّيات فئوية أحيانًا وفي أحيان أخرى أقلّيات اجتماعية وطائفية ودينية. وبسبب وعيها بأنّها أقلّيات شيّدت أنظمة بطش ترتكز على المستعمر وتستمدُّ منه شرعيّتها. وتغتصب بموجب ذلك شعوبها إلى أن استنفذت كل جهود الاغتصاب وإمكانياته، ووصلت إلى آخر الطريق. وحينئذ انفجرت حركة الثورة والتغيير.

الثورة غُدِرت وتحولت إلى حروب أهلية وأزمات اقتصادية، وعُفّنت بالإسلام السياسي . ولكنها حطّمت ثقافة الإذعان والخوف والمسكنة وعبادة القوّة التي نشرها ورسّخها في النّفوس نظام غاشم ودموي بالمعنى الحرفي للكلمة. وحررت الفرد من التهديد الدائم في حياته وسلامته الجسدية والعقلية، وسياسة الابتزاز بكل شيء ولأي سبب، حتى تحوّل الفرد إلى قزم رخيص في عين نفسه. والثورة حملت أمل نشأة إنسان آخر يخرج من أنقاض مدن الخوف وأرياف الخصاصة والتهميش، ليواكب ثقافة جديدة متحرِّرة من القيود والاختناقات والأشباح. لكنّ الطريق لا يزال طويلًا كي تصبح الحرية ثقافة عامة سائدة وراسخة من البيوت إلى أعلى هرم السلطة والحكم.

عندما "استقلت" بعض البلدان العربية، وأُنشئت أخرى، كان الرهان على المثقّف، وعلى النخب المتعلّمة، ولكن هذا المثقف وهذه النخب تم تدميرها بالإضعاف وبالإلحاق وبالإلغاء وبالإقصاء وبالسجون وبقطع الأرزاق وبخصي الضمير، ولذلك ظلت ضعيفة إلى درجة العدم أحيانا، فأخفقت كمعارضات سياسية وكمدارس فكرية وكتيارات ثقافية في أن تُحدث تغييرا حقيقيا في نظام الطغيان السياسي والظلم الاقتصادي والاجتماعي. ورغم ظهور شخصيات استثنائية مثلت لمعات عابرة من حين إلى آخر، لابدّ من الاعتراف أنّ الاستبداد لم يسمح بولادة حركة ثقافية سياسية منظّمة ومؤثّرة في المجتمع تدفع الأمور نحو تحرير الناس من أغلال أنظمة مُفترسة لإرادة الفرد وإرادة المجتمع.
أمام هزيمة النخب في تغيير الأمور وخسارتها لمعركتها التي استمرت لمدة تفوت نصف قرن، حينئذٍ تحرّك الشعب مطلع 2011 ورمى بنفسه في المعركة قاتلًا أو مقتولًا.

الزواولي المهمش الفقير الذي لم يتمكن من انهاء دراسته، هو الذي شقّ طريق الحرية وعمّده بدمهِ. والعبء وقع مباشرة بعد سقوط النظام على النّخب السياسية، وعلى المثقّف لتعبيد هذا الطريق وإنارته وفهم الواقع الجدبد ودفعه نحو المستقبل بأفكار واضحة. مع الأسف، يبدو أنّ المثقف لم يبرأ بعد من آثار عقود الاستبداد، وأنّ النّخب السياسية بعضها لا يحمل مشروعا مُضادّا للحرية وللمشروع الديمقراطي وحسب، بل هو معادي للدولة الحديثة عِداءً عقائديا، وبسبب ذلك تحول إلى إرهابي يهدد أمن تونس وأمن بقية العالم، وبعضها الآخر ما يزال ضائعًا غير مُدرك لأولويات البلد.

استمرّ انفصام النخب الاجتماعية والسياسية والثقافية عن الشعب. بحيث مازال هناك في بلادنا عالمان وأمّتان وتاريخان لا يسيران معًا بانسجام. وإنّما كلّ واحد منهما يسير عكس الآخر. وما لم ينصب اهتمام النخب وتفكيرها على أحوال الشعب الفقير ماديًا وثقافيًا، وعلى الاستثمار فيه، والعمل على تحريره من مخانقه وإحباطاته ومخاوفه الدّفينة والتضحية في تربيته وتثقيفه، لن يكون لهذه المجتمعات العربية عموما من نصيب غير الإخفاق. ولن يكون هنالك شعب ولا أمّة بالمعنى السياسي، لأنه لا يوجد تقدّم ولا حضارة ولا مدينة مزدهرة ونظيفة من دون شعب مثقّف ومهذّب ومتعلّم وفخور بذاته، واثق من نفسه، وعلى وجه الخصوص مؤمن بالمستقبل.

كلّ ما نفذته النخب من سياسات، منذ الاستقلال، جاء عكس تحرير الناس من الأغلال والخوف والانطواء. لقد جاء الاستقلال لصالح أقليّة احتكرت الرّفاه والمال والجاه، على حساب تقهقر شعب فقد رغد العيش والطمأنينة والأمان والثقة والأمل في المستقبل. بل أن ما حصل كان تدمير أمّة لا بناء وطن كما حلمت بذلك أجيال الاستقلال. ثمّ مررنا من التدمير النفسي والفكري والسياسي وانتقلنا في حقبتنا الراهنة نحو التدمير الجسدي والمادي، والقتل بالجملة، والانتشاء بالانتصار، ليس على الفقر والجهل والمرض، وإنما على الشعب.

هكذا سارت الأمور باتّجاه التّدهور لِتنتهي بانقلاب الدولة، التي راهنت عليها الشعوب لإحداث التقدّم واللحاق بالعصر، على المجتمعات ذاتها، بعد أن تمّ اختطافها من قبل نُخب مارقة عن كل معايير السياسة والأخلاق نجحت في تحويلها إلى أداة إرهاب وترويع واغتيال منظم للحقوق والحريات والألفة والتضامن بين المواطنين. بهذه الحرب السرّيّة المنظمة ضد الشعب من أجل إخضاعه بالكامل وخنق روح التحرر فيه، تمّ إلغاء الشعب واستبداله بكتلة بشرية من الموالين المرعوبين المصفقين ولاعقي أحذية رجال السلطة والأمن والمال.

هذا التحوّل الخطير في مهام الدولة التي وضعت في خدمة مجموعات اغتصبت السيادة وقررت أن تحلّ محل الشعب وتحتلّه، هو ما يُفسّر غياب الإرادة اليوم والتردّد في النهوض لإسقاط الخوانجية وما حولهم من عصابات الفساد والإفساد. وهو ما يُفسّر ليس ضعف الإيمان بالديمقراطية وحسب، بل إدانة الديمقراطية وجعلها مرادف للفوضى والجوع والخراب، كما لو أنّ معنى النظام الديمقراطي هو حصرًا حكم النهضة.

نعم، نحن بحاجة للديمقراطية ليست لأنها حلّ لأي مشكلة من المشاكل التي تواجه المجتمعات، ولكّن لأنها الإطار الذي يتيح أكثر من غيره التوصل إلى حلول، أوّلًا لأنّه يقوم على التشاور والحوار وتبادل الرأي بين الأفراد، وبين الحاكمين والمحكومين. إذ هو نظام يُحكِّم العقل بدل القوة في مواجهة المشاكل التي تواجه المجتمعات. وثانيًا لأنّه إطار يسمح بالمساءلة والمحاسبة، ويُحدّد المسؤوليات وفق نصوص دستورية صارمة ترسم حدود المسؤولية، حيث الحاكمون والمحكومين ينظرون إلى بعضهم البعض كأنداد أحرار، لا كأسياد وعبيد. وثالثًا، لأنّه في إطار النظام الديمقراطي يتساوى الجميع أمام القانون، بمعنى ليس هنالك أحد فوق القانون، والآخرون في ذمّته. فعلى سبيل المثال الرئيس رئيس بالوظيفة وفي المهنة. وحينما يقف أمام القانون إنما هو مواطن مثله مثل غيره. ووظيفته ليست تاجًا ولا تشريفا، بل مجرّد التزام تجاه المجموعة.

والديمقراطية ليست معادل الحريات. ولا هي معادل المساواة. فهذه قيم وشروط لوجود المواطنة. إنما أهم ما في الديمقراطية هو سيادة الفرد على نفسه، بحيث يصبح هو موطن الضمير والمعرفة بالحق والواجب.
والديمقراطية ليست فكرة ولا معتقد ولا هي قيمة كالحرية والعدل والتعاون والمشورة، إنّها هي نظام من القواعد يضمن استمرارية علاقات متكافئة ومنتجة ومثمرة بين الأفراد، قائمة على المساواة والتفاهم والتعاون والتضامن لحلّ مشاكل التنمية والتشغيل والمعيشة والسكن والتعليم والنقل والماء الصالح للشراب، ومحاربة الجوع والأمراض والحزن العمومي، وبناء دولة قانون تضمن العدالة والأمن والاستقرار والمساواة بين الناس، وتعزّز الهوية الوطنية في مواجهة الهويات الجزئية، وتنمّي الثقافة وتطوّر البحث العلمي... وغيرها من الأمور الحيوية التي بدونها لا يستقر مجتمع ولا تستمر دولة ولا تنسجم جماعة.

وبهذا الصدد، الديمقراطية لا تحلّ كل هذه المشاكل ولا تحقق كل هذه الأهداف دفعة واحدة لمجرد وجودها. غير أنّها تخلق البيئة الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تساعد على حلّها، لأنّها تقوم على تواصل النخب الحاكمة والمسؤولة مع الشعب، وتقوم على حكم القانون والمؤسسات القائمة على قواعد وأصول ثابتة حيادية بعيدة عن الشخصنة، وهذا ما يجعلها قادرة على إيجاد حلول للنزاعات والخلافات وتناقض المصالح بالوسائل السلمية، والاحتكام للعقل، بدل الحروب الأهلية وقواعد الثّأر والغَلَبة وغيرها من وسائل العنف التي يستحيل معها أيّ تراكم أخلاقي أو علمي أو تقني أو ثقافي، بل على العكس من ذلك، ولطالما عادت الشعوب بسبب العنف إلى حالتها الطبيعية البدائية الأولى المتوحّشة القائمة، في أحسن حالاتها، على الاحتكام للعصبيّة.

لذلك أنا أعتقد، أنّ العنف في الملاعب والتهوّر وإعادة إحياء العصبيات كالعروشية في تونس أو الطائفية والأقوامية والمناطقية في بلدان عربية أخرى، إنما ذلك ناجم بطريقة غير مباشرة عن غياب التواصل والحوار والشفافية والوسائل والآليات السلمية في مستوى الدولة، أي بسبب غياب الديمقراطية وبسبب ضعف إيمان النخبة بها، وليس بسبب الديمقراطية.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام السّياسي وُلِدَ لِوقف تحديث الدّولة
- الدّيمقراطيّة في قبضة وَرَثَة الاستبداد!
- حركة النهضة في قَدَمِ البلاد.
- نهايات الإسلام السياسي في تونس
- حركة النّهضة، وخدعة -الكتلة التّاريخية-.
- موقفنا من الاستقلال.
- نحو انتفاضة شبابيّة تحرّرية واعدة
- سقوط حركة النّهضة المحتوم
- رثاثة الطبقة الحاكمة في تونس
- منظومة الحكم ليست هي الدّولة. وشباب تونس ليس ضيفًا في دار ال ...
- سلميّة الحراك الشّعبي في تونس، وشروط استرجاع الثورة المغدورة ...
- حكم -النّهضة- والأُفُق المسدود
- الجبهة الشعبية: منهجية العجز
- الديمقراطية في قبضة وَرَثَة الاستبداد في تونس!
- ثورة 14 جانفي ليست حدثًا عابِرًا، ولا هي نهاية المطاف.
- السّياقات المُضادّة للثّورة، وعودة النظام القديم.
- لا بديل على الحوار الوطني بين التوانسة.
- في الردّ على -حفريات في جذور الإسلام السياسي- للمعز الحاج من ...
- التكفير هو العقيدة الأساسية للجماعات المتطرّفة.
- الدّيمقراطية يبنيها الدّيمقراطيون. وليست وحيًا يُوحى!


المزيد.....




- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عزالدين بوغانمي - الذين حكموا البلاد بعد 14 جانفي هم الكارثة، وليست الثورة