أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - عزالدين بوغانمي - التكفير هو العقيدة الأساسية للجماعات المتطرّفة.















المزيد.....

التكفير هو العقيدة الأساسية للجماعات المتطرّفة.


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 6758 - 2020 / 12 / 11 - 04:07
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


يتهرّب التكفيريون في تونس من هذا العار، مُختبئين وراء شعار الديمقراطية والمدنية بحكم وجودهم في المجلس التشريعي كأهمّ مؤسسة في الدولة.
وكم كنّا نتمنّى أن تعود حركة النهضة إلى رشدها، وتتحوّل، بعد كلّ الأذى الذي لحقها ولحق البلاد لعقود طويلة، إلى حزب مدني شريك في بناء البلد. غير أنّ الوقائع لا تدلّ على ذلك أبدا. فما أن اشتدّ التوتّر بسبب اعتداء ائتلاف التكفير بالعنف الشديد على أحد النوّاب، حتى انبرت قيادة النهضة تحمي هذا الائتلاف وتدافع عن العنف متّخذة في ذلك كلّ أساليب المراوغة والتحيّل..
ونظرا للظروف الدّقيقة التي تمرّ بها البلاد، يجب أن نشرح للناس الأصول التكفيرية لهذه الجماعات، من منابعها الأولى إلى يوم الناس هذا.

الجهاد من الجُهد، ويعني المشقّة والعُسر. وشيوخ الفِتن والبِدع والقتل، أوّلا فسّروا الجهاد تفسيرا خاطئا، فجعلوا الدين حِملا صعبا ثقيلا على عكس ما جعله الله يسيرا.
وثانيا، قاموا بعملية خلط مقصودة بين جهاد الطلب وجهاد الدفع وجهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد المعتدين،،، وجعلوها كلها في سلّة واحدة دون اعتبار المعايير الفقهبة لكلّ منها. ومع كثرة الشيوخ، وكثرة القنوات، وكثرة الجماعات، وكثرة مستخدميها على اختلاف أهدافهم الإجرامية، أصبحنا إزاء فوضى عارمة من الفتاوي. وهكذا انحرفوا بمعنى الجهاد إلى نوع من العطش الدّائم للقتل والإجرام.

المسألة الثانية، والأكثر خطورة، هي أنّ هذا الانحراف حدث مبكّرا جدًّا. فالذين أهدروا دمّ الخليفة عثمان وحاصروه، قتلوه تحت شعار "الجهاد ضد عدو الله". ومنذ ذلك الحين، تمّ إدخال الدين في السياسة. بحيث أصبح مفهوم جهاد أعداء الله، حيلة سياسية لتصفية الخصوم. ولطالما تمّ استخدام هذا الشعار وتمطيطه حسب الخصومة السياسية لسحق كلّ من جاهر بنقد الخليفة. ومع الأسف، تحولت هذه الجرائم إلى استنادات ومتون فقهية توارثتها الأجيال، فبعد مقتل عثمان على اعتباره عدوّ الله، والرّجل صاحب النبي، وأحد المبشّرين بالجنة، فأنت يمكن أن تكون مسلما وعدوّ الله. وفقيها تائبا وعدوّ الله. وشيخ علّامة، وإمام الحرمين وعدو الله.

ويقول قائل ما دخل حركة النهضة بهذا الموضوع؟
حتّى لا يُغالطونكم، تعالوا نكشف عن الخيوط الرابطة بينها وبين ميراث التكفير.

ترك بن تيمية فتاويه التي جُمعت في سبعة وثلاثين مجلدًا ضخمًا. ومن هذه الفتاوي ما يتعلق بحجّة الكُفر. ثم جاء محمد بن عبد الوهاب، ففسّر في كتاب "التوحيد" فتاوي بن تيمية وفق مُراده هو، إلى أن وصل به الحال إلى إهدار دم من خالفه الرّأي والتّفسير، وتسويغ تحكيم السيف في رقاب المسلمين. وهذه هي مسألة الاشتباك الكبرى بين الحركة الوهابية من جهة، وبين مجمل الجسم العُلمائي في كافة بلاد الإسلام من جهة أخرى. وهي الكارثة الكبرى التي ولّدت كل حركات التكفير. ثمّ جاء المودودي، فأحيا ما قال به محمد بن عبد الوهاب في كتابه "الجهاد في سبيل الله". وبعده جاء السيد قطب ففسّر ما كتبه أبو الأعلى المودودي في كتابه "هذا الدين"، و "معالم في الطريق". وهنا أصبحت قضية "الجهاد" وقضية "الطائفة" التي تحدث بها حسن البنا في المؤتمر الخامس لجماعة الإخوان المسلمين سنة 1937، قضية مركزية في فكر الجماعة. وكان السيد قطب يقول قبل أن يصبح مسؤول قسم الدّعوة مطلع الخمسينات: "لا بد وأن توجد طليعة إسلامية تقود البشرية إلى الخلاص". وأوّل كتاب أهداه لهم هو "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وقد جاء في الإهداء: "الفتية الذين ألمحهم في خيالي قادمين يردون هذا الدين جديدًا كما بدأ يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون". وبالمناسبة السيد قطب هو أب السلفية الجهادية في مصر، ثم مرجع لكل الحركات التكفيرية منذ الخمسينات إلى اليوم، إذ هو محلّ إجماع بينها جميعًا رغم كل اختلافاتها. والجذر المشترك بينها هو التكفير. وجماعة الإخوان هي أمّها الأولى التي أنجبتها وأرضعتها وربّتها في أحضانها.
نأتي الآن إلى زعيم الجماعة المؤسّس حسن البنّا -الذي قُتِل على يد جهازه السرّي عام 1949، على خلفية تنديده بمقتل رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي آواخر 1948- لما أسس جماعة الإخوان المؤمنة بالعمل العسكري المسلّح (أقصد حسن البنّا)، كان في نفس الوقت شيخ السلفيين وأحد مؤسسي هذا التيار العريض، وهو الممثل الرسمي للمدرسة الدعوية الخاصة بجمعية "أنصار السنة المحمدية"، حتى أنّه آثر الابتعاد عن الإعلام، اعتقادا منه –لفترة طويلة– بحرمة التصوير.

إذن السيد قطب وحسن البنا، كلاهما أتى من السلفية الجهادية. ففي حين تحدث حسن البنا عن "الطائفة المؤمنة". قال السيد قطب ب"الجيل القرآني الفريد" في كتابه "معالم في الطريق". وبالتالي فالجهاد والتكفير والعنف هي مسائل قديمة متجدّدة مع جماعة الإخوان. ولها استنادات فقهية كما رأينا، تعود إلى بن تيمية الذي تحدث عن نواقض الإسلام، وجاء بعده محمد بن عبد الوهاب ليتحدث عن نواقض الإسلام العشرة، ومنها "الكفر" و"الطاغوت". وجاء المودودي ليتحدث عن جاهلية القرن العشرين. وتلاه السيد قطب ليصف الحكم القائم بالحكم الجاهلي، واعتبر أنّ الحاكمية هي أصل من أصول الدين، ولييت فرعًا، ولا هي من السياسة. ومن هنا عُدنا لمقولة الخوارج "لا حكم إلّا لله" و"ما دون حكم الشريعة فهو كُفر". وبدأنا نسمع من جديد مصطلح "أعداء الله".

اختلفت الجماعات المتفرّعة عن الإخوان في تفاصيل وصف الدّولة. فمثلا جماعة الإخوان المسلمين وبعض السلفيين القريبين منها، باعتبار نظرية الحاكمية، يقولون بأنّ الدول التي لا تطبق الشريعة دولة كافرة. وهنالك فئة أخرى ترى أنها دولة مرتدّة وليست كافرة. ولكن قتال المرتدّين واجب شرعي. وهنالك فئة ثالثة ترى أن الدولة باغية وأهلها مسلمون ولكن قتالها واجب. وفئة رابعة تقول بأنّ هذه الدّولة كافرة كفرا أصيلا. وكما تلاحظون يظل الاختلاف في التفاصيل والإجماع على الجوهر التكفيري. ومن هنا، من هذه الأفكار نهل راشد الغنوشي، وعلى أساسها تأسست حركة الاتجاه الاسلامي مطلع الثنانينات.

المسألة الأخيرة، والتي يشوبها الغموض دائما، ويجب توضيحها. وهي كثرة الانشقاقات داخل الجماعات التكفيرية. بحيث عادة ما تُطرح أسئلة من نمط: ماهو الاختلاف بين داعش والقاعدة؟
وأين التّمايز بين حركة النهضة وأنصار الشريعة (ائتلاف الكرامة)؟
وما الفرق بين جبهة النصرة وجند الله؟

بداية، من الثّابت أنّ كلّ هذه الجماعات قائمة على ستّة أركان:
1/ الجاهلية في القرن العشرين وما بعده حتى قيام دولة الشريعة.
2/ الحاكمية أصل من أصول الدين.
3/ لا بدّ من طائفة تُقاتل وعُصبة من المؤمنين تمثل فرض الشّوكة.
4/ لابدّ من هدم المجتمع، إن لم يهدم نفسه.
5/ يمكن التخلّي عن هدم المجتمع، إذا كان ذلك في صالح الجماعة.
6/ الجماعة هي الأُمّة، ولو كانت الجماعة فرد واحد، لأنّ الجماعة هي نواة الأمّة.
فإذا اتّفقوا على كلّ هذه الأسس، ففي ماذا يختلفون؟

الاختلاف يجري لثلاثة أسباب:
أوّلا، الوضع الخاص للجماعة التي تمكنت من الحكم كما جرى في عدة بلدان ومنها تونس. وهذه الجماعة لا تنطبق عليها القواعد الستّة لكونها أدرى بشؤونها.

ثانيًا، في حكم أعوان الحاكم: هنالك أصل هو الكفر بالطاغوت، ويعتبر أن الطاغوت هو كلّ من يُعبد من دون الله. وأنّ العبادة هي كما قال بن تيميّة: "أمر جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه". وهم يختلفون هنا. فمثلا المدرس الذي يعمل في دولة الطاغوت، هل هو كافر أم لا؟
والمحامي الذي يعمل في محاكم الطاغوت، هل يعتبر كافرا أم لا؟
ومن يوالي الطاغوت فقط، ولا يشتغل معه، هل هو كافر؟
وهل أعوان الطاغوت هم المستشارون. أم الوزراء. أم كل العاملين في النظام؟

إنهم يختلفون في هذه الأمور التي يعتبرها بعضهم فرعية تحتمل هامشًا لاختلاف الرأي. ولكن عند البعض الآخر هي مسائل جوهرية يُقامُ عليها الحدّ. بل أفظع من ذلك، هنالك من يعتبر أيّ عضو في مجتمع الطاغوت يسري عليه حكم الحاكم، ويجوز قتله. وهنالك تقسيمات أخرى، كالفارق بين المرتدّ والكافر، حيث يُقتل المرتد بتسعة رصاصات، ورصاصة واحدة للكافر ... وهذا ما يُفسّرُ قتلهم للمسلمين قبل غيرهم... وتتواصل المأساة حتى وصل أبو قتادة آواسط التسعينات، إلى تقديم فتوى للجماعات الإرهابية في الجزائر، خلال العشرية السوداء، سمّاها "فتوى عظيمة الشّأن في قتل الأطفال والنّسوان". وفعلا شهدت الجزائر عمليات سبْي واسعة، ومذابح مروّعة للنساء ولأطفال المدارس، إذ كانوا يقطع رأس الطفل، ويضعونه فوق المحفظة، في مشهد لا قبله ولا بعده في بشاعته.

والسّبب الثاني للاختلاف: هو حالات الحرب، حيث يجوز لكلّ أمير مجموعة إصدار فتواه، وعادة ما تكون فتاوي غريبة عجيبة. وقد يكون اختلاف أهداف المخابرات العالمية والمُموّلين سببًا في اقتتال هذه الجماعات، مُغطّاة بفتاوي اعتباطية.

من هذا المنطلق، وعلى هذا الأساس، يجب على الجميع معرفة عواقب قراراتهم غير المحسوبة هذه الأيام. وأنا تمنّيت دائما ومن صميم القلب، أن تكون حركة النهضة تخلّصت من هذه الأفكار الإجرامية التي ستلحق بها بالغ الأضرار، قبل أن تضرّ تونس وشعبها. ولكنّي لا أثق بهؤلاء الناس الذين حملوا عقيدة قتل وعدوان على الإسلام وعلى الأبرياء عقودا طويلة، دون انتباه ولا مراجعة ولا خوف من ربّ العالمين.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدّيمقراطية يبنيها الدّيمقراطيون. وليست وحيًا يُوحى!
- لن تنهار الدّولة التّونسية لأنها راسخة في وعي شعبها.
- اليسار بين المهاجرين والأنصار!
- الشّعوب لا تتعلّم إلّا من جِراحِها الخاصّة.
- تصاعد شعبيّة الحزب الدّستوري الحرّ.
- الاتّحاد العام التّونسي للشّغل مؤسّس الدّولة وحاميها.
- عجز الأحزاب السياسية عن إدارة الدولة التونسية
- هل هي ثورة أم مؤامرة على بن علي؟
- أهل لبنان أدرى بِشِعابها.
- عُسر الانتقال الديمقراطي.
- معركة بنزرت: ملحمة وطنية؟ أم مؤامرة داخلية؟
- هل هنالك فريق بين ترمب وبايدن؟
- مؤتمر الصّومام ضحيّة الرّاحل أحمد بن بلّة، وليس العكس.
- الحداثة المُشوّهة وسؤال المُساواة
- أسباب الخلاف بين الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية، وبين هيئة ...
- نتائج الآنتخابات التونسية والهوس الجماعي
- في الردّ على تفسير الأزمة تفسيرات عشوائية. أزمة الجبهة كيف ي ...
- التحيُّل على التّاريخ !
- الجبهة الشّعبيّة إلى أين؟
- إلى نساء تونس، أنتن الوطن؛ وإني مهزوم أمامك يا وطني، فانتصر. ...


المزيد.....




- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - عزالدين بوغانمي - التكفير هو العقيدة الأساسية للجماعات المتطرّفة.