أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - مؤتمر الصّومام ضحيّة الرّاحل أحمد بن بلّة، وليس العكس.















المزيد.....

مؤتمر الصّومام ضحيّة الرّاحل أحمد بن بلّة، وليس العكس.


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 6726 - 2020 / 11 / 7 - 15:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مجموعة الستة التي فجرت الثورة التحريرية، رحمهم الله جميعا (مصطفى بن بولعيد، بوضياف، ديدوش مراد، كريم بلقاسم، رابح بطاط، والعربي بن مهيدي)، في آخر إجتماع لهم في الجزائر العاصمة ليلة 23 أكتوبر 1954، ناقشوا فكرة مؤتمر يُنظم الثورة على الميدان، ويبعث لها مؤسّسات تحميها من الانكسار. ولكن لأسباب أمنية مُعقّدة، وبسبب تفاقم الصراعات بين المصاليين والمركزيين، تأجل هذا العمل، واتفقوا على اللقاء بعد سنة. ويذكر المجاهدون الذين رافقوا سي مصطفى (شهادة الوزير السابق صالح قوجيل)، أنّه كان ينوي عقد المؤتمر في الأوراس، باعتبارها ذات جغىافيا وعرة وأكثر آمانًا. ولأن ذلك لم يحصل نظرا لاستشهاد ديدوش مراد، واعتقال سي مصطفى ورابح بطاط، وسفر بن مهيدي إلى القاهرة، فلقد طرح الشهيد زيغود يوسف نفس الفكرة سنة 1955. حيث أعدّ رسالة مُطوّلة، دعا فيها إلى مؤتمر وطني تحضره مختلف المناطق، واقترح انعقاده في منطقة شبه جزيرة القل بسكيكدة. وبعد اتصالات ومداولات، اُتُّفِق في الأخير على أن ينعقد في منطقة الصّومام لأنها أكثر أمانًا. وهو ما حدث فعلا بمنطقة إيفري ببجاية في 20 أوت 1956.

يعدّ مؤتمر الصومام أهم حدث في مسيرة الثورة الجزائرية. أو هو على رأس الأحداث النّوعية الكبرى التي نقلت الثورة من إمكانية الانكسار، إلى ضمانات النّصر.

وبكلّ موضوعية، أعتقد أنّ الحدث الوحيد الأهم من مؤتمر الصومام هو الاستقلال. يعني الصّومام أهمّ من هجمات الشمال القسنطيني أوت 1955. وأهمّ من معركة الجزائر1957. وأهمّ من مظاهرات ديسمبر 1960.
لماذا؟
لأن الوثيقة السياسية المنبثقة عنه تعتبر دستور الثّورة الذي نظم كفاح الشعب لدحر الاستعمار. حيث نقل الثورة من حالة العفوية والتشتت إلى حالة النظام المُحكم والمؤسسات الإدارية والسياسية، التي مكّنتها من تكريس التسيير الجماعي، وتوحيد المعركة، وإنهاء الفوضى وتقليص هوامش الاختراق والتّلاعب. وضبط السياسة الداخلية والخارجية لجبهة التحرير الوطني، ودوّل القضية وجلب لها اعتراف أكثر من مئة دولة قبل إعلان الاستقلال. وبكفي التءكير بأن هذا المؤتمر هو مؤسس المجلس الوطني للثورة الجزائرية (برلمان الثورة)، وهو مؤسّس لجنة التنسيق والتنفيذ (حكومة الثورة). وهو الذي هيكل جيش التحرير هيكلة دقيقة. ووحّد قيادته. وأعاد النظر في التقسيم الجغرافي، بحيث حوَّل المناطق إلى ولايات. وأضاف الولاية السادسة للجنوب. وأسّس جهاز القضاء (الحبوس) لمقاطعة المحاكم الفرنسية. وتدلّ كلّ القرارات السياسية التي ثبّتها المؤتمرعلى حالة نضج سياسي غير مسبوق، كإقرار أولوية الداخل على الخارج. وذلك يعني أن يكون التّسيير أوّلا وأخيرا وطنيا وضمن الأجندة الاستراتيجيّة لتحرير الجزائر، لا وفق أيّة أجندة خارجية، حتّى يبقى الجزائريون ماسكون بخيوط قضيتهم، قاطعين الطريق على أيّ دولة قد تحاول استخدامهم لتحقيق مصالحها. ولا شكّ أن حروب الوكالة واستخدام قضايا الشعوب أمر معهود ومتكرّر في العالم، ولعلّ مسار الثورة الفلسطينية يشهد على درجة تلاعب القوى الإقليمية بقضايا الشعوب فيما وجدت ثغرة لذلك.

أما أولوية السياسي على العسكري، فإنّ انتهاك هذا المبدأ أدّى إلى ولادة نظام عسكريّ، بعد أعظم ثورة تحرّرية في القرن العشرين، رغم إنجازاته السّيادية، يجب الاعتراف أنّ العشريّة السّوداء لم تحدث صدفة، بل هي واحدة من نتائجه السّلبية. ولعلّ أكبر دليل على صحّة ذلك القرار، هو الشعار الذي ردّده الحراك الأخير "مدنية مدنية ضد الدولة العسكرية". كما أنّ أولويّة السياسي على العسكري تعني بأن قضايا الاستقلال ليست تمرّدا عسكريا بلا أهداف سياسية، وإنما لا يعدو فيها العمل العسكري أن يكون أداة لتقريب الهدف السياسي البعيد، ألا وهو الاستقلال وبناء الدولة الوطنية..

وفي نفس السياق شدّد المؤتمر على أن الثورة الجزائرية ثورة وطنية أصيلة، لا تخضع لا للشرق ولا للغرب. وعلى أن الدولة الجزائرية المنشودة هي دولة مدنية تسع الجميع (مسلمين وأوروبيين) ولن تكون دولة دينية ولا عنصرية. وهذه رسالة على غاية الأهمية من جهة كونها، داخليّا موجَّهة إلى المستوطنين الفرنسيين لتحييدهم وطمأنتهم. وخارجيا إعطاء وجهٍ ديمقراطي للثورة قصد كسب الرأي العام الدولي خاصة في أروقة الأمم المتحدة، لتفنيد الدعاية الفرنسية التي كانت توهم الرأي العام العالمي بأن ما يجري في الجزائر هو "عنف مسلح” يقوم به "إرهابيون متعصبون وخارجون عن القانون ويهدّدون الاستقرار في شمال إفريقيا".
وهي أيضا -عكس الإشاعات المغرضة- تثبيت لما ورد في بيان أول نوفمبر الذي أشار بوضوح إلى "احترام الأشخاص والعائلات وأملاكها المحصَّل عليها بنزاهة".

الغريب أنّه بالرّغم من هذا الدّور المحوري للصّومام في مسار التحرير. وبالرّغم من أنّ أغلبية أعضاء الوفد الخارجي تفاعلوا معه بإيجابية، وترجموا قراراته إلى مؤسسات وعمل سياسي وديبلوماسي وتسليحي وتمويلي وثقافي. وبالرغم من أنّ بعضهم انتقد المؤتمر في بعض جوانبه الشكلية. فإنّ الرئيس الراحل بن بلّة الذي دُعي للحضور ولم بعترض، ثمّ تغيّب لأسباب غامصة، وشنّ عليه الحرب منذ قرأ لوائحه واعتبره طعنة للثورة بسبب "أولوية الداخل على الخارج". فمرة يبرر هجومه على الصومام بأنّ الأوراس لم تكن ممثلة، والحال أن الجميع يعرف أنّ استشهاد سي مصطفى جعل الوضع معقد في الولاية الأولى، علاوة على أن وفد الأوراس وصل متأخّرًا بسبب التغيير الذي طرأ على تغيير تاريخ انعقاد المؤتمر لأيباب أمنية. ومرة يقول " مؤتمر الصومام كان سحبًا للبساط من تحت أقدامنا" (طبعا يقصد الوفد الخارجي)، وهنا أيصا، يعرف الجميع أن المؤتمر عيّن كل الوفد الخارجي كأعضاء في المجلس الوطني، وعلى رأسهم أحمد بن بلّة . ومرة يقول: " الصومام انحرف على بيان نوفمبر باستعمال عبارة "الدولة المدنية"، كما لو أن الدولة التي ترأسها لاحقا كانت دولة خلافة إسلامية ! ثمّ إنّ العربي بن مهيدي وكريم بلقاسم الذين ساهموا في كتابة بيان نوفمبر ليلة 23 أكتوبر 1954 ضمن مجموعة الستّة، هما اللذان أشرفا على كتابة مقررات مؤتمر الصومام.

وبالنتيجة فإن كلّ هذه التبريرات التي قدّمها أحمد بن بلّة للهجوم على الصومام ليست واقعية من وجهة النظر التاريخية. ومع ذلك نجد أن أغلب منتقدي مؤتمر الصومام، ارتكزوا على موقفه النّابع من خشيته آنذاك من إضعاف مكانته لكونه ظلّ في الخارج. وبالتالي خشيته من تقليل فرصته في تزعم الثورة والدولة معا، وهو الرجل الذي لم يُخْفِ يومًا هذا الطموح الشخصي الذي رافقه إلى غاية يوم 19 جوان 1965.
للأسف الشديد تناقلت الأجيال هذه المظلمة إلى يوم الناس هذا. وتفاقم الأمر حين انخرطت بعض القوى، المعروفة بعدائِها للوطنية، في الدعاية ضد الصومام، بدعوى أنه جعل الثورة وطنية تبنّت أفكارا تحرّرية، وهذا ما أدّى إلى تبنّي الدولة الجزائرية المستقلة لخيارات تقدمية واشتراكية. ويكفي التثبّت من الحملة الحالية المستمرة ضد مؤتمر الصومام لنكتشف أن المشاركين فيها، إما أناس محدودي الثقافة غارقين في ذهنية جهوية ومناطقية مقيتة، كنا نظن أن الحركة الوطنية الجزائرية قضت عليها منذ آواخر عشرينات القرن الماضي. أو بقايا دواعش يؤمنون بالمِلّة والخلافة، ولذلك هم في الأصل معادون لمفهوم الوطن والدولة المدنيّة.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة المُشوّهة وسؤال المُساواة
- أسباب الخلاف بين الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية، وبين هيئة ...
- نتائج الآنتخابات التونسية والهوس الجماعي
- في الردّ على تفسير الأزمة تفسيرات عشوائية. أزمة الجبهة كيف ي ...
- التحيُّل على التّاريخ !
- الجبهة الشّعبيّة إلى أين؟
- إلى نساء تونس، أنتن الوطن؛ وإني مهزوم أمامك يا وطني، فانتصر. ...
- النّخبة السياسية التونسية تحتاج بوصلة وطنية وإعادة تأهيل ديم ...
- نخبة جائعة ضد الوطن والشعب !
- كل الجهود من أجل حزب الجبهة الشعبية الموحد!
- حول مبادرة: -المؤتمر الوطني الأول للجبهة الشعبية-
- اليسار التونسي وجذور الفشل
- تونس تحتاج تفاهم أبنائها حول قضايا الإجماع الداخلي.
- ثقافة الإستبداد وعوائق إصلاح الجبهة الشعبية
- النخبة السياسية التونسية: ثنائية الطمع والجهل..
- خائف عليها من الحمقى!
- التدين الماركسي
- الإسلام ومأساة العقل
- بين دولة الاستقلال والكيان الاعتباطي
- رسالة إلى شباب تونس بشأن دروس المصالحة الوطنية بجنوب إفريقيا ...


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - مؤتمر الصّومام ضحيّة الرّاحل أحمد بن بلّة، وليس العكس.