أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حقول الموت قصة قصيرة














المزيد.....

حقول الموت قصة قصيرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6944 - 2021 / 6 / 30 - 22:29
المحور: الادب والفن
    


أمس الثلاثاء 11 مايو شيعنا تسعة أطفال قتلوا بصاروخ واحد في غارة على بيت حانون. سرنا خلف النعوش الصغيرة وكان بالقرب منا أحد الآباء، رحنا نرفعه من تحت إبطيه وهو يذكر أطفاله من خلال دموعه:" قتلوا جميعا في ملابس العيد ". تمدد الخوف بداخلي من أن يلقى طفلاي ريم وعمار وأطفال أخي أكرم الثلاثة المصير ذاته. هذا محتمل جدا، فقد قتلوا من عام 2000 إلى يومنا هذا ألفي طفل، بمعدل مئة زهرة صغيرة سنويا اقتلعوها في حقول الموت. محتمل جدا أن يسقط بيتنا في غارة فنختفي جميعا ولا يبقى من عائلتنا أحد. ركبني هذا الخاطر الأسود فعدلت خط سيري واتجهت إلى شارع الجلاء حيث يسكن أخي. قبل المنزل بقليل شاهدت عن يميني حطام مكتبة الشروق. أحجار تساندت على بعضها.أخشاب مهشمة سوداء الأطراف. أسياخ بارزة. كتب تناثرت فاغرة الأوراق. لافتة من قماش انكسرت بين الأنقاض: " كتب وقرطاسية". صعدت إلى شقة أخي أكرم. كان نائما فأيقظوه. جاء إلى حجرة الضيوف بالبيجاما. قلت له: " أكرم أخي .. عمار ابني مازال صغيرا يحتاج إلى رعاية أمه، لكن ما قولك في أن أترك عندك ريم ابنتي؟ وتترك أنت عندي واحدا من أطفالك الثلاثة؟". حملق أكرم في بنظرة من لم يفهم. قلت أوضح له : " إذا وافقت فإنه إذا تعرض بيتك للقصف ولا قدر الله مات الجميع فسوف يبقى طفل يحمل اسمك، عندي، وإذا دمرت إحدى الغارات بيتي تبقى روح حية من نسلي عندك؟". حدجني أكرم بانتباه. قلت له، وأنا مزعزع الثقة في سلامة الاقتراح:" في نهاية المطاف أيام وتنقضي. ابنك عندي أو ريم ابنتي عندك.. أيام وتنقضي". كنت أطلب رأيه، أن يقول لا هذا محال، أو أن يناقش المقترح، لكنه غمغم منطفئا من دون أن ينظر إلي: " ماشي الحال. قد تكون هذه هي الوسيلة الوحيدة لمرواغة الموت". قدرت أننا اتفقنا فنهضت لأنصرف. وقف أكرم. تبادلنا النظر. كدنا أن نمد أيادينا لنتصافح لكننا لم نفعل. في طريقي إلى بيتي بشارع الوحدة تمهلت عند مفرق ضبيط. كان الشباب يتصايحون ويهرولون في كل ناحية على ضوء كشافات السيارات يحاولون انقاذ البعض من تحت الركام والأنقاض، وشابة في مقتبل العمر رفعت يديها الى السماء صارخة:" ياالله.. فليقصفونا معا مرة واحدة! ياالله"! واصلت طريقي إلى بيتي، وكانت ريم تلهو مع أخيها الأصغر عمار في الصالة. نظرت إليها. قلت لنفسي بحزم: " لا. لن أذهب بها إلى أي مكان. سنبقى معا، وليكن ما يكون. أنا لا أستطيع الاستغناء عنها لحظات". تذكرت صياحها كلما كنت أغسل وجهها بالصابون ثم انفلاتها من بين ذراعي وركضها متعثرة بين الكراسي واختباءها تحت السرير، حيث تحبس أنفاسها، أرفع غطاء السرير المدلى على الأرض. أحدق بها مبتسما فتصرخ وهي تحرك يديها أمام وجهها:" لا يا بابا .. لا تجدني بسرعة". لن يكون بوسعها أن تقول : " لا تجدني بسرعة" عندما ترتوي حقول الموت وتقطف الطائرات منها كل الزهور. ظللت جالسا على مقعدي في انتظار قدح الشاي من أم ريم. أغمضت عيني أسأل الله بحرارة أن يهبني إشارة تدلني على الطريق الصحيح. هل أذهب بها إلى عمها؟ أم أستبقيها معي؟. فجأة دوي القصف مسموعا بقوة، وارتج زجاج النافذة، جريت أفتحها. كانت الطائرات تحلق على ارتفاع منخفض، والانفجارات تتلاحق واللهب يندلع هنا وهناك في الشارع، ثم تمايل البيت بشكل جنوني وسبح كل شيء أمامي متأرجحا متوهجا بلون أصفر وأحمر، وظهرت أم ريم وبيديها الطفلان. هرولنا نهبط الدرج. وقفنا في الشارع أمام العمارة مع بقية العائلات. كانت الأرض ساخنة تحت قدمي، والأطفال يبكون، بينما نحن ننظر إلي عمارة أبي عوف وقد سويت بالأرض ومن بعدها عمارة اليازجي. عشرون غارة واحدة بعد الأخرى ثم توقف القصف. صعدنا إلى البيت، فعاهدت نفسي: " غدا آخذ ريم إلى عمها".
في الصباح ، وكان ذلك يوم الأربعاء 12 مايو أمسكت بيد ريم في كفي ومشينا إلى بيت أخي أكرم. لم تكن المسافة بعيدة . لكنني حملت ريم على كتفي بعض الوقت. وصلنا إلى العمارة فتوقفت أمام مدخلها ولم أصعد. لبثت مدة وريم عن يميني تمسك بأطراف أصابعها كمشة من ساق بنطلوني، تجذبني منها، والهواء المتدفق من بحر غزة يهب علينا. رفعت بصري إلى شرفة الشقة. كان ثمت ضوء خافت على أطراف الستارة. جذبتني ريم:" بابا.. ألن نصعد لعمو؟ بابا؟". حركت قدمي خطوة ثم رجعت. عدت ببصري إلى الشرفة بأمل أن يطل منها أحد ويدعونا إلى الصعود فيحسم ترددي. جذبتني ريم:" يابابا". جلست على الأرض وركبتاي لأعلى. ضممتها بقوة إلى صدري. جاءني صوتها خافتا مع أنفاسها وهي تضغط بشفتيها الرقيقتين على طرف أذني: " يا بابا ؟ ".
***



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتب في حياتي
- نكسة 67 .. الظاهرة خارج السياق
- 21 كــلــمــة عــلــى شــــرف ايــفــلـــيــــن بــــوريــــ ...
- الورش الأدبية .. الثقافة والمال
- جون بولوك وكتابه حروب المياه
- فلسطين .. أغاني الشعب وثواره
- حصان فلسطيني أحمر - قصة قصيرة
- اسـمـاعــيــــل يـــس .. الــطــيــبــــة والـــــفـــــن
- أمريكان وأفغان
- النيل في خطر
- يا ملطشة القلوب
- اللغة والحقيقة .. تجميل أم تدجيل ؟
- د. شاكر عبد الحميد .. الأسس النفسية للإبداع
- دينيس سميث .. الأجندة الخفية للعولمة
- عندما تعيش على أنك مصطفى وأنت إبراهيم
- شخصيات مشهورة .. أصل وصورة
- المجلات الثقافية المصرية .. الرسالة والأزمة
- اسرق قصيدة .. تصبح أديبا
- كورونا .. تجارة الحياة والموت
- فــرانــز بــارتــل .. الاســتــثــنـــائـــي فــي الأدب


المزيد.....




- الأبعاد التاريخية والتحولات الجيوستراتيجية.. كتاب -القضية ال ...
- مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم ...
- ركلها وأسقطها أرضًا وجرها.. شاهد مغني الراب شون كومز يعتدي ج ...
- مهرجان كان: الكشف عن قائمة الـ101 الأكثر تأثيرا في صناعة الس ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 70 مترجمة باللغة العربية بجودة HD ...
- السحر والإغراء..أجمل الأزياء في مهرجان كان السينمائي
- موسكو تشهد العرض الأول للنسخة السينمائية من أوبرا -عايدة- لج ...
- المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان
- تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حقول الموت قصة قصيرة