أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - اللغة والحقيقة .. تجميل أم تدجيل ؟














المزيد.....

اللغة والحقيقة .. تجميل أم تدجيل ؟


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6859 - 2021 / 4 / 4 - 12:56
المحور: الادب والفن
    


" القول بأن الحرب قد تكون دفاعا عن السلام يشبه القول بأن ممارسة الجنس قد تكون دفاعا عن العذرية"! لعل هذه العبارة هي أشهر ما قاله جورج كارلين الكاتب والناقد الأمريكي الذي كان يلقي بعض ما يكتبه ممثلا على منصات المسرح. وفي شريط مرئي قصير يقول جورج كارلين إن اللغة أداة لاخفاء الحقيقة، ويضرب مثالا على ذلك بقوله : " عندنا يطلقون على الفقراء الفائض في الموارد البشرية، لكي يخفوا حقيقة الفقر"، ويقول أيضا : " كفوا عن القول بأن المخابرات الأمريكية تقتل الناس، وصاروا يقولون إنها فقط تقوم بتحييدهم "! وأيضا : " القتلة الإسرائيليون أصبحوا بتلك اللغة الفدائيين، وأمسى الفدائيون العرب إرهابيين". ويقول :" خذ مثالا آخر على التمويه على الحقيقة، يقولون لك في الطائرات نحن نستعد للصعود. بالله عليك ما معنى الاستعداد للصعود؟ أن نصعد قبل أن نصعد؟ أم ماذا؟". وعلى أساس من تلك الملاحظات ينتهي جورج كارلين إلى أن اللغة " أداة لاخفاء الحقيقة". ومع اعجابي بذكاء الملاحظات وطرافتها إلا أنه لا يسعني الموافقة على أن وظيفة اللغة اخفاء الحقيقة. ألم تنطق اللغة بالحقيقة حين قال أمل دنقل : " لا تصالح ولو قلدوك الذهب"، وهناك تراث عريق من الحقيقة عبرت عنه اللغة في الأدب الأمريكي، والانجليزي وغيرهما. هذا لا ينفي أن اللغة قد تستخدم سياسيا لاخفاء الحقيقة، أو للتخفيف من وقعها، وقد ضرب جورج كارلين أمثلة ساطعة على ذلك بعباراته الذكية، وفي تاريخنا صفحات طويلة قامت فيها اللغة بتشويه وتدمير واخفاء الحقيقة، مثلما حدث عند إشاعة الأوساط الرسمية أن ثورة عرابي مجرد " هوجة" فقط لتسقط عنها جلال الثورة، وهناك بلا شك المثال الأخر عندما سميت الهزيمة في 1967 نكسة. لكن اخفاء الحقيقة أو تدميرها جزء من استخدامات اللغة وليس وظيفة اللغة الأساسية وهي التواصل بين البشر، وحفظ الذاكرة الانسانية، والتقدم نحو الوعي، وهذه وظيفة اللغة الرئيسية.
ينادي جورج كارلين أيضا بما يسميه لغة بسيطة مباشرة صادقة، لهذا لايعجبه أن عبارة ورق المراحيض قد أمست " مناديل حمام"، وأن كلمة العلاج أصبحت الاستشفاء، أما الأوساخ فتحولت إلى نفايات، ويقول إنهم : " حتى عندما يتكلمون عن الطقس يقولون يوم مشرق جزئيا بدلا من يوم غائم جزئيا ! وعما قريب سيقولون عن فتاة تم اغتصابها : فتاة خضعت لممارسة جنسية لم تكن راغبة فيها!". ومجددا لا أستطيع موافقة الكاتب الأمريكي الطريف على ما يقوله، لأنه في واقع الأمر يعترض على إحدى أهم وظائف اللغة وهي تجميل الواقع، وتطويره، ووضعه في إطار أفضل، على سبيل المثال فإننا عندما يموت شخص نفضل القول بأنه" رحل"، وهنا بكلمة رحل يصون الإنسان الأمل في استمرار الصلة حتى مع الغائبين ومع المجهول والقدر. وسيظل تجميل الواقع إحدى أهم وظائف اللغة، وفي اعتقادي أن الشعر كله عملية تجميل للحياة، وتجميل للحب، وللانسان، وقد لايكون الشخص بطلا لكنك حين تقول له إنه فارس فإنك تبعث فيه تلك الفروسية. والحب ليس عملية روحية بحت، بل عملية روحية مادية معا، ومزيج من الوعي والبدن، لكنك ترتقي به وتجمله، وتزينه بمئات القصائد واللوحات والروايات، وفي هذا الصدد تحضرني أبيات لبابلو نيرودا حين قال لمحبوبته : " وضع الله أسماء كل شيء في فم آدم .. وبقى اسمك على لسانه .. ينتظرني.. كما ينتظر الشتاء ولادة الورد". تجميل الحياة إحدى أهم وظائف اللغة، أما التدجيل خاصة في المجال السياسي فأمر آخر. وفي كل الحالات تبقى ملاحظات جورج كارين طريفة وذكية وتدعو للتأمل، ويكفي أنه كان شجاعا ليقول في أمريكا:" القتلة الإسرائيليون أصبحوا الفدائيين، وأمسى الفدائيون العرب إرهابيين".



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- د. شاكر عبد الحميد .. الأسس النفسية للإبداع
- دينيس سميث .. الأجندة الخفية للعولمة
- عندما تعيش على أنك مصطفى وأنت إبراهيم
- شخصيات مشهورة .. أصل وصورة
- المجلات الثقافية المصرية .. الرسالة والأزمة
- اسرق قصيدة .. تصبح أديبا
- كورونا .. تجارة الحياة والموت
- فــرانــز بــارتــل .. الاســتــثــنـــائـــي فــي الأدب
- عبوات معدنية صغيرة
- سلافوي جيجك .. كوفيد 19 الذي هز العالم
- شخصية ترامب عند نجيب محفوظ
- رانيا وعفاف وقصة تحرير العبيد
- فتاة عصبية - قصة قصيرة
- حكايات صغيرة لليلة رأس السنة
- لغة الأدب في اليوم العالمي للعربية
- يحيي حقي .. الجميل الذي لا يتكرر
- رسالة عن الفلوس والفن
- فصل الدين عن الأدب .. معركة متجددة
- نظام جديد قصة قصيرة
- الــلــون والــديـــن والــســيــاســة


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - اللغة والحقيقة .. تجميل أم تدجيل ؟