أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - عندما تعيش على أنك مصطفى وأنت إبراهيم














المزيد.....

عندما تعيش على أنك مصطفى وأنت إبراهيم


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6837 - 2021 / 3 / 11 - 15:38
المحور: الادب والفن
    


هل تعرفت إلى إنسان عاش على يقين من أنه مصطفى وهو إبراهيم؟! أنا تعرفت إلى أشخاص من هذا النوع، موهوبين، وعاشوا من غير أن يعلموا أن الطبيعة اختصتهم بعنصر نادر مشع، وانقضت حياتهم من دون أن يكتشفوا جوهرهم، مثل أرض لا تدري أن في بطنها عروقا من الذهب، أو مثل شخص عاش على أنه مصطفى وهو إبراهيم. وكنت أشعر بالأسى حين ألقاهم وألمس مواهبهم في أشياء صغيرة، وهم يواصلون حياتهم في ممرات مجاورة لحقيقتهم. يحدث ذلك لأن الموهبة تحتاج إلى ضربة فأس تكشف عنها، إما بالمصادفة، أو أن يكون في الظروف المحيطة ما يساعد على اكتشاف الموهبة. لكن ما هي هذه الموهبة التي يدور الحديث عنها؟ وكيف حاول العلم أن يعرفها؟. بهذا الصدد يشير فرانسيس جالتون في كتابه"العبقرية الوراثية" إلي أن الموهبة " عرق وراثي يتم تناقله". لكن العلم نحى تقريبا تلك النظرة استنادا إلى أن أحدا من أبناء الموهوبين العظام شكسبير وتولستوي وغيرهم لم يرث موهبة والده. وحاول البعض أن يربطوا بين الموهبة والخلل النفسي والجنون، لكن طبيب النفس البريطاني"هافيلوك آليس" أجرى دراسة شملت ألف حالة من المبدعين وتبين منها أن نسبة من يوصف بالمرضى بينهم لم تصل حتى إلى خمسة بالمئة( أربعة وأربعون شخصا فقط)، بل وأكدت دراسته أن الموهوبين قد أبدعوا برغم المرض وليس بفضله! العلم لم يستطع أن يفسر بالدقة مصدر الموهبة التي تشتبك على مساحة مترامية بعناصر نفسية ومادية مجهولة. ولذلك علينا أن نحدد - ليس مصدر الموهبة - لكن طبيعتها، حكما بنشاطها الابداعي. وفي تعريف الموهبة أجدني قريبا إلى ما قاله الروائي الأرجنتيني أرنستو ساباتو : " المبدع هو الذي يرى في الأشياء المعروفة تماما أشياء غير معروفة"، أي أن تكون للموهوب طريقته الخاصة التي يرى بها البشر والأحداث بشكل مختلف عما هو ظاهر. وعلى سبيل المثال كان من المألوف في شوارع القاهرة أن تمر صبية خادمة صغيرة السن، تحمل على رأسها صينية بطاطس أو كعك العيد متجهة بها إلي الفرن. لم يكن ذلك المشهد يستوقف أحدا، كان مشهدا مستقرا في الوجدان لا يدعو للتفكير بشكل مغاير، لكن يوسف إدريس رأى في المنظر شيئا لم يتوقف عنده الآخرون، رأى شوق طفلة تشاهد الأطفال يلعبون وهي محرومة من اللعب، فكتب لنا قصته الشهيرة " نظرة" في مجموعته" أرخص ليالي". و في عام 1960 كانت القاهرة كلها تتابع أنباء لص شهير روع الجميع يدعى محمود سليمان، وكان وفق الرؤية العامة مجرد لص. لكن نجيب محفوظ رأى اللص بطريقة أخرى، فكتب رواية" اللص والكلاب" التي أعادت خلق الحادثة والشخص في نسق آخر ليصبح محمود سليمان ضحية الغدر والثقافة المخادعة. الموهبة أن ترى العالم بطريقة أخرى غير الطريقة السائدة. وقد كتبت آلاف القصص عما يحدث حينما يقع اثنان في غرام بعضهما البعض، لكن أنطون تشيخوف كتب – ليس عما يحدث – بل عما لا يحدث حين لا يحب اثنان بعضهما! كان ذلك في قصته المدهشة" المعلمة". لقد رأى الموضوع بطريقة أخرى على غير ما جرت العادة، وقدمه في نسق جديد. تلك هي الموهبة التي لا نعرف مصدرها، لكن نحكم عليها بثمارها. والمؤكد أن الطبيعة ليست سخية في منح تلك القدرة الخاصة، لهذا يثير الأسى أن تلقى شخصا موهوبا لكنه لا يعلم ذلك، ولا يدري بقيمة ما اختصته به الحياة من عنصر مشع نادر. وفي كل الأحوال فإن أدباء من العظماء لم يراهنوا على الموهبة، وبذلك الصدد قال نجيب محفوظ في لقاء معه بجامعة القاهرة عام 1989:" لم أُتوِّه نفسي في اصطلاحات غامضة قد تكون وقد لا تكون مثل العبقرية.. الموهبة.. الإلهام.. الشيء المحسوس الذي أثق منه وفي يدي، هو العمل..وأقصد هنا العمل بإصرار وقوة". ويبقى السؤال الذي طرحه في كتابه " العبقرية " أندرو روبنسون قائما : " مم تتكون الموهبة إذن؟ هل هي قدرة متوارثة؟ أم أنها شغف؟ أم عزم وتصميم؟ أم قدرة على المثابرة و الممارسة؟ أم سرعة استجابة للتوجيه؟ أم أنها مزيج من كل ماسبق؟". وتظل القضية التي تهمني أن يكتشف الانسان نفسه فلا يقضي حياته بموهبة دفينة، يعيش بجوارها، ولا يدري بها.



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شخصيات مشهورة .. أصل وصورة
- المجلات الثقافية المصرية .. الرسالة والأزمة
- اسرق قصيدة .. تصبح أديبا
- كورونا .. تجارة الحياة والموت
- فــرانــز بــارتــل .. الاســتــثــنـــائـــي فــي الأدب
- عبوات معدنية صغيرة
- سلافوي جيجك .. كوفيد 19 الذي هز العالم
- شخصية ترامب عند نجيب محفوظ
- رانيا وعفاف وقصة تحرير العبيد
- فتاة عصبية - قصة قصيرة
- حكايات صغيرة لليلة رأس السنة
- لغة الأدب في اليوم العالمي للعربية
- يحيي حقي .. الجميل الذي لا يتكرر
- رسالة عن الفلوس والفن
- فصل الدين عن الأدب .. معركة متجددة
- نظام جديد قصة قصيرة
- الــلــون والــديـــن والــســيــاســة
- روبرت فيسك .. وداعأ
- نحن والاسلام وفرنسا
- صــيــد الأخـطـاء والــنـواقــص


المزيد.....




- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...
- صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من ...
- محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا
- فيديو يوثق اعتداء على فنان سوري.. قصوا شعره وكتبوا على وجهه ...
- فيديو.. تفاصيل -انفجار- حفلة الفنان محمد رمضان
- جواسيس ولغة.. كيف تعيد إسرائيل بناء -الثقافة المخابراتية-؟


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - عندما تعيش على أنك مصطفى وأنت إبراهيم