أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حصان فلسطيني أحمر - قصة قصيرة














المزيد.....

حصان فلسطيني أحمر - قصة قصيرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6897 - 2021 / 5 / 13 - 00:00
المحور: الادب والفن
    


بالأمس رأيت بين الحقول حصانا أحمر، كان يقف في هواء أحمر خفيف فظننت أنه حلم لأنه لم يسبق لأحد أن شاهد حصانا بهذا اللون، ولم يأت ذكر شيء كهذا، فالخيول تولد بيضاء وسوداء ورمادية وشهباء وبنية وصفراء إلا ذلك اللون. تأملته ، كان يشبه بقعة حمراء كبيرة في الأفق الشاحب، وتمنيت لو أنني رمحت في الخلاء الواسع بحصان كهذا، فخطوت خطوة واحدة بحذر شديد نحوه، لكنني ما أن تحركت حتى رفع الحصان قائمتيه الأماميتين عاليا في الجو متراجعا ملفوفا بهالة حمراء خفيفة. تجمدت مكاني ، فعاد الحصان إلي وقفته ، ومال برأسه على الأرض يلوك أعشابا حمراء ثم عطف رقبته نحوي قليلا ليريني عينين واسعتين مثل فنجانين ممتلئين بالدم، فأطلقت ساقيي للريح عائدا إلي مشارف القرية دون أن ألتفت خلفي، وقلبي يدق بقوة. وحين حكيت لجدتي في المساء ما رأيته، وأنني تمنيت لو أن لي حصانا كهذا، حكت لي حكايته. قالت إن الخيل أحست ذات يوم أنها مهددة بالزوال، فتوافدت من كل بقاع الأرض إلي غابة معزولة واتفقت على أنها بحاجة إلي حصان نادر التكوين يلهم الخيل كلها الشجاعة والصبر في دفاعاعها عن حياتها. وقال حصان الحكمة العجوز:" لابد أن يكون أحمر اللون ليصبح مرئيا في أي مكان أو زمان". وقال حصان الخبرة: " لكن حصانا كهذا بحاجة إلي بحيرات من الدم عاما بعد عام، دم يغطيه من قوائمه حتى عرفه، وينزلق من أعلى صدره إلي جنبيه ليبقى لونه ثابتا في ذاكرته ومقدمة رأسه". وقالت فرس ولادة : " لابد إذن أن يولد في حريق يلقنه الثبات في اللهب". وقالت فرس مرضعة: " وأن يأكل أعشابا حمراء ويشرب ماء أحمر ويلعق ظلال الحرائق الحمراء من فوق الأرض الساخنة، عندئذ لن يمحو لونه شيء، لا السحب البيضاء، ولا مياه البحور الزرقاء ، لا أشعة القمر الفضية ولا الأوراق الخضراء الندية". وغمغم الحصان الشاعر : " سيكون وحيدا ، فردا ، لا مهرة ولا ولد ، لكنه إذا صهل في أعالي الجبال أيقظ في الخيل محبة الريح".
كانت تلك ليلة باردة فالتصقت بجدتي التي فركت يديها فوق الحطب المتقد، والظلال تتأرجح على وجهها ثم أكملت: " ولم تكن هناك في العالم أرض مثل فلسطين تجري فيها الدماء بهذه الوفرة، فولد المهر فيها وشب، إذا خبا بين البيوت والدكاكين في الأزقة المبلطة تشبعت قوائمه بالدم، وإن ركض إلي الميادين المفتوحة غطت الدماء صدره ورقبته من ورش العمال وأفران الخبز، وحين يرمح بعيدا في الحقول يغمره الأفق بالدم. وأصبح المهر حصانا فردا، وخرجت الخيل كلها تشق طريقها إليه من بحر البقر وشبعا وصبرا وشاتيلا ورام الله والجولان، خيول من كل الأزمنة، تخمش الأرض بقوائمها، تتململ، تميل برقابها، وتندفع إلي حيث الحصان الأحمر". وأضافت جدتي : " الكثيرون مثلك يا ولدي يرون ذلك الحصان متوهجا بعيدا، ويتمنون لو كان لديهم مثله، لكن أحدا لا يفكر كم أنه منهك من قدره الذي كتب عليه أن يكون نادرا، ووحيدا، وأن يتحمل في سبيل ذلك ألما فوق طاقة الخيل. فإذا تمكنت أنت أو غيرك من امتطاء صهوة ذلك الحصان فسترى العالم كله باللون الأحمر: الأشجار الخضراء ستصبح حمراء، الثلوج البيضاء، الهواء، قطرات المطر، أوراق الدفاتر، أثواب الزفاف البيضاء". سألت جدتي بلهفة : " ألا يزول عذابه؟ ". قالت : " ربما يعود إلي لون الخيول الأخرى إذا استراح من الحريق". قلت : " وسيكون جميلا كما أراه الآن؟". لزمت جدتي الصمت لحظة ثم قالت : " تأخر الوقت يا ولدي وحان موعد النوم" .
...



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسـمـاعــيــــل يـــس .. الــطــيــبــــة والـــــفـــــن
- أمريكان وأفغان
- النيل في خطر
- يا ملطشة القلوب
- اللغة والحقيقة .. تجميل أم تدجيل ؟
- د. شاكر عبد الحميد .. الأسس النفسية للإبداع
- دينيس سميث .. الأجندة الخفية للعولمة
- عندما تعيش على أنك مصطفى وأنت إبراهيم
- شخصيات مشهورة .. أصل وصورة
- المجلات الثقافية المصرية .. الرسالة والأزمة
- اسرق قصيدة .. تصبح أديبا
- كورونا .. تجارة الحياة والموت
- فــرانــز بــارتــل .. الاســتــثــنـــائـــي فــي الأدب
- عبوات معدنية صغيرة
- سلافوي جيجك .. كوفيد 19 الذي هز العالم
- شخصية ترامب عند نجيب محفوظ
- رانيا وعفاف وقصة تحرير العبيد
- فتاة عصبية - قصة قصيرة
- حكايات صغيرة لليلة رأس السنة
- لغة الأدب في اليوم العالمي للعربية


المزيد.....




- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...
- بطوط الكيوت! أجمل مغامرات الكارتون الكوميدي الشهير لما تنزل ...
- قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن
- الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما ...
- أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات ...
- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب
- مهرجان كان: دعوة إلى إضراب للعاملين في الحدث السينمائي قبل أ ...
- حفاظا على الموروث الشعبي اليمني.. صنعاني يحول غرفة معيشته لم ...
- فلسفة الفصاحة والخطابة وارتباطهما بالبلاغة


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حصان فلسطيني أحمر - قصة قصيرة