أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محيى الدين غريب - سأموت غدا أو بعد غد !! (قصة قصيرة)















المزيد.....

سأموت غدا أو بعد غد !! (قصة قصيرة)


محيى الدين غريب

الحوار المتمدن-العدد: 6927 - 2021 / 6 / 13 - 23:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سأموت غدا أو بعد غد !!
(قصة قصيرة)


لم ألتفى ومسيو جاك قرابة العام بسبب جائحة الكرونا، واكتفينا فقط بالإتصال الهاتفى ووسائل التواصل الاجتماعى بين الحين والحين. لكنى قلقت عليه عندما قرأت عن ندوة له يتكلم فيها عن الموت وعن كتاب له. قررت بعدها ان التقى معه الكترونيا على "سكايبى". وبالفعل حددنا اليوم والساعة.

بادرنى مسيو جاك قائلا، أكاد أجزم أنك قلقا تريد رؤيتى وجها لوجه وما إذا كنت فى انتظار الموت أم لا، قالها ضاحكا ثم تبادلنا السؤال على عائلاتنا والاحداث الكارثية التى يمر بها العالم.

قلت: فى البداية ماذا عن الكرونا، قال: العالم يمر الآن تاريخيا بتجربة فريدة من نوعها، صعوبتها أننا لا نعرف رد فعل الإنسان فى العصر الحديث عندما يتعرض لمثل هذا الوباء، عندما يصبح الصراع على البقاء.

قلت: ومع أن الأوبئة على مدى العصور حصدت عشرات الملايين من البشر، إلا أنها أثرت إيجابيا على بعض الحضارات. فبينما أضعفت بعضها سمحت لحضارات أخرى بالظهور كما حدث فى طاعون جستنيان فى أوروبا بين القرنين السادس والثامن.

قال: أيضا ساعدت بعضها فى القرن الماضى كما فى الإنفلونزا الإسبانية وفى إنفلونزا هونع كونغ على انتشار البحث العلمى وفهم أهمية عمليات التلقيح في منع تفشي المرض مستقبلا.
فيا ترى ماذا سيستفيد العالم هذه المرة من انتشار فيروس الكورونا كوفيد-19؟

مسيو جاك بدا سارحا بعيدا وكأنه لا يصدق ما يحدث، وفى الحقيقة فأننا جميع فى حالة من الذهول وعدم قبول ما نحن فيه. قال: مما لاشك فيه سيؤثر هذا المرض على بعض المفاهيم والسلوكيات، فمثلا ستصبح كلمة "إيجابى" كلمة مزعجة لإرتباطها بإثبات وجود المرض. ويصبح السلام باليد وبالأحضان ليس من اللياقة والذوق، ويدل على عدم الوعى الصحى. ويصبح البعد عن الناس غنيمة، ويصبح عدم زيارة الأبناء لأبائهم وأمهاتهم ليس جفاءا أو سوء معاملة.
الأطفال الصغار فى هذه المرحلة سيكبرون بعقدة ذنب بسبب أنهم يحملون المرض دون أن يمرضوا، لكنهم ربما ينقلونه ويكون السبب فى وفاة احباءهم من أجدادهم وجداتهم من كبار السن.
وربما سيعتقد الأطفال الصغار أن الفم والأنف جزء من الأعضاء الأنثوية المفروض تغطيتها.

قلت: ناهيك عن الأمراض التى ربما ستنجم بسبب لبس الكمامة، مثل ضعف السمع لضرورة الإبقاء على مسافة بين الناس وبعضها، وعدم تعلم الاطفال اللغة الصحيحة بسبب خروج مقاطع الكلامات غير واضحة، ... وهكذا.
للأسف هناك عدد لابأس به معظمهم من المتدينين يوصفون ما يحدث على أنه غضب الآله على الإنسان الذى سعى فى الأرض فسادا، وأن يوم الساعة لقريب. هذا بالقطع سيكون عائقا نفسيا لهؤلاء فى التعافى الكامل من هذه الجائحة.

قال: وهناك أيضا بعض آخر من الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة، أوسيطرة أصحاب القرارعلى العالم لتقليص عدد السكان والسيطرة على عقولهم، وما إلى ذلك من هراءات.
ما يلفت، أن هذه الأزمة أكدت للبشرية أننا يمكن أن نقلص حياتنا إقتصاديا واجتماعيا إلى مستويات قياسية دون أن نتعرض إلى كارثة أو مأساة كما توهمنا. تأكدنا أننا يمكن الإستغناء بعض الشيئ عن مقابلة الناس واختصار الحياة الاجتماعية، وعن كثير من مظاهر وترف الحياة، وعن كثير من العادات السيئة...



حاولت الانتقال إلى مواضيع أخرى حتى ننسى واقع مانحن فيه، ولكنى تذكرت مقالة مسيو جاك عن تراجعه عن كتابه الجديد، وبادرته لماذا ترددت وكيف أن للصمت أنين؟.
قال: بالفعل كنت على وشك البدأ فى كتابى الأخير بعنوان “أنين الصمت”، أسرد فيه تفاصيل خوض تجربة للتعرف والتقرب من الموت، والإعداد لتقبله كحقيقة واقعة، ومن ثم توديعه. ولأنها تجربة إفتراضية فلابد أن تكون صامتة، ولأننى أؤمن بان لكل شئ صدى حتى الصمت، إما أن نتلقاه ضجيجا وإما أن نحسه شدوا أو أنينا، فجاءت من هنا تسمية الكتاب.

لكى أكتب كتابا عن هذا الموضوع سيكون لزاما على أن أتحمل أنين هذه التجربة الصامتة التى ستحمل بالطبع الكثير من الأنين فى طياتها. ولكننى فى النهاية وبعد بعض التفكير قررت عدم كتابته لأنه يتناول مواضيع قاتمة متشائمة كالموت والفناء، وخشيت أن يكون صمت الأنين صمتا صاخبا مزعجا يؤلمنى. والآن أنا سعيد أننى تراجعت فى الوقت المناسب فلا اظن اننى كنت سأتحمل الخوض فى مثل هذه التجربة التى لا تحمل أى أملا لأى أمل، فيها مجبرا أن أتعرف وأتقرب من الموت، وفيها مجبرا أن أتعرض للجدل بينى وبين نفسى حول مسألة الخلود والعدم في رحلة الموت والخوف من المجهول. مجبرا ولو إفتراضيا أن أستعد لتقبله، ومن ثم توديعه. مجبرا أيضا تأكيد وجهة نظرى، أن الموت هو أبدي لا حدود له، وليس إلا رحلة نحو العدم المطلق.
وبالضرورة ستنتهى بوداعا أليما لحياة لم نختارها، حياة أرغمنا عليها بكل حوافرها وروائعها ومآسيها. فلماذا كل ذلك وأنا فى أواخر العقد الثامن من العمر.

قلت: احسنت، ، يحق لنا ونحن فى هذا العمر أن نعيش سعداء بعيدا عن مكابدة الموت وأحزانه.
المهم أنك أخترت أن تكون بعيدا عن الحزن ما أستطعت فى الفترة القصيرة التى تبقت من حياتنا.
قال بصوت خافت وهو يتمتم: ربما كان ذلك قرارا صحيحا، وربما كان خاطئا، وربما كان ليتركنى حائرا بين هاجس الموت الإنساني وهاجسه الوجودي.

تبادلنا الحديث عن كل شي، كما وكأنه اللقاء الأخير بيننا، وتطرق الحديث عن الأصدقاء، ولاحظت بعض الحزن على وجه مسيو جاك، وكأنه قرأ ما لاحظت. فقال: أنا بالفعل حزين لما آلت اليه العلاقات الإنسانية فى العقدين الأخيرين، فبعد أن كانت لقاءاتنا الاسبوعية مع الأصدقاء من اللقاءات المشوقة، نثرى فيها بما هو جديد ومفيد ونترك العنان لأفكارنا وآرائنا تتعانق أحيانا وتتجاذب أحيانا اخرى فى جو من الصراحة والهدوء، أصبحت معظم نقاشاتنا فى الآونة الأخيرة فى الامور السياسية والدينية نقاشات مثيرة للجدل فى عصر غلبت فيه النعرة الوطنية والسياسية والدينية، بالرغم من هذا الكم من المعرفة ومن حرية التعبير التى أتاحتها لنا وسائل الإعلام والقنوات الفضائيىة والانترنت..
وللأسف خسرت عددا كبيرا من الأصدقاء المقربيين بسبب إختلافاتنا السياسية والدينية، وحاولت أن أكون صادقا وحرا فى عقيدتى الفكرية والدينية، ولكن فشلت المحاولات أن نرتقى فوق هذه الخلافات فأبتعدنا أكثر فأكثر. بينما كان المفروض أن يحدث عكس ذلك ونحن فى هذه المرحلة من العمر التى نقترب فيها من النهاية. ثم جاءت جائحة الكرونا لتبعدنا بعيدا.

قلت: ربما صدق هنري ميللر، عندما قال إذا أخفقت فى الصدق مع الأصدقاء فالأفضل التخلص منهم.
قال: ما يحزننى أننا فى هذه المرحلة نعيش مرحلة مأساوية بعض الشئ، إذ اننا مرغمون أن نكون شهودا لتساقط الاصدقاء والأقارب من كبار السن إما مرضا أوموتا فى كل يوم.
كنت كلما سمعت خبر المرض أو الموت، ألوذ إلى ملجئى الوحيد، ألا وهو الموسيقى فهى التى ترفعنى إلى السماء وتغرقنى فى دموع الذكريات، ولكنى ما ألبث أن أهبط إلى واقعنا مجبرا لإنتظار الغد أو بعد الغد.

قلت: يبدو أنه من الصعب الهروب من واقعنا. يقول بيكاسو: "في الستين يشعر المرء بالشباب، حين يكون الوقت قد فات جداً"، فياترى ماذا كان سيقول عن ما يشعر به المرء فى الثمانين؟
قال: لافائدة، فلابد أن يأتى الغد، ولا يهم أن يأتى بطيئا أو مرحا أو حتى رهيبا مرعبا. لا يهم أن يأتى الغد باسطا ذراعيه أو واعدا. ما يقلق أنه يحمل فى طياته بعد غد، منذرا بالموت المحتوم.

قلت: لذلك نجح المتدينون فى تخطى هذه المعضلة، عندما آمنوا بالآخرة وحلموا بنعيم الجنة بعيدا عن القلق الذى يعانى منه غير المتدينين.
قال: لا لست موافقا فبينما العلم يقاوم الموت، فإن الدين يستسلم له ويوعد بالآخرة والجنة، "وحدوتة قبل النوم" التى يختبئ وراءها المتدينون هربا من التفكير العقلى.
ففى الحقيقة العلمية أننا نموت كل يوم بموت الآلاف من خلايانا الحية، وفى المقابل تبنى آلاف أخرى لتعويضها. أما الدين فلم يجيب على القلق الميتافيزيقى للموت، فيما عدا التذكره بموتانا، لكنه ليس إلا تصور عاطفى. وتظل المفارقة، انه لكى نفهم معنى الموت يجب أن نموت.
قلت المهم ياعزيزى أننا لحسن الحظ لم نفقد حماسنا للإستمتاع بالحياة، شرط أن نتنازل عن بعض الفضول وعن بعض آخر من الأوهام.

مر الوقت بطيئا ولكن كان علينا أن نتبادل السلام، فمسيو جاك سيشترك بعد قليل فى مؤتمر إلكترونى بطريقة "زووم"، وانا أيضا أستعد لحديث مغلق عن طريق "الكلوب هاوس"، وكلها وسائل جديدة هامة جاءت لتساعدنا على التعايش مع أزمة الكورونا، كوفيد19. وأتفقنا أن نتقابل مرة أخرى فى القريب.



#محيى_الدين_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خدش المبادئ !!
- مراجعة نقدية لكتاب د. علاء الأسوانى -ها أنا أركض نحو النيل- ...
- الوطن وضرورة الوفاق
- لذلك نرفض الوساطة الأمريكية
- ثقافة (الطظ)
- هل ظلمنا السيسى عندما اخترناه رئيسا !!
- 7 يناير ليس الحل
- عطلة 7 يناير ليس الحل
- مصريون أولا ثم عرب
- ذكرى ثورة 23 يوليو 1952
- أن تكون مصريا!
- وتاهت القضية
- ديمقراطيتهم وديمقراطيتنا
- الأديبين ع. & ع.
- مين يشهد لأم الديكتاتورية
- فرنسوا نويل بابيوف - آخر العاطسين فى الزكائب-
- أنين الصمت
- ثورة 25 ينابر ليست للذكرى !!
- أوهام تقسيم الدول
- المؤامرة بين الحبكة الأدبية وإراداة الشعوب !


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محيى الدين غريب - سأموت غدا أو بعد غد !! (قصة قصيرة)